تأليف
الوصف
يحاول المستشرقون دائما أن يثبتوا أن القرآن من وضع البشر، وبخاصة تأليف محمد صلى الله عليه وسلم. وموقفهم هذا من القرآن ليس بشيء جديد، بل هو في الحقيقة لا يختلف عن موقف مشركي مكة الذين بلّغهم الرسول رسالته والوحي القرآني مباشرة. فكانوا قد زعموا أن القرآن ما هو إلا قول البشر، أو أنّ صاحبهم "الأمين" و"الأمي" قد أصبح شاعرا أو ساحرا مجنونا؛ أو أن بشراً آخر علمه القرآن؛ و الآيات القرآنية ليست إلا [أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا](الفرقان: 5).
مقالة
دحض مزاعم المستشرقين : حول القرآن الكريم
عرض موجز
الأستاذ الدكتور محمد مهر علي
------
فهرس الموضوعات
1- تمهيد
2- ج. وانسبرة (J. Wansborough) وأعوانه : انتكاسهم في الفكرة الخاطئة القديمة
3- يهودا دي نيفو (Yehuda De Nevo) والمنقحون (The Revisionist)
4- مخطوطات صنعاء القرآنية وتخمينات المستشرقين المتجددة
5- أخطاء بيلامي (J.A. Bellamy) الخطيرة
6- الخاتمة
------------
1- تمهيد
يحاول المستشرقون دائما أن يثبتوا أن القرآن من وضع البشر، وبخاصة تأليف محمد صلى الله عليه وسلم. وموقفهم هذا من القرآن ليس بشيء جديد، بل هو في الحقيقة لا يختلف عن موقف مشركي مكة الذين بلّغهم الرسول رسالته والوحي القرآني مباشرة. فكانوا قد زعموا أن القرآن ما هو إلا قول البشر، أو أنّ صاحبهم "الأمين" و"الأمي" قد أصبح شاعرا أو ساحرا مجنونا؛ أو أن بشراً آخر علمه القرآن؛ و الآيات القرآنية ليست إلا [أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا](الفرقان: 5).
ويرد القرآن على جميع هذه المزاعم ردا قاطعاً وذلك بطرق سبعة رئيسة، هي:
1-
يقول الله تعالى إن القرآن ليس بقول البشر، وما هو بقول شاعر، ولا بقول كاهن [وما علمناه الشعر وما ينبغي له، إن هو إلا ذكر وقرآن مبين](يس: 69).
2-
ويكرر الله بكل صراحة في القرآن أنه هو الذي نزل القرآن على عبده ليكون للعلمين نذيرا، و إنه تنزيل من رب العالمين، بلسان عربي مبين([1]).
([1]) انظر القرآن 25 : 1؛ 26 : 192، 195.
3-
كما يأمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم قائلاً [لا تحرك به لسانك لتعجل به، إن علينا جمعه وقرآنه](القيامة: 16). هذه المجموعة من الآيات القرآنية تدل على أن ما يلقى على الرسول صلى الله عليه وسلم كان نصا معينا ولم يكن فكرة وتصورا فقط.
4-
كما يقوم الله سبحانه وتعالى بمواساة نبيه صلى الله عليه وسلم مرارا وبتشجيعه على تحمل معارضة الكافرين وإعراضهم عن الحق بالصبر والمصابرة، مذكرا إياه بأنه لم يكن من قبله من نبي مرسل إلا وكذبه قومه وواجهوه بالظلم والاضطهاد.
5-
كما يعلن الله للجميع أنه [لو تقول علينا بعض الأقاويل، لأخذنا منه باليمين، ثم لقطعنا منه الوتين، فما منكم من أحد عنه حاجزين] (الحاقة:46).
6-
ويخبر الله الناس قائلا: [لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه، والملائكة يشهدون، وكفى بالله شهيدا] (النساء: 166). كما يأمر الله نبيه أن يقول للناس إن الله هو شاهد بينه وبينهم في أمر الوحي القرآني : [قل أي شيء أكبر شهادة، قل الله شهيد بيني وبينكم، وأوحي إليَّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ] (الأنعام:19). وهذه المجموعة من الآيات مهمة جدا، فإنها تقرر أن وحي الله أمر خاص بينه وبين نبيه ولا يستطيع أحد آخر الاطلاع عليه.
7-
وفوق كل هذا، يتحدى الله الجميع ويحذرهم قائلا : [وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين. فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة، أعدت للكافرين] (البقرة: 24) والتحدي مفتوح إلى الأبد.
ومنذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل النقاد من الكفار وغير المسلمين يكررون آراء مشركي مكة حيال القرآن، ومنذ منتصف القرن التاسع عشر الميلادي على الأخص، أخذ بعض علماء الغرب من المستشرقين يعيدون اعتراضات وافتراضات مماثلة حول القرآن، وذلك بحجج وادعاءات متنوعة، ورواد هؤلاء المستشرقين ألوي سبرنجر (Aloy Spernger)، ووليم ميوير (William Muir) وثيودور نولدكة (Theodore Noldeke) ، واجناز جولدتسيهر (Ignaz Goldziher) ، ودبليو فلهاوسن (W. Wellhausen) ، وليون كايتاني (Leon Caetani) ، ودافيد سامويل مرجليوث (David Samuel Margoliouth). وقد قام بتطوير آرائهم وتضخيم استنتاجاتهم آخرون تبعوهم في القرن العشرين الميلادي، وفي مقدمتهم ريتشارد بيل (Ritchard Bell) وتلميذه وليم مونتغمري وات (William Montgomery Watt). وجميع هؤلاء المسشترقون يسعون بشتى الأساليب إلى الاستنتاج أن القرآن الكريم من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم.
ولكن في الربع الأخير من القرن العشرين الميلادي بدأ اتجاه جديد بين الجيل الجديد من المستشرقين الذين يقترحون أن القرآن ليس بتأليف محمد صلى الله عليه وسلم فحسب، بل إنه اتخذ شكله الحالي تدريجيا عبر تطورات وتعديلات تمت في القرنين الأول والثاني من الهجرة. والجديرون بالذكر من بين هؤلاء المحدثين ج. وانسبرة (J. Wansbourough)، وج.أ. بيلامي (J.A. Bellamy) ، وأندرو ريبين (Andrew Rippin). وقد قام ببسط ادعاءاتهم وترويجها آخرون أمثال باتريشيا كرون (Patricia Crone)، ومايكـل كـوك (Michael Cook)، وكينيث كراج (Kenneth Cragg)، وتوبي ليستر (Toby Lester).
إن الذين يذهبون إلى أن القرآن الكريم من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم يركزون على الادعاءات التالية:
1-
إن محمدا صلى الله عليه وسلم كان رجلا طموحا واتخذ خطوات مدروسة للدور الذي قام به فيما بعد([2]).
([2]) انظر: W. Muir: Life of Mohamet, 3rd edition reprinted 1923, pp.25-26, D.S. Margoliouth: Mohammed and the Rise of Islam, London, 1905, pp.64-65, Montgomery Watt: Muhammad at Mecca, Oxford, 1960, p.39, and Muhammad's Mecca, Edinburgh, 1988, pp.50-51.
2-
وهو بالأخص كرس نفسه لفن الشعر ليستطيع نظم القرآن ([3]).
([3]) انظر: Margoliouth, op. cit, p.52-53, 60, Muir: op. cit. P.15
3-
وإنه لم يكن رجلا دون معرفة بالكتابة والقراءة كما يزعم المسلمون، وإن لفظ "الأمي" المنسوب إليه يعني شيئا آخر.([4])
([4]) انظر: Watt: Muhammad's Mecca, p.52-53
4-
وإنه اقتبس الأفكار والقصص من اليهودية والنصرانية ثم ضمَّنها القرآن.([5])
([5]) انظر: Abraham Gelger: Judaism and Islam, Madras, 1898; Richard Bell: The Origin of Islam and its Christian Environment, London, 1926; C.C. Torrey: The Jewish Foundations of Islam, New York, 1933; A.I. Kash: Judaism in Islam, New York 1954
5-
وإن كثيرا من الأخطاء العلمية المعاصرة، خصوصا تلك التي تتصل بالعالم والكون، معكوسة في القرآن، كما يوجد فيه العديد من العبارات والمصطلحات الجارية والمفردات الأجنبية، وكل هذه تدل على أنه من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم.([6])
([6]) انظر: Watt: Muhammad's Mecca, pp. 45-46; C.C. Torrey: The Commercial Theological Terms of the Koran,Leiden, 1892; Arthur Jeffry: The Foreign Vocabulary of the Qur'an, Broda, 1938
6-
وإن كلمة "الوحي" لا تعني إلقاء النص من الله بل تعني اقتراحا أو إشارة (suggestion) أو "التكلم الذهني" (Intellectual Locution).([7])
([7]) انظر: Richard Bell: "Mohammed's Call", The Moslem World, January 1934, pp.13-19; Mohammed's Vision, ibid; Watt: Muhammad at Mecca, pp.52-58, and "The Islamic Revelation in the Modern World", Edinburgh, 1969.
وأما الذين يدعون أن القرآن قد تطور عبر القرنين الأول والثاني من الهجرة فكلامهم يدور حول المزاعم التالية:
1-
إن المصادر التاريخية الإسلامية ليست معاصرة ولا يمكن تصديقها.
2-
إن الحفريات الأثرية في جزيرة العرب خصوصا تلك التي جرت في منطقة نجف كشفت العديد من النقوش القديمة تدل على عدم وجود القرآن في القرن الأول الهجري.
3-
إن المخطوطات القرآنية القديمة التي عثر عليها مؤخرا في صنعاء تشير إلى تطور القرآن خلال فترة طويلة.
4-
وإن نقد النص القرآني بشير إلى أخطاء في نسخ القرآن.
ويتضح مما سبق أن مزاعم المستشرقين لها جوانب متنوعة وأبعاد خطيرة، وأنهم لا يكفون عن محاولات النيل من القرآن.
كما يلاحظ فإن المجموعة الأولى من ادعاءاتهم تتصل بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم كذلك، وقد عالجت حججهم الرئيسة بالنسبة إلى هذه الادعاءات في كتابي "سيرة النبي صلى الله عليه وسلم والمستشرقون"([8]).
([8]) انظر: M.M. Ali: Sirat al-Nabi and the Orientialists, vol:1A, King Fahd Qur'an Printing Complex, Madina, 1997, Chapters: x-xii and xvi-xxii.
على أية حال، فإنه لا يمكن استقصاء جميع أقوالهم في حدود بحث واحد. لذا خصصت الصفحات التالية لإلقاء بعض الضوء على نظرياتهم بالنسبة للمجموعة الثانية من الادعاءات.
-------------------
2- ج. وانسبرة (J. Wansborough) وأعوانه :
انتكاسهم في الفكرة الخاطئة القديمة
إن إجناس جولدتسيهر (Ignaz Goldziher) هو الذي حاول في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي التشكيك في صحة المصادر التاريخية الإسلامية قائلا بأن معظم الروايات (الأحاديث) إن لم يكن جميعها، برزت في حيز الوجود في القرن الثاني(أو الثالث) الهجري إثر نشوء خلافات سياسية وعقدية وقانونية بين المسلمين، فجاءت كل فرقة منهم بروايات مفتريات تؤيد آراءهم ومواقفهم الخاصة، فلا يمكن الاعتماد عليها.([9])
([9]) انظر: Ignaz Goldziher, Mohammedarische Studien (first published 1890) vol: 2, tr. Into English by C.R. Borber and Snt. Sten under title: Muslim Studies, vol:2, London, P.170.
وقد أخطأ جولدتسيهر في نظريته هذه من عدة نواح، الرئيسة منها أنه تجاهل اهتمام المحدِّثين الشديد بنقد الحديث سندا ومتنا.([10])
([10]) انظر: M.M. Al-Azami: Studies in Early Hadith Literature, Beirut, 1968; ، محمد لقمان السلفي: اهتمام المحدثين بنقد الحديث سندا ومتنا ودحض مزاعم المستشرقين وأتباعهم، الرياض، 1984م؛ محسن عبد الناظر: دراسات جولدزيهر في السنة ومكانتها العلمية، رسالة دكتوراه، جامعة تونس، 1404/1984
وفي الواقع قام بفحص فرضيته مستشرق شهير في الربع الأول من القرن العشرين، وهو هوروفيتس (J. Horovitz) الذي كتب سلسة من رسائل علمية معمقة أثبت فيها أن جمع الأحاديث وتدوينها بدأ بدقة في الربع الثاني من القرن الأول الهجري.([11])
([11]) انظر: J. Horovitz: “The Earliest Biographies of the Prophet and Their Authors", translated from the German by Marmaduke Pickthall, Islamic Culture, vol:1, 1927, pp.535-559; vol:2, 1925, pp.22-50, 164-182 and 495-523.
فلم تلق نظرية جولدتسيهر قبولاً من قبل عامة المستشرقين أنفسهم. ولكن في منتصف القرن تأثر يوسف شاخت (Joseph Shacht)، وهو وقتئذ أستاذ بمدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية بجامعة لندن (School of Oriental and African Studies)، بأفكار جولدتسيهر فضخمها في كتاب بعنوانOrigins of Muhammadan Jurisprudence) (أصول فلسفة التشريع الإسلامي).([12])
([12]) Published at Oxford, 1950
ذهب فيه إلى القول : إن الروايات الإسلامية لا صحة لها على الإطلاق، وحتى الروايات التاريخية لا يمكن الاعتماد عليها إذ إنها وضعت لأغراض تشريعية، وأن الشريعة الإسلامية كانت خارج نطاق الدين الإسلامي وأن القرآن لم يكن مصدرا لها خلال القرنين الأول والثاني من الهجرة.
وبالطبع أثار كتاب شاخت انتقادات حادة لا من قبل العلماء المسلمين فحسب،([13])
([13]) انظر مثلا: M.M. Al-Azami: On Shacht's Origin of Muhammadan Jurisprudence, King Saud University and John Wily & Sons. Inc., New York, 1985
بل من قبل علماء الغرب كذلك. فقال ن. ج. كولسون (N.J. Coulson) أستاذ آخر بجامعة لندن : إن فرضية شاخت تؤدي إلى إيجاد فراغ تاريخي لا يمكن قبوله نظراً للواقع،([14])
([14]) انظر: N.J. Coulson: A History of Islamic Law, London, 1946, pp.64-65
وقال وات (W.M. Watt): إن علماء الغرب يقبلون صحة عامةِ ما جاء في كتب السيرة ويكملونها بما يوجد من الإشارات في القرآن، وإن الأسلوب الأفضل هو اتخاذ الروايات والإشارات القرآنية ليُتِمَّ بعضها بعضا.([15])
([15]) انظر: M.M. Watt: Muhammad at Mecca, Oxford, 1960, p.xv; and his "The Materials used by Ibn Ishaq” in B. Lewis and P.M. Holtfield (ed): Historians of the Middle east, London, 1962, pp.23-24
وقال ماكسيم رودنسون (Maxime Rodinson): إن فترة قرن فاصلة لا تعتبر مفرطة، فإنه يعرف قبيلة سودانية يروي أفرادها ذكريات آبائهم لوقائع تاريخية لهم ترجع إلى وقت قبل ثلاثة قرون، كما أن له أصدقاء مسنِّين يروون عن آبائهم ذكريات انجلس (Engels) ترجع إلى فترة ما بين 1840 و 1848م، وأن بعض هذه الذكريات قد أدخلت في مجلد نشرهمعهد الماركسية واللينينية بموسكو (Institute of Marxism-Leninism). ([16])
([16]) انظر: Souvenires sur Marx et Engels, Russian edition, 1956
ويضيف رودونسون قائلا : إن هذا النوع من "الإسناد العائلي" قابلٌ للاعتماد عليه وإن شكَّ فيه شاخت.([17])
([17])me Rodinson: "A Critical Survey of Modern Studies on Muhammad", in Merlin Swarty (ed), Studies in Islam, OUP, 1981, pp.44 and notes 123 and 124 at pp.75-76.
وبالرغم من هذه الانتقادات والرفض العام للأفكار الخاطئة المطروحة من قبل جولدتسيهر وشاخت فإن بعض أعضاء هيئة التدريس بمدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية بجامعة لندن تبنوها في السبعينيات وتجاوزوا جميع الحدود في الغلو والمبالغة. وكان رائدهم جون وانسبرة (John Wansborough) الذي أصدر كتابين متتالين في سنتي 1977 و 1978وهما : Qur’anic Studies: Sources and Methods of Scriptural Interpretation (الدراسات القرآنية: مصادر ومناهج التفسير للكتاب الديني) وSectarian Milieu: Content and Composition of Islamic Salvation History (البيئة الطائفية: محتويات تاريخ النجاة الإسلامي وتأليفه). استخدم فيهما وانسبرة ما يسمى بأدوات نقد الكتاب المقدس وأساليب تنقيحه ونقد النص وتاريخ تعديله، وخلص إلى ما يلي :
أ.
إن القرآن تطور تدريجيا في القرنين الثامن والتاسع الميلاديين من أصل روايات شفوية عن طريق تعديلات جرت عبر قرنين، ثم أعطيت شكلا رسمياً (Canonical Form)، وصادف ذلك بروز التفاسير القرآنية، وكانت هذه العملية مماثلة لما حدث في تقويم الكتاب المقدس لليهود.([18])
([18]) انظر: J. Wansborough: Qur’anic Studies, etc, Oxford, 1977, pp.42-45
ب.
إن الطابع الجدلي لكثير مما جاء في القرآن يدل على أن معارضة يهودية قوية كانت السبب في عملية الترسيم.
ج.
إن الروايات الإسلاميـة مماثلة لما يسميــــه علماء الكتاب المقدس بـ "تاريخ النجاة" (Salvation History) أي قصة وضعت متأخرة لأغراض دينية ودعوية، ثم نسبت إلى وقت مبكر (projected back in time).
إن تفسير عدم بقاء أية مواد تاريخية إسلامية من القرن الأول الهجري يعود إلى عدم وجودها، وأنه لا يمكن تصديق معظم الروايات الإسلامية بواسطة مصادر معاصرة غير إسلامية. كما يقول وانسبرة استنادا إلى شاخت: إن القرآن لم يكن مصدرا للشريعة الإسلامية قبل القرن التاسع عشر الميلادي.([19])
([19]) المصدر نفسه، ص 44
وتزامن صدور كتاب وانسبرة الأول نشر كتاب جدلي آخر بقلم باتريشيا كرون (Patricia Crone) ومايكل كوك (Michael Cook)، وقد كانا بمدرسة الدراسات الشرقية الإفريقيـة وقتذاك، وعنوان كتابهما : Hagarism : The Making of the Islamic World (الهاجرية : تكوين العالم الإسلامي)، وقد صدر عام 1977م. يعترف كوك وكرون أنهما لم يكتبا في كتابهما بشأن القرآن شيئاً ليس له أصل فيما كتبه وانسبرة في كتابه الدراسات القرآنية.([20])
([20]) نقل القول توبي ليستر (Toby Lester) في مقالته “What is the Koran”, The Atlantic Monthly, January 1999, p.55
وهذا يدل على أنهما كانا على علم بما يكتبه وانسبرة حين كانا يؤلفان كتابهما.
على أي حال، فإن الأمور التي وردت في وانسبرة متشابكة ومشوشة للغاية. وبما أنها مبنية على أفكار جولدتسيهر وشاخت الخاطئة الفاسدة فإن الفرع يعتريه ما يعتري الأصل الباطل. وإضافة إلى ذلك فقد أخطأ وانسبرة في أمور أخرى، منها:
أولا:
تأثر وانسبرة بما يعرفه عن تدوين الكتاب المقدس وتنقيحه، فيحاول تطبيق تلك القصة على القرآن، ولكنه يتجاهل تماما أن عملية إصدار كتاب ديني مثل الكتاب المقدس، خلاف لكتاب عادي، تتم دائما بواسطة مجلس أو مؤتمر وتكون وقائع مثل هذا الحدث عامة ذات أهمية كبرى ولا تفوت أنظار الناس فيسجلها المؤرخون والمراقبون. والوقت الذي يشير إليه وانسبرة كان قد شهد خلافات سياسية وعقدية بين المسلمين أنفسهم وكانت الدولة العباسية المترامية الأطراف مشتملـــة على أجزاء من شبه القارة الهندية في الشرق، وأجزاء من أوروبا في الغرب. فلو جرى إصدار كتاب ديني للمسلمين في تلك الفترة لسجله التاريخ بشكل أو بآخر. لكن وانسبرة وأعوانه لا يستطيعون الإشارة إلى أي حادث مثل هذا، لا من مصادر إسلامية ولا من مصادر يونانية أو فارسية أو هندية، فافتراضه لا أساس له من الصحة.
ثانيا:
يزعم وانسبرة أن الروايات القرآنية المتفرقة بقيت شفوية عبر قرنين ثم جمعت في القرن التاسع الميلادي في حين يقول إن الروايات الإسلامية التاريخية لم تكن موجودة من قبل، بل اختلقت في القرن التاسع ونسبت إلى وقت مبكر من بداية القرن الأول الهجري. فنظريته بالنسبة لمجموعة من الروايات حسب زعمه مناقضة لنظريتيه بالنسبة لمجموعة أخرى من الروايات، وإضافة إلى ذلك فزعمه غير منطقي إذ لا يمكن تصور اختلاق روايات ذات عدد هائل ومتصلة بوقائع وتطورات متنوعة مع فروقها الواسعة في الأزمنة والأماكن والأشخاص.
ثالثا:
يخطئ وانسبرة في قوله إن القرآن كان جاريا في روايات شفوية متفرقة. ومعنى هذا القول أن المسلمين كانوا يحفظونه بكامله في صدورهم، ولكن بالإضافة إلى ذلك كان القرآن متداولا أيضا في شكل كتاب كامل، وذلك منذ خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه.
رابعا:
كما يخطئ في قوله إن القرآن جدلي إلى حد كبير وإن ترسيمه تم في بيئة تسودها معارضة يهودية قوية. إن القرآن ليس جدليا بل إنه ينتقد وينهى عن جميع أنواع الشرك والانحراف عن التوحيد، فيشجب الوثنية والمجوسية والصبئية عبادة النجوم والشمس والقمر وعبادة الأشجار والجبال، كما يدين التثليث وتأليه عيسى عليه السلام والاعتقادات اليهودية الخاطئة. وبما أن القرآن يرفض جميع هذه الأنواع من الضلالة، وليس فقط ضلالة اليهودية وقتذاك، ويشير إلى معارضة المشركين والمنافقين واليهود على السواء، فإنه جاء في بيئة تسري فيها هذه الضلالة، وهي بيئة سادت الجزيرة العربية في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، لا في العصر العباسي. وإذا اعتبرنا معارضة اليهود فقط فهي حدثت في المدينة بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إليها، لا في العهد العباسي. وإن في القرآن نفسه لدلالات عديدة على معاصرتها للنبي صلى الله عليه وسلم. فهو لا يتحدث عن معارضته للمشركين والمنافقين واليهود والمعارك التي خاضها فحسب، بل يعاتبه أحيانا لانصرافه عن الأعمى الذي جاءه ليزكى([21])
([21]) القرآن: 80 : 1-4
أو ينهاه عن طرد الفقراء من قربه([22])
([22]) القرآن: 6 : 52
ويأمره بالمصالحة مع زوجاته([23]).
([23]) القرآن: 66 : 1-3
وجميع هذه الآيات تدل على معاصرتها المطلقة للنبي صلى الله عليه وسلم.
خامسا:
يخطئ وانسبرة في قوله: إنه لم توجد مصادر تاريخية للإسلام قبل القرن التاسع الميلادي (نهاية القرن الثاني الهجري). فإضافة إلى القرآن الكريم، هناك دلائل عديدة تثبت كتابة أقوال النبي صلى الله عليه وسلم إبان حياته([24])
([24]) انظر: صحيح البخاري، ح 111-112، ومسند أحمد، ج2، ص: 192، 207، 215، 403
وعلى بدء تدوين الأحاديث والروايات بانتظام في الربع الثاني من القرن الأول الهجري([25]).
([25]) انظر مقالات هوروفيز المشار إليها سابقا.
وعلاوة على ذلك، فإن وجود المخطوطات القرآنية القديمة والآثار والنقوش التي ترجع إلى القرن الأول الهجري يبطل دعوى وانسبرة، وتجدر الإشارة هنا إلى اكتشاف مجموعة من المخطوطات القرآنية في صنعاء عام 1970 والتي بعضها (خصوصا مخطوطة رقم 20-1033) ترجع إلى الربع الأخير من القرن الأول الهجري.
وقبل أن نتحدث عن هذه المخطوطات الصنعانية، ينبغي أن نشير إلى بعض مزاعم أخرى للذين تأثروا بأفكار وانسبرة.
------------
3- يهودا دي نيفو (Yehuda De Nevo)
والمنقحون (The Revisionist)
تأثر بعض المستشرقين الجدد بأفكار وانسبرة، وعلى الأخص الذين يلقَّبون بـ "المنقحين" (Revisionists) ويعتقدون أنه لا بدّ لليهود في العصر الحديث من تنقيح أو نسف تاريخ العصور الوسطى وذلك لإفساح المجال لتمكنيهم من التعايش مع الآخرين على أرضية متساوية. ومن بينهم يهودا دي نيفو وج. كورن اللذان حددا منهجهما في نقطتين هما :
1-
إنه لا بد من توثيق أية معلومات تنفرد بها الروايات الإسلامية بشواهد أثريــة مادية (Archaeological evidence material)، وفي حالة التناقض بينهما تفضل الثانية.
2-
إن عدم وجود شاهد خارجي لحدث تنفرد به الروايات الإسلامية يعد دليلا إيجابيا على أن الحدث لم يحدث.
وانطلاقا من هذين الأساسين يقول دي نيفو و ج. كرون: إن حفريات أجريت في مناطق صحراوية من الأردن قد كشفت عن آثار يونانية ونبطية ورومانية، كما أن حفريات في النقب أظهرت آثارا تدل على وجود الوثنية والحياة الجاهلية هناك في القرن السادس والسابع الميلاديين (القرن الأول الهجري) وهذه الجاهلية مماثلة لما تذكره المصادر الإسلامية بالنسبة للحجاز في ذلك العصر، ولكن الحفريات في الحجاز نفسه لم تكشف عن أية آثار للجاهلية والوثنية، ولا عن آثار تشير إلى وجود اليهود في المدينة أو في خيبر أو في وادي القرى. وهذا يعني أن المصادر الإسلامية أخذت معلومات عن الجاهلية والوثنية السائدة في النقب ثم نسبتها إلى تاريخ الحجاز ومكة في القرن السادس الميلادي.([26])
([26]) انظر: Koren & Y.D. Nevo: "methodological Approaches to Islamic Studies", Der Islam, Band 68, Hapt 1, pp.91-102
ومن ناحية أخرى اكتشفت في النقب عدد من النقوش العربية تشير إلى وجود اليهودية والنصرانية هناك جنبا إلى جنب مع فكرة التوحيد بدون ذكر نبي أو رسول، كما تحتوي على عبارات توجد في القرآن ولكنها لا تذكر القرآن ولا الإسلام ولا الرسول، وهذه النقوش ترجع إلى القرنين الأول والثاني الهجريين، وفي الوقت نفسه لم تكتشف في الحجاز أية نقوش تدل على وجود القرآن والإسلام هناك في القرنين الأول والثاني الهجريين. فهذا يعني أن القرآن اقتبس الأفكار من اليهودية والنصرانية ومن فكرة التوحيد النقبي القديمة. تم ترسيم([27])
([27]) المراد به نشر القرآن بصفة رسمية أقرَّها الخليفة.
القرآن بعد أن أدخلت فيه العبارات العربية الموجودة في تلك النقوش الخاصة بالمصطلحات الدينية للمسلمين وذلك في نهاية القرن الثاني الهجري أو بعده([28]).
([28]) انظر: Y.D. Nevo: "Towards a pre-history of Islam", Jerusalem Studies in Arabic and Islam, vol:17, 1999, pp.125-126
من الواضح أن هذه المزاعم خليط مما يقوله المستشرقون القدماء: إن القرآن مقتبس من اليهودية والنصرانية، ومن أقوال جولدتسيهر وشاخت ووانسبرة الذين يزعمون أن المصادر التاريخية الإسلامية مختلقة برمتها في القرن الثاني الهجري، وأن القرآن تم ترسيمه في الوقت نفسه. وقد حاول دي نيفو وأعوانه المنقحون تدعيم هذه الآراء بما يزعمونه شواهد أثرية. ولكن موقفهم غير معقول إلى حد أنَّ دَحضَه جاء بادئ ذي بدء من قبل المستشرقين غير المنقحين. فقد كتب الأستاذ ف. م. دونار (F.M. Donar) كتابا مستقلا([29])
([29]) انظر: Fred M. Donner: Narratives of Islamic Origins: The Beginnings of Historical Writings, Darwin Press, Inc, Preston, 1998
يثبت فيه أن تدوين الروايات والتاريخ الإسلامي بدأ في وقت مبكر من القرن الأول الهجري ويقول: إن عدم وجود أسلوب قرآني في النقوش العربية المكتشفة في النقب مع إشارة فيها إلى التوحيد يمكن اتخاذه شاهدا على جمع القرآن متأخراً. ولو ثبت أن جمع القرآن حصل أولا في الشام وليس في الحجاز- ولكن هذا ما لم يثبته نيفو ولا وانسبرة - لأمكن استخدام الحجة نفسها لإثبات أن تعاليم القرآن وأساليبه تسربت تدريجيا إلى البلاد المجاورة مثل الشام([30]).
([30]) المصدر نفسه، ص 62.
وتشير المستشرقة استيلا ويلان (Estelle Whelan) إلى ثلاثة شواهد تبطل ادعاءات نيفو ووانسبرة.([31])
([31]) انظر: Estelle Whelan: "Forgotten Witness: Evidence for the Early Codification of the Qur'an", Journal of the American Oriental Society, vol:48, no:1, 1998, pp.1-14
أولا:
النقشان الطويلان الموجودان على وجهي البواكي في قبة الصخرة بالقدس، واللذان يشتملان على مقتبسات من القرآن الكريم، ولاسيما الآيتان 57 : 2 و46 : 1، مع إثبات كلمة الشهادة في كليهما، نصبهما الخليفة الأموي عبد الملك في سنة 72هـ (691-692م) إلا أن الخليفة العباسي المأمون وضع اسمه مكان اسم عبد الملك بدون تغيير التاريخ. وتقول ويلان: إن وجود اختلافات طفيفة في العبارات لا تعني أن المقتبسات ليست من القرآن، كما يزعم كرون وكوك،([32])
([32]) انظر: P. Crone & M. Cook, Hagarism etc., pp.18; 167n.18
بل أدخلت من أجل تنسيق النص مع الموضوع والسياق، وكان المسلمون ولا يزالون يخلطون النصوص القرآنية بعبارات أخرى مناسبة في النقوش والمؤلفات والخطب، وهذا يدل أن القرآن لم يكن نصا مدوناً فحسب، بل كان متداولا ومألوفا لدى عامة المسلمين المثقفين. وإلى جانب هذين النقشين في القبة الخضراء نصوص قرآنية قصيرة مثل 112: 1-2 و9: 133 على عملات الأمويين المضروبة بين سنتي 77هـ و132هـ (697-750م). وكل هذا يدل على وجود القرآن وتداوله بين المسلمين منذ منتصف القرن الأول الهجري خلافا لما يزعم نيفو ووانسبرة.
والشاهد الثاني نقش طويل كان على الجدار الجنوبي (ناحية القبلة) للمسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة وكان يمتد من باب السلام عبر الجدار إلى باب جبريل وكان يشمل سورة الفاتحة والسور 91-114. شاهد هذا النقش أبو علي بن رسته في سنة 290/903م([33])
([33]) ابن رسته: كتاب الأعلاق النفيسة، (تحرير دي جيجي (M.J. De Geeje) ليدن، 1892، ص. 70
كما شاهده زائر أندلسي وكان قد نصبه عمر بن عبد العزيز في سنة 88/706م حينما كان واليا للخليفة الوليد بالمدينة. ويشير ابن رسته إلى أنه كانت هناك نقوش قرآنية أخرى في جدران المسجد التي هدمها الخوارج سنة 120/747م. كما يشير السمهودي، نقلا عن الواقدي وابن زبالة إلى أن نقوشا قرآنية أخرى كانت على الجدران بوجهيها الداخلي والخارجي وفوق أبواب المسجد.([34])
([34]) السمهودي: وفاء الوفى بدار المصطفى، المجلد الأول (تحرير: م. م. عبد الحميد)، القاهرة، ص. 371.
وتقول ويلان "إن وجود 24 سورة متتالية من أواخر القرآن في النقش على الجدار القبلي لدليل قاطع على أن ترتيب السور القرآنية كان قد تم قبل عهد عمر بن عبد العزيز بكثير.([35])
([35]) ويلان: المصدرالسابق، ص. 10
والشاهد الثالث وجود نساخ للقرآن بالمدينة منذ منتصف القرن الأول الهجري اشتهروا بـ "أصحاب المصاحف".([36])
([36]) المصدر السابق، ص. 10-12, نقلا عن الطبري، التاريخ، (ط. ليدن) 3:2329؛ انظر أيضا مقالتها:
“Writing the Words of God: Some early Qur’an Copyists and their Milieu”, part 1, Ars Orientalis, 1990, pp.113-47
كما تطورت فيها مدرسة للنحويين المهتمين بالكتابة القرآنية في أواخر القرن الأول الهجري.([37])
([37]) انظر: R. Talman: "An Eight century Grammatical School in Madina: The Collection and Evaluation of the Available Material", Bulletin of the School of Oriental and African Studies, vol. 48, 1985, pp.225-228
ومما لا شك فيه أن المدينة كانت مركزا علميا وثقافيا للمسلمين قبل نشأة المدن في العراق، وأن هؤلاء النساخ كانوا يلبون طلبا متزايدا لنسخ القرآن للدراسات والتدريس في المساجد والمدارس وبيوت الناس. وتجدر الإشارة إلى أن الخلفاء الأمويين، بدءا من معاوية، كانوا ينظمون جميــع جوانب الحياة الدينية، فقام معاوية – مثلاً - بتزيين المنبر في المسجد النبوي وأمر ببناء المقاصير في المساجد الجوامع، واستخدم عبد الملك النصوص القرآنية استخداما موزونا مناسباً في النقوش وعلى العملات، وقام الوليد بتوسيع المسجد النبوي إلى حد كبير. ونظرا لهذا كله، فإن الاحتمال بأن اهتمامهم بهذه الأمور سبق اهتمامهم بجمع القرآن وتوزيعهم بين الناس احتمال بعيد كل البعد.
وبالإضافة إلى هذه الحقائق فإن نيفو يخطئ في وجهة نظره من نواح أخرى. منها :
أولاً :
افتراضه أن جميع ما تقوله المصادر والروايات الإسلامية بالنسبة لتأريخ الإسلام للقرنين الأول والثاني ينبغي توثيقهما بمصادر معاصرة غير إسلامية أو بآثار مادية، وإذا لم يمكن توثيقها فإنها تعتبر معدومة. هذا منهج غير معقول وغير مناسب حتى بالنسبة لكثير من وقائع التاريخ الحديث فضلا عن وقائع تاريخ العصور الوسطى والقديمة التي لا محالة من أن تعتمد في كثير من الأحيان على مصدر منفرد ليس بمعاصر.
ثانيا:
إن ظنه أن قصة الجاهلية والوثنية بالنسبة للحجاز مختلقة يفترض أن جميع ما ينبغي من الحفريات في تلك المنطقة قد، تم عمله وأنه لم يبق عمل شيء بهذا الصدد. وهذا ليس بصحيح على الإطلاق، فإن كثيرا من الأماكن لا تزال بحاجة إلى مسح ودراسة. كما يتغاضى في هذا القول عن أمر هام وهو أن الأوثان والمعابد الوثنية تم تدميرها وطمسها في الحجاز على نطاق أوسع وأكمل بعد مجيء الإسلام مما كان الحال في البلاد المجاورة التي دخل فيها الإسلام تدريجيا.
ثالثا:
يغفل نيفو كذلك عن طبيعة الوثنية في الحجاز، فأنها لم تكن أصيلة هناك بل كانت مستوردة من الشام، ومن ثم لم تكن عميقة الجذور ومتطورة ذات أساطير متشابكة مثلما كانت في اليونان والعراق والهند، وإن كانت منتشرة انتشاراً واسعاً قبيل ظهور الإسلام. وتقول رواية إسلامية: إن عمرو بن لحي زعيم بني خزاعة هو الذي استورد الوثنية من الشام وقدم بصنم هبل فنصبه بمكة وأمر الناس بعبادته وتعظيمه([38]).
([38]) صحيح البخاري: ح 3521 و4623-4624؛ صحيح مسلم، ح 2856؛ مسند أحمد، ج2، ص. 275-276، وج3، ص. 318، 353-54، وج5 ص. 137؛ وابن هشام: السيرة النبوية (تحرير مصطفى السقا والآخرون)، ج5، ص.78 -79؛ الكلبي: كتاب الأصنام (تحرير أحمد زكي باشا)، القاهرة، 1343هـ، ص. 8.
كما جاء بأصنام ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر،([39])
([39]) ابن حجر: فتح الباري، ج6، ص. 634
وهي الآلهة التي كان قوم نوح عليه السلام يعبدونها، ويتحدث عنها القرآن([40]).
([40]) القرآن: 71: 23
وإذا كان الأمر كذلك، فإن الاكتشافات الأثرية في النقب توثق المصادر الإسلامية من هذه الناحية، بدلا من أن تناقضها، كما يظن نيفو.
رابعا:
يخطئ نيفو في تلميحه بأن الإسلام كان ردة فعل للوثنية إذ يقول إن المسلمين اختلقوا قصة الوثنية في الحجاز تمهيداً لظهور للإسلام. القرآن طبعا يدين الوثنية، ولكنه لا يكتفي بذلك، بل ينتقدها و ينهى عن جميع أنواع الانحرافات عن التوحيد وجميع ألوان الشرك التي كانت سائدة لا في الجزيرة العربية فحسب بل في العالم أجمع. فالقرآن يحرم عبادة الشمس والقمر والأجرام الفلكية الأخرى التي كانت سائدة في بعض مناطق الجزيرة العربية ولكنــها جاءت من الشرق إلى الغرب، كما يدل على ذلك وجود معبـد السماء (The Temple of Heaven) في بكين (Beijing, China) ووجود أهرامات لعبادة الشمس والقمر والأجرام الفلكية في جنوب شرق آسيا وعبر شمال إفريقيا إلى أمريكية الجنوبية([41]).
([41]) Alan F. Alford, Gods of the New Millennium, London, 1996.
كذلك ينهى القرآن عن عبادة الجبال والأشجار والأنهار والظواهر الطبيعية مثل السحاب والبرق والرعد. قال تعالى:[لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن] (الصافت: 37) .وقال : [ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس] (الحج:18). قال : [هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا وينشئ السحاب الثقال. ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء، وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال] (الرعد: 13). كما ينهى الله في القرآن عن تأليه الملائكة والأنبياء والأشخاص البارزين كما كان الناس في شتى أنحاء العالم يفعلون ولا يزالون. يقول عزّ وجلّ : [ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا] (آل عمران: 80)، ويقول : [إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم](الأعراف: 194). كذلك ينهى الله عز وجلّ في القرآن عن عبادة إلهين، إله للخير وإله للشر، أو إله النور وإله الظلمات، كما كان المجوس يفعلون. يقول عز وجل في القرآن [لا تتخذوا إلهين اثنين، إنما هو إله واحد]،(النحل: 51) [الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون](الأنعام: 1) وفي السياق نفسه يستنكر القرآن تأليه عيسى عليه السلام وجعل الأبناء والبنات لله، وفكرة التثليث والتجسد، وغير ذلك من الشرك والانحرافات عن التوحيد، فالقرآن عالمي من ناحيتي المنطلق والرسالة على السواء، فلا داعي للمسلمين لاختلاق قصة للوثنية في الحجاز على غرار ما كان سائدا في النقب، كما يزعم نيفو وأمثاله.
وبما أن نيفو لا يدرك طبيعة القرآن هذه يزعم أن القرآن خليط من الأفكار اليهودية والنصرانية والتوحيدية الموجودة في النقب قبيل ظهور الإسلام. إن القرآن لا ينكر وجود اليهودية ولا النصرانية، بل ينتقد ويرفض الانحرافات عن التوحيد وتقاليد الشرك التي طرأت عليهما، كما يقول إنه إنما جاء لإحياء وإكمال رسالة التوحيد التي بلغها النبيون والرسل من قبل، ويقول :[إن هذا لفي الصحف الأولى، صحف إبراهيم وموسى] (الأعلى: 18،19). ويشير أيضا إلى إنه بالرغم من الظلم والاضطهاد من قبل الكفار فإن مجموعة أو أفرادا من المؤمنين بالتوحيد لا يزالون في أماكن مختلفة([42]).
([42]) القرآن، 85 : 4-8
كما تشير روايات إسلامية إلى وجود بعض الموحدين (الحنفاء) في الحجاز قبيل ظهور الإسلام. فالمعلومات عن الآثار في النقب، خصوصا تلك التي تشير إلى وجود فكرة التوحيد، تؤيد وتوثق ما يقول القرآن والمصادر الإسلامية، خلافا لما يظنه نيفو.
خامسا:
يغض نيفو النظر عن أن العرب ذوو عواطف، ويعتزّون بأسلافهم. فلو لم تكن قريش مشركين عند ظهور الإسلام، لما سمح أحفادهم من الأمويين أو العباسيين بتدنيس ذكرى آبائهم بالوثنية، كما يخطئ في زعمه أنه لا توجد آثار تشير إلى وجود اليهود في المدينة أو في خيبر، فإن آثار حصن كعب بن الأشرف أحد زعماء اليهود بالمدينة في عهد النبي صلي الله عليه وسلم موجودة حتى اليوم في ضاحيتها. وبالجملة فإن مزاعم نيفو فاسدة ولا أساس لها من الصحة.
--------------
4- مخطوطات صنعاء القرآنية
وتخمينات المستشرقين المتجددة
سبق أن أشرنا إلى مخطوطات صنعاء القرآنية.([43])
([43]) انظر آخر سطرين في النقطة الرئيسية 2
ففي سنة 1970م عثر على مجموعة من المخطوطات القرآنية القديمة في الدور العلوي للمسجد الجامع الكبير بصنعاء. وفي بداية الثمانينات دعا مدير إدارة الآثار في اليمن، القاضي إسماعيل الأكوع خبيرين ألمانيين هما الدكتور جيرد ر. بوين (Gerd R Puin) وهـ. س. غراف فون بوتمر (H.C. Graf Von Bothmer) لترميم المخطوطات وصيانتها وذلك بالتعاون مع وزارة الخارجية الألمانية. وعمل بوين وبوتمر في صنعاء بضع سنين، ويبدو أنهما لم يعملا خبيرين للترميم فحسب بل استهدفا عملا إستشراقيا أيضا. فالتقط بوتمر صورا ميكروفلمية لأكثر من 000ر35 ورقة ورجع بها إلى ألمانيا، وفي 1987 كتب مقالة تحدث فيها عن هذه المخطوطات وأشار إلى أن أحدها، وهو ذو الرقم 23-1033 يرجع إلى الربع الأخير من القرن الأول الهجري([44])،
([44]) بوتمر، المصدر السابق
كما كتب بوين مقالة بعنوان "ملحوظات على المخطوطات القرآنية القديمة بصنعاء"([45]).
([45]) انظر: Gerd R. Puin: "Observation on Early Qur'an Manuscripts in San'a", in Stefan Wilde (ed), The Qur’an as Text, E.J. Brill, Leiden, 1996, pp.107-111
وقد أثار خبر هذه المخطوطات اهتماما بالغا بين المستشرقين، فعقدوا ندوة في 1998 بليدن (Leiden) عن "الدراسات القرآنية" حيث ألقى كل من بوين وبوتمر محاضرة في موضوع المخطوطات الصنعانية.
لم ينشر بعد مضمون محاضرتي بوين وبوتمر، غير أن بوين أشار في مقالته إلي اتجاهاته هو والمستشرقين عامة في هذا الصدد، إذ يشير أولا إلى الجهود المبذولة من قبل المستشرقين السابقين مثل أرثر جيفري (Arthur Jeffery)، وأوتـو برتـزل (Otto Pretzel)، وأنتـون شبيتالـــر (Anton Spitaler)، وأ. فشر (A. Fischer) لجمع المخطوطات القرآنية القديمة ثم إعداد نسخة منقحة للقرآن بعد مقارنة ما يجدونه من اختلافات في النصوص في جميع النسخ، ويقول: إن هذه الجهود لم تنجح لأن المخطوطات المقتناة بجامعةميونخ (Munich)لهذا الغرض - وهي عدد هائل من المخطوطات - دمرتها قنبلة وقعت عليها أثناء الحرب العالمية الثانية. ثم يقول بوين: إن المخطوطات القرآنية بصنعاء تتيح الفرصة لتجديد الجهود في الاتجاه نفسه([46]).
([46]) المصدرالسابق، ص 107
ثانيا :
يشير بوين إلى النقاط التي لاحظها في المخطوطات وذكر منها :
(أ)
طريقة غير صحيحة في كتابة "الألف" (همزة) في عدد من المواضع
(ب)
الاختلاف في إحصاء عدد الآيات بالنسبة إلى بعض السور
(ج)
الاختلاف في ترتيب السور في ورقتين أو ثلاث([47]).
([47]) المصدرنفسه ص 108-110
ثالثا :
يؤكد بوين أن هذه الاختلافات جدّ طفيفة وأنه إذا لم يتم جمعها بأكملها فإنه ربما لا يؤدي إلى اختراق أو تقدم مفاجئ في الدراسات القرآنية ولكنه يستطرد قائلا : " إن القرآن ليس بواضح (مع ادعائه أنه مبين) وإن وجود هذه الاختلافات يشير إلى أن السور القرآنية لم تكتب في شكلها النهائي أثناء حياة محمد (صلى الله عليه وسلم) وأنه من المحتمل أن قرآنا ذا ترتيب مختلف للسور كان متداولا لزمن طويل .([48])
([48]) المصدرنفسه ص 107 و111
ومما لا شك فيه أن كتابة بوين وبوتمر أثارت تخمينات واسعة في دوائر استشراقية، فقام أحد المستشرقين - واسمه توبي ليستر (Toby Lester)- باتصال هاتفي مع بوين([49])
([49]) انظر خطاب بوئن إلى القاضي الأكوع بتاريخ 14/2/1999م المنقول في Impact International، ج30، (ا) العدد لمارس 2000م، ص 27.
ثم حرَّر مقالة صحافية لها وزنها نشرتها مجلة The Atlantic Monthly في عدد ينابر، 1999 بعنوان "ما هو القرآن؟" )(What is the Quran)[50]).
([50]) انظر: The Atlantic Monthly, January 1999, pp.43-56
تشتمل المقالة على ثلاثة أصناف من المواد :
(أ)
خبر عن المخطوطات الصنعانية والاستنتاجات التي توصل إليها بوين وبوتمر
(ب)
مزاعـــم المستشرقين الآخرين مثــل وانسبرة وكرون وكوك ونيفو وبيلامي (J.A. Bellamy) عن القرآن
(ج)
إشارة إلي ما يقوم به المستشرقون حاليا من الدراسات القرآنية أو ما ينوون القيام به في المستقبل القريب.
أما بالنسبة للمخطوطات الصنعانية وعمل بوين و بوتمر فيها فكرر توبي ليستر ما قاله بوين في مقالته المشار إليه آنفا وأضاف أن بوين يرى أن القرآن تطور عبر زمن طويل ولم يكن كتابا منزلا من السماء على محمد (صلى الله عليه وسلم) في القرن السابع الميلادي، وأنه ليس بواضح و"مبين"، بل كل خمس آيات من القرآن تكون الآية الخامسة منها لا يمكن فهمها أو تفسيرها، وأن هناك علامات في المخطوطات تدل على إعادة كتابة بعض العبارات في بعض المواضع (palipmsests). وأن المسؤولين في صنعاء غير حريصين على القيام بدراسات مفصلة لهذه المخطوطات حتى لا تحدث بلبلة في العالم الإسلامي ومع ذلك فإن المخطوطات الصنعانية ستساعد المستشرقين في إثبات أن للقرآن أيضاً تاريخاً كما أن هناك تاريخاً للكتاب المقدس.([51])
([51]) المصدر السابق
وأما بالنسبة لأقوال وانسبرة والآخرين قفد تحدثنا عنهما من قبل إلا قول بيلامي الذي سنشير إليه فيما بعد. وأما بالنسبة لما ينوي المستشرقون عمله فسنشير إليه في الخاتمة إن شاء الله.
أثارت هذه المقالة لتوبي ليستر، أكثر من مقالتي بوين وبوتمر موجة من الاحتجاج والاغتياظ في الصحف اليمنية ضد المسؤولين في إدارة الآثار. فسارع بوين وبوتمر إلى توجيه خطابين إلى القاضي إسماعيل الأكوع وذلك لمنع تدهور العلاقة بينهما وبين المسؤولين اليمنيين. ودافع بوين عن نفسه وعن المجلة الأمريكيـة (The Atlantic Monthly) قائلا إنه ليؤسفه "ما يزعم أن مجلة أمريكية نشرت اكتشافات مزعومة لباحثين ألمانيين وأنه يوجد بين الرقوق التي تم ترميمها ضمن المشروع الألماني قرآن مختلف عن القرآن المتداول حاليا بين المسلمين … إن هذه الحملة الصحفية ليس لها أساس فيما نشرته المجلة الأمريكية وليس لها أساس فيما يخص المخطوطات الصنعانية ولا أساس لها بالنسبة إلى البحوث القرآنية التي نقوم بها أنا وزميلي الدكتور جراف فون بوتمر … أتأسف جدا لهذه الحملة التي تستهدف إلى الإضرار بالتعاون العملي بين اليمن وألمانيا …"([52]).
([52]) انظر صورة خطاب بوئن في Impact International، ج30، عدد لمارس 2000، ص 27.
إن دفاع بوين لا يتفق وما تتضمنه مقالته ومقالة توبي ليستر. فهما شاهدان عليه، وقد قال ما أشرنا إليه آنفا على أساس هاتين المقالتين. كما كان أبدى رغبته في إثبات أن القرآن له تاريخ مشيرا إلى جهود المستشرقين السابقين في هذا الصدد. فينبغي أن نتحدث قليلا عن النقاط التي أثارها بوين.
أولا :
إنه عندما يشير إلى المخطوطات القرآنية التي كانت قد جمعتها جامعة ميونخ في ألمانيا والتي دمرتها قنبلة أثناء الحرب العالمية الثانية، لا يشير إلى حقيقة هامة وهي أن المسؤولين عن هذه المخطوطات كانوا نشروا تقريرا أوليا عنها قبيل اندلاع الحرب قائلين : إنه قد تمت المقارنة بين عدد كبير من النسخ وإن لم تتم المقارنة بينها جميعاً، وإنه لم يوجد اختلاف في النص القرآني ما عدا أخطاء طفيفة في الإملاء أو النسخ هنا أو هناك والتي لا تمس بوحدة النص.([53])
([53]) انظر: محمد حميد الله، خطبات بهاولبور (باللغة الأردية)، تحقيقات إسلامي، إسلام آباد، 1985، ص 20-21، المنقول في Impact International، لندن، مارس 2000، ص 28.
فالاختلاف الذي لاحظه بوين في المخطوطات الصنعانية طبيعي ولا يتعدى هذا النوع من الأخطاء الإملائية.
ثانيا :
إن إعادة كتابة لفظ أو عبارة في مكان ما (Palimpsests) لا تدل إلا على أن الكاتب كان قد أخطأ في كتابة اللفظ أو الحروف في أول الأمر فصححها بعد طمس الكلمة، أو أن الكلمة كانت قد طمست لسبب ما فكان من الضروري إعادة كتابتها. على أية حال، فإنها لا تدل على تطوير أو تعديل النص إلا في حالة وجود نسخة أخرى توجد فيها في الموضع نفسه عبارة أو كلمة أخرى، وهذا لم يثبت من المخطوطات الصنعانية أو من مخطوطات أخرى.
ثالثا :
إن وجود سورة أو جزء منها وسورة أخرى أو جزء منها بترتيب مخالف للترتيب القرآني على ورقة واحدة لا يدل على وجود نسخة للقرآن بترتيب مختلف، لأنه كان من عادة المسلمين من البداية - ولا يزال - جمع سور مختارة في مؤلف صغير، وذلك للتحفيظ أو الدراسة أو التدريس في مختلف المراحل التعليمية، ومن الطبيعي أنه قبل ظهور فن الطباعة كان هذا النوع من المجموعات يعد عن طريق النسخ. فليس غريبا أن توجد مخطوطات فيها سور باختلاف الترتيب القرآني، خصوصا تلك التي توجد في المساجد التي كانت مدارس للتعليم بلا استثناء.
وحتى وجود نسخة كاملة للقرآن بترتيب مختلف للسور لا يدل البتة على أن قرآنا مختلفا كان بأيدي المسلمين في وقت ما، إلا إذا ثبت أن ذلك كان مقبولاً ومعمولا بها لديهم، وذلك نظرا لما يقوم به بعض الناس من حين إلى آخر لنشر القرآن بترتيـــب السور حسب أوقات أو ترتيب نزولها. فرودويل (A. Rodwell) – مثلا – قام بترجمة معاني القرآن إلى اللغة الإنجليزية، ورتَّب فيها السور حسب أوقات نزولها، وسمّاها: The Coran : Translation with Suras Arranged Chronologically، وفي 1911 تبعه رجل مسلم من البنغال فقام بترجمة جديدة لمعاني القرآن ورتَّب فيها السور حسب أوقات النزول([54]).
([54]) انظر: Mirza Abu al-Fazl, The Qur'an, Arabic Text and English Translation, Arranged Chronologically, 1911, (British Library [British Museum] Catalogue Call mark 14512.d.15)
كما قام ريتشارد بيل (Richard Bell) بترجمة أخرى على المنهج نفسه في سنة 1937([55]).
([55]) انظر: R. Bell: The Quran: Translated with a Critical Rearrangement with the Suras, T. & T. Clark<Edinburgh, 1937
وقد عرفنا أن من أهداف المستشرقين إعداد ما يسمونه نسخة منقحة للقرآن. وفي الآونة الأخيرة جاء ج. أ. بيلامي بهذا الاقتراح مجددا بزعم أن في القرآن أخطاء عديدة ينبغي تصحيحها، وأشار توبي ليستر في مقالته إلى كتابات بيلامي في هذا الصدد، فلننظر فيها.
-------------
5- أخطاء بيلامي (J.A. Bellamy) الخطيرة
كتب بيلامي سلسلة من المقالات في "مجلة الجمعية الاستشراقية الأمريكية" )(Journal of the American Oriental Society)[56])
([56]) انظر: J.A. Bellami: “Al-raqim or al-Ruqa?": A note on Surat 18:9”, Journal of American Oriental Society:, 1991, pp.115-117; “Fa-Ummuhu Hayiyyah: A Note on Surah 101:9”, ibid, 1992, pp.485-487; “Some proposed Emenuation to the Text of the Qur'an”, ibid, 1993, pp.562-573; and "More proposed Emenuations to the Text of the Koran", ibid, 1996, pp.196-204
يتحدث فيها عن 22 كلمة وعبارة صعبة في القرآن يزعم أنها أخطاء من قبل النساخ أو أخطاء كانت في مصادر أو روايات اقتبس منها أجزاء من القرآن. ويقترح تصحيح هذه "الأخطاء" ويقول في مقالته الأخيرة : "إن علماء القرآن غير المسلمين متفقون على أن محمداً ألف القرآن بشكل أو آخر، ولذا ينسبون جميع المشكلات إليه([57]).
([57]) المصدر نفسه، ص 203
وإنه من الضروري بادي ذي بدء الإشارة إلى أن المسلمين لا يقبلون القول إن محمدا صل الله عليه وسلم ألف القرآن بشكل أو آخر، وفي الحقيقة هذا هو موضوع النقاش، كما أن القول إنه قد تكون أخطاء في المصادر أو الروايات التي اقتبس منها القرآن مجرَّد ظنّ من قبل المستشرقين لا أساس له من الصحة. يأخذ بيلامي كلا الافتراضين ممن سبق من المستشرقين. أما الكلمات والعبارات التي يعالجها في مقالته فقد حللها وفسرها المفسرون والنحاة، قديما وحديثا، لكن بيلامي يستخف بهذه التحليلات والتفاسير ويستنتج على أساس الظن وسوء الفهم فيقع في أخطاء فاضحة. وفي الواقع يعترف في إحدى مقالته بخطئه في تفسير الحروف المقطعات الذي كان قد قدمه من قبل قائلا: إنها اختصار البسملة, وتجدر الإشارة إلى أن المستشرق الشهير، ثيودور نولدكة (Theodore Noldeke) كان قد اقترح في القرن التاسع عشر الميلادي أن الحروف المقطعة قد تكون اختصارات لأسماء الرجال الذين ألفوا السور !
وسيتضح مدى أخطاء بيلامي لو نظرنا إلى بعض عينات مما يكتبه في هذا الشأن. فالكلمة الأولى التي يتحدث عنها في مقالتـه في المجلة لـ 1993, هي كلمة "حصب" في قوله تعالى [إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم] (الأنبياء: 98). فيقول إن معنى الكلمة "الحصاة" أو "البلور الصخري" وإن معنى "الوقود" الذي يعطيه إياها المفسرون والمعجميون مثل الزبيدي في "تاج العروس" أو لين (Lane) في معجمه ليس بصحيح، كما يرفض قول بعض المستشرقين إن الكلمة مأخوذة من كلمة "حصبه" العبرية والتي تعني "خشب" أو "قطع الخشب". ثم يذهب قائلا: "إنه ينبغي أن تكون الكلمة هنا "حطب"، فهي الكلمة التي تعني الخشب للنار والتي تستعمل في موضع آخر في القرآن … وإنه لسهل جدا التصور كيف حصل هذا الخطأ عند كتابة "الحطب" نسي الناسخ وضع الخط العمودي للطاء فأصبحت الطاء صادا."([58])
([58]) Journal of the American Oriental Society, 1993, p.564
إن قول بيلامي هذا لظن فقط لا أساس له من الصحة، فهو يفترض بلا دليل أنه كانت هناك نسخة فيها كلمة "الحطب" ولكنه لم يشر إلى شيء مثل هذا ولم تكن النسخة المزعومة موجودة على الإطلاق.
ثانيا:
يتجاهل حقيقة أن القرآن كان كتابا مفتوحا ومنشورا منذ البداية، ولم يكن كتابا محجوباً عن الناس في أي وقت، فلو أخطأ ناسخ في كتابة كلمة في نسخة ما لكشفه ألوف من الحفاظ والقراء وعامة المسلمين الذين كانوا يقرأون القرآن يوميا في صلاتهم ودراساتهم.
ثالثا:
كما يتجاهل أن في كل اللغات كلمات لكل واحدة منها عدة معان حسب السياق والموضوع، فيظن أن لكلمة "الحصب" معنى واحداً فقط فلا يمكن استعمالها بمعنى آخر، ومن هذا المنطلق يسفِّه جميع المفسرين والمعجميين القدماء والمحدثين من المسلمين والأوروبيين.
رابعا:
يذكر بيلامي أن القرآن يستعمل كلمة "الحطب" بمعنى خشب النار (72: 15 و 111: 4) ولكنه يغض النظر في الوقت نفسه عن أن القرآن يذكر بصراحة في موضعين أن "الحجارة" تكون وقودا للنار[ … فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة] (البقرة: 24). و [قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة] (التحريم: 6). فلا غرابة أن يذكر القرآن "الحصب" وقودا لجهنم.
خامسا:
إذا كان بيلامي يظن أن الحجر والحصب ليسا قابلين للاشتعال والتوقد فلا يمكن أن يكونا وقودا للنار فهو مخطئ للغاية. لأن الحجر والمعادن تذوب وتتقد كما نرى في الحمم (Lava) التي تقذفها البراكين والتي تتحجر بعد أن تبرد. وفي الحقيقة فإن جميع الأشياء تتقد وذلك متوقف على درجة الحرارة. وعرف أن درجة حرارة الحمم 1150 (ألف مائة وخمسون) درجة مئوية، والألماس (Diamond) - وهو أشد المعادن المعروفة حتى الآن - يذوب ويتقد بدرجة حرارة 4000 (أربعة آلاف) درجة مئوية. وهذه الحقيقة العلمية الهامة تكمن في الآيات القرآنية المذكورة. عندما يقول القرآن إن الناس والحجارة (ومنها الأصنام) وقود النار فهو يشير إلى شدة حرارة النار من ناحية وشدة العذاب للكافرين والمشركين من ناحية أخرى.
وتجدر الإشارة إلى أن بعض الناس يستعمل الحصباء أو قطع الحجارة لتزيد حرارة السخانة لتسخن فتشع بدورها الحرارة المتولدة منها، وذلك لوقت طويل حتى بعد إطفاء السخانة نفسها. وعاين كاتب هذه السطور نفسه استخدام قطع الحجارة وقودا للطبخ. فقد زار بكين (Bejing, China) العام الماضي حيث دعي إلى حفل عشاء في مطعم، فجيء بسمك طازج في آنية خزفية فيها ماء بارد ثم جيء بقطعتين أو ثلاث من الحجارة مسخنة إلى درجة عالية ثم ألقيت قطعتان من الحجارة في الآنية فبدأ الماء يغلي لبضع دقائق حتى صار السمك مطبوخا فأكله الضيوف وكان السمك المطبوخ لذيذا جدا.
ونظرا لكل هذه الحقائق فإن العبارة "حصب جهنم" في الآية 21: 98 ملائمة وصحيحة، وما هي بخطإ من قبل الناسخ كما يظنه بيلامي.
والكلمة الثانية التي يتناولها بيلامي بالنقد في المقالة نفسها هي "الأمة" في الآية 1: 8- [ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه… ](هود: 8). [وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة أنا انبئكم…](يوسف: 45)، فيقول إن المفسرين يفسرونها "بالوقت" أو "المدة" نظرا للسياق فقط، ولكنه ليس معناه الصحيح. كما يختلف عن المترجمين الأوروبيين مثل باريت (R. Paret) وبلاشير (Blachere) اللذين يفسرانها التفسير نفسه في هاتين الآيتين. ثم يقول بيلامي إن المعنى هنا، خصوصا في الآية 11: 8، يلزم أن يكون وقتا أو مدة، لكن يمكننا إعطاء هذا المعنى هنا إذا بدلنا التاء المربوطة في "الأمة" بالدال وجعلناها "أمدا"، ثم يقول: إن الناسخ أخطأ في قراءته للنص في الأصل فقرأ "أمة" مكان "أمد" وأنث الصفة (معدود) فكتبها معدودة وذلك إما بالسليقة أو من أجل تصحيحه العبارة.([59])
([59]) انظر: Journal of the American Oriental Society, 1993, p.564
إن ادعاء بيلامي هذا يعتريه ما يعتري زعمه بالنسبة لكلمة "حصب" السالفة الذكر، وهو أنه يفترض أصلا لا وجود لها ولا يستطيع الإشارة إليه، كما أنه يتغاضى عن حقيقة أن نشر القرآن لم يكن قط أمرا فرديا لا ينظر إليه الآخرون من المسلمين. وإضافة إلى ذلك، فهو يفترض هنا عيبين في الناسخ المزعوم وهما خطؤه في قراءة الأصل المزعوم وانتحاله تصحيح النص القرآني أو تعديله ، وكلاهما بلا دليل إلا الظن وهو غير مقبول. لو كان الناسخ المزعوم قادرا على تأنيث الصفة لموصوف مؤنث كما يقول بيلامي لانتبه للغرابة في معنى العبارة التي يكتبها ولتأمل في الأمر ولقام بإعادة النظر فيه، وبما أنه لم يفعل شيئاً من ذلك فإنه لم يشعر بغرابة في معنى العبارة ولم يخطئ في القراءة أو في الكتابة.
وثانيا: يغفل بيلامي عن أن كلمة "أمة" جاءت في القرآن الكريم بعدة معان، منها بمعنى "المدة" أو "الحقبة من الزمان".([60])
([60]) انظر: مجد الدين محمد يعقوب الفيروزابادي: "بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز" (تحرير محمد علي النجار)، بيروت، دون تاريخ، ج2، ص 79-80؛ الحسين بن محمد الدامغاني: قاموس القرآن (تحرير عبد العزيز سيد الأهل)، بيروت، 1985، ص 42-44
كما أنه يغفل عما يعطيها المعجميون الأوروبيون من المعاني ، فمثلا يكتب هانزفير أن كلمة "أمة" تعني الجيل (Generation) بالإضافة إلى معان أخرى.([61])
([61]) انظر: Hans Wehr: A Dictionary of Modern Written Arabic (ed.):
والجيل أو generation في الإنجليزية تعني جيلا من الناس أو زمانهم وهو المدة التي يتـرعرع فيها الأولاد من الطفولة إلى سن الرشد والإنجاب.([62])
([62]) انظر: Oxford Advanced Learners Dictionary of Current English, ed. A.S. Hornby and others, third edition, 1974, eighteenth impression, 1983, p. 357
لو أن بيلامي راجع هذا النوع من المعاجم العربية الإنجليزية لوجد أن كلمة "أمة" في الآيتين المذكورتين صحيحة وليست بغريبة.
وكلمة أخرى يتناولها بيلامي في مقالته الأخيرة في هذه السلسلة([63])
([63]) انظر: Journal of the American Oriental Society, 1996, pp.196-204
هي "لما" في الآية 111: هود [وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم…]. يرفض بيلامي التفاسير النحوية التي يقدمه المفسرون المسلمون والمستشرقون مثل ر. بيل (R. Bell) و ج. برجشتراسر (G. Bargstrasser) لهذه الكلمة. هنا لم يذهب إلى القول إن هذه الكلمة خطأ وإنها ينبغي حذفها وتعديل الآية، ويضيف قائلا إن هذه الكلمة جاءت هنا بسبب خطأ من قبل النساخ. يقول إن الناسخ عندما فرغ من كتابة "وإن كلا" من الآية 111، رفع نظره من الورقة فلفت النظر إلى الآية 109 حيث تقع العبارة "وإنا لموفوهم" فبدأ الكتابة من "لموفوهم"، ولكن بعد أن فرغ من كتابة "ل" و "م" شعر بخطئه فألغى الحرفين بوضع خط عمودي عبر "م" واستأنف كتابة الآية من "ليوفينهم". وهذه النسخة اعتمد عليه ناسخ آخر فقرأ الخط العمودي عبر "م" ألفا فكتب هناك "لما" بين "كلا" و "ليوفينهم"، وهكذا دخلت "لما" في الآية.([64])
([64]) المصدر السابق ص 197
لا حاجة للإشارة إلى التفاسير النحوية لـ "لما" في هذا المكان، وتكفي الإشارة إلى غير منطقية الحجة التي جاء بها بيلامي. أولا، إنه ليس من الطبيعي أن يلفت الناسخ المزعوم نظره إلى الوراء قبل آية كاملة (الآية 110) وهي أطول من سطرين عاديين، ثم يبدأ بكتابة العبارة التي كان قد كتبها قبل قليل، ليس هناك أي تشابه بين العبارتين حيث إن الآية 111 تبدأ بـ "وإنَّ" وتليها "كلاَّ" والتي في آية 109 تبدأ بـ "إنا" وتليها "لموفوهم"، وإضافة إلى ذلك، فإن الناسخ المزعوم كان قد بدأ كتابة آية جديدة (أي آية 111) والعبارة "وإن" تقع في أولها في حين تقع العبارة "وإنا لموفوهم" في نهاية الآية 109، فالخطأ الذي يزعمه بيلامي أن الناسخ المزعوم كان قد ارتكبه بعيد كل البعد عن المنطق والاحتمال.
ثانيا:
لو كان الناسخ المزعوم قد شعر بخطئه بعد كتابة حرفين وهما "اللام والميم"، لألغاهما بوضع خط أفقي عبر كليهما وليس بوضع خط عمودي عبر كليهما ولا بوضع خط عمودي عبر الميم فقط، كما يزعم بيلامي.
وثالثا:
إن الظن أن ناسخا لاحقا قرأ الخط العمودي ألفا، فكتب "لما" في ذلك المكان ليس معقولاً على الإطلاق حيث إن الناسخ الثاني المزعوم كان بطبيعة الحال يعرف اللغة ويفهم معنى العبارة التي يكتبها، كما أنه من المستحيل أن نسخة واحدة فقط من القرآن والتي كان قد أعدها الناسخ الأول المزعوم كانت موجودة فاضطر الناسخ اللاحق المزعوم إلى اللجوء إليها لإعداد نسخته.
ونظرا لهذه الأمور فإن حجة بيلامي فاسدة ومضللة ولا تقنع أحدا ذا عقل سليم.
هذه هي بعض نماذج لما كتبه بيلامي في هذا الموضوع ولا حاجة للنظر هنا في بقية الكلمات التي يتناولها في مقالاته. إنه في كتابته عن هذه الكلمات الاثنتين والعشرين يرتكب في الحقيقة نفس العدد من الأخطاء الفاضحة.
----------
6- الخاتمة
ويتضح مما سبق أن المستشرقين ينتمون إلى فريقين بالنسبة لموضوع بحثنا.
الفريق الأول :
هم المعتدلون في موقفهم من المصادر الإسلامية فيقبلون صحة عامتها، ولكنهم لا يهتمون بإسناد الروايات وغير ذلك من عوامل صحتها ويميلون إلى استخدام تلك الروايات التي تؤيد وجهات نظرهم بدون نقد أو اعتراض و ينتقدون تلك التي تتعارض مع آرائهم واتجاهاتهم.
والفريق الثاني :
هم المتطرفون في موقفهم من المصادر ويقولون إنها ليست معاصرة وقابلة للاعتماد عليها للتاريخ الإسلامي للقرنين الأول والثاني، وبالرغم من أن الكثيرين من الفريق الأول يقومون بدحض مزاعم الفريق الثاني في المصادر، وبالرغم من أن العلماء المسلمين أيضا يقومون بدحض هذه المزاعم، فإنهم أي الفريق الثاني، يصرون على موقفهم وذلك خصوصا من أجل النيل من القرآن.
أما بالنسبة للموقف من القرآن فإن الفريقين متساويان.
فالفريق الأول :
يحاول بشتى الوسائل والحجج إثبات أن القرآن تأليف محمد (صلى الله عليه وسلم) وأنه مقتبس من اليهودية والنصرانية والديانات القديمة الأخرى،
والفريق الثاني :
يبني على هذه الاستنتاجات ومن ثم يذهب إلى أبعد الحدود ويقول إن المصادر التاريخية الإسلامية لا يمكن الاعتماد عليها للقرنين الأولين والقرآن ليس فقط من تأليف محمد (صلى الله عليه وسلم)، بل إنه تطور عبر قرنين ثم اتخذ شكله الحالي في نهاية القرن الثاني أو بعده. كما أن الفريقين يهدفان إلى جعل القرآن مساوياً لما يسمَّى بالكتاب المقدس من حيث التاريخ، أو كما يقولون : إن للقرآن تاريخاً كما للكتاب المقدس تاريخ.
إن جميع استنتاجات الفريقين فاسدة وباطلة لكن المنتمين إليهما لا يشعرون بذلك، وفي الآونة الأخيرة كثفوا جهودهم في بسط آرائهم وترويجها فيقومون بإعادة طبع كتابات المستشرقين القدماء في هذا الموضوع من ناحية([65])
([65]) انظر مثلا Andrew Rippin (ed): The Qur'an, Formative Interpretation, Ashgate Publishing, Aldershot, 1999; and Ibn Warraq (ed): The Origin of the Koran, New York, 1998
وفي إعداد منشورات جديدة أخرى من ناحية ثانية. ويخبرنا توبي ليستر أن المستشرقين الأوروبيين والأمريكيين قد تبنوا مشروعا لإعداد ما يسمونه بـ"الموسوعة القرآنية" والتي ستتضمن جميع ما توصل إليه علماء الغرب في القرن المنصرم في الدراسات القرآنية.[66]
([66]) توبي ليستر في The Atlantic Monthly, January 1999, p.30
وعليه فإنه من الضروري متابعة ما يكتبونه وينشرونه ومواجهتهم في ساحتهم وذلك بدحض كل استنتاجاتهم واحدة فواحدة.
هذا وصلى الله على نبينا محمد وآله وأصحابه أجمعين.