تواصل معنا

دين الأنبياء واحد ودعوتهم واحدة (مقالة)

الوصف

الإسلام هو دين الله الذي لا يقبل من أحد سواه، وهو دين الأنبياء كلهم، هو دين آدم عليه الصلاة والسلام، وهو دين الأنبياء بعده، وهو دين نبينا محمد عليه الصلاة والسلام الذي بعثه الله به إلى الناس عامة.

مقالة

الإسلام هو دين الله الذي لا يقبل من أحد سواه، وهو دين الأنبياء كلهم، هو دين آدم عليه الصلاة والسلام، وهو دين الأنبياء بعده، وهو دين نبينا محمد عليه الصلاة والسلام الذي بعثه الله به إلى الناس عامة.

المحتويات

مقدمة

قال الله عز وجل: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [ الأنبياء : ۲5]

والإسلام دين الأنبياء جميعا. فمنذ أن أهبط آدم عليه الصلاة والسلام ودينه الإسلام ودعوته إلى الإسلام الذي هو الاستسلام لله عز وجل وتوحيده وعبادته وحده لا شريك له. ثم استمر الإسلام في ذريته عشرة قرون حتى ظهر الشرك أول ما ظهر في قوم نوح؛ فبعث الله نبيه نوحا عليه السلام بالإسلام. ثم بعث الله عز وجل رسله تترى مبلغة دين الإسلام إلى أقوامهم كلما ظهر الشرك وانطفأت أنوار الإسلام.

الإسلام العام دين الأنبياء

قال تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ… ﴾ [آل عمران : 19 ] إذن فإن دين الإسلام وتاريخ الإسلام معناه العام وجد مع وجود الإنسان على هذه الأرض، وهو دين الأنبياء جميعا. أما الإسلام بمعناه الخاص فهو الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم جامعا فيه بين الإسلام العام – الذي هو التوحيد ونبذ الشرك – وبين الأحكام الشرعية لهذه الأمة؛ حيث أحل لها الحلال، وحرم عليها الحرام، ووضع عنها الإصر والأغلال التي كانت على من قبلها فجاءت شريعة كاملة ميسرة شاملة خاتمة للشرائع صالحة لكل زمان ومكان، وهذا هو معنى قوله صلى الله عليه وسلم : «أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة، والأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتی ودینهم واحد1.

حيث يوضح هذا الحديث أن الأنبياء كالأبناء لأمهات شتى وأب واحد. وذلك لاتفاقهم في التوحيد والإسلام وأصول الإيمان والأخلاق واختلافهم في الشرائع.

يقول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى :

(وهذا الدين هو دين الإسلام الذي لا يقبل الله دينا غيره، لا من الأولين ولا من الآخرين، فإن جميع الأنبياء علي دين الإسلام، قال تعالى عن نوح: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ… ﴾ [ يونس: ۷۱]، إلى قوله: ﴿… وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [يونس: ۷۲]، وقال عن إبراهيم: ﴿وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ… ﴾ [ البقرة : ۱۳۰]، إلى قوله: ﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ ۖ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [البقرة: ۱۳۱]، إلى قوله: ﴿فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾  [البقرة : ۱۳۲]، وقال عن موسی: ﴿ … يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ﴾ [يونس: 84]، وقال في حواري المسيح: ﴿وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ﴾ [المائدة: ۱۱۱]، وقال فيمن تقدم من الأنبياء: … ﴿يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا  … ﴾ [المائدة:44]، وقال عن بلقيس أنها قالت: ﴿… رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [النمل: 44]، فالإسلام يتضمن الاستسلام لله وحده؛ فمن استسلم له ولغيره كان مشركا، ومن لم يستسلم له كان مستکبرا عن عبادته، والمشرك به والمستكبر عن عبادته كافر، والاستسلام له وحده يتضمن عبادته وحده وطاعته وحده . فهذا دين الإسلام الذي لا يقبل الله غيره، وذلك إنما يكون بأن يطاع في كل وقت بفعل ما أمر به في ذلك الوقت، فإذا أمر في أول الأمر باستقبال الصخرة، ثم أمرنا ثانيا باستقبال الكعبة كان كل من الفعلين حين الأمر به داخلا في الإسلام؛ فالدين هو الطاعة والعبادة له في الفعلين، وإنما تنوع بعض صور الفعل – وهو وجهة المصلي – فكذلك الرسل وإن تنوعت الشرعة والمنهاج والوجهة والمنسك فإن ذلك لا يمنع أن يكون الدين واحدا كما لم يمنع ذلك في شريعة الرسول الواحد)2.

ويقول الشيخ عمر الأشقر حفظه الله :

( الرسالات التي جاء بها الأنبياء جميعا منزلة من عند الله العليم الحكيم الخبير؛ ولذلك فإنها تمثل صراطا واحدا يسلكه السابق واللاحق، ومن خلال استعراضنا لدعوة الرسل التي أشار إليها القرآن نجد أن الدين الذي دعت إليه الرسل جميعا واحد هو الإسلام، ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ… ﴾ [آل عمران : 19]، والإسلام في لغة القرآن ليس اسما لدین خاص، وإنما هو اسم للدين المشترك الذي هتف به كل الأنبياء….

فالإسلام شعار عام كان يدور على ألسنة الأنبياء وأتباعهم منذ أقدم العصور التاريخية إلى عصر النبوة المحمدية)3.

حقيقة دين الأنبياء: الدينونة والخضوع لله وحده

وإنه حينما يتقرر أن دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام هي دعوة واحدة، وهي الدعوة إلى عبادة الله عز وجل وتوحيده – فإننا نقصد ذلك المفهوم الشامل للتوحيد والعبادة ، ألا وهو إخراج الناس من العبودية والدينونة لغير الله إلى الدينونة لله وحده بكل شمولها، وليس مجرد أن يوحد الناس بألسنتهم، أو أن يتوجهوا إلى الله سبحانه بشعائر التعبد الظاهرة فقط ثم تبقى قلوبهم ومصادر تلقيهم وتشريعاتهم إلى غير الله عز وجل. إن مهمة الرسل في رسالتهم ودعوتهم أشمل من هذا المفهوم القاصر للتوحيد والإيمان، ولو كانت الدعوة إلى التوحيد بهذا المفهوم القاصر لما استحقت كل هذه الجهود المضنية والتضحيات الباهظة من أنبياء الله عز وجل ورسله عليهم الصلاة والسلام.

يجلي هذه الحقيقة الأستاذ سيد قطب رحمه الله تعالى فيقول :

(نقف أمام الدعوة الواحدة الخالدة على لسان كل رسول وفي كل رسالة .. دعوة توحيد العبادة والعبودية لله، المتمثلة فيما يحكيه القرآن الكريم عن كل رسول: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ﴾ ولقد كنا دائما نفسر العبادة لله وحده بأنها الدينونة الشاملة لله وحده. في كل شأن من شؤون الدنيا والآخرة. ذلك أن هذا هو المدلول الذي تعطيه اللفظة في أصلها اللغوي .. فإن «عبد» معناها: دان وخضع وذل . وطريق معبد طریق مذلل ممهد. وعبده جعله عبدا أي خاضعا مذللا.. ولم يكن العربي الذي خوطب بهذا القرآن أول مرة يحصر مدلول هذا اللفظ وهو يؤمر به في مجرد أداء الشعائر التعبدية. بل إنه يوم خوطب به أول مرة في مكة لم تكن قد فرضت بعد شعائر تعبدية ! إنما كان يفهم منه عندما يخاطب به أن المطلوب منه هو الدينونة لله وحده في أمره كله، وخلع الدينونة لغير الله من عنقه في كل أمره … إن توحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية، وتوحيد القوامة، وتوحيد الحاكمية، وتوحيد مصدر الشریعة، وتوحيد منهج الحياة ، وتوحيد الجهة التي يدين لها الناس الدينونة الشاملة… إن هذا التوحيد هو الذي يستحق أن يرسل من أجله كل هؤلاء الرسل، وأن تبذل في سبيله كل هذه الجهود، وأن تحتمل لتحقيقه كل هذه العذابات والآلام على مدار الزمان .. لا لأن الله سبحانه في حاجة إليه، فالله سبحانه غني عن العالمين. ولكن لأن حياة البشر لا تصلح ولا تستقيم ولا ترتفع ولا تصبح حياة لائقة بالإنسان ، إلا بهذا التوحيد الذي لا حد لتأثيره في الحياة البشرية في كل جانب من جوانبها)4.

الاتفاق والاختلاف بين الأنبياء

القدر المشترك بين الأنبياء

من كل ما سبق يتأكد لدينا أن دين الأنبياء عليهم السلام واحد ودعوتهم واحدة، ألا وهي الإسلام، وأصول الإيمان، وإخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام. كما أن هناك أمورا أخرى اتفقت عليها جميع الأديان والرسالات ودعت إليها ألا وهي الأخلاق والقيم التي فطر الله الناس عليها؛ حيث نجد الدعوة إليها، والمحافظة عليها، ونبذ ما يخالفها موجود في كل رسالة، وقد تضمنتها دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ولا يمكن أن تتغير ولا يعتريها تبدیل ولا نسخ مثلها مثل التوحيد وأصول الإيمان، وذلك كبر الوالدين، وتحريم الفواحش والظلم وقتل النفس بغير حق، والإحسان إلى اليتيم، والقسط بين الناس، وتحريم الكبر والفخر، والحث على الكرم والوفاء، وتحريم الغدر والخيانة … الخ.

القدر المختلف عليه بين الأنبياء

وفيما عدا أصول الإيمان والقيم الثابتة جعل الله عز وجل لكل رسول شريعة خاصة به لقومه شاملة وكاملة في وقتها لأهلها. وقد تختلف هذه الشرائع من نبي لآخر، وقد يتفق بعضها. حتى ختم الله سبحانه جميع الشرائع بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم من الشريعة الكاملة الشاملة التي كتب الله عز وجل لها الخلود والقيام بمصالح العباد في كل زمان ومكان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

وهذا هو المعنى المأخوذ من قوله تعالی: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا… ﴾ [المائدة: 48] وعن اختلاف الشرائع واكتمالها في شرعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يقول الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله تعالى:

(ومن تمام رحمة الله بعباده ونعمته عليهم وكمال حكمته في إقامة الحجة والإعذار إلى من سبق عليه القول منهم أن جعل شريعة كل رسول من رسله شاملة كل ما تحتاجه أمته، جامعة لما يصلح شأنها وينهض بها في إقامة دولتها وبناء مجدها وتقويم أودها وحفظ كيانها، ويجعلها مثلا أعلى في جميع شئونها، سعيدة في الدنيا والآخرة ؛ قال صلى الله عليه وسلم: « إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم عن شر ما يعلمه لهم»5، بل تضمنت فوق ذلك ما يكمل الضروريات والحاجيات والتحسينات على خير حال وأقوم طريق … والأمم الماضية لما كانت تسوسهم الأنبياء؛ كلما هلك نبي خلفه نبي، وكان الوحي مستمرا ، جرت فيهم سنة التطور في التشريع والتدرج في الأحكام، وكان الكثير من التفاصيل وفروع الشريعة مؤقتة، فنسخت الشريعة اللاحقة من أحكام الشريعة السابقة ما اقتضت المصلحة نسخه؛ تنشئة للأمة وتربية لها وسدا لحاجتها، أو عقوبة لها على ظلمها وتمردها على شرائع ربها؛ قال تعالى – في رسالة عيسي عليه الصلاة والسلام – ﴿وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ .. ﴾ [آل عمران : .5]، ……أما هذه الأمة المحمدية فشریعتها خاتمة الشرائع، ورسولها خاتم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا نبي بعده، فاقتضت حكمة الله أن تكون شريعته فيهم عامة دائمة إلى يوم القيامة كفيلة بجميع مصالحهم الدينية والدنيوية، منظمة لنواحي حياتهم المختلفة، مغنية لهم عما سواها في جميع أمورهم وشئونهم، ولو طال بهم الأمد واختلفت أحوالهم على مر الأيام والعصور حضارة وثقافة، وتباينت أفكارهم ذكاء وغباوة وحالتهم قوة وضعفا وغنى وفقرا)6.

 

 

المرفقات

المصدر

أضف تعليقا