الوصف
هذا الحوار جرى بين د. حسام الدين حامد وملحد سابق (أبو الحكم) في منتدى التوحيد، تحت عنوان "لا أعرف هويتي"، وقد قمنا هنا بتنسيقه في صفحة واحدة وبصورة تتيسر معها القراءة بشكل أفضل. الموضوع - رغم طوله - مفيد جدا للمسلمين والملحدين والمتشككين على حد سواء، فننصح بالاطلاع عليه.
مقالة
أبو الحكم:
تحياتي للجميع.
هذه المشاركة الأولى لي في هذا الملتقى الجميل.. أبدؤها بأية تحية تلقى على مسامعنا في هذه المعمورة..
سلام عليكم.. ومساءكم خير.. ومرحبا..
لأتكلم قليلاً عن نفسي.. أنا إنسان أعيش على أرض الرسالات السماوية.. وفي مدينة مقدسة كلما مررت بين أحيائها أرى شواهد الإيمان بالإسلام والمسيحية، فهنا مغارة أرضعت فيها مريم العذراء السيد المسيح وهنا موطأ قدم الخليفة عمر بن الخطاب ومكان صلاته عندما فتح القدس.. في سنتي الجامعية السادسة لأن الاحتلال أبعدني قسراً عن مقاعد الدراسة عاما ونصف بسبب الاعتقال.. أعيش ببساطة وهدوء أحب القراءة كثيراً.. وأحب المناقشة السياسية.. إنني بمكانة جيدة في جامعتي وبين الطلبة على الصعيد السياسي والاجتماعي وناشط بإحدى الحركات الوطنية.. وجئتكم متخفياً عن كل هذا لأحدثكم عن نفسي..
الإخوة الموحدين الأعزاء، جئتكم من بعيد ولكنني قد أكون أقرب من الملحدين إليكم.. قرأت الإسلام وتعلمت منه الكثير من الحكم.. تعلمت منه الكثير من النبل والشهامة.. وحقيقة إذا أردت أن أتبع ديناً ومذهباً لن أكون إلا مسلماً لأنني أراه أقرب إلى المنطق، وأنا من محبي المنطق..
الإخوة الأعزاء أحس بوجود خالق في نفسي ولكنني ما زلت غير مقتنع.. وقد أكون من غير الآبهين بهذا الموضوع.. وبنفس الوقت أخاف أن يفوتني قطار الحياة وأموت في أي لحظة وأكتشف أنني كنت على خطأ وأقابل ذلك الرب الذي قال عنها الأنبياء..
إخوتي، منذ سنوات طويلة وأنا غير مؤمن بشيء، لكن عقلي رفض الاستسلام لفكرة ما ورفض الاقتناع بأي فكرة.. بعض الأحيان يراني الآخرين ملحداً قوياً كافراً عنيداً.. وعندما أقابل الملحدين أرى نفسي أدافع عن التراث الإسلامي والعربي.. لا أعلم أين أنا وإلى أين اذهب.. ولا أعلم لماذا اكتب هذا الموضوع ولماذا سجلت في هذا المنتدى..
إخوتي وأحبائي.. أقرأ الفلسفة الإسلامية ولا أستطيع الاقتناع بها.. أقرأ الفلسفة الإلحادية وأعجب ببعضها ولكنني لا أقرر أن أكون ملحداً.. لا أعلم ماذا افعل..
والآن وبعد كل هذا الجنون قررت ولجمت كبريائي.. قررت أن تعلموني عن الفلسفة الإسلامية.. لا أريد النسخ واللصق.. أريد أسلوباً بسيطاً تتكلمون به عن إسلامكم..
تقبلوني كما أنا على جنوني واجعلوني صديقاً لكم.. قد ترثون ارث حسنات كثير عند ربكم إذا أصبحت أخاً مسلماً لكم.. تحدثوا لي عن الإسلام وعن الله وعن الإيمان بمنطقية وجود خالق الكون. تحدثوا لي عن كل شيء تعلمونه.. وسأكون شاكراً لكم..
لن أطيل عليكم..
أبو الحكم:
انتظرت كثيراً ولم يمهلني أحدكم عددا قليلا من الدقائق.. أعدكم أن لا أعود إلى هذا المنتدى.. مرة أخرى.
ناصر الشريعة:
ما أعجلك أبا الحكم، وقد كان الظن بك بعد ما قدمت عن نفسك أنك أحكم من ذلك، فهلا تريثت قليلا ففيه حكم وأنت إن شاء الله فاعله.
وفي إخواننا من ينفي عنك ما أنت فيه بفضل الله تعالى غير مجمجم، فلا تغادر قولهم إلا وأنت في ثلج من اليقين وبرد من الرضى، فمهلا مهلا يا هداك الله.
وإن ما سألت عنه ليسير، وإنه لعظيم، ولكن أعطه من وقتك ما يتطلبه منك، واصبر عليه تنل بعد المصابرة لذة الظفر بخير الدنيا والآخرة.
واعلم أبا الحكم أن ما طالعته مما أسموه فلسفة إسلامية ما هو إلا أقوال رجال لا وحي منزل من السماء، ففي تلك الفلسفة قول فلان وعلان ممن تأثر بقيل فلاسفة اليونان واتبعوهم فيما أصلوه وعقدوه من ضلة الأفهام، فمن ذلك صح أن يقال: إن الإسلام من تلك الفلسفة براء، هذا وهي خير من سائر ما أسمي بالفلسفة في سائر الملل والأعصار.
فإن أردت معرفة الإسلام حقا، والتحقق به صدقا فعليك بكتاب الله عز وجل وصحيح سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، واسأل عن فهم علماء الأمة لها لا ما لا يظنه إلا الجهلة الأغتام من بني ليبرال وإلحاد.
حسام الدين حامد:
أبا الحكم: كيف حالك؟
علك تحتاج إلى معرفة هويتك ولا يقر لك قرار حتى تعرف هويتك..
وأن عسى أن يكون ذلك رُكب فيك تركيبًا حتى لا يقر لك قرار حتى تصل إلى الحق..
وأن عسى أن يكون ذلك قد اقترب.. اللهم آمين..
بداية طيبة بإذن الله:
هل تخبرني بمصادر العلم التي ترتضيها لإثبات قضية من القضايا؟
أبو الحكم:
الإخوة الكرام وأخص بالذكر ناصر الشريعة وحسام الدين حامد.. صدقوني لا أعلم ماذا أفعل في هذه الأيام.. آسف على استعجالي ولكن حرقة في قلبي تقتلني.. أحتاج إليكم وأحتاج لمعونتكم.. أعلم إن وراء هذا الكون خالق ولكنني متكبر لدرجة عدم التصديق.. صدق القائل إن الكفر عناد وأنا أحد هؤلاء العنيدين الرافضين الخضوع.. هل هناك علاج لمشكلتي؟ ما أريده فقط هو إقناع عقلي بوجود الخالق، إقناع وإيمان مطلق، أريد أن أصل إلى الراحة التي وصلتم لها.. ولكنني لا اعلم الطريق..
أرجو أن تقبلوا اعتذاري بسبب عصبيتي الزائدة هذه الأيام..
حسام الدين حامد:
أبا الحكم..
تقول (اعلم ان وراء هذا الكون خالق ولكنني متكبر لدرجة عدم التصديق)
متكبر على من؟ على الله؟
أظننت العبادة حطة لك؟
لا يا أبا الحكم..
هذا جحود لا اعتداد بالنفس..
أرأيت إلى ولد غذاه أبواه صغيرًا، وأنفقوا عليه صغيرًا وكبيرًا، وعلموه وربوه، ورعوه وكفلوه، وأحاطوه بالعناية والرعاية.. حتى إذا بلغ أشده تركهم دون بِر، وترك طاعتهم ظنًّا منه أن الطاعة في ذلك تنافي اعتداده بنفسه! أليس هذا بجحود؟ بلى..
فمنة الله عليك أعظم من ذلك؟
أتريد أن أعدد لك أن تعرف؟ أم تراني لا أحصيها عددً؟
فبعد أن يتم عليك نعمه ظاهرة وباطنة تقول "كبر"! إن العبادة هي أعلى درجات الحب! فمالك تنأى عنه؟
ما عليك إن قلتَ "آمنت بالله" ثم استقمت؟ ما يضرك في هذا؟
إن أحد المتكبرين سينادى يوم القيامة وهوفي النار (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ)، أفتراك تسير في دربه وطريقه؟
ليس الطريق هنالك.. فاسمع مني..
تعال أطوف بك في متاهات تصل بك إلى الإيمان ونستخرج من أرحام الحيرة جنين اليقين..
وما عليّ إن دخلت عليك من باب عقلك وألقيت عليك الحجة حتى ترضى وأرضى! ثم ما عليّ إن دلفت إلى باب العاطفة حتى ترضى وأرضى! ثم ما علي ّ إن ولجت إلى باب الفطرة أهزها هزّا علك تفيق!
ما عليّ إن خاطبتك ورأينا أيهما أذكى عقلًا وأيهما أنضج فكرًا.. أهو الإيمان أم الإلحاد؟
أولًا: الرسول والرسالة
المثال الأول:
أبا الحكم.. أريدك أن تتخيل معي دجالًا كذابًا يدعي أنه مرسل من عند الله ويموت ولده ويوم موت ولده تنكسف الشمس، وحين تنكسف الشمس يقول الناس "إن الشمس انكسفت من أجل ولده".. أريد منك أن تقلب هذا الأمر ظهرًا لبطن وبطنًا لظهر وترى كيف سيتصرف هذا الدجال؟ أعمل عقلك كثيرًا في هذه المسألة ورِ كيف سيتصرف دجالٌ وضع في هذه الفرصة الذهبية للترويج لنفسه!
لقد قلتَ (اقرأ الفلسفة الإسلامية ولا أستطيع الاقتناع بها.. أقرأ الفلسفة الإلحادية وأعجب ببعضها).
فأخبرني بالفلسفة الإلحادية كيف سيتصرف دجال وضع في الموقف السابق..
ثم تعال معي..
يموت إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم وتنكسف الشمس، ويتحدث الناس "إن الشمس قد انكسفت لموت ابن النبي صلى الله عليه وسلم"، ويشمت المشركون "لقد بتر محمد" أي لم يعد له أولاد يحملون اسمه من بعده، ويصرخ أحد الصحابة حزنًا..
أما عن انكساف الشمس:
فلو أن النبي صلى الله عليه وسلم سكت ولم يتكلم لاستقر عند الناس أن الشمس انكسفت لموت ولده إبراهيم، مجرد السكوت كان يكفي! ولو أنه سكت لقلنا كانت مصيبة موت ولده شديدة! مجرد السكوت يا أبا الحكم كان كافيًا! لكن..
لكنه صلى الله عليه وسلم يقول (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وتصدقوا وصلوا).
هكذا بوضوح ودون أي لبس وغموض!
إن رجلًا لا يكذب على الله عز وجل في مسألة كهذه لن يكذب عليه في أنه رسول من عنده، أليس كذلك؟ بلى.
ثم ماذا؟
ثم في خضم هذا الحزن تُشرع صلاة الكسوف ويصلي النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الكسوف، ويخطب فيهم خطبة يتكلم فيها عن عذاب القبر ولا يتكلم عن ولده بشيء!
ثم ماذا؟
ثم عندما يسمع من يصرخ من الصحابة حزنًا على موت ولد النبي صلى الله عليه وسلم ينهاه عن ذلك ويقول إن ذلك من الشيطان!
ثم ماذا؟
ثم يقول صلى الله عليه وسلم (تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضى الرب، والله! إنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون).
ثم ماذا؟
ثم لا يرد على المشركين! ولا يتوعدهم من حينه! ولا يرد لهم الصاع صاعين! بل تنزل السورة الكريمة (إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر).
لو تأملت السورة لوجدتها بشارة للنبي صلى الله عليه وسلم بالكوثر، ولو كان- وحاشاه- دعيًّا أكان يسلي نفسه بالكذب؟
إن النبي صلى الله عليه وسلم لو كان سيكذب- وحاشاه- فلن يكذب على نفسه ويقول "إنا أعطيناك الكوثر" ويقول "والله يعصمك من الناس"، وعندما تنزل عليه الآية يأمر الصحابة الذين كانوا يحرسونه بترك الحراسة لأن الله وعده أن يعصمه من الناس، أتراه إلا صادقًا؟ نعم والله صادقًا مصدوقًا.
ثم تتأمل السورة فتجدها تكليف بالعبادة "فصل لربك وانحر". ألو كان الرد من عنده- وحاشاه- وليس من عند الله أكان يكلف نفسه المزيد من العبادة في هذا الوقت الذي مات فيه ولده وشمت به الكفرة؟
ثم يأتي الرد عليهم في آخر السورة (إن شانئك هو الأبتر).
هذا موقف واحد من حياة النبي صلى الله عليه وسلم تجاه حدث موت ابنه صلى الله عليه وسلم، وجدناه فيه يدفع عن نفسه ما زعمه الناس أن الشمس كسفت لموت ولده، ويصلي صلاة الكسوف ويخطب عن عذاب القبر، ويأتي الرد على الكفار فيه تسلية له بما له في الجنة وتكليف بالعبادة وفي آخره الرد عليهم، ويمنع أصحابه من المبالغة في الحزن مع حزن قلبه على ولده وهوفي ذلك لا يقول إلا ما يرضي الرب عز وجل..
ولم يسكت ليفهم الناس أن الشمس انكسفت من أجل ولده، ولم يقعد عن العبادة، وقام لصلاة الكسوف، ولم يكن ليخدع نفسه بتسلية من عند نفسه بالكوثر، ولم يكن ليزيد العبادات عليه ولم يكن ليمنع أصحابه من المبالغة في الحزن لو كان كاذبًا صلى الله عليه وسلم وحاشاه.
التفسير الإسلامي (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى)
التفسير الإلحادي: لن تجد تفسيرًا مقنعًا.
المثال الثاني:
قال تعالى: (غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ)
(البضع هو العدد بين 3 و9 و3 و10)
وقال تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)
هذا تنبؤ بأن الروم ستغلب في بضع سنين، ولو مرت بضع سنين ولم تغلب الروم فقد انتهى الأمر وبطلت النبوءة وبطل الدين!
وفي نفس الوقت الكلام عن موعد الساعة لا يتكلم صلى الله عليه وسلم فيه ويقول إنه لا يعلمه، ولو أنه قال "ستقوم بعد 500 سنة" لما ضره ذلك شيئا!
لو سألت أي دجال في العالم سؤالين وقلت له أجب عن سؤال واحد مما يأتي:
- هل ستغلب روسيا أمريكا في خلال 10 سنين؟
- متى تكون نهاية العالم؟
على أي السؤالين سيجيب: الأول أم الثاني؟
سيجيب السؤال الثاني بلا تردد، ويترك السؤال الأول لأنه سيخشى أن ينفضح أمره..
فلم كان الحال مع النبي صلى الله عليه وسلم هو العكس؟
التفسير الإسلامي (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى)
التفسير الإلحادي: لن تجد تفسيرًا مقنعًا.
ولعلك ينقصك سجود تبلل فيه الدموع أسربة الكآبة والحزن فتخرج من سجدتك بصدر منشرح لا ضيقًا حرجًا كأنما يصعد في السماء..
تقول: (أعلم أن وراء هذا الكون خالق ولكنني متكبر لدرجة عدم التصديق).
لكأنك هذا العبد الذي هرب من سيده، وأخذ يبعد ويبعد حتى يخرج من ملك سيده لأنه يأبى أن يكون عبدًا، ولكن العبد الآبق لا يدري أنه مازال في ملك سيده، وأن سيره هذا ما هو إلا علامة على رحمة سيده به، وأن لو شاء سيده لأتى به مسلسلًا بالسلاسل، وعجبًا لقوم يدخلون الجنة في السلاسل!
أتظنك كهذا العبد؟
أظنك أحكم من أن تكون مثله يا أبا الحكم..
ألم تقرأ قول الله تعالى: (نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلا).
فأنت عبد أسير، سرت ما سرت وتكبرت ما تكبرت فأنا وأنت عبيد لله، ولو شاء الله لأخذك أخذ عزيز مقتدر، لكنه حليم بك على بُعدك، يدلك على مواضع الهداية على كِبرك، فمالك تنأى؟ ولم لا تقول "وعساك ربي ترضى"؟
لقد حدثتك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيف أنه لا يكون إلا صادقًا، وكيف أنه لا يكون إلا رجلًا لا يكذب على الله في أي شيء، فتعال الآن أحدثك عن رب الرسول صلى الله عليه وسلم..
تعال إلى ربي وربك ورب العالمين أحدثك عنه..
ثانيًا: إنه الله..
أظنني الآن في ورطة!
أتراني أحدثك عن الله بما يكفي!
سبحانه لا نحصي ثناءً عليه هو كما أثنى على نفسه..
لذا سأقتطف من ملكوت الله ما أدعه يتحدث عن الله خالقه..
فأبرأت ذمتي بأن جعلت غيري يتحدث، بعد أن أبرأتها بأن الحديث لن يكفي، وكيف عساه أن يكفي؟
ومن أين أقتطف؟
لن أبعد بك في ملكوت السماوات والأرض..
بل تعال معي في أعماق نفسك..
أتعرف أن في جسدك محابس وصمامات أمان؟
تعال أحدثك عن هذه الصمامات..
هل أبدأ من ذلك الصمام الذي يمنع الأكل حين تبلع أن يصل إلى الجهاز التنفسي بدلًا من أن يصل إلى المريء؟
إن هذه المنطقة يعمل بها أكثر من 10 عضلات، أتعرف عنها شيئا؟ أتعرف أسماءها؟ أتعرف كيف تعمل؟
رغم الجهل بها فإنها تعمل..
هذه العضلات تنقبض فترفع القصبة الهوائية وتغلقها وتغلق الأنف من الخلف فلا يمر الطعام لأعلى في الأنف ولا لأسفل في مجرى التنفس، ولا يجد إلا طريقًا واحدًا وهو المريء..
فبالذي خلقك فسواك فعدلك من فعل هذا؟
ثم تعال إلى صمام آخر..
صمام يمنع الفضلات من المرور دون إرادة الإنسان، صمام يحرس الشرج..
صمام داخلي وصمام خارجي..
الداخلي لا إرادي وهذا الصمام يجعل القناة تحته فارغة ولذا لا يتعب الصمام الخارجي الإرادي بطول العمل ولا يمر الهواء بعد تراكمه رغمًا عن الإنسان والصمام الخارجي..
الصمام الخارجي حتى الآن مازال علماء التشريح في حيرة من أمرهم، قالوا هو عضلة واحدة ثم قالوا أكثر والآن قالوا ثلاث عضلات تنقبض فتجعل القناة الهضمية في وضع زاوية حادة فلا يمر شيء..
أهكذا فقط؟
بل هذا الصمام يشعر بطبيعة المادة داخله أهي غاز أم سائل أم صلب.. فإن أحسه الإنسان غازًا تصرف بحسب ذلك وإن شعره صلبًا تصرف بحسب ذلك.. واللبيب يفهم بالإشارة..
تخيل لو كان الإنسان يتعامل مع المار في الشرج على أنه غاز فوجده صلبًا؟
يا للفضيحة..
ثم تخيل لو كان هذا الصمام غير موجود..
يا للفضيحة..
ثم تعال معي إلى صمام آخر..
الإفرازات المرارية من الكبد تصل إلى الحوصلة المرارية من خلال قناة الحوصلة وتتجمع المادة في الحوصلة المرارية وعندما يأتي الطعام في الأمعاء تنبعث إشارات عصبية وهرمونية إلى الحوصلة فتنقبض فيمر السائل المخزن إلى الأمعاء..
فالقناة المرتبطة بالحوصلة المرارية يمر بها السائل في اتجاهين.. القناة الوحيدة في جسمك التي يمر فيها السائل في اتجاهين..
فكيف حال الصمام الذي في هذه القناة الصغيرةِ الصغيرة..
إنه صمام حلزوني الشكل..
هذا الشكل الحلزوني يساعد السائل على المرور في اتجاهين..
فبالذي جعل لك عينين ولسانًا وشفتين، من خلق هذا؟
ثم تعال إلى صمام آخر..
صمامات القلب..
أتعرف عنها شيئًا..
قصتها طويلة.. كيف شكلها.. كيف حركتها.. كيف إغلاقها.. كيف تتناسق في العمل؟
ورغم أن الكثيرين لا يعلمون عن ذلك شيئًا فإنها تعمل..
يكفيك هذه الصمامات أم أزيدك..
الصمام الذي في الاثنى عشر يتحكم في نزول السائل المراري إلى الأمعاء لإتمام الهضم، هذا الصمام ما زالوا في حيرة من أمرهم في أمره، قالوا هو جزء واحد، ثم قالوا ثلاثة ثم قالوا أربعة..
من خلق هذا الذي حير العقول؟
قلها معي: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ)..
اكتفيت من الحديث عن الصمامات فإنها- والذي خلقها وخلقك- كثيرة كثيرة..
فخبرني- أبا الحكم- عن المنطق الإلحادي هاهنا.. ستجده منطقًا باردًا باهتًا حائرًا ليته يسكت دون منطق، ستجده خبالًا يقول "صدفة طائشة"، ستجده سفاهة تقول "طبيعة غير عاقلة"، فتعال إلى المنطق الحق، والقول الصدق..
التفسير الإسلامي (قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) قلها يا أبا الحكم، وما عليك أن تقول "آمنت بالله" ثم "تستقيم"؟
التفسير الإلحادي.. لن تجد تفسيرًا مقنعًا.
بل تعال نتعمق في المسألة..
الله عز وجل خلقنا ولم يتركنا هملًا وأحاطنا بالنعم كما ترى، فجسدك شهيد عليك يوم القيامة، هذا الرب الرحيم الذي لم يخلقنا ويتركنا كما يدعي السفهاء، هذا الرب الرحيم الذي لم يزل وحتى تقوم الساعة وبعد قيامها يحوطنا بالنعم والأفضال، وأسأل الله ألا تأتيك الساعة إلا وأنت مسلم..
هذا الرب يدبر لك أمر الصمامات في جسدك.. ثم يترك دعيًّا يقول "أنا رسول الله إليكم" ولا يفضحه ويتركك تنخدع به؟
كيف يكون ذلك؟
إن الأدعياء يقعون في التناقض والكذب وعلامات الدجل تتضح عليهم وتلك سنة الله الكونية فيهم..
انظر إلى قاديان القوم الأكبر الذي ادعى النبوة كيف وقع في الفضيحة تلو الفضيحة (انظر هنا).
وانظر في أمر النصارى حين حرفوا الكتب كيف انكشفوا وامتلأ الأمر بالتناقض واتسع الخرق على الراقع..
فتلك سنة الله الرحيم الذي أحاطك بعنايته في جسدك ونفسك ألا يدع كذابًا دعيًّا يتكلم باسمه ويتركه دون أن ينفضح أمره ورزقك العقل الذي تعرف به هذا التناقض والدجل، فكما أحاطك بالرعاية في أمر دنياك أحاطك بها في أمر دينك..
فالسؤال الذي سيقف في حلق المنطق الإلحادي: لماذا لم يكن شيءٌ من ذلك مع رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم؟
لقد أخبرتك في المرة السابقة كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم صادق وكيف كان سيتصرف أي دعيٍّ كذاب لو كان في مكانه، وكان تصرف النبي صلى الله عليه وسلم على العكس من تصرف أي كذاب ذلك أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حقًّا وصدقًا..
والآن أخبرتك أن الرب الذي يحوطك بالعناية في جسدك لن يترك دعيًّا لئيمًا يتكلم باسمه دون أن يفضحه وهذه سنة الله في خلقه.. حدثت مع كبير بني قاديان ومع مسيلمة الكذاب- حتى صار الكذاب وصفًا لازمًا له- وحدثت مع النصارى حين حرفوا وبدلوا وحدثت مع اليهود حين حرفوا وبدلوا ومع كل من افترى على الله كذبًا..
فإن جمعت ما أخبرتك به في المرة السابقة مع ما أخبرتك به في هذا المرة وجدت أن المنطق الإلحادي ليس له حينها إلا الخرس، وإن تكلم فاعلم أنه أصم لم يسمع، وإن كان يسمع فاعلم أنه لا عقل له وهذه هي الحال..
المنطق الإلحادي على شفا جرف هارٍ قد سقط فيه بالفعل!
لكن العجب الأكبر يا صاحبي أن الله عز وجل لم يعصم النبي صلى الله عليه وسلم مما حصل لكل كذاب دعيًّ فحسب ولكنه- فوق ذلك- أيده ونصره!
نعم- والذي خلقك- أيده ونصره..
أيده بما لم يكن ليكون إلا من رب العالمين..
كيف أيده وكيف نصره بما لم يكن ليكون إلا من رب العالمين؟
للحديث بقية بإذن الرحمن..
أبو الحكم:
الأخ الكريم حسام الدين حامد.. ما أجودك وما أحسنك.. يا أخي لا أدري ماذا أقول لك.. تفكرت بالأمس بالموت ولأول مرة أفكر بالموت.. مع أنني واجهت الموت عدة مرات إلا أنني لم أفكر به..
يا أخي العزيز صدقني لقد خفت الموت، ولأول مرة يحصل ذلك..
واسمح لي أن أقول لك قصة وليعلمها كل الآخرين علهم يأخذون منها العبر.. أنا يا أخي لم أفكر بالإسلام أبدا ولم أركع لله ركعة ولم أقم بتاريخ حياتي بأداء أي من المسلكيات العبادية التي تقومون بها بانتظام.. ولكنني يا أخي باختصار أعجبت بفتاة، وكان نظرتي كلها بالحلال.. وأردت خطبتها وكانت من الأخوات المحجبات.. ولكنها علمت عن طريق بعض الناس من المقربين لي علمت حقيقتي وعلمت أنني ملحد لا أعبد الله.. ورفضتني بالمرة الأولى والثانية ولكنها قالت لي حينما حاولت محادثتها، قالت لي عندما تأتيني مسلماً قد أفكر فيك..
ويا صديقي ويا أخي حامد ذهبت الفتاة في طريقها وتزوجت وأنا منذ تلك اللحظة أي ما يقارب العام وأنا أفكر بالإسلام ولكنني يا أخي لا أعلم عن الإسلام شيئاً سوى بعض المعلومات التي أخذتها بالمدرسة وبالجامعة لم أحصل على التعليم الإسلامي لأنني بإحدى الجامعات التبشيرية المسيحية..
يا أخي حامد انشغلت كثيراً عن الاطلاع على الإسلام وكل مرة أردت القراءة عنه انشغل بعملي وبشيء أخر ولكنني قررت أخيراً أن يحدثني شخص عن الإسلام.. لقد رفضت أن أحادث الإخوة المتدينين الذين أعرفهم لأنني خفت الشماتة.. ولهذا جئتكم..
أسف يا أخي على هذه المقدمة الطويلة ولكن أرجو أن تسعني لأنني بحاجة لمتنفس..
أنا يا أخي قرأت الكتب التي تتحدث كثيراً عن أن الرسول محمد ليس سوى فيلسوف مطلع على الكتابات التاريخية.. وأرى من خلال بعض التعاليم الإسلامية أنها لم تأت بمزيد وليست سوى إعادة لما سبقها من الأمور.. فمثلاً قانون اللوغوس الذي توصل إليه أرسطو وهو أن الإنسان خلق من مادة أولى وقسم هذه المواد وهي أصل الأشياء إلى أربعة وهي (الماء، الأثير، التراب، النار) ومحمد قال إن أصل الإنسان من صلصال كالفخار رأيت أنه قال ما قيل قبله فالصلصال مكون من أحدى هذه المواد الأولية آنفة الذكر..
وفكرة أن محمدا لم يأت بجديد بدأت تكبر وتعظم في رأسي إلى أن آمنت بها، والآن لا أستطيع التخلي عنها، وجئتكم علكم تجيبون عن تساؤلاتي..
شكرا لسعه صدرك يا أخي. أعدك أن أتفكر في كل ما تقول..
حسام الدين حامد:
أبا الحكم..
لقد حدثتك عن صمامات الأمان والمحابس في جسدك ولم أستقصها وتركت لك الباقي تبحث عنه وتتأمل فيه، الصمامات التي توجه الدم إلى القلب في الأوردة في ضد اتجاه الجاذبية والصمامات التي تمنع نزول البول وغيرها وغيرها..
أسأل الله أن يحفظ عليك هذه النعم..
أرجو الله أن تظل نعمه سابغة عليك وألا ينتزعها منك..
أرأيت إلى والد أعطى ولده شيئًا، فظل الولد يبغي به على أخواته ويسيء استخدامه، فانتزعه منه أبوه مرة أخرى؟
سبحانك ربي ما أحلمك!
سبحانك ربي ما أرحمك!
أرأف بنا من آبائنا وأمهاتنا!
سبحانك يا من أعطيت أبا الحكم مفصل المرفق..
تعرفه يا أبا الحكم؟
المفصل الذي يسميه الناس "الكوع"، تخيل يا أبا الحكم لو كان هذا "الكوع" غير موجود في يدك وكانت يدك مستقيمة وأردتَ أن تأكل، كيف كنت ستوصل الطعام إلى فمك؟
كيف كنت ستأكل يا أبا الحكم؟
لن تجد طريقة للأكل إلا أن تغوص في الأكل بفمك كالبهائم!
الحمد لله الذي كرمك وأعلى شانك أن يكون هذا حالك..
سبحانك ربي ما أحلمك!
نسيت أن أسألك: كيف حالك؟
أرجو أن تكون بخير، ولا خير فيمن لم يعرف ربه فهام على وجهه..
قال الله عز وجل (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ).
تقول (أعلم أن وراء هذا الكون خالق ولكنني متكبر لدرجة عدم التصديق).
ولم ذاك يا أبا الحكم؟
ما يضر كبرياءك إن أنت أقررت لخالقك بفضله عليك؟
بل على العكس، عبادتك لله تحررك من رق كل مخلوق، سواء أكان المخلوق شهوة وشهية ونزوة وصديق غوي وصاحب وغيره..
فمالك تهرب من عبادة الله إلى شركاء كثر كل يبغيك لعبادته دون أن تكون له منة عليك؟
لم تريد أن تكون ممن:
هربوا من الرق الذي خلقوا له *** وبُلوا برق النفس والشيطان؟
لم لا تريد أن تنادي:
ومما زادني شرفًا وفخرًا *** وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك (يا عبادي) *** وأن سيرت أحمد لي نبيًّا؟
أليس هذا النداء نداء حقٍّ يشرف؟
سبحانك ربي ما أحلمك!
لماذا تتكبر؟ أتريد أن تكون كما قال سارتر: "لا يليق بالمثقف إلا أن يكون معارضًا"؟
إياك يا أبا الحكم.. فهذا كلام لا قيمة له.. وليست المعارضة دائمًا هي الصواب.. ومعارضة الإيمان خطأ كلها وباطلة كلها وضلالة كلها ومهلكة كلها..
ألم يأتك نبأ من تكبر يا أبا الحكم؟
إنه إبليس الذي تكبر على أمر الله عز وجل فجاءه النداء: (قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ)..
اقرأ (فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا)..
فخرج إبليس لأن الله تعالى جعل من سننه الكونية ألا يتكبر أحد في السماوات..
من يتكبر في السماوات يطرد منها..
فما لك تتكبر في الأرض؟
ألأن الله لم يجعل من سننه الكونية أن من تكبر في الأرض لا يطرد منه؟ أغرك حلم الله عليك؟
ماذا لو جاءك نداء الله: (فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا) أين ستذهب؟
سبحانك ربي ما أحلمك!
جعل سنته في الأرض ألا يعاقب من يتكبر عليه، بل خلقه ورزقه وأوجد فيه الفطرة- الفطرة التي تدل الطفل على أن لكل فعل فاعلًا، ثم أوجد فيه العقل الذي يميز به السقيم من الصحيح، ثم ماذا؟ هل هذا وفقط؟
لا، بل أرسل إلينا الرسل حتى تقوم الحجة علينا كاملة، ثم ماذا؟ هل هذا وفقط؟
بل لن تعاقب حتى تصلك حجة الرسل ورسالتهم وتسمع بهم، ثم ماذا؟ هل هذا وفقط؟
لا.. بل إن أعرضت تركك ثم تركك ثم تركك.. فإن أصررت على الإعراض عاقبك بأن يختم على قلبك..
قال الله عز وجل: (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ).
أخشى أن تعرض فيختم على قلبك يا أبا الحكم.. والله أخشى عليك.. وسبحان من يحيي الأرض بعد موتها فاصدق الله يصدقك!
مالي أطلت في هذا الباب؟ ألم أقل لك إني سأطوف بك وأدخل عليك من أبواب متفرقة؟
تعال أدخل عليك من باب "المنطق الإلحادي"..
ذلك المنطق الفاسد الذي يجعل أحد الصادقين في زماننا يقول إنه رسول من عند الله كاذبًا..
ذلك المنطق الذي يجعل الكاذبين يستحيون أن يستغلوا الفرص لنشر دجلهم..
ذلك المنطق الذي يعبد الصدفة العمياء والطبيعة الصماء..
ذلك المنطق الذي يقول إن الله تعالى خلقنا وتركنا وهو يرى كيف يحوطنا الرحمن بعنايته ورعايته..
ذلك المنطق الذي يزعم أن الله يترك دعيًّا كذابًا يتكلم باسمه دون أن يفضحه..
أليس هو ذاك؟
نعم والله..
فهم يقولون إن النبي صلى الله عليه وسلم- وهو الصادق الأمين- زعم أنه رسول من عند الله كذبًا- وحاشاه من الكذب.
ثم يقولون إنه بعد أن زعم ذلك لم يستغل الفرصة للترويج لنفسه لمّا كسفت الشمس يوم موت ابنه، بل أبطل هذه الفرصة ونفاه- فحاشاه من الكذب وحاشاه..
ثم يقولون إن الذي خلق الإنسان بهذا الإحكام هو صدفة بكماء وطبيعة صماء..
ثم يقولون إن خالق الإنسان تركه بعد أن خلقه وهم يرون في أنفسهم عناية الله تحوطهم رغم كفرهم- فما أرحمك ربي!
ثم هو يزعمون أن الله عز وجل يترك دعيًّا كذابًا يتكلم باسمه دون أن يفضحه!
ثم يعجزون عن تفسير ما وراء المادة، وصدق كلود برنار حين قال: "المادية التي تؤكد أنه لا وجود وراء المادة فإنها تتخلى عن العلم"!
تعسًا لمنطق هذا أساسه! وبئست العقول تلك!
دع عنا باب "المنطق الإلحادي" هذا، فداخله خراب تصفر فيه الرياح..
تعال إلى النور واليقين..
لقد أخبرتك أن الله عز وجل أيد نبيه صلى الله عليه وسلم ونصره بما لا يكون إلا من رب العالمين عز وجل.. وسأعطيك مثالين على ذلك والأمثلة كثيرة..
ثالثًا: الله عز وجل يؤيد رسوله صلى الله عليه وسلم بالعلم والقدرة.
المثال الأول:
اقرأ معي ما يقول جان شارل سورنيه: (كان مذهب أرسطو الذي تم تعديله قليلًا على يد سورانوس الإيفزي في القرن الثاني ما يزال مهيمنًا على مجال التكاثر الإنساني: تتكون نطفة الرجل من رجال صغار تم تشكيلهم بالفعل ولا يمثل رحم المرأة سوى مأوى غذائي لهم، غير أن هارفي عمل على دراسة أنواع عديدة من الحيوانات في مراحل مختلفة من مراحل تطور الأجنة واستنتج أن الكائن الحي يولد من بويضة، وأن هذا المبدأ العام ينطبق على الحيوانات الولودة والتي تبيض، ورغم ذلك ونظرًا لأن الفحص بالعين المجردة قاصر بالضرورة فقد شعر هارفي في أخريات أيامه بالندم لأنه لم يستطع أن يحل لغز التناسل مثلما فعل من قبل مع الدورة الدموية). تاريخ الطب: 184
معذور هارفي.. معذور فالبحث بالعين المجردة لم يكن كافيًا لكي يحل لغز التناسل..
لكن النبي صلى الله عليه وسلم بلَّغ عن ربه ما عرفنا به كثيرًا عن لغز التناسل..
فكيف عرف ذلك؟
لقد كانت نظرية الإنسان القزم هي السائدة في ذلك الحين.. ولم يتوصل هارفي لمعرفة لغز التناسل على ما حدث من تطور في العلوم على أيامه..
كيف عرف النبي عن هذا اللغز؟
بل كان ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم مخالفًا لما كان سائدًا عند الأطباء في ذلك الحين.. بل استمر الأطباء على خلاف ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، حتى سجل ذلك الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله حيث يقول: (وزعم كثير من أهل التشريح أن مني الرجل لا أثر له في الولد إلا في عقده وأنه إنما يتكون من دم الحيض، وأحاديث الباب تبطل ذلك). فتح الباري 18\437
فخبرني يا أبا الحكم..
رجل يخبرنا عن لغز التناسل بخلاف السائد في عصره، وليس عنده من الأدوات ما يكفي- وانظر حال هارفي- ويظل كلامه مخالفًا كلام أهل التشريح حتى بعد مضي قرون..
رجل- بروحي هو صلى الله عليه وسلم- يتكلم هكذا، ثم نجد أن كلامه حق كله صدق كله لا خطأ فيه..
من أين جاءه هذا الخبر؟
تعال أقص عليك الخبر..
أولًا: قال تعالى (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ).
ثانيا: قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْـزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ).
الآن سأنقل لك المعاني كما ذكرها أهل اللغة لا أهل التفسير:
- العلقة: (كل دم غليظ علق والعلق دود أسود في الماء معروف، الواحدة: علقة، وعلق الدابة علقًا: تعلقت به العلقة). لسان العرب فهذه العلقة: جامدة في طبيعتها، لونها أحمر بسواد، تتعلق بجدار الرحم، تمتص منه غذاءها كما يمتص العلق من الدابة غذاءه.
- المضغة: (القطعة من اللحم). لسان العرب
- (قال ابن الأعرابي: مخلقة قد بدا خلقها وغير مخلقة لم تصور). لسان العرب
ثالثا: قال صلى الله عليه وسلم: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الله الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات: رزقه وعمله وأجله وشقي وسعيد). رواه مسلم
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: (الذي يجمع هو النطفة، والمراد بالنطفة هو المني، وأصله الماء الصافي القليل، والأصل في ذلك أن ماء الرجل إذا لاقى ماء المرأة بالجماع وأراد الله أن يخلق من ذلك جنينًا هيأ أسباب ذلك).
رابعًا: قال صلى الله عليه وسلم: (إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله ملكًا فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها ثم يقول يا رب: أذكر أم أنثى؟ فيقضي ربك ما شاء ويكتب الملك). رواه مسلم
سأكتفي بالأربعة نصوص السابقة، ونفهم منها:
- الجنين يكون من ماء الرجل والمرأة.
- يتم جمع الماءين إن قدر الله تكوين الجنين.
- في خلال أربعين يومًا تتكون النطفة والعلقة والمضغة وكلها مجموعة الخلق تامته.
- مكان حدوث ذلك هو الرحم.
- العلقة: هو مرحلة بعد "جمع النطفة" تلتصق بجدار الرحم كما تلتصق العلقة بالدابة، وتمتص منها الغذاء كما العلقة تمتص الغذاء من الدابة.
- المضغة: مرحلة بعد العلقة تكون عبارة عن قطعة لحم، وهذه المرحلة تكون فيها قطعة اللحم غير مخلقة ثم تكون مخلقة أي بدا خلقها وهو ما يعرف في علم الأجنة بظهور somites.
- بداية تصور السمع والبصر والجلد واللحم والعظم تكون من حوالي الأسبوع السابع فصاعدًا.
- أعضاء الذكر والأنثى التناسلية تبدأ في التكون من حوالي الأسبوع السابع فصاعدًا.. حتى لو كان الكروموسومات من نوع XY فإنه لابد من وجود إنزيمات معينة حتى تتكون الأعضاء التناسلية، فقد يكون الكروموسوم y موجودًا ولا تتكون الأعضاء التناسلية الذكرية.. فتحديد الجنس من خلال الأعضاء التناسلية لا يكون إلا في الفترة المذكورة أعلاه.
خبرني الآن يا أبا الحكم..
من أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الأمور؟
لم يكن الناس حوله يقولون إلا بنظرية الإنسان القزم!
هذه المعلومات الدقيقة لا تأتي صدفة..
كيف وصل صلى الله عليه وسلم إليه؟
ولولا ضيق الوقت لأريتك العجب فالنصوص كثيرة في هذا المجال، وتراه صلى الله عليه وسلم لا يجانب الصواب في أي شيء منها.. فمن أنبأه صلى الله عليه وسلم بهذا؟
التفسير الإسلامي: قوله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: (وَأَنْـزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا)
التفسير الإلحادي: لن تجد.
ثم تعال إلى المثال الثاني:
يقول ج. ويلز: (ثم ما لبث نجم البدو أن سطع بباهر الضياء مدة قرن واحد وجيز حافل بالأبهة والفخامة مدوا في أثنائه حكمهم ولغتهم في بلاد الأندلس حتى حدود الصين، ومنحوا العالم ثقافة جديدة، وأقاموا عقيدة لا تزال إلى اليوم من أعظم القوى الحيوية في العالم). تاريخ العالم 208- 209
فخبرني يا أبا الحكم..
وهذه شهادة غير منصفة فيها إغماض لقرون طوال عراض جعلها قرنًا واحدًا.. لكن سأقبلها على عجرها وبجرها..
خبرني والحالة هذه.. كيف لرجل- بروحي ونفسي هو صلى الله عليه وسلم- في قوم بدو يعلمهم ويربيهم في سنوات قلائل- في عمر الأمم- فإذا بهم ينشرون عقيدتهم ويأتون على القياصرة والأكاسرة؟
دائمًا ينتهي حال الأدعياء بالفضيحة بأي وسيلة كانت..
لكن المسلمين وصلوا وبنوا مجدًا في فترة وجيزة.. ذلك عندما أقاموا دينهم على وجهه..
ومن العجب- والعجب كثير في المنطق الإلحادي- أن المسلمين عندما تخلوا عن دينهم ضاع عزهم بقدر ما تخلى مجموعهم عن الدين، ومن ضمن ذلك ما ذكرته أنت: (في سنتي الجامعية السادسة لأن الاحتلال أبعدني قسراً عن مقاعد الدراسة عاما ونصف بسبب الاعتقال..) وذلك من العقوبة التي حذرناها ربنا عز وجل إن خالفنا أمر النبي صلى الله عليه وسلم: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
ثم من العجب- والعجب في المنطق الإلحادي كثير- أن يقول صلى الله عليه وسلم: (يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن! فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت).
ثم من العجب- والعجب من المنطق الإلحادي لا ينقضي- أن يقول صلى الله عليه وسلم مخبرنا بحل ما نحن فيه: (إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلًّا لا ينزعه شيء حتى ترجعوا إلى دينكم)..
فالآن جاء دورك يا أبا الحكم..
أتجد المنطق الإلحادي مقنعًا في وصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ليس بنبي؟
قال تعالى: (انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا).
أتجد المنطق الإلحادي مقنعًا في قوله إن عجائب قدرة الله في جسدك وفي الكون محض صدفة لا تعقل؟
قال تعالى: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ).
أتجد المنطق الإلحادي مقنعًا حين قال إن الله خلق الكون وتركه ونحن نرى آثار رحمة الله تملأ الأكوان؟
قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا).
أتجد المنطق الإلحادي مقنعًا حين يؤمن أن رب العالمين يترك دعيًّا يتكلم باسمه ولا يفضحه؟
قال تعالى: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)، وقال تعالى: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ).
أتجد المنطق الإلحادي مقنعًا حين يقف أمام كلام النبي صلى الله عليه وسلم عن التناسل؟ قال تعالى: (مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا).
أتجد المنطق الإلحادي مقنعًا حين يقف أمام التاريخ وهو يشهد أن أمة من البدو ملكوا العالم لمَّا استمسكوا بدينهم ثم ذلوا لما تركوا دينهم؟
قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).
أزيدك أم تجيبني؟
أنتظر جوابك..
أبو الحكم:
لا أريد الإجابة بقدر ما أعجبتني القراءة.. زدني يا أخي العزيز.. زدني مما تعلمت عبر السنين..
حسام الدين حامد:
اسمعوا هداني الله وإياكم..
ماذا لو أوتي مخلوق من حلاوة الكلام ما لم يؤت مثله لإنسان.. ثم حمل بلاغته على كاهله.. وأخذ يأخذ كلمة من هنا وكلمة من هناك.. ولكن..
ولكن ذاك "المخلوق" دافع عن قضية باطلة!
أترون لكلامه حلاوة؟ أترون لقوله طلاوة؟ أم ترون أن ظلمة الباطل تطفئ كل قول معسول؟
يرحم الله ابن تيمية فقد كان يقول قبل حديثه: (اللهم بك أصول وبك أجول وبك أقاتل)!
فما بي من شيء.. والله ثم والله ثم والله ما بي من شيء.. وليس إلي شيء.. ولكنه النور الذي أركن إليه أحوج ما أكون إلى قول.. نور الوحي.. أما آن لك- أبا الحكم- أن تركن معي إلى هذا النور..
أبا الحكم..
تقول: (أعلم أن وراء هذا الكون خالق ولكنني متكبر لدرجة عدم التصديق).
لقد كنت أدعو لك في سجودي بالهداية.. إي نعم.. كنت أدعو من بيده مفاتيح مغاليق القلوب أن يشرح قلبك..
وتمنيت أن لو كنتَ بجانبي تسجد هذه السجدة فتبكي ويهيجني بكاؤك على البكاء عسى ربنا أن يغفر لنا خطايانا..
تمنيت أن لو سجدتَ لله سجدة تقول له فيه: (رب اغفر لعبد جثا فوق التراب)!
تمنيت أن لو كان هذا الكبر الذي حال بينك وبين ربك جدارًا فهدمتُه وثوبًا فمزقته وحتى جبلًا فنسفتُه!
وأخذني خاطر طغى عليّ.. ماذا لو متُّ قبل أن يسلم أبو الحكم لله ربي وربه ورب العالمين؟
ثم قلت: أي نفسي! وما عليّ إن مت وقد بلَّغته مما علمني ربي؟ فإن أسلم لقيته في الجنة- بفضل ربي- أبثه من حلو الكلام ويبثني؟ وإن كانت الأخرى فما لي آسى على من تكبر على خالقه؟
ولكن نفسي ردت عليّ بخاطرة أخرى: لكن ماذا لو مات أبو الحكم قبل أن يسلم لله عز وجل؟
((انظر هنا ثم تعال وأخبرني..))
أخبرني يا أبا الحكم: هل تتمنى أن يكون "المقاتل الأحمر" قد مات على الإسلام أم الإلحاد؟
أخبر نفسك وأخبرني يا أبا الحكم: هل تتمنى أن يكون "المقاتل الأحمر" مات على الإسلام أم الإلحاد؟
ثم سل نفسك بعد أن تخبرها..
ماذا لو كنتُ مكان "المقاتل الأحمر"؟ أكنت أتمنى أن أكون قد مت على الإسلام أم الإلحاد؟
فمالك تنأى؟
قلها ولا تخف: (أشهد ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وأن عيسى عبد الله ورسوله)!
وما عليك إن قلتها ثم استقمت؟ ثم ما عليك إن قلتها ثم مت؟ ثم ما عليك إن أخذتك إلى الجنة؟
فمالك تنأى؟
أتظن أن الموت لن يأتيك؟ والله إنه آتيك.. ولن تعجز الله في الأرض ولن تعجزه هربًا..
ألم تسمع قول الله عز وجل في الحديث القدسي: (يا ابن آدم! أنّى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذا؟ حتى إذا سويتك وعدلتك مشيت بين بردين وللأرض منك وئيد فجمعت ومنعت حتى إذا بلغت التراقي قلت: أتصدق وأنى أوان الصدقة؟)
وكل إنسان يعرف ما هذه التي خلق من مثلها.. فمالك للأرض منك وئيد؟ أتظن روحك لن تبلغ التراقي؟ والله ستموت!
هذا أوان التوبة فأقبل.. أقبل قبل أن تتمنى فلا تجد..
قال الله- خالقي وخالقك- سبحانه: (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا).
نسيت أن أسألك: كيف حالك؟
علك بخير..
علّ صمامات الأمان والمحابس في جسدك مازالت تعمل..
علّ مفصل المرفق مازال يعمل..
علّ العضلات الصغيرة التي تحرك أصابعك للكتابة على لوحة المفاتيح مازالت تعمل.. والأعصاب التي تغذي هذه العضلات مازالت تعمل.. والمراكز العصبية التي منها تخرج هذه الأعصاب مازالت تعمل.. والأفكار التي من خلالها تكتب مازالت تأتي..
علّ نعم الله مازالت سابغة عليك ظاهرًا وباطنًا..
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى..
ها أنا أحمد الله على نعمه عليك.. ورحمته بك.. وحلمه عليك..
فأين أنت من هذا؟
أما زلت على كبرك؟ أم آن أوان الاعتراف والشكر؟
تعال أدخل عليك من باب جديد..
تعال ندخل من باب الجامعات التبشيرية التي دخلتَها والكتب التي قرأتَها.. تعال ندلف إليها بسلاح الحق ونور اليقين ونبدد ظلماء غشت القلوب ورانت على العقول.. فلعل وعسى..
تقول: (قرأت الكتب التي تتحدث كثيراً عن أن الرسول محمد ليس سوى فيلسوف مطلع على الكتابات التاريخية.. وأرى من خلال بعض التعاليم الإسلامية أنها لم تأت بمزيد وليست سوى إعادة لما سبقها من الأمور).
فسأعرض عليك صفقة..
رابعًا: صفقة ثقيلة..
أخدعوك عن عقلك فقالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم فيلسوف ادعى كذبًا أنه رسول من عند الله؟
أخدعوك فانخدعت لهم؟
فتعال أعرض عليك صفقة ستجعلك "الفيلسوف الكذاب"..
تعال وأخبرني ما رأيك في هذه الصفقة أداخلة هي في سياج العقل أم غير معقولة؟
أريدك أن تكون الفيلسوف الكذاب..
تعال عبر الأزمان والأمكنة.. وبأقصى سرعة ممكنة.. إلى قريش في مكة.. إلى قوم بلغوا في البلاغة شأوًا لا يوصل.. وأقاموا للأشعار سوقًا لا يوصف.. فهذا يقف يرتجل قصيدة.. وذاك يقف يرد عليه ارتجالًا.. وقصيدة من هذا ومن ذاك طيبة حلوة.. لها في البلاغة شأن عالٍ.. تعال إلى قوم أقاموا على الأصنام سادنا مع سادن.. تعال إلى قوم مصدر اقتصادهم الأصنام حول الكعبة.. يأتيها الرجال والنساء فتنشط التجارة.. تعال إلى قوم هذا حالهم..
الآن لنبدأ..
أريد منك أن تظل في قومك أربعين سنة صادقًا أمينًا..
أريد منك أن تكون (تصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق)..
أريد منك أن تكون أميًّا لا تقرأ ولا تكتب..
أريد منك أن تكون يتيمًا ليس لك والدٌ يطوف بك في البلدان.. ليس لك معلمٌ يخبرك عن أخبار اليونان والرومان..
أريد منك أن ترعى الغنم حتى تتعلم الحنو على المرعيّ..
أريد منك أن تترك الوفود على عبادة الأوثان مع قومك..
ثم فجأة.. في سن الأربعين.. تعلن- كاذبًا: "أنا رسول الله"..
أهذا في حد المعقول عندك؟
لا بأس..
ثم أريد منك أن تخرج على قومك وهم على أصنامهم عكوف.. وتعلنها صريحة: "إني رسول الله إليكم"..
فيسخر منك قومك وينهرك عمك وتسميك زوجة عمك "أبو الرمم" مكان "أبو الحكم"..
هل ستصبر بعدها على دعوتك وأنت تعلم أنك كذاب؟
أهذا في حد المعقول عندك؟
لا بأس..
ثم أريد منك أن تتحدى قومك..
ويا ترى ما الذي تختاره لتتحداهم فيه وأنت تعلم أنك كذاب؟
لعلك تختار شيئًا لا يتقنونه.. تختار التنجيم مثلًا والفلك والطب واستقصاء الأثر..
لا بل أريد منك أن تختار أقوى شيء وصلوا إليه..
نعم.. أريد منك أن تتحداهم فيما خطر في ذهنك..
أريد منك أن تتحداهم في البلاغة واللغة..
تتحداهم في أقوى ما عندهم وأنت تعلم أنك كذاب..
أهذا في حد المعقول عندك؟
لا بأس..
ثم أريد منك أن تأتي بكلام تتحداهم فيه.. ليس هذا فقط..
بل تتكلم بأسلوبين من الكلام..
أسلوب هو "القرآن الكريم" لا يوجد أبلغ منه في كلام البشر..
وأسلوب هو "الحديث الشريف" لا يوجد أبلغ منه في كلام البشر لكن حاذر فالقرآن أبلغ منه..
فتسير بين الناس تتكلم بأسلوبين.. أحدهما أبلغ من الآخر وكلاهما أبلغ من سائر الكلام..
أهذا في حد المعقول عندك؟
لا بأس..
ثم يكون الكلام حسب الحوادث..
فعندما يظلم أحد المسلمين يهوديًّا تتكلم بأسلوب بليغ لا يوجد في كلام البشر أبلغ منه لتنتصر لليهودي من المسلم..
وعندما يتركك أصحابك في حين من الأحيان تتكلم بأسلوب بليغ لا يوجد في كلام البشر أبلغ منه لتحذر أصحابك..
أوّه! فكأنك لا تستطيع أن تعد هذا الكلام سلفًا في الأربعين سنة التي ظللت فيها قبل الكذب؟
إي نعم.. لن تستطيع إعداد الكلام سلفًا بل ستتكلم وتجاري الأحداث بكلامك..
فعليك بهذا الكلام البليغ جدًّا والذي يأتيك عند كل حادثة وفي كل مرة يكون كلامًا لا يوجد في كلام البشر أبلغ منه.. بل وتتحدى بهذا الكلام أقحاح العرب وأساطين اللغة..
أهذا في حد المعقول عندك؟
لا بأس..
ثم أريدك أن تصبر..
نعم.. تصبر وأنت كذاب..
عندما يسفهون عقلك فاصبر.. وعندما يقولون "كذاب" فاصبر.. وعندما يقولون "شاعر" فاصبر.. وعندما يقولون "كاهن" فاصبر.. وعندما يقولون "فيلسوف" فاصبر.. وعندما يخرجك قومك فاصبر.. وعندما يضعون على ظهرك سلا الجزور فاصبر.. وعندما يهجرك أهلك فاصبر.. وعندما يحاولون قتلك فاصبر.. وعندما يخنقونك خنقًا فاصبر.. وعندما يسير خلفك السفهاء فاصبر..
أتستطيع الصبر على كل هذا وأنت كذاب؟
أهذا في حد المعقول عندك؟
لا بأس..
ثم أريدك أن تصمد..
نعم.. تصمد وأنت كذاب..
إن قالوا "نعبد ربك عامًا وتعبد آلهتنا عامًا" فارفض.. إن قالوا "لك ما تشاء من الملك" فارفض.. إن قالوا "نسكت عنك إن سكتَّ عن آلهتنا" فارفض.. إن قالوا "لك ما تشاء من التطبيب والأموال والمغانم" فارفض.. إن قالوا "لك أموال التجارة كلها" فاصمد.. اصمد..
أتستطيع الصمود أمام كل هذا وأنت كذاب؟
أهذا في حد المعقول عندك؟
لا بأس..
ثم أريدك أن تحذر..
نعم.. احذر فلكل كذاب هفوة..
احذر فقد قالوا "إذا كنت كذوبًا فكن ذكورًا"، فعساك تنسى كلمة قلتها فتأتى بغيرها بعد حين تناقضها فيظهر كذبك..
أريدك أن تظل ذَكورًا لا تنسى طول عمرك..
لا يتناقض قولك.. ولا يختلف فهمك..
أريدك أن تتكلم في آلاف الآيات وآلاف الألوف من الأحاديث فلا تتناقض ولا تضطرب ولا يظهر كذبك..
أريدك أن تعامل أصحابك كلهم فلا يقف واحد منهم على كذبة لك فضلًا عن أن يقف مجموعهم على هذا الكذبة..
أتستطيع أن تحذر هذا الحذر؟
أهذا في حد المعقول عندك؟
لا بأس..
ثم أريدك أن تحتاط لنفسك..
لا تكتفي "بالتمثيل" وأنت أمام الناس.. بل أريدك أن تظل على حالك وأشد منها في بيتك..
أريدك في بيتك أن تقوم بالليل وتترك أهلك.. تقوم لتصف قدميك بين يدي ربك- وأنت تعلم أنك كذاب!
أريدك أن تترك الفراش ليلًا وتذهب إلى المقابر وتقول "إن ربي أمرني بهذا"، وأنت تعلم أنك كذاب..
أريدك أن تبكي، وعندما يسألك الداخلون عليك عن سبب بكائك تقول: "أنزلت علي آيات جعلتني أبكي".. لاحظ أنك لم تكن تعلم أنهم سيدخلون عليك..
أريدك أن تحتاط لنفسك فتقوم في الليل لعبادة ربك حتى تتورم قدماك.. مع علمك أنك كذاب..
أريدك أن تحتاط لنفسك حتى تقول عنك زوجتك "كان قرآنًا يمشي"..
أتستطيع بلوغ هذه الدرجة من الاحتياط وأنت كذاب؟
أهذا في حد المعقول عندك؟
لا بأس..
أريدك صادقًا مع نفسك والناس- لكن كيف يكون ذلك وأنت كذاب؟ لا أدري..
عندما تتكلم عن الأرض والشمس والقمر والنجوم والكواكب تتكلم بما تعلم أنه هو هو عين الموجود وإن خالفك قومك..
عندما تتكلم عن البحار والأنهار والشجر والدواب تتكلم بما تعلم أنه هو هو عين الموجود وإن خالفك قومك..
وعندما تتكلم عن أخبار الأولين وقصصهم تتكلم بما تعلم أنه هو هو ما كان موجودًا وإن خالفك اليهود والنصارى من حولك..
أتستطيع أن تبلغ هذا الدرجة من الصدق والعلم وأنت في الأصل كذاب؟
أهذا في حد المعقول عندك؟
لا بأس..
ثم أريدك أن تتخلى عن كذبك في أفضل الظروف للكذب وتتكلم أحوج ما يلزم كذاب السكوت..
إن سألك قومك عن موعد الساعة فقل "لا أدري" وقل "علمها عند ربي"..
إن سألك قومك عن موعد هزيمة الروم للفرس فقل "في بضع سنين"، ولا عليك إن مرت السنون ولم يحدث ما قلت فكل ما سيحدث أن ينكشف كذبك وينقلب عليك صحبك ويشمت بك عدوك ويهجرك أهلك، وعلى اختلاف تصرفاتهم فسيُجمعون على وجوب قتلك.. لا عليك وماذا إن قتلوك؟ بسيطة هي! بسيطة على كذاب!
إن رأيت الشمس تنكسف يوم موت ولدك فلا تسكت ولا تؤكد أنها انكسفت من أجله بل أعلنها أنها لا تنكسف لموت أحد ولا حياته!
أيستطيع دجال أن يفعل مثل هذا؟
أهذا في حد المعقول عندك؟
لا بأس..
ثم أريدك أن تسلي نفسك بالكذب..
عندما يحرسك أصحابك تذهب إليهم وتقول: (اذهبوا إلى مضاجعكم فسيحرسني ربي فقد أنزل عليّ "والله يعصمك من الناس")!
وعندما يشمت بك عدو تسلي نفسك بالكذب فتقول "إنا أعطيناك الكوثر"!
وعندما تقف في المعركة وحدك أمام جيش عرمرم تقول "أنا النبي لا كذب"!
أتستطيع تسلية نفسك بالكذب وأنت تعلم أنك كذاب؟
أهذا في حد المعقول عندك؟
لا بأس..
ثم أريدك أن تكون عالمًا علّامة تأتي بما لم يأت به هارفي من بعدك بمئات السنين..
تتكلم عن الأجنة وأنت لم ترها..
تصف مراحلها وأنت لم تعلمها..
تخبر بوصفها ولم يأتك عنها نبأ يقين..
تخالف في كلامك من حولك ولا تبالي..
أتستطيع ذلك وأنت كذاب؟
أهذا في حد المعقول عندك؟
أف لهذا يا صاحبي!
لقد طفح الكيل، وبلغ السيل الزبى، وغلى المرجل ثم انفجر ولم يبق في قوس الصبر منزع..
والله إن هذا لعين اللامعقول..
فكيف لصادق أربعين سنة أن يكذب وعندما يكذب يكذب على الله؟
وكيف لمن لا يقرأ ولا يكتب أن يأتي بما أعجز المتعلمين؟
وكيف لكذاب أن يصبر على أذيته في بداية دعوته؟
وكيف لكذاب أن يتحدى قومه في أقوى ما هم فيه من اللغة والبلاغة؟
وكيف لكذاب أن يأتي بكلام على البديهة هو من أبلغ الكلام؟
وكيف لبشر كذاب وغير كذاب أن يتكلم بأسلوبين أحدهما أبلغ من الآخر وكلاهما أبلغ مما سواهما؟
وكيف لكذاب أن يصبر كل هذا الصبر على دعوته؟
وكيف لكذاب أن يصمد كل هذا الصمود أمام الإغراءات لترك دعوته؟
وكيف لكذاب ألا يقع- على كثرة كلامه- في التناقض والخطأ ولو مرة؟
وكيف لكذاب ألا يستغل الفرصة الذهبية للترويج لدجله؟
وكيف لكذاب أن يحتاط لنفسه حتى وهو في بيته وسط أهله؟
وكيف لكذاب أن يقول الحق وإن كان في ذلك مخالفة قومه؟
وكيف لكذاب أن يسلي نفسه بالكذب؟
وكيف لبشر كذاب وغير كذاب أن يتكلم عن الأجنة ولا يجانبه الصواب ولو مرة وليس عنده الأدوات الكافية لذلك؟
تالله يا صاحبي إن المنطق الإلحادي لثقيل الظل.. سخيف القول.. عديم النفع.. لا يأتيه الحق..
منطق بارد غير سديد.. خاوٍ غير رشيد..
إنه لمنطق سخيف سخيف سخيف..
منطق.. دع عنا ذكره فقد والله مللته..
وتعال إلى المنطق الحق والقول الصدق..
تعال إلى التفسير السديد..
قال الله تعالى: "وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ".
تعال إلى الحق كله: "قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ".
تعال إلى اليقين كله: "وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا".
تعال إلى الفهم كله: "تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ".
تعال إلى الإيمان كله: "فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ".
تعال إلى الفقه كله: "فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا".
تعال إلى العلم كله: "ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا".
تعال بعيدًا عن التناقض: "قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ".
تعال إلى الخلق كله: سألوا عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم- رضي الله عنها- عن خُلقه فقالت: (كان قرآنًا يمشي على الأرض).
نعم.. نعم..
هكذا تستقيم الأمور وتعتدل الأفهام وتتناسق الأحداث وينسجم الكون..
هكذا..
هكذا يظهر كذب من قال "فيلسوف"، فأشهد بالله أنه رسول الله بروحي هو ونفسي صلى الله عليه وسلم..
فلا أدري أزيدك أم تجيبني؟
أخشى أن تطلب مني الزيادة فأموت قبل أن أزيدك..
وأخشى أن تؤخر الإجابة فتموت قبل أن تجيبني..
فلا أدري ماذا ستفعل يا صاحبي؟
أبو الحكم:
من أعاتب ولمن أشتكي.. ولمن أقول أنني قد أكون مخطئا.. ذلك الإله الكبير الذي بالسماء أرجو أن يتقبل منك دعوتك لي.. أرجو أن أتقرب لنور إيمانك.. أقسم لك إن كلامك معسول بهداية لا أعلمها.. أقسم لك أنك تقول كلاما لم أقرأ قبله قط..
أخي حسام الدين.. أنا أتفكر كل ليلة فيما تقول.. واعلم يا أخي أنني أنتظر ردودك بالساعات..
يا أخي الكريم.. أرجو أن تتقبلني أخاً لك.. كنت أظن أنني قادر على إحراج المتدينين في الكلام ولكن الكلام اليوم لا يسعفني أمامك.. لأنني وبصدق هذه مرتي الأولى التي أقرأ لأنني أريد ذلك.. أتفكر لأنني أرغب بذلك..
يا سيدي العزيز.. أعدك وبكل صدق أنني أشعر بشيء.. وربك الذي تعبده إن كلامك حرك بي مشاعر لا أعلمها..
أعدك وعدا أخويا.. أنني غداً سوف أصوم لربك وللمرة الأولى وسأحاول جاهداً أن أصبر نفسي كما تفعلون أنتم.. وسأجرب طريق الصيام الغريب عني.. كبادرة لحسن النوايا ولأثبت لك ولنفسي قبلاً صدق عاطفتي اتجاه دينكم الحنيف..
شكرا جزيلاً لك.. وأنا في انتظار درسي القادم.. وأرجو منك يا أخي أن تدعو لي في صلاتك.. وفي قيامك.
أبو الحكم:
لقد اقتنيت القرآن.. وأنا الآن أحاول تعلم كيفية قراءته لأنني لم أقرأه بالسابق..
حسام الدين حامد:
إيهٍ يا أبا الحكم..
بالله الذي جعل للحق نورًا لا يقف أمامه الباطل إني لأحب لك الخير كما تحبه لنفسك..
وربي أخشى عليك كما تخشى على نفسك..
أدعو لك أكثر مما أدعو لنفسي..
كيف لا؟
كيف لا أحرص عليك وأنا أعلم مغِبَّة الإعراض؟
نار حرها شديد وقعرها بعيد ومقامعها حديد..
أتراه أمرًا هينًا؟
ألست أنت القائل: (وبنفس الوقت أخاف أن يفوتني قطار الحياة وأموت في أي لحظة وأكتشف أنني كنت على خطأ وأقابل ذلك الرب الذي قال عنه الأنبياء..)؟
تبًّا لهذا الإلحاد! تبًّا له يجعلك تصحو على خوف وتنام على قلق!
تبًّا له من معتقد يجعل مضجعك الحيرة! وسقفك التيه!
ماذا لو؟
سؤال يتردد في أرجاء نفسك.. يزلزل قلبك.. يخلع فؤادك.. ماذا لو كنتَ على خطأ؟
آه.. ستندم الندم كله عندها يا أبا الحكم.. لكن لن ينفعك الندم.. فليس الحين حين ندم..الحين- عنده- حين ألم..
أخاف عليك أن تكون مع ركب النار حين يدخلون.. (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إلى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ).
آه..
نسأل الله أن يكون خبر موت المقاتل الأحمر على الإسلام صحيحًا!
نسأل الله ألا يموت أبو الحكم إلا على الإسلام!
تدري ما يفعل من أراد الدخول في الإسلام؟
يقول شهادة العرفان: "أشهد ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وأن عيسى عبد الله ورسوله"، ويقيم الصلاة صلته مع ربه، ويصوم رمضان وذاك الصيام حديثه ذو شجون.. فلعلي أحدثك عنه حين تدخل الإسلام..
نسيت أن أسألك كيف حالك؟
أما زالت نعم الله عليك تترى؟
أما زالت صمامات الأمان تعمل؟ أما زال المرفق يعمل؟ أما زالت عضلات يدك تعمل؟ أما زلت تتحدث مع من حولك؟ أما زلت تجاهر بكبرك على ربك؟
سبحانك ربي ما أحلمك!
خلق لك اللسان والأسنان، والشفاه والأحبال الصوتية، والمخ والمراكز العصبية..
تتحرك الأحبال بما لا تعرف أنت عنه شيئًا لتتكلم بالكلمة..
ويمر الهواء من جوفك في مساره إلى الخارج..
ويعدل اللسان والأسنان والشفاه من الوضع..
حركات دقيقة متناسقة حتى يخرج الصوت بالكلمة!
دع عنك الأفكار التي تحملها الكلمة!
جهاز معقد التركيب لكي تتكلم فيفهم الناس عنك وتُفهمهم ما أردت!
كل هذا لتنطق كلمة واحدة!
كل هذا يجري بما يحار فيه عقلك..
كل هذا أنعم به عليك ربك..
لكنك..
لكنك- وأنا أعلم أنك تكره الجحود- عندما نطقت قلت بجحود: "أتكبر على خالقي"!
فسبحان من حلُم عليك حين كفرت!
تدري؟
تدري أنه لو شاء لمحا من جسدك العصب إلى أحبال صوتك.. فما عساك تفعل؟ ولمن عساك تشكو؟
تدري أنه لو شاء لأخرس لسانك حين استخدمت نعمه في الكبر عليه؟
تدري أنه لو شاء لذهب بأسنانك وشفتيك.. أترضيك عندها حالك؟
تدري أنه لو شاء لقبضك إليه وأماتك.. ثم عذبك فأبادك.. ثم قال للملائكة: (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ)..
فمن يحجز عنك عذابه إن هو أرادك على ذلك.. من يرد عنك قضاؤه؟ أتظن أني في حاجة أن أقول لك إنك أضعف من ذلك فارأف بنفسك؟ أتظن أني في حاجة إلى أن أقول إنك تؤذيك شرقة وتقض مضجعك بقة فارأف بنفسك فمن كان الله خَصْمَه خَصَمَه؟
لكنه- ما أرحمه- ما فعل بك ذلك.. ما قطع أوصالك.. ما جزاك على كبرك عليه..
بل حلم عليك.. ودلك على مواضع الهداية..
وها أنت الآن تعرف عنه وعن رسوله..
ونداؤه يعلوك: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)..
نداؤه يعلوك: (أَفَلا يَتُوبُونَ إلى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)..
نداؤه يعلوك: (وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا)..
أرأيت كيف يتودد إليك ربك؟
أرأيت كيف يعلمك كيف تشكره على نعمه وهو الغني عنك؟
فما لك تنأى؟
وما عليك أن تقول: "آمنت بالله"؟
أين أنت من فضيلة البر والشكر؟
أين أنت من ثناء علّك تؤدي بعض ما عليك من حق الشكر؟
أين أنت من وقفة بجوف ليلة في إناء ركعة ملؤه الدموع تناجي فيه ربك- والناس قد رقدوا- وتقول: (اللهم لك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن)..
إي والله قيم السماوات والأرض..
أين أنت من نحيب العصاة أمام مولاهم وأنت تقول: (اللهم لك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد لك ملك السماوات والأرض ومن فيهن)..
إي والله ملك السماوات والأرض..
أين أنت من التململ بين يدي ربك علّه يعفو عنك وأنت تقول: (اللهم لك الحمد أنت قيّم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد لك ملك السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحق ووعدك حق ولقاؤك حق وقولك حق والجنة حق والنار حق ومحمد صلى الله عليه وسلم حق والساعة حق، اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت)؟
أليس هو ملك السماوات والأرض وقيم السماوات والأرض..
أم تراك أنت القيم؟ أم ترى الصدفة هي القيمة؟ أم ترى الطبيعة هي القيمة؟ أم ترى العدم هو القيم؟
(أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ)
تدري يا أبا الحكم عندي لك صفقة جديدة..
خامسًا: وصفقة أخرى..
لو أنت القيم على الكون؟
صفقة سهلة يسيرة في المنطق الإلحادي.. صفقة أقاموا على شأنها صدفة مهتبلة.. وطبيعة مختلقة.. صفقة يسيرة أرى أن أحولها من تلك الصدفة إليك..
أريدك أن تحمل الأمر بدلًا من الصدفة.. ألست أعلم من صدفة عابرة حائرة تائهة لا تتكرر؟ ألست كذلك؟
قالوا: بلى..
الآن لنبدأ..
أريدك أن تقوم على المجرات والكواكب والمذنبات والشهب..
فلا ينجذب شيء إلا بنظام.. ولا يطرد شيء إلا بنظام.. ولا يتحرك شيء إلا بنظام.. ولا ينفجر شيء إلا بنظام..
فالفلكيون سيبحثون من ورائك هذا النظام.. وسيجرون الحسابات من خلال هذا النظام..
فإياك أن يظهر الأمر وكأنه خبط عشواء وضربة لازب!
فقد حققت الصدفة نظامًا دقيقًا أنشأ علمًا يأكل من وراء العمل فيه رجال سموا أنفسهم الفلكيين..
فذلك نظام حققته الصدفة، ألا تستطيع تحقيقه؟
قال المنطق الإلحادي بلى!
أريدك أن تقوم على أمر البحار والمحيطات فلا يطغى الماء على الأرض فيغرق من عليها..
أريدك أن تقوم على أمر الأسماك صغيرها وكبيرها داخل البحار والمحيطات والأنهار والقنوات والترع والبحيرات..
أريدك أن تجعل كل سمكة لها غذوها فلا تموت جوعًا لنقص التغذية..
أريدك أن تجعل بعض الأسماك طعامًا لبعض بحيث لا تفيض البحار على الأرض بالأسماك..
أريدك أن تجعل بعض الأسماك قادرة على الدفاع عن نفسها كل على حسب طريقته حتى لا تنتهي من فور وجودها..
أريدك أن تحقق التوازن بين تلك المملكة من الأسماك..
وأريدك أن تجعل بعض هذه الأسماك عددها بألوف الألوف من الأنواع..
وأن تجعل كل نوع له شكله المميز..
وأن تجعل لكل نوع وسيلة تكاثر ينتج بها مثل نوعه..
إياك أن تغلط مرة فيتزاوج اثنان من نفس النوع فينتج نوع آخر! فتلك في حقك ستكون فضيحة!
وعن النباتات في البحار فكيِّف لها وضعها.. ووفر لها حاجاتها..
وعن الصيد في البحار فاضبط الأمر بحيث لا يطغى حق البحر على رزق الصياد ولا يطغى حق الصياد على مملكة الأسماك..
وأريدك أن تجعل في الماء التوتر السطحي الكافي لحمل السفن، ثم أريدك أن ترزق البشر العقول وتنيلهم الأفكار التي بها يبنون السفن!
فذلك توازن حققته الصدفة ألا تستطيع تحقيقه؟
قال المنطق الإلحادي: بلى..
ثم أريدك أن تقوم على شأن هذه الكواكب.. وخصوصًا المأهولة بالسكان.. فاجعل لكوكبهم قمرًا يمشي بنظام.. واجعل لقمرهم طورًا بعد طور..
واجعل لكوكبهم شمسًا لا يذهب حرها بجلودهم ولا يأتي بُعدها ببرد يوقف نشاط يومهم..
واجعل للقمر شأنًا عجيبًا مع المد والجزر.. واجعل لشمسهم شأنا عجيبًا مع الظل..
وإياك أن يختل النظام.. فقد حققت الصدفة نظامًا يدرس نتائجه الطلبة في المدارس فهذا قمر في أطواره محاق وتربيع وبدر..
وتلك شمس بعدها عن الأرض كيت وكيت.. وقمر بعده عن الأرض كيت وكيت..
إياك أن يختل هذا النظام..
فذلك نظام حققته الصدفة، ألا تستطيع تحقيقه؟
قال المنطق الإلحادي بلى!
ثم أريدك أن تيسر لسكان الأرض هذا الكوكب وتذلل صعابه لهم..
الأكسجين في الهواء يكفيهم ولا يطغى.. والهيدروجين يكفيهم ولا يبغي.. ولا ينقصهم نيتروجين ولا غيره..
والمياه موجودة لكل من أصابه العطش فأراد بلال صداه..
والغذاء موجود لكل من يفغر فاه..
والجاذبية تجذبهم فلا يطيرون في الهواء..
والطف بهم بطبقة من الأوزون تحميهم مما يضر من أشعة الشمس..
إياك أن يختل هذا النظام..
فذلك نظام حققته الصدفة، ألا تستطيع تحقيقه؟
قال المنطق الإلحادي بلى!
ثم أريدك أن تقوم على شأن السباع في الغابات.. والهوام والديدان والحشرات.. والقطط والكلاب والفئران والحيات.. والبعوض والأسود والنمور والفهود..
وفر لكل غذاءه..
ثم انتبه فهناك توازن في البيئة..
إياك أن تخل بهذا التوازن..
فذلك توازن حققته الصدفة، ألا تستطيع تحقيقه؟
قال المنطق الإلحادي بلى!
ثم أريدك أن تقوم على شأن سكان هذه الأرض..
تلك تضع حملها وتلك ترضع ولدها وذاك يعمل ليله وذاك يكد نهاره..
ذاك يذاكر دروسه فينجح وذاك يلعب طول العام فيرسب..
ذاك يعمل بكد فيعلو وذاك كثر أعداؤه فيخبو..
ذاك ذكي ماهر فينبل ذكره وذاك خامل فاشل فتمحو أثره..
تلك طيبة الخلق فيوضع لها القبول في الأرض.. وذاك سيء الخُلق فينفر منه الخَلق..
ذاك يعمل فيصير من النبلاء وذاك لا يعمل فيظل من البطالين..
ذاك أراد النوم فيأتيه النوم، وأراد الاستيقاظ فيأتيه الاستيقاظ..
ذاك يرفع يده للسماء يطلب طلبًا فيأتيه طلبه.. وذاك في الهند سيدعو وذاك في الصين يدعو وفي مصر وفي ليبيا وفي سوريا وفي القدس وفي رفح وفي غزة وفي نابلس وفي مكة وفي نيويورك وفي شارع الجلاء وفي شارع القصر العيني وفي ذاك البيت الصغير وفي هذا الكوخ الحقير..
وذاك يدعو في الليل وذاك يدعو في النهار وذاك يسأل بغلس وذاك يسأل عند الشفق..
إياك أن تختلط عليك الأصوات..
إياك أن تخل بسنن الأكوان..
إياك فتضيع الأرض..
إياك فينتشر الفساد..
إياك فهذا نظام دقيق..
فذلك نظام حققته الصدفة، ألا تستطيع تحقيقه؟
قال المنطق الإلحادي بلى!
وانتبه لكل شيء.. انتبه لكل شيء حتى الزائدة الدودية في جسد الإنسان..
نعم.. للزائدة الدودية..
اجعلها في بعض البشر أمام الأعور وفي بعضهم خلفه وفي بعضهم تحته وفي بعضهم جنبه وفي بعضهم ملتفة وفي بعضهم غير ملتفة..
فإن طغى أحدهم في الطعام وأساء القوامة على نفسه فعجِّل بالتهاب تلك الزائدة..
ولكل نوع كيفية في التعبير عن هذا الالتهاب..
ولكل نوع ألمه.. فتلك ألمها عند السرة وتلك ألمها عند الجنب وتلك ألمها يملأ البطن وتلك ألمها في الظهر..
ثم اجعل هذه الأعراض المرضية مفيدة..
فتصير بطنه صلبة كالحطب فتخفف الألم عليه..
وإياك أن تزيل الألم!
وإلا فكيف سيعلم أن زائدته قد التهبت؟
ووفر له الطبيب المعالج..
ووفر للطبيب الدواء.. فقد علمنا أن لكل داء دواء إلا الموت والهرم..
ووفر للطبيب العقل الذي به يعرف الدواء..
هناك الكثير الكثير.. مما يلزمك الانتباه إليه والقيام على شأنه..
إياك أن تطغى.. إياك أن تسهو.. إياك أن تنسى.. إياك أن تغفل..
سيضيع الناس..
حاذر.. ستسري الفوضى في أرجاء البسيطة.. وتلك مصيبة غير بسيطة..
ستكون فضيحتك فضيحة شديدة..
ذلك أنك عجزت عن تلك الصفقة البسيطة..
عجزت أن تسوي ما نسبه المنطق الإلحادي إلى صدفة عابرة!
لذا.. فلن أستغرب أبدًا..
لن أستغرب أن تقول "لن أقبل هذه الصفقة"..
لن أستغرب أن تستقيل من تلك المهمة..
لكني سأسألك: "فما يعوزك حتى تقوم بتلك الصفقة؟"
ولن أستغرب أن تقول "أحتاج إلى علم واسع، وكرم لا ينفد، وإرادة نافذة، وقدرة تامة، وحكمة بالغة، وتملك لا ينقضه عليّ أحد، وهيمنة لا يقف أمامها أحد، وجبروت مع رحمة، وود مع انتقام، وقوة مع حكم.."
لكني يا صاحبي يصير وزني عجبًا وتغدو كتلتي استغرابًا وتملؤني الدهشة القاتلة حين تشترط هذه الصفات لتقوم على الكون بهذا الشكل الذي هو عليه الآن..
تشترط هذه الشروط- وهي شروط لازمة- لا غرو أن اشترطتها..
تشترط هذه الشروط كلها للقيام بشأن الكون.. ثم توافق أن يكون القيام على الكون مرده إلى صدفة ومرده إلى لا شيء!
ألا يملؤك العجب مثلي؟
إي والله إن لعجب محزن..
لذا يعز على نفسي أن أرى هذا حالك..
عزيز على نفسي أن يكون سبب دخولك النار هو تمسكك بهذا الخبل المخزي..
عزيز على نفسي أن أراك تركن إلى هذا الهراء وأنت الرجل الرشيد..
عزيز على نفسي أن تتقحم إلى النار تقحمًا لا عقل فيه..
عزيز على نفسي أن ترضى بالمنطق الإلحادي وهو منطق عاجز العجز كله..
عزيز على نفسي أن أراك تبحث عن مصرعك..
يا صاحبي دع عنك هذا المنطق الإلحادي وقل "آمنت بالله وبرسوله"..
يا صاحبي اقرأ معي كيف تسير الأكوان..
قال الله الحليم عليك: (إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ وَهُوَ الَّذِي أَنْـزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إلى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).
قال الله الغفور الرحيم: (أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْـزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تعالى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ).
قال الله الرحمن الرحيم: (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ).
قال ربي وأحق القول قول ربي: (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا).
قال الله: (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنْفَاقِ وَكَانَ الإِنْسَانُ قَتُورًا).
قال الله الرحمن الرحيم: (أَلَمْ تَرَ إلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلا).
قال الله: (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ).
قال الله: (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْـزَلَ لَكُمْ مِنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ).
قال الله: (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ).
قال الله: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَـزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
قال الله: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ).
قال الله: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ).
اقرأ في كلام الله بقلب خاشع وستعرف أن الأمر أكبر من صدفة تافهة لا يقول بها إلا مسلوب العقل ومخدوع عن عقله.. وأن الطبيعة الصماء المنفعلة غير العاقلة لا يكون منها ما عجز عن تخيل القيام به ذوو العقل الرشيد من أمثالك.. وأن العدم أحقر بكثير من القيام على شأن الوجود!
اقرأ..
وسل نفسك.. (يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ).
ما غرك؟ أما آن لك أن يخشع قلبك لربك؟ أما كفاك كبرًا على ملك السماوات والأرض؟
أما آن لك أن تقول لا إله إلا الله..
أما آن لك وقد عرفت..
ألا تنادي "اللهم قد آن، اللهم قد آن"؟
هذا أوان العودة.. فاغتنمه.. فلا أدري أموت قبلك أم تموت قبلي..
أبا الحكم..
أزيدك أم تجيبني؟
نعمة عيني أن أزيدك بالكلام عن ربي..
ونعمة عيني أن تجيبني بأنك أسلمت لله ربك..
فما تفعل يا صاحبي؟
أبو الحكم:
آه يا حسام.. ما أصعب كلامك.. واني أقول لك قول صدق أنك أنزلت الرهبة في قلبي.. والدمعة من عيني.. ماذا تفعل معي.. وبأي علم تتكلم.. أقسم لك لم أستطع إكمال درسك الأخير.. وأقسم أنني ارتحت عنه ساعتين ثم عدت له بشوق أكبر..
لا تعجل علي يا أخي.. فإنك ستلقى مني ما يسرك.. إني أفكر وأفكر وأفكر..
بالمناسبة يا أخي.. أردت سعيداً أن أخبرك أنني صمت اليوم.. ولا أنكر أنني تعبت ولكن أحسست أنني أنجزت شيئاً معنوياً لا أعلم ما هو..
أخي العزيز حسام.. سأغيب عنك فترة ليست بالطويلة وأعدك أن أعود بما يسر لك البال..
سأذهب لمكان تتمنا أنت وغالبية مسلمي الأرض أن يصلي فيها.. سأزور القدس العتيقة.. سأذهب هذه المرة ليس لزيارة سياحية كما كنت أفعل بالسابق.. هذه المرة سأذهب لأفكر بما قلت لي هناك.. علّي أن أجد أجابات لأسئلة لم تطرحها نفسي علي من قبل..
أتركك بخير يا أخي.. وسألتقي بك مجدداً.. وأعلمك أنني أتشوق للقياك والجلوس معك.. إنك إنسان رائع.. وأغبطك على هدوءك النفسي..
لك تحيتي
حسام الدين حامد:
أبا الحكم!
وأنا يا صاحبي أشتاق للقياك..
أخشى إن لم تكن اللقيا في الدنيا أن نفقدها في الآخرة..
لماذا تصر على حرماني من لقياك في الجنة بفضل الله؟
أما زال مقعدك شاغرًا بين المسلمين؟
أما زلت هنالك في صفوف الملحدين؟
لأن تكون ذَنَبًا في الحق خير لك من أن تكون رأسًا في الباطل..
أما زال مقعدك شاغرًا بين المسلمين وهم ينتظرونك حرصًا عليك؟
لماذا تكره نفسك إلى هذا الحد يا أبا الحكم؟
لماذا تصر على أن توردها المهالك؟
قال ربي: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إلى الإيمان فَتَكْفُرُونَ).
يا الله!
(لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إلى الإيمان فَتَكْفُرُونَ)
أما زلت تتكبر على خالقك أن تذل له فتعز عن كل ند وشريك يريدك دون منة عليك فيرديك؟
لقد احترت لك..
أردتُ أن أجد لك وسيلة تدخل بها الجنة وأنت على كبرك..
الجنة التي يقول فيها الأتقياء: "يا حبذا الجنة واقترابها *** طيبة وبارد شرابها"
أريدها لك وتريد أنت خلافه!
ووجدت وسيلة تدخل بها الجنة وأنت على كبرك..
هي صفقة- كسائر الصفقات- إن قمتَ بها قد يكون لك أمل..
أحضر إبرة خياطة..
أحضر جملًا..
أدخل الجمل في ثقب الإبرة..
أسهلة هي؟
قال ربي: (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ).
فإن كانت تلك الصفقة خاسرة- كسائر صفقاتي معك- فلا أعلم لك إلا الإسلام يا صاحبي!
نسيت أن أسألك كيف حالك؟
أما زالت نعم الله عليك تتوالى؟
ما حال المحابس واللسان؟ والشفاه والأسنان؟ والمرفق وصمامات الأمان؟
المرفق.. أتعرف فيه زاوية الحَمل؟ علِّى أحدثك عنها في مرة قادمة..
أمازلت تستطيع قراءة ما أكتب إليك؟
كيف حال بصرك؟ ما أخبار عينك؟
أمازالت الرموش في الجفون والجفون على العيون والعيون في المآقي؟
أمازالت العدسة تلملم شتات الضوء ليقع على الشبكية؟
من وضع تلك العدسة في عينك؟
من وضع لك عضلة صغيرة تضيق بؤبؤ العين وأخرى توسعه حسب الضوء من حولك؟
من وضع طبقة رقيقة من الماء على قرنيتك فلا تجف ولا تتقرح؟
من جعل جفنك يرمش فيوزع طبقة الماء هذه بانتظام على قرنيتك؟
من جعل جفنك يرمش فيمنع الأتربة من التراكم على عينك؟
من جعل جفنك يرمش كل حوالي 6 ثوانٍ كفعل لا إرادي منك؟
من وضع فيك هذا الفعل اللاإراديّ؟
ما رأيك لو جعلنا لك هذا الفعل إراديًّا فكل 6 ثوان تجعل جفنك يرمش؟
أتراك ستظل طول يومك جالسًا تهتم بجفنك حتى لا تتقرح عينك؟
خل عنك خلايا الشبكية وما وراءها من المسارات العصبية فهي معقدة بما يكفي لردعي عن الكلام عنها بأدنى إشارة..
خبرني يا أبا الحكم من رزقك تلك العيون؟ أوجدت من غير شيء أم أنت من أوجده؟
أخبرني يا أبا الحكم من أوجده؟
أإله مع الله؟
خبرني يا صاحبي..
عندما تتحول تلك العيون إلى قطعة دهن تسيل على خدك وأنت في قبرك بعد الموت.. ألست ستموت؟
فعندما تسيل تلك العيون على الخدود.. أتود أن تكون مسلمًا أو كافراً؟
ثم خبرني يا صاحبي..
ثم أخبرني عندما تبعث بعد الموت.. أليس من خلق تلك العيون بقادر على بعثها؟
خبرني عندما تبعث وترى نارًا تحرقك أن تراها بله أن تصلاها..
عندما ترى تلك النار أتود أن تكون مسلمًا أم ملحدً؟
إلى هذه الدرجة تمقت نفسك؟
تعال أدخل عليك من باب جديد في صراط أصله عريق وآخره الجنة..
تعال علك ترحم نفسك فتسلم لربك..
تعال..
سادسًا: سبيل المرسلين..
أبا الحكم..
ما رأيك في فرصة ذهبية؟
ستكون يا صاحبي خالدًا مخلدًا في التاريخ..
ستكون نسيج وحدك.. حسنة دهرك.. علامة عصرك..
ما رأيك أن تأتينا بتشريع؟
لا.. لا أريده منك الآن.. أريده منك بعد أربعين سنة..
أريد منك أن تقرأ ما شئت أن تقرأ..
أريد منك أن تبحث ما شئت باحثًا..
أريد منك أن تصبر صبر الإبل على التدقيق والتمحيص..
غادر كتابًا إلى كتاب..
سر في الحياة وعاشر الناس..
عليك بالإحصائيات ولا تنس الأبحاث..
وبعد أربعين سنة..
لنبدأ الآن.. سأطلب منك التالي..
منهجًا واضحًا في عقيدة الإنسان مع ربه.. منهجًا رشيدًا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه..
ولا تنس الشبهات والرد عليها.. وأغلق على أهل الباطل الأبواب قبل أن يبحثوا عنها..
وحدثنا- بعد أربعين سنة- عن حال الإنسان مع القدر..
وخبرنا كيف يتعامل مع مر الأيام وحلوها..
ويسر لنا فهم الأمور المعقدة..
وحبذا لو بينت لنا- بعد الأربعين- المعتقد في الأمور الغيبية..
مسائل الجن والشياطين.. كيف نرى المصروعين ومن أصابهم المس بأعيننا.. أتريدنا أن ننكر ذلك أم كيف تراه..
وبين لنا العقيدة في الملائكة.. مع شيء من التفصيل عن الأسماء والوظائف..
وزدنا بتحفة في مسألة التفضيل بين البشر والملائكة فتلك مسألة فيها نزاع مشهور..
ثم نبئنا بأخبار الرسل.. ونريد أخبار أقوامهم علنا نستفيد..
ولا تحدثنا بما لا فائدة فيه بل اقتصر على مواضع العبرة وما لابد منه لفهم الأحداث..
وهات أخبار الأمم من كذب منها ومن لم يكذب..
وضع في الحسبان التاريخ والأعلام والمواضع..
ثم زد ما شئت أن تزيد في أمر العقائد الباطلة.. كيف انحرفت ومن بدل وحرف..
علمنا بحيل أهل الضلال وخبايا النفوس..
ألم أقل لك ستكون علامة عصرك؟
وإن تنس فإياك أن تنسى تنظيم أمور العبادة والصلة بين العبد وربه مع نفسه..
فالمرء ما ينفك سائلًا "رب لو كنت أعلم أحب الوجوه إليك لعبدتك بها".. ألا يخلع هذا السؤال قلبك؟
فخبرنا يا صاحبي بعد الأربعين بما ستراه أحب الوجوه..
نريد صلاة لله نعرف أوقاتها وعددها..
فقهها وأركانها.. سننها ومكروهاتها..
ما يبطل الصلاة وما يجوز فيه؟
كيف الحال إن عرض لك عارض وأنت في الصلاة ما تفعل؟
ما الشأن إن سهوت كيف تجبر سهوك؟
وأنبئنا عن الصلاة ما الفرض وما النفل؟
وعن الجماعة ما شأن الإمام والمأمومين؟
والمساجد آدابها وأحكامها..
والدعاء في الصلاة وقنوت النوازل..
وأهل الأعذار.. ماذا يفعل المسافر؟ ثم ماذا يفعل المريض؟ ثم ماذا يفعل الخائف؟
ألم أقل لك ستكون علامة عصرك؟
ولا تنس الناس من عيد يجمعهم فلكل قوم عيد..
وهيئ أحكام عيد لا تُمل ولا تُضل..
فيفرح الناس دون أن يبغي بعضهم على بعض..
وضع للعيد صلاة لها أحكام تخصه..
ولا بأس بصلاة الكسوف والاستسقاء..
والناس بحاجة إلى وعظ وتعليم وإرشاد فضع لهم خطبة يومًا في الأسبوع وليكن يوم الجمعة..
ألم أقل لك ستكون علامة عصرك؟
ونظافة الجسد.. أنسيته؟
والوضوء والغسل والتيمم وكل له شروط وواجبات وسنن ومبطلات وأحكام مع أحكام..
وللمياه أحكام أيها طهور وأيها ليس بطهور؟
وأحكام الحيض والاستحاضة والنفاس..
وأحكام الآنية والمياه والاستنجاء..
وأحكام الملابس ما يجوز منها وما لا يجوز..
وضوابط الملابس كيف تكون طيبة ساترة جميلة بهية لا تفتن ولا تنفر..
اجتهد في القراءة يا صاحبي في الأربعين سنة.. اقرأ في كل المجالات..
ألم أقل لك ستكون علامة عصرك؟
ولا تنس أن الناس تموت- وأنت ستموت.. فتكلم عن كيفية الدفن وأحكام الجنازة.. وتغسيل الميت وأحكام التغسيل بحسب حال الميت..
ولا تنس الكلام عن المرض.. ووصية المريض..
ولا تنس تصرفات المريض..
ألم أقل لك ستكون علامة عصرك؟
ثم ضع في الحسبان أن يكون المجتمع فيه تكافل فالأمر تشريع يا صاحبي..
فضع في تشريعك "الزكاة" وبين أحكامها..
اذكر مصارفها.. وما تجب فيه..
لا تنس زكاة الزروع والحبوب والبهائم والثمار والحلي وعروض التجارة والفطر..
خبرنا ما تراه في كل واحدة وأي مال تجب فيه الزكاة وكم حد هذا المال..
ولا تبغي على مال أحد بما يضر ولا تنس الفقراء والمساكين..
ألم أقل لك ستكون علامة عصرك؟
ولا تنس جمع الناس من كل صوب..
لا تنسهم من رحلة تجمعهم أجسادًا فتضمهم قلوبًا..
لا تنسهم من رحلة تذكرهم برحلتهم إلى الموت..
لا تنسهم من رحلة يزورون فيها الأماكن المقدسة عسى تقدس أمتهم..
ولا تنس أن تضع لتلك الرحلة الأحكام اللازمة..
ولا تنس أن تخبر عن حكمها للمستطيع ثم من طرأ عليه عدم الاستطاعة ومن أُحصر.
وأقترح عليك أن تسمي تلك الرحلة "رحلة الحج".
ألم أقل لك ستكون علامة عصرك؟
ولا تنس أن الأمة التي سيعجبها تشريعك فتنفذه أمة وسط أمم..
فضع لها أحكام المعاملة مع الأمم المجاورة والنائية..
كيف تنظم العلاقات مع المخالفين والمعاونين..
ما حالها مع المعاهدين والمحاربين..
وكيف تكون عندما تلجأ للحرب..
ما أحكام الحرب؟ أخبرنا بأفضل نظام للحرب يكون.. أسباب الحرب وآدابها والمعاملة مع كل باغ عاد ظالم..
لا تنس أن تقرأ في الأربعين سنة في الكتب الحربية يا صاحبي..
لا تنس أن تقرأ في العلاقات الدبلوماسية..
وبعد القراءة استخلص واستنتج.. ودبر وخطط..
ثم اخرج علينا بذلك التشريع الجديد..
ألم أقل لك ستكون علامة عصرك؟
ولابد للناس من بيع وشراء.. فلا تنس تنظيم شئون البيع..
والخيرة في البيع ومتى يكون التصرف في المبيع أهو بعد العقد أم بعد القبض؟ ولماذا؟..
وماذا لو أراد المشتري رد السلعة..
وأخبرنا عن الربا والصرف..
وما قولك في بيع أصول الثمار حتى يستفيد المزارع بالثمن على زراعة أرضه.. ما رأيك الاقتصادي في تلك المسألة؟
وأخبرنا عن السَّلم بعد أن تقرأ عنه في كتب الاقتصاد..
ألم أقل لك ستكون علامة عصرك؟
ولا تنس الرهن.. والضمان.. والوكالة والحوالة والكفالة.. والشركة والمساقاة والإجارة.. والعارية والغصب.. والشفعة والوديعة وإحياء الموات والجعالة..
ولا تنس أنّا قد نجد شيئًا ثمينًا في الشارع فأخبرنا ما أفضل الطرق للتعامل معه..
أخبرنا بأحكام اللقطة واللقيط..
وأحكام الهبة والهدية..
ألم أقل لك ستكون علامة عصرك؟
ولا تنس ما يكون بين الناس من المنازعات..
فأخبرنا بأحكام الصلح بين المتخاصمين..
وفرق لنا بين باب الصلح وباب القضاء..
وفي القضاء عرفنا بآداب القاضي وطريق الحكم وصفته..
ونظم لنا الحال مع الدعاوي والبينات..
والشهادات وموانع الشهادة وعدد الشهود واليمين والدعوى والإقرار..
ألم أقل لك ستكون علامة عصرك؟
ولا تنس أن الناس تموت وتذر الأموال..
بين لنا أحكام الميراث..
ومن العصبة ومن يحجب عن الميراث..
ما رأيك في ميراث المفقود وميراث الحمل وميراث المطلقة؟
وكن في التوزيع حكيمًا تعطي كل وارث ما يناسب حاله..
ألم أقل لك ستكون علامة عصرك؟
ولا تنس أن الناس خلقوا رجالًا ونساءً..
فبين كيف يكون التعامل بينهم فلا تنقطع الأنساب ولا تختلط الأنساب..
وبين لنا المحرمات من النكاح والشروط والعيوب في النكاح..
ومتى يحق لأحد الزوجين أن يفسخ العقد.. وكيف تحمي كلا الزوجين من الغش..
وما رأيك في نكاح من يتبع تشريعك بمن لا يتبع تشريعك؟ ولماذا؟
وأحكام المعاشرة بين الزوجين..
وكيف بأحكام الصداق؟
ألم أقل لك ستكون علامة عصرك؟
ثم الناس يوهبون الأولاد..
فأحكام المولد وتسمية المولود..
وأحكام العقيقة ولا تسه عن النفقات..
وأرشدنا إلى كيفية تربية الأولاد..
ألم أقل لك إنها فرصة ذهبية لتصير علامة عصرك؟
ثم الحياة قد تكون صعبة مع الشريكين لسبب ولآخر..
فنظم لنا أمر الطلاق..
وما رأيك بالتهديد بالطلاق؟
وما تقول في الخُلع؟ وما رأيك في الظهار؟
وماذا عن الملاعنة؟ وأحكام العدد؟
وما تقول في شأن المطلقة أتخرج من بيتها أم تظل فيه؟ ولماذا؟
ألم أقل لك ستكون علامة عصرك؟
ثم لا تنس يا صاحبي أن تتكلم عن الأخلاق..
الغيبة وكن دقيقًا وبين متى تجوز ومتى لا تجوز؟
الإخلاص والصدق والوفاء.. الأمانة والبر وصلة الأرحام.. البخل والرياء والنفاق.. الصبر والشكر والرضا والحمد..
وعلمنا ما الجيد وما الرديء؟
وعلمنا كيف نصل إلى سنام تلك الأخلاق إن كانت كريمة؟ وكيف نحترز من اللئيمة؟
ألم أقل لك ستكون علامة عصرك؟
ولا تنسنا يا صاحبي من الحديث عن الدار الآخرة..
صفها وكن في وصفك مفيدًا دقيقًا..
وزدنا بالوعيد والوعد.. والترغيب والترهيب..
ألم أقل لك ستكون علامة عصرك؟
أرأيت يا صاحبي كيف ستقضي يومك تقرأ وتقرأ وتبحث وتفكر.
لكن حتى يتم أمرك ويكون التشريع دافعًا لوسمك بأعلى الأوصاف.. نريده تشريعًا:
1- في أسلوب بليغ يناسب كل تنظير له المقام..
2- يناسب كل المحبين فلا يشكو أحد من فراغه من العبادة رغم حاجته للزيادة.
3- يكون في معظم مسائله حد واجب لا يجوز النقص عنه لكل مقتصد وحد حسن يقوم به المجتهد.
4- لا يكون الأسلوب جازمًا حازمًا بل دع الفرصة للاستنباط، فالناس مشارب، وفي نفس الوقت دع الحق واضحًا لا لبس فيه عند التأمل!
5- لا يتناقض قولك في مسألة مع أخرى ولو كان ذلك التناقض بين لازم قولك ولازم قولك الآخر.. فإياك أن تبيح الخمر والملابس الحرة والاختلاط ثم تقول لا يجوز وقوع الزنا واختلاط الأنساب.. بل التشريع يقوم بعضه ببعض ويشد بعضه بعضًا..
6- يكون قولك في كل حكم في تشريعك صحيحًا يشهد بصحته أهل التخصص في كل آن..
فإياك أن تبيح الربا لأنه يأتي بفائدة آنية.. فسوف يقول لك عتاة الاقتصاد: "هذه الفائدة الآنية مع الاستمرار ستأتي على المجتمع بتضخم يفسد الاقتصاد"، وعندها يا صاحبي ستضيع الثقة في تشريعك.
7- يكون التشريع مناسبًا لكل زمان فلا يشكو الأقوام بعد ألف عام أنك لم تضعهم في الحسبان.
8- يكون تشريعك مناسبًا لكل مكان، حتى ولو كان المكان فيه النهار 6 أشهر.. فأعطهم نصوصًا تحل لهم ما أشكل عليهم.
9- لا يفوتك في تشريعك أي شأن يلزم من شئون الحياة ليكون تشريعك كاملًا من كل وجه.
10- تضع في تشريعك مراتب الحسن والقبح.. فهذا حسن وذاك واجب وذاك خلاف الأولى وذاك مكروه وذاك لا يجوز وذاك مباح وكل ذلك في أسلوب سلس يسير..
11- إن ضغط عليك قومك من حولك وأبت الأهواء إلا خلاف رأيك فلا تأبه بهم وعليك أن تظل على رأيك.
12- ولا يجوز لك الاستعانة- بعد الأربعين سنة- بأي لجنة من لجان الاقتصاديين ولا أية طائفة من علماء النفس ولا أي كوكبة من أهل الفلك ولا يحق لك استشارة الأطباء، ولا يجوز لك استشارة القانونيين والدبلوماسيين والسياسيين، لا لأنهم على كثرتهم قد يخطئون، لا لأنهم على كثرتهم قد وضعوا قوانين باطلة فعدلوها، لا لأنهم على كثرتهم قد يعجزون أمام خبايا النفس البشرية، لا لأي شيء من هذا.. بل لأنه قد كانت الفرصة الذهبية عندي هكذا.. وهكذا ينبغي أن تكون لك..
ما أحسنني لك ناصحً!
أريد لك أن تكون وحيدًا فريدًا لا يسمو إليك أحد في منزلتك!
فهل تقبل هذه الفرصة يا صاحبي؟
لا أدري! لا أدري هل ترضى بتعب الأربعين سنة أم لا!
لكني سأطلب منك طلبًا زائدًا..
بعد هذا الجهد الجهيد والعمل المديد والتشريع السديد..
أريدك..
أريدك أن تقول: ليس لي يد في هذا التشريع..
أريدك أن تقول: أنا مجرد ناقل..
أريدك أن تقول: لا تطروني ولا تعظموني..
أريدك أن تقول: لا أملك من الأمر شيئًا..
أريدك أن تقول: تلك كلها حكمة ربي لا حكمتي..
أريدك أن تقول: لا تجعلوني لمن أنقل عنه ندًّا فإنه أعظم مني..
أتستغني عن تعبك لتكون ناقلًا أمينًا وأنت في الحقيقة غير ناقل؟
أتستغني عن جهدك لتكون مبلغًا بصدق وأنت في الحقيقة غير مبلغ؟
أوّه لكأني حرضتك عليّ؟
لكأنك ستقول..
هذا هراء يا صاحبي..
لكأنك ستقول.. تلك فرصة لا تنتهز.. تلك فرصة لا وجود لها..
لكأنك ستصرخ بي.. لئن ظللت عمرين وثلاثة لا أربعين سنة فأقصى الأمل أن أتقن فنا واحدًا لا فنون عددًا..
وأنت تريدني متقنا للاجتماع وعلم النفس والسلوك والأخلاق والقانون والعلاقات المدنية والدبلوماسية والدولية والتاريخ والأديان وووو..
وتريدني على ذلك أن أقول قولًا لا يأتيه الباطل من يمين وشمال..
وتريديني في ذلك أن آتي بقول يعجب المتخصصين ثم تريدني ألا أستشيرهم في شيء بعد الأربعين..
وتريدني في ذلك أن أقول قولًا يناسب العصور التي لم أرها والأزمان التي لم أشهدها..
وتريدني في ذلك أن أبحث لأماكن لا أعرفها ومناطق لم أختبرها..
وتريدني في ذلك أن أفصل الأحسن فالأحسن والأسوأ فالأسوأ..
وتريدني في ذلك أن أضع في حسباني تنوع نفوس البشر..
وتريدني في ذلك أن أضع في حسباني اجتهادات المجتهدين وكد المخلصين..
وتريدين في ذلك أن أيسر السبيل لكلامي الطويل العريض..
وتريدني على عرض كلامي وطوله أن أذكره فلا ينقض منه قول آخر بل يأخذ بعضه ببعض كالبنيان المرصوص!
وتريدين في ذلك أن أسوقه في أسلوب بليغ يذهل البلغاء! وكل قول يناسب مقامه!
وتريدني في ذلك أن أنكر جهدي وتعبي وأنسبه كاذبًا- وأنا ما تعودت الكذب- لغيري!
وتريدني في ذلك أن أكذب على نفسي وأدعي أني مجرد ناقل وأنا لست بناقل!
ثم تزعمها فرصة ذهبية!
لقد ضيعت فرحتي بفرصتك! وما أشد حسرتي الآن عليه!
فليتك إن لم تصدقني القول سكت! وكم من كلمة خرجت تسيل الألم!
قلتُ والله يا صاحبي إني لصادق معك فيما هو أشد من ذلك فاسمع..
ألم يزعم المنطق الإلحادي ذلك؟
ألم يقل إن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بذلك وأكثر من ذلك؟
فانظر في المواقع الإسلامية والمكتبات الشرعية والبحوث الدينية في شتى المشارب..
أليست كلها ناهلة من بحر ذلك التشريع؟
فالكل ينهل من بحر التشريع.. التشريع الذي أراك تحمل عليّ حملة شديدة أن أردت منك الإتيان بمثله!
فكيف وهو صلى الله عليه وسلم الصادق الأمين؟
فكيف وهو صلى الله عليه وسلم لم يقرأ ولم يكتب في الأربعين؟
لقد كان حق كلامك أن يصير إلى المنطق الإلحادي لا إلي..
فتعال..
فتعال يا أبا الحكم أخبرك بمنطق اليقين والحق المبين..
قال الله تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإيمان وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ).
اقرأ: (قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلا نَذِيرٌ مُبِينٌ).
ألم أقل لك إنها سبيل الرسل؟
اقرأ: (وَأَنْـزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إلى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ).
اقرأ: (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ).
اقرأ: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْـزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْـزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ).
اقرأ: (قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ).
اقرأ: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ).
افهم: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا).
افهم: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُورًا).
فبالذي خلق لك عينين ولسانًا وشفتين وهداك النجدين..
أي النجدين أحق بالاتباع؟
أتقارن الثرى بالثري؟
أما زلت تمقت نفسك إلى درجة اتباع المنطق الإلحادي؟
أما آن لك أن ترجع؟
والله ليس الطريق هنالك..
أما آن؟
أزيدك أم تجيبني؟
أزيدك بالكلام عن ربي وربك أم تجيبني بإسلامك لربك وربي؟
ما تفعل يا صاحبي؟
بانتظارك..
مجرد إنسان:
أبشّركم أن الأخ أبا الحكم قد أعلن إسلامه ولله الحمد. وهذا رابط إعلان إسلامه.