الوصف
فتاة سَمِعَتْ بعض الملحدين يقولون: كيف نؤمن بمعجزاتٍ لم نرَها لمجرد أنها نُقِلَتْ عبر التاريخ؛ لأن الأخبار الكاذبة تملأ التاريخ؟ وتريد الرد على تلك الشبهة.
مقالة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة عمري 20 عامًا، سمعتُ ملحدًا يقول: إنَّ الله الذي تَعبُدونه وهو قادرٌ على كلِّ شيء يَستطيع أن يوهمكم يوم القيامة بأعمالٍ لم تَقوموا بها، وستُصدقون ذلك لأنه سيَضَعُها في ذاكرتكم، ولن تُفرقوا بينها وبين أعمالكم الحقيقية، فكيف تشعرون بالأمان والعدل؟!
كما يقول أيضًا: لا يعرف كيف نُؤمن بمعجزاتٍ لم نرَها لمجرد أنها نُقِلَتْ عبر التاريخ؛ لأن الأخبارَ الكاذبة تملأ التاريخ؟
أشعُر أني فقدتُ إيماني، فأخبروني كيف أرد عليه؟
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فقد قرأتُ رسالتك أيتها الابنةُ الكريمة، ووقفتُ على ما احتوَتْه مِن شُبهة سَمِجةٍ متهافِتةٍ؛ فالملحدون لا يَملكون دومًا إزاء نورِ اليقين إلَّا المُماحَلة والمُغالَطة والالتواء، والجوابَ بسيئ المقالة.
فوجودُ هذا الكونِ ابتداءً، وبهذا النظام البديع يَستلْزِم - بمنطق الفطرة البديهي وبمنطق العقل الواعي- أن يكونَ وراءه خالقٌ مدبِّر حكيم، فالمسافةُ بين الوجود والعدم مسافةٌ لا يَملكُ الإدراكُ البشري أن يَعبُرَها إلا بتصوُّر إلهٍ يُنشِئ ويَخلُق، ويُوجِد هذا الوجود، والملحدون يردُّون كلَّ هذا بالمكابَرة والبُهت اللئيم!
وكلُّ مَن قارن بين الإسلام وغيره من مِللِ ونِحَل الكفر بَلْه الإلحاد؛ تبيَّن له رجحان حال الإسلام، وتيقَّن أن دلائلَ نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وأعلام رسالته أكثر مِن أن تُحصَرَ، وأنها تُعلَم بطرق شتَّى، ولكن ليس منها تلك الصورة الساذجة المذكورة في الشبهة؛ فاللهُ تعالى أيَّد رسلَه، وأعطاهم مِن البراهين والآيات على صِدقهم ما أقام به الحجة، وأزال به المعذرة، ولا يستطيعُ الملحدون أمامَ ذلك السَّيْل المتدفِّق من البراهين العقلية والنقليَّة إلا التكذيبَ والاستكبار، كما قال الله تعالى عن سلفهم: ﴿ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ﴾ [الأنعام: 33]، وقال تعالى: ﴿ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ﴾ [النمل: 14]، وصدق الله العظيم حين قال: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ﴾ [النور: 40].
الابنة الكريمة، تذكَّرتُ وأنا أطالعُ رسالتَك كلامًا نفيسًا لشيخ الإسلام ابن تيميَّة أنقُلُه لكِ قبل الجواب المفصَّل؛ ليظهرَ لنا ولك كيف أن اللهَ بعلمِه وحكمته أودَع الإنسانَ فطرةً وعقلًا صريحًا موافقًا لما جاءه به الرسولُ، يُدرك بهما الآيات الباهرة الدالة على صِدق الوحي، والمُعجِزات الظاهرة.
قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة في "الجواب الصحيح لمن بدَّل دين المسيح" (5/ 435): "ودلائلُ النبوَّة مِن جنس دلائل الربوبيَّة؛ فيها الظاهرُ البيِّن لكل أحدٍ؛ كالحوادث المشهودة؛ مثل: خَلْقِ الحيوان، والنبات، والسحاب، وإنزال المطر، وغير ذلك، وفيها ما يختصُّ به مَن عرَفَهُ؛ مثل: دقائق التشريح، ومَقادير الكواكب وحركاتها، وغير ذلك، فإنَّ الخَلْقَ كلَّهم محتاجون إلى الإقرار بالخالق، والإقرار برُسُله، وما اشتدَّت الحاجةُ إليه في الدين والدنيا، فإن الله يَجُود به على عبادِه جودًا عامًّا ميسرًا.
فلما كانتْ حاجتُهم إلى النفس أكثرَ مِن حاجتهم إلى الماء، وحاجتُهم إلى الماء أكثر مِن حاجتهم إلى الأكل - كان سبحانه قد جادَ بالهواء جودًا عامًّا في كل مكان وزمان لضرورة الحيوان إليه، ثم الماء دونَه، ولكنه يوجد أكثر مما يوجد القوتُ وأيسر؛ لأن الحاجةَ إليه أشدُّ.
فكذلك دلائلُ الربوبية، حاجةُ الخَلْقِ إليها في دينهم أشدُّ الحاجات، ثم دلائل النبوة؛ فلهذا يسَّرها الله، وسهَّلها أكثر مما لا يحتاجُ إليه العامة؛ مثل: تماثُل الأجسام واختلافها، وبقاء الأعراض أو فنائها، وثبوت الجوهر الفرد أو انتفائه، ومثل مسائل المستحاضةِ، وفوات الحج وفساده، ونحو ذلك مما يتكلَّم فيه بعضُ العلماء". اهـ.
أما الشُّبْهة الأولى: فالجوابُ عنها يتضمَّنُه جوابُ الشبهة الثانية؛ أعني: زعمَه أن آيات النبوة إنما نُقِلَتْ عبر التاريخ وحسب، وهذا الكلامُ يلزمُ منه بطلان كلِّ دين محرَّف قائم على الوقائع التاريخية؛ كاليهودية، والنصرانية، أما الإسلامُ فهيهاتَ هيهاتَ؛ فالقرآنُ الكريم والسنة المطهرة وصلَا إلينا بالأسانيد الصحيحة، ونقلهما الكافَّة عن الكافَّة في كل طبقة من طبقات الإسناد، والشريعةُ الإسلامية اليوم كيومِ نزلتْ لا تحريفَ فيها، ولا تغييرَ مِن زيادة ونقصان، لا لبسَ فيها ولا غموض.
والعقلُ البشريُّ لو خُلِّي بينه وبين هذا الدين لاختاره ورضيه، ولكنها الشهواتُ والأهواءُ والتضليلُ والخِداعُ هي التي تجعل البشريةَ بعدَ أربعةَ عشرَ قرنًا من نزول هذا القرآن تقَع في الإلحاد ومعها القرآن الكريم أعظم مُعجِزة باقية!
"ها هو ذا كان وما يزال إلى اليوم معجزًا، لا يَتطاول إليه أحدٌ مِن البشر، تحدَّاهم اللهُ به، وما يزال هذا التحدي قائمًا، والذين يُزاولون فنَّ التعبير مِن البشر، ويُدركون مدى الطاقة البشرية فيه - هم أعرفُ الناس بأن هذا الأداء القرآني مُعجِز معجِز، سواء كانوا يُؤمنون بهذا الدين عقيدةً أو لا يؤمنون، فالتحدِّي في هذا الجانب قائمٌ على أُسُسٍ موضوعية، يستوي أمامها المؤمنون والجاحدون.
وكما كان كُبراءُ قريش يجدون من هذا القرآن - في جاهليتهم - ما لا قِبَل لهم بدَفْعِه عن أنفسهم - وهم جاحدون كارهون - كذلك يَجِدُ اليوم وغدًا كلُّ جاهليٍّ جاحدٍ كارهٍ ما وَجَد الجاهليون الأولون!
ويبقى وراء ذلك السر المعجِز في هذا الكتاب الفريد، يبقى ذلك السلطان الذي له على الفطرة - متى خُلِّي بينها وبينه لحظة - وحتى الذين رانَتْ على قلوبهم الحُجُب، وثقل فوقها الركام، تنتفِضُ قلوبهم أحيانًا، وتتمَلْمل قلوبهم أحيانًا تحت وَطأَةِ هذا السلطان وهم يستمعون إلى هذا القرآن!
إن الذين يقولون كثيرون، وقد يقولون كلامًا يحتوي مبادئَ ومذاهبَ وأفكارًا واتجاهات...، ولكن هذا القرآن يَنفِردُ في إيقاعاته على فطرة البشَر وقلوبهم فيما يقول! إنه قاهرٌ غلَّابٌ بذلك السلطان الغلَّاب؛ قاله الأستاذُ سيد قطب في ظلال القرآن (3/ 1421).
"والقرآن كلامُ الله، وفيه الدعوةُ والحجَّة، فله به اختصاصٌ على غيره، كما ثبَت عنه في الصحيحِ أنه قال: ((ما من نبي من الأنبياء إلا وقد أوتي من الآيات ما آمن على مثلِه البشرُ، وإنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إليَّ؛ فأرجو أن أكون أكثرَهم تابعًا يوم القيامة)).
والقرآنُ يَظْهَر كونه آيةً وبرهانًا له من وجوه: جملةً وتفصيلًا.
• أما الجُملة: فإنه قد عَلِمتِ الخاصةُ والعامَّةُ مِن عامة الأمم علمًا متواترًا أنه هو الذي أتى بهذا القرآن، وتواتَرَتْ بذلك الأخبارُ أعظم مِن تواترها بخبر كلِّ أحد من الأنبياء والملوك والفلاسفة، وغيرهم.
والقرآن نفسُه فيه تحدٍّ للأمم بالمعارضة في أنَّه تقوَّلَه؛ قال تعالى: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ * فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ ﴾ [الطور: 33، 34]، فإنه إذا كان محمدٌ قادرًا على أن يَتقوَّله كما يقدر الإنسانُ على أن يتكلَّم بما يتكلم به من نظمٍ ونثرٍ - كان هذا ممكنًا للناس الذين هم مِن جنسِه؛ فأمكن الناس أن يأتوا بمثْلِه.
ثم إنه تحدَّاهم بعشر سور مثلِه؛ فقال تعالى: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [هود: 13].
ثم تحدَّاهم بسورةٍ واحدة منه؛ فقال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [يونس: 37، 38]؛ فطلَب منهم أن يأتوا بعشرِ سورٍ مثله مُفتريات هم وكلُّ مَن استطاعوا مِن دون الله، ثم تحدَّاهم بسورة واحدة هم ومَن استطاعوا؛ قال: ﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [هود: 14].
وهذا أصلُ دعوته، وهو الشهادةُ بأنه لا إله إلا الله، والشهادة بأن محمدًا رسول الله، وقال تعالى: ﴿ فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ ﴾ [هود: 14]، كما قال: ﴿ لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ ﴾ [النساء: 166]، وقال: ﴿ وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ [يونس: 37]؛ أي: ما كان لأن يُفترى، يقول: ما كان ليفعل هذا، فلم ينفِ مجرد فعله، بل نفى احتمالَ فِعله، وأخبر بأن مثلَ هذا لا يقع، بل يمتنع وقوعُه؛ فيكون المعنى: ما يمكنُ، ولا يَحتمِلُ، ولا يجوز أن يُفترَى هذا القرآن مِن دون الله؛ فإن الذي يفتريه مِن دون الله مخلوقٌ، والمخلوقُ لا يَقْدِر على ذلك، وهذا التحدِّي كان بمكة، ثم أعاد التحدي في المدينة بعد الهجرة، فقال في (البقرة) وهي سورة مدنية: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [البقرة: 23]، ثم قال: ﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾ [البقرة: 24].
قوله: ﴿ وَلَنْ تَفْعَلُوا ﴾ [البقرة: 24] و(لن) لنَفْي المستقبل، فثبَت الخبرُ أنهم فيما يستقبل مِن الزمان لا يأتون بسورةٍ مِن مثله كما أخبر قبلَ ذلك، وقوله: ﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ [الإسراء: 88]، فعمَّ بالخبر جميعَ الخلْقِ معجزًا لهم، قاطعًا بأنهم إذا اجتمعوا كلهم لا يأتون بمثلِ هذا القرآن، ولو تظاهروا وتعاونوا على ذلك، وهذا التحدي والدعاء هو لجميع الخَلْقِ، وهذا قد سَمِعَهُ كلُّ مَن سمع القرآن، وعرفه الخاص والعام، وعلم - مع ذلك - أنهم لم يعارضوه، ولا أَتَوْا بسورة مثله، ومِن حين بُعِث وإلى اليوم الأمرُ على ذلك، مع ما علم من أن الخلقَ كلَّهم كانوا كفَّارًا قبل أن يُبعَث، ولما بعث إنما تبعه قليلٌ.
وكان الكفارُ مِن أحرص الناس على إبطال قولِه، مجتهدين بكل طريق يمكن، تارةً يذهبون إلى أهل الكتاب فيَسألونهم عن أمور من الغيبِ؛ حتى يسألوه عنها، كما سألوه عن قصة يوسف، وأهل الكهف، وذي القرنين.
فإذا كان قد تحدَّاهم بالمعارَضة - مرةً بعد مرة - وهي تُبطِلُ دعوته، فمعلومٌ أنهم لو كانوا قادرين عليها لفعلُوها، فإنه مع وجودِ هذا الداعي التامِّ المؤكد إذا كانت القدرةُ حاصلة، وجب وجودُ المقدور، ثم هكذا القول في سائر أهل الأرض.
فهذا القدر يُوجِبُ علمًا بيِّنًا لكلِّ أحد بعجزِ جميع أهل الأرض عن أن يأتوا بمِثْلِ هذا القرآن بحيلة، وبغير حيلة، وهذا أبلغ مِن الآيات التي يُكرر جنسها؛ كإحياء الموتى، فإن هذا لم يأتِ أحدٌ بنظيرِه.
كون القرآن أنه معجزة ليس هو مِن جهة فصاحتِه وبلاغته فقط، أو نَظْمه وأسلوبه فقط، ولا من جهة إخبارِه بالغيب فقط، ولا من جهة صرفِ الدواعي عن معارضتِه فقط، ولا من جهة سَلْب قدرتهم على معارضته فقط، بل هو آيةٌ بينة معجِزَة مِن وجوه متعددة: من جهة اللفظ، ومن جهةِ النظم، ومن جهة البلاغةِ في دلالة اللفظ على المعنى، ومن جهة معانيه التي أخبر بها عن الله تعالى وأسمائِه وصفاتِه وملائكته، وغير ذلك، ومن جهة معانيه التي أخبر بها عن الغيبِ الماضي، وعن الغيبِ المستقبل، ومن جهة ما أخبر به عن المعادِ، ومن جهةِ ما بيَّن فيه من الدلائل اليقينيَّة، والأقيسة العقليَّة التي هي الأمثال المضروبة.
ومن أضعف الأقوال - يعني: من وجوه إعجاز القرآن - قولُ مَن يقول من أهل الكلام: إنه مُعجِز بصرف الدواعي - مع تمام الموجِب لها - أو بسَلْب القدرة التامة، أو بسلبِهم القدرة المعتادة في مثله سلبًا عامًّا، وهو أن اللهَ صرَف قلوب الأمم عن معارضته مع قيام المقتضي التام؛ فإن هذا يُقال على سبيل التقدير والتنزيل، وهو أنه إذا قدر أن هذا الكلام يقدرُ الناسُ على الإتيان بمثله، فامتناعهم - جميعهم - عن هذه المعارَضة، مع قيام الدواعي العظيمة إلى المعارضة مِن أبلغ الآيات الخارقة للعادات، بمنزلةِ مَن يقولُ: إني آخذٌ أموالَ جميع أهل هذا البلد العظيم، وأضربهم جميعَهم وأجوِّعهم، وهم قادرون على أن يشكوا إلى الله، أو إلى وليِّ الأمر، وليس فيهم - مع ذلك - من يشتكي، فهذا مِن أبلغ العجائب الخارقة للعادة.
ولو قدر أنَّ واحدًا صنَّف كتابًا يقدر أمثاله على تصنيف مثله، أو قال شعرًا يقدر أمثاله أن يقولوا مثله، وتحدَّاهم كلهم، فقال: عارضوني، وإن لم تعارضوني فأنتم كفَّار، مأواكم النار، ودماؤكم لي حلالٌ - امتنع في العادة ألَّا يعارضه أحدٌ، فإذا لم يعارضوه كان هذا مِن أبلغ العجائب الخارقة للعادة!
والذي جاء بالقرآن قال للخلقِ كلِّهم: أنا رسولُ الله إليكم جميعًا، ومَن آمن بي دخل الجنة، ومن لم يؤمن بي دخل النار، وقد أُبيحَ لي قتلُ رجالكم، وسَبْيُ ذراريكم، وغنيمةُ أموالِكم، ووجب عليكم كلكم طاعتي، ومَن لم يطعني كان من أشقى الخلق، ومن آياتي هذا القرآنُ، فإنه لا يقدرُ أحدٌ على أن يأتيَ بمثله، وأنا أخبركم أن أحدًا لا يأتي بمثلِه.
فيقال: لا يخلو إما أن يكون الناسُ قادرين على المعارضة أو عاجزين، فإن كانوا قادرين ولم يُعارِضوه، بل صرف اللهُ دواعي قلوبهم، ومنعها أن تريدَ معارضتَه مع هذا التحدِّي العظيم، أو سلبهم القدرة التي كانت فيهم قبلَ تحدِّيه، فإن سلب القدرة المعتادة أن يقول رجل: معجزتي أنَّكم كلكم لا يَقدرُ أحدٌ منكم على الكلام، ولا على الأكل والشرب؛ فإن المنع من المعتاد كإحداث غير المعتاد - فهذا من أبلغ الخوارق.
وإن كانوا عاجزين ثبَت أنه خارقٌ للعادة، فثبت كونه خارقًا على تقدير النقيضَيْنِ: النفي، والإثبات؛ فثبت أنه مِن العجائب الناقضة للعادة في نفس الأمر.
فهذا غاية التنَزُّل، وإلا فالصوابُ المقطوعُ به أن الخلقَ كلَّهم عاجزون عن معارضته، لا يقدرون على ذلك، ولا يقدر محمدٌ صلى الله عليه وسلم نفسُه مِن تلقاء نفسه على أن يُبدِّل سورة مِن القرآن، بل يظهرُ الفرق بين القرآن وبينَ سائر كلامِه لكل مَن له أدنى تدبُّر، وأيضًا فالناسُ يجدون دواعيهم إلى المعارضة حاصلة، لكنهم يحسُّون مِن أنفسهم العجزَ عن المعارضة، ولو كانوا قادرين لعارضوه.
وأيضًا فلا نزاعَ بين العُقلاء المؤمنين بمحمدٍ والمكذِّبين له أنه كان قصدُه أن يُصدِّقه الناس ولا يكذِّبوه، وكان - مع ذلك - من أعقلِ الناسِ وأخبرِهم وأعرفهم بما جاء به، ينالُ مقصوده، سواء قيل: إنه صادقٌ أو كاذب؛ فإن مَن دعا الناس إلى مثل هذا الأمر العظيم، ولم يَزَلْ حتى استجابوا له طوعًا وكرهًا، وظهرت دعوتُه وانتشرت ملَّتُه هذا الانتشار، هو من عظماء الرجال على أيِّ حال كان؛ فإقدامه - مع هذا القصد - في أول الأمر وهو بمكةَ، وأتباعه قليل، على أن يقول خبرًا يقطع به أنه لو اجتمع الإنسُ والجنُّ على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله، لا في ذلك العصر، ولا في سائر الأعصار المتأخرة، لا يكون إلا مع جزمه بذلك، وتيقُّنه له، وإلا فمع الشكِّ والظنِّ لا يقول ذلك مَن يخافُ أن يظهرَ كذبه؛ فيفتضح فيرجع الناس عن تصديقِه، وإذا كان جازمًا بذلك، متيقِّنًا له، لم يكن ذلك إلا عن إعلام الله له بذلك.
• وأما التفصيلُ، فيقال: نفس نظم القرآن وأسلوبه عجيبٌ بديعٌ ليس مِن جنس أساليب الكلام المعروفة، ولم يأتِ أحدٌ بنظير هذا الأسلوب، فإنه ليس من جنس الشعر ولا الرَّجَز ولا الخطابة ولا الرسائل، ولا نظمه نظم شيء مِن كلام الناس عربِهم وعجمِهم، ونفس فصاحة القرآن وبلاغته هذا عجيبٌ خارقٌ للعادة، ليس له نظير في كلام جميع الخلق، وبسط هذا وتفصيله طويل، يَعرفُه مَن له نظر وتدبُّر.
ونفس ما أخبر به القرآن في باب توحيد الله وأسمائه وصفاته أمرٌ عجيب خارقٌ للعادة، لم يُوجَدْ مثل ذلك في كلام بشر، لا نبي ولا غير نبي.
وكذلك ما أخبر به عن الملائكة والعرش والكرسي والجن وخلق آدم، وغير ذلك، ونفس ما أمر به القرآن من الدين، والشرائع كذلك، ونفس ما أخبر به من الأمثال، وبيَّنه من الدلائل هو أيضًا كذلك.
ومَن تدبَّر ما صنَّفه جميعُ العقلاء في العلوم الإلهية والخلقيَّة والسياسية، وجد بينه وبين ما جاء في الكتب الإلهية - التوراة والإنجيل والزبور وصحف الأنبياء - وجد بين ذلك وبين القرآن من التفاوت أعظم مما بين لفظِه ونظمِه، وبين سائرِ ألفاظ العرب ونظمِهم.
فالإعجاز في معناه أعظمُ وأكثر مِن الإعجاز في لفظِه، وجميع عقلاء الأمم عاجزون عن الإتيان بمثلِ معانيه أعظم من عجز العرب عن الإتيان بمثلِ لفظِه.
وهذه الأمورُ مَن ظَهَرَتْ له مِن أهل العلم والمعرفة، ظهر له إعجازه مِن هذا الوجه، ومن لم يظهر له ذلك اكتفى بالأمر الظاهر الذي يظهر له ولأمثاله كعجزِ جميع الخَلْقِ عن الإتيان بمثلِه مع تحدِّي النبيِّ وإخباره بعجزهم، فإن هذا أمر ظاهر لكل أحدٍ.
إلى أن قال: وسيرةُ الرسول وأخلاقه وأقواله وأفعاله وشريعته من آياته، وأمته من آياته، وعلم أمته ودينهم من آياته، وكرامات صالح أمته من آياته.
وذلك يَظهر بتدبُّر سيرته من حين وُلِد وإلى أن بُعِث، ومن حيث بُعِث إلى أن مات، وتدبر نسبه وبلده وأصله وفصله، فإنه كان من أشرف أهل الأرض نسبًا، من صميم سلالة إبراهيم الذي جعل الله في ذريتِه النبوة والكتاب، فلم يأتِ نبيٌّ بعد إبراهيم إلا من ذريته، ونجعل له ابنين: إسماعيل، وإسحاق، وذكر في التوراة هذا وهذا، وبشر في التوراة بما يكون من ولد إسماعيلَ، ولم يكن في ولد إسماعيل مَن ظهر فيما بشَّرت به النبوَّات غيره، ودعا إبراهيم لذرية إسماعيل بأن يبعثَ فيهم رسولًا منهم، ثم من قريش صفوة بني إبراهيم، ثم من بني هاشم صفوة قريش، ومن مكةَ أم القرى وبلد البيت الذي بناه إبراهيم، ودعا الناس إلى حجِّه، ولم يزل محجوجًا من عهد إبراهيم، مذكورًا في كتب الأنبياء بأحسن وصف.
كان من أكمل الناس تربيةً ونشأة، لم يَزَلْ معروفًا بالصدق والبرِّ والعدل ومكارم الأخلاق، وترك الفواحش والظلم وكل وصف مذموم، مشهودًا له بذلك عند جميع من يعرفُه قبل النبوة، وممن آمن به، وممن كفر بعدَ النبوُّة لا يعرف له شيء يُعاب به؛ لا في أقواله، ولا في أفعاله، ولا في أخلاقِه، ولا جُرِّب عليه كَذبةٌ قط، ولا ظلمٌ ولا فاحشة، وكان خلقُه وصورته من أكمل الصور وأتمِّها وأجمعها للمحاسِن الدالَّة على كماله، وكان أميًّا مِن قومٍ أُميِّين لا يعرف، لا هو ولا هم ما يعرفه أهل الكتاب: التوراة والإنجيل، ولم يقرأ شيئًا عن علوم الناس، ولا جالس أهلَها، ولم يَدَّعِ نبوةً إلى أن أكمل الله له أربعين سنة، فأتى بأمر هو أعجب الأمور وأعظمها، وبكلامٍ لم يسمع الأولون والآخرون بنظيرِه، وأخبرنا بأمرٍ لم يكن في بلده وقومه من يعرفُ مثلَه.
ثم اتَّبعه أتباع الأنبياء وهم ضعفاءُ الناس، وكذَّبه أهل الرياسة وعادوه، وسعوا في هلاكه وهلاك من اتَّبعه بكل طريق، كما كان الكفارُ يفعلون بالأنبياء وأتباعهم، والذين اتبعوه لم يتبعوه لرغبة ولا لرهبة؛ فإنه لم يكن عنده مالٌ يعطيهم، ولا جهات يُولِّيهم إيَّاها، ولا كان له سيف، بل كان السيفُ والمال والجاه مع أعدائه، وقد آذوا أتباعَه بأنواع الأذى، وهم صابرون مُحتَسبُون لا يرتَدُّون عن دينِهم؛ لِمَا خالط قلوبَهم من حلاوة الإيمان والمعرفة، وكانت مكة يحجُّها العرب من عهد إبراهيم، فتجتَمِعُ في الموسم قبائل العرب؛ فيخرجُ إليهم يبلِّغُهم الرسالة، ويدعوهم إلى الله صابرًا على ما يلقاه من تكذيب المكذِّب، وجفاء الجافي، وإعراض المعرض، إلى أن اجتمع بأهل يثرب وكانوا جيران اليهود قد سمعوا أخبارَه منهم، وعرفوه، فلما دعاهم علموا أنه النبيُّ المنتظر الذي تخبرُهم به اليهود، وكانوا قد سمعوا من أخباره ما عرفوا به مكانتَه، فإن أمره كان قد انتشر، وظهر في بضع عشرة سنة فآمنوا به، وبايعوه على هجرتِه وهجرة أصحابه إلى بلدهم، وعلى الجهادِ معه، فهاجر هو ومَن اتَّبعه إلى المدينة، وبها المهاجرون والأنصار، ليس فيهم مَن آمن برغبةٍ دنيوية، ولا برهبةٍ إلا قليلًا من الأنصار أسلموا في الظاهر، ثم حَسُن إسلام بعضِهم، ثم أُذِن له في الجهاد، ثم أمر به، ولم يزل قائمًا بأمر الله على أكمل طريقة، وأتمِّها من الصدق والعدل والوفاء، لا يحفظُ له كذبة واحدة ولا ظلم لأحدٍ ولا غدر بأحد، بل كان أصدقَ الناس وأعدلَهم، وأوفاهم بالعهد، مع اختلاف الأحوال عليه من حربٍ وسلم وأمنٍ وخوف وغنًى وفقرٍ وقلة وكثرةٍ، وظهوره على العدوِّ تارة، وظهور العدو عليه تارة، وهو - على ذلك - لازمٌ لأكملِ الطرقِ وأتمِّها، حتى ظهرت الدعوة في جميع أرض العرب التي كانتْ مملوءةً من عبادة الأوثانِ، ومن أخبار الكهَّان، وطاعة المخلوق في الكفر بالخالق، وسفك الدماء المحرَّمة، وقطيعة الأرحام، لا يعرفون آخرة ولا معادًا، فصاروا أعلمَ أهل الأرض وأدينهم وأعدلَهم وأفضلَهم، حتى إن النصارى لما رأوهم حين قدموا الشام، قالوا: ما كان الذين صَحِبوا المسيح بأفضلَ من هؤلاء، وهذه آثار علمهم وعملهم في الأرض، وآثار غيرهم يعرف العقلاء فرقَ ما بين الأمرين.
وهو صلى الله عليه وسلم مع ظهور أمرِه، وطاعة الخلق له، وتقديمهم له على الأنفس والأموال، مات صلى الله عليه وسلم ولم يخلف درهمًا ولا دينارًا، ولا شاة ولا بعيرًا له، إلا بغلتَه وسلاحه، ودرعه مرهونة عند يهوديٍّ على ثلاثين صاعًا من شعير ابتاعَها لأهلِه، وكان بيده عقارٌ ينفق منه على أهلِه، والباقي يصرفُه في مصالح المسلمين، فحكم بأنه لا يُورَث، ولا يأخذ ورثتُه شيئًا من ذلك.
وهو في كل وقتٍ يظهر على يديه من عجائب الآيات وفنون الكرامات ما يطولُ وصفه، ويخبرهم بخبرِ ما كان وما يكون، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويُحلُّ لهم الطيبات، ويُحرِّم عليهم الخبائث، ويشرع الشريعة شيئًا بعد شيء، حتى أكمل الله دينه الذي بعث به، وجاءت شريعتُه أكمل شريعة، لم يبقَ معروف تَعرفُ العقول أنه معروف إلا أمر به، ولا منكرٌ تَعرفُ العقول أنه منكرٌ إلا نهى عنه، لم يأمر بشيء فقيل: ليتَه لم يأمر به، ولا نهى عن شيء فقيل: ليتَه لم يَنهَ عنه، وأحلَّ الطيبات، لم يُحرِّم شيئًا منها كما حرم في شرع غيره، وحرم الخبائث لم يحلَّ منها شيئًا كما استحله غيره، وجمع محاسنَ ما عليه الأمم، فلا يذكر في التوراة والإنجيل والزَّبور نوعٌ من الخبر عن الله وعن ملائكته وعن اليوم الآخر إلا وقد جاء به على أكمل وجهٍ، وأخبر بأشياء ليست في الكتب.
وإذا نظر اللبيبُ في العبادات التي شرعها، وعبادات غيره من الأمم ظهر فضلُها ورجحانها، وكذلك في الحدود والأحكام، وسائر الشرائع.
وأمته أكملُ الأمم في كلِّ فضيلة، فإذا قيس علمهم بعلم سائر الأمم ظهر فضل علمهم، وإن قيس دينُهم وعباداتهم وطاعتهم لله بغيرهم ظهرَ أنهم أدينُ من غيرهم، وإذا قيس شجاعتُهم وجهادهم في سبيل الله وصبرهم على المكاره في ذات الله، ظهر أنهم أعظمُ جهادًا وأشجع قلوبًا، وإذا قيس سخاؤهم وبذلُهم وسماحة أنفسهم بغيرهم، تبيَّن أنهم أسخى وأكرم من غيرهم، وهذه الفضائل بِهِ نالوها، ومنه تعلموها، وهو الذي أمرهم بها، لم يكونوا قبلَه متَّبعين لكتاب جاء هو بتكميله كما جاء المسيح بتكميل شريعة التوراة". اهـ. مختصرًا من الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح؛ لابن تيميَّة (5/ 422-442).
هذا؛ ومن الآيات البيِّنات الدالَّة على صدق المرسِل والمرسَل تحقُّق الأخبار المستقبلية في القرآن والسنة، وهي كثيرة نشير لبعضها؛ فمنها: إخبار الله رسوله صلى الله عليه وسلم وهو بمكةَ - وكان هو أصحابه مستضعفين - أن دينَه سيَعُمُّ الجزيرة كلَّها، وقد تحقَّق، كما أخبر بفتح جزيرة العرب، ثم فارس، ثم الروم، ووقوع الأمر كما حدث به.
ومنها: إخبارُه بمصارع القومِ يومَ بدر، وبمقتل أميَّة بن خلف، وبخراب خيبر.
ومنها: إخبارُه أن أولَ من يموتُ بعده من أهله هي فاطمة، وقد تحقق.
ومنها: إخبارُه وهو في المدينة أن أمتَه ستفتح كنوز كسرى، وأنه إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصرُ فلا قيصرَ بعده، وقد تحقَّق.
ومنها: إخبارُه بفتح مصر، وأن الفاروق عمر رضي الله عنه سيقتل، وكذلك عثمان، وأن الزبير سيقاتل عليًّا، وأن عمارًا تقتله الفئةُ الباغية، وإخباره عن الغزوة الأولى في البحر.
ومنها: إخباره أن أبا ذرٍّ يمشي وحده، ويموت وحده، ويُبعثُ وحده.
ومنها: إخباره أن الله سيُصلِحُ بالحسن رضي الله عنه بين فئتَيْنِ عظيمتين من المسلمين، وأن خلافةَ النبوة ثلاثون سنة، وإخباره عن مقتل الحسين، وعن ولاية الحجاج بن يوسف الثقفي.
ومنها: إخباره عن النار التي خرجت من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى، وقد تحقَّقت في القرن السابع الهجري.
قال الإمام النووي: وقد خرجت في زماننا نارٌ بالمدينة سنة أربع وخمسين وستمائة، وكانت نارًا عظيمة جدًّا من جنب المدينة الشرقي، وراء الحرة، تواتَرَ العلمُ بها عند جميع الشام، وسائر البلدان، وأخبرني مَن حضرها من أهل المدينة.
ومنها: إخباره بتكالب الأمم على أمة الإسلام، وأن الحفاةَ العراة يتطاولون في البنيان.
وغير ما ذكرنا كثير، وفيما ذكرناه كفاية، وإنما نشيرُ إشارة لطيفة، وراجعي على موقعنا المقالين: صدق نبوءات النبي، وحوادث غيبية أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي الختام لا يفوتني أن أحذرك سلمك الله من السماع لشبه الملاحدة ومجالسة أهل الإلحاد، فأخبار السلف الصالح في الإعراض عن أهل الضلال أشهرُ مِن أن تُجهل وأكثر مِن أن تُذكر، فها هو ابن طاوس وقد أتاه رجل يُقال له: صالح، يتكلَّم في القدَر وعنده ابنٌ له، فتكلم بشيءٍ، فتنَبَّه، فأدخل ابن طاوس إصبعيه في أذنيه، وقال لابنه: أدخل أصابعك في أذنيك، واشددْ فلا تسمع مِن قوله شيئًا؛ فإنَّ القلبَ ضعيف؛ كما في المصنف 11/ 125 ح 20099.
شرح الله صدركِ، وألهمكِ رشدكِ، ووقاكِ شرَّ نفسك وشرَّ الشيطان وشركه