الوصف
عناصر البحث 1_ الحِجاب لُغةً وشرعاً 2_ أدلة فرضية الحِجاب من القرآن 3_ أدلة فرضية الحِجاب من السنة 4_ أدلة فرضية الحِجاب من الإجماع 5_ أدلة فرضية الحِجاب من القياس الصحيح والقياس المطرد
مقالة
أولا : تعريف الحِجاب لُغةً وشرعاً
الحجاب لغة: السِّتْرُ، يقال: حَجَبَ الشيءَ يَحْجُبُه حَجْباً وحِجاباً، وحَجَّبَه: سَترَه، وقد احْتَجَبَ، وتحَجَّبَ إِذا اكْتنَّ من وراءِ حِجابٍ، وامرأَة مَحْجُوبةٌ: قد سُتِرَتْ بِسِترٍ … والحاجِبُ: البَوَّابُ صِفةٌ غالِبةٌ، وجمعُه: حَجَبةٌ، وحُجَّابٌ … وحَجَبَه أَي مَنَعَه عن الدخول.
الحجاب شرعاً : ورد عدة تعريفات شرعية للحجاب والتعريف المختار: الحجاب شرعاً: ما يستر جميع بدن المرأة المسلمة عن الرجال الأجانب: من لباسٍ واسعٍ سابغٍ يغطي جميع بدنها ووجهها، أو حائل يحول بينها وبينهم، ويمنع رؤية شيء من بدنها.
==========
: أدلة فرضية الحِجاب
: أولا : الدليل من القرآن
(النور)(o 31 o)(وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)
فقوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}.
وهذا يتضمن أمر النساء بتغطية وجوههن ورقابهن، وبيان ذلك أن المرأة إذا كانت مأمورة بسدل الخمار من رأسها على جيبها لتستر صدرها، فهي مأمورة ضمنًا بستر ما بين الرأس والصدر، وهما الوجه والرقبة، وإنما لم يُذكر هاهنا واللَّه أعلم؛ للعلم بأن سدل الخمار إلى أن يضرب على الجيب لا بد أن يغطيهما.
والاختمار لغة على تغطية الوجه، قال بعضهم في وصف امرأة بالجمال وهي مخمرة وجهها:
قل للمليحة في الخمار المذهب … أفسدت نسك أخي التّقَى المذهب
نور الخمار ونور خدِّك تحته … عجباً لوجهك كيف لم يتلهَّبَ
(ذكره في يتيمة الدهر، ونسبه لأبي علي التنوخي، 2/ 406، برواية: (المترهب) بدلاً من (المذهب) في البيت الأول، وذكره وبمثله رواه في وفيات الأعيان، 4/ 160.)
قال الألباني – رحمه الله -: «فقد وصفها – يعني المليحة – بأن خمارها كان على وجهها أيضاً»( حجاب المرأة المسلمة، هامش ص 33.)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: «الخُمُر التي تغطّي الرأس والوجه والعنق، والجلابيب التي تسدل من فوق الرؤوس حتى لا يظهر من ).لابسها إلا العينان».( حجاب المرأة ولباسها في الصلاة، ص 33، ومجموع فتاويه، 22/ 76
قَالَ الإمام الْبُخَارِيُّ – رحمه الله – فِي صَحِيحِهِ، «بَابُ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ»: وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبٍ: حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ يُونُسَ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ – رحمه الله – قَالَتْ: يَرْحَمُ اللَّهُ نِسَاءَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلَ، لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} شَقَقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بِهَا».( البخاري، كتاب التفسير، باب: «وليضربن بخمرهن على جيوبهن»، برقم 4758.)
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ: «أَنَّ عَائِشَةَ – رحمه الله – كَانَتْ تَقُولُ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}، أَخَذْنَ أُزُرَهُنَّ فَشَقَقْنَهَا مِنْ قِبَلِ الْحَوَاشِي، فَاخْتَمَرْنَ بِهَا».( البخاري، كتاب التفسير، باب: «وليضربن بخمرهن على جيوبهن»، برقم 4759.)
وَقَالَ الحافظ ابْنُ حَجَرٍ – رحمه الله –، فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ: «قَوْلُهُ: «فَاخْتَمَرْنَ»: أَيْ غَطَّيْنَ وُجُوهَهُنَّ، وَصِفَةُ ذَلِكَ أَنْ تَضَعَ الْخِمَارَ عَلَى رَأْسِهَا، وَتَرْمِيهِ مِنَ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ عَلَى الْعَاتِقِ الْأَيْسَرِ، وَهُوَ التَّقَنُّعُ. قَالَ الْفَرَّاءُ: كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ تُسْدِلُ الْمَرْأَةُ خِمَارَهَا مِنْ وَرَائِهَا، وَتَكْشِفُ مَا قُدَّامَهَا، فَأُمِرْنَ بِالِاسْتِتَارِ»
قال العلامة الشنقيطي – رحمه الله -: «وَهَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ النِّسَاءَ الصَّحَابِيَّاتِ الْمَذْكُورَاتِ فِيهِ فَهِمْنَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}، يَقْتَضِي سِتْرَ وُجُوهِهِنَّ، وَأَنَّهُنَّ شَقَقْنَ أُزُرَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ، أَيْ: سَتَرْنَ وُجُوهَهُنَّ بِهَا امْتِثَالًا لِأَمْرِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} الْمُقْتَضِي سِتْرَ وُجُوهِهِنَّ، وَبِهَذَا يَتَحَقَّقُ الْمُنْصِفُ: أَنَّ احْتِجَابَ الْمَرْأَةِ عَنِ الرِّجَالِ وَسِتْرَهَا وَجْهَهَا عَنْهُمْ ثَابِتٌ فِي السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ الْمُفَسِّرَةِ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ أَثْنَتْ عَائِشَةُ – رحمه الله – عَلَى تِلْكَ النِّسَاءِ بِمُسَارَعَتِهِنَّ لِامْتِثَالِ أَوَامِرِ اللَّهِ فِي كِتَابِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُنَّ مَا فَهِمْنَ سَتْرَ الْوُجُوهِ مِنْ قَوْلِهِ: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}، إِلَّا مِنَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ وَهُنَّ يَسْأَلْنَهُ عَنْ كُلِّ مَا أَشْكَلَ عَلَيْهِنَّ فِي دِينِهِنَّ، وَاللَّهُ جَلَّ وَعَلَا يَقُولُ: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُفَسِّرْنَهَا مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِنَّ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي: «وَلِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خَيْثَمٍ، عَنْ صَفِيَّةَ مَا يُوَضِّحُ ذَلِكَ، وَلَفْظُهُ: «ذَكَرْنَا عِنْدَ عَائِشَةَ نِسَاءَ قُرَيْشٍ وَفَضْلَهُنَّ، فَقَالَتْ: إِنَّ لِنِسَاءِ قُرَيْشٍ لَفَضْلًا، وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ أَفْضَلَ مِنْ نِسَاءِ الْأَنْصَارِ أَشَدَّ تَصْدِيقًا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَلَا إِيمَانًا بِالتَّنْزِيلِ، وَلَقَدْ أُنْزِلَتْ سُورَةُ النُّورِ: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}، فَانْقَلَبَ رِجَالُهُنَّ إِلَيْهِنَّ يَتْلُونَ عَلَيْهِنَّ مَا أُنْزِلَ فِيهَا، مَا مِنْهُنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا قَامَتْ إِلَى مِرْطِهَا فَأَصْبَحْنَ يُصَلِّينَ الصُّبْحَ مُعْتَجِرَاتٍ، كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِهِنَّ الْغِرْبَانُ»( فتح الباري، لابن حجر، 8/ 490، وتفسير ابن أبي حاتم، 8/ 2575، برقم 14405، وانظر: سنن أبي داود، برقم 4100، و4101. وقال الألباني في جلباب المرأة المسلمة، ص 80 «في سنده الزنجي بن خالد، واسمه مسلم، وفيه ضعف، لكنه قد توبع عند ابن مردويه».)
قال العلامة الشنقيطي – رحمه الله -: «وَمَعْنَى مُعْتَجَرَاتٍ: مُخْتَمِرَاتٍ، كَمَا جَاءَ مُوَضَّحًا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ الْمَذْكُورَةِ آنِفًا، [الاعتجار: هو لفّ الخمار على الرأس، وردُّ طرفه على الوجه، ولا يعمل منه شيئ تحت الذقن](انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، 3/ 158)
فَتَرَى عَائِشَةُ – رحمه الله – مَعَ عِلْمِهَا، وَفَهْمِهَا، وَتُقَاهَا أَثْنَتْ عَلَيْهِنَّ هَذَا الثَّنَاءَ الْعَظِيمَ، وَصَرَّحَتْ بِأَنَّهَا مَا رَأَتْ أَشَدَّ مِنْهُنَّ تَصْدِيقًا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَلَا إِيمَانًا بِالتَّنْزِيلِ، وَهُوَ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ فَهْمَهُنَّ لُزُومَ سَتْرِ الْوُجُوهِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} مِنْ تَصْدِيقِهِنَّ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَإِيمَانِهِنَّ بِتَنْزِيلِهِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ احْتِجَابَ النِّسَاءِ عَنِ الرِّجَالِ، وَسِتْرَهُنَّ وُجُوهَهُنَّ تَصْدِيقٌ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَإِيمَانٌ بِتَنْزِيلِهِ، كَمَا تَرَى، فَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ، مِمَّنْ يَدَّعِي مِنَ الْمُنْتَسِبِينَ لِلْعِلْمِ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي الْكِتَابِ وَلَا السُّنَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى سَتْرِ الْمَرْأَةِ وَجْهَهَا عَنِ الْأَجَانِبِ، مَعَ أَنَّ الصَّحَابِيَّاتِ فَعَلْنَ ذَلِكَ مُمْتَثِلَاتٍ أَمْرَ اللَّهِ فِي كِتَابِهِ إِيمَانًا بِتَنْزِيلِهِ، وَمَعْنَى هَذَا ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحِ، كَمَا تَقَدَّمَ عَنِ الْبُخَارِيِّ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْأَدِلَّةِ وَأَصْرَحِهَا فِي لُزُومِ الْحِجَابِ لِجَمِيعِ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ، كَمَا تَرَى»( أضواء البيان، 6/ 594 – 595.)
وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: «قوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}؛ فإن الخمار ما تُخمِّر به المرأة رأسها وتُغطِّيه به كالغدفة، فإذا كانت مأمورة بأن تضرب بالخمار على جيبها كانت مأمورة بستر وجهها، إما لأنه من لازم ذلك، أو بالقياس؛ فإنه إذا وجب ستر النحر والصدر، كان وجوب ستر الوجه من باب أولى؛ لأنه موضع الجمال والفتنة؛ فإن الناس الذين يتطلبون جمال الصورة لا يسألون إلا عن الوجه، فإذا كان جميلًا لم ينظروا إلى ما سواه؛ نظراً ذا أهمية؛ ولذلك إذا قالوا: فلانة جميلة لم يفهم من هذا الكلام إلا جمال الوجه، فتبيّن أن الوجه هو موضع الجمال طلباً وخبراً، فإذا كان كذلك، فكيف يفهم أن هذه الشريعة الحكيمة تأمر بستر الصدر والنحر، ثم ترخص في كشف الوجه(رسالة الحجاب، ص 7 – 8.)
ثانيا : الدليل من السُنّة :
حديث عَبْد اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «لاَ تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ، وَلاَ تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ»( أخرجه البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب ما ينهى من الطيب للمحرم والمحرمة، برقم 1838، ورواه مالك موقوفاً على ابن عمر، الموطأ، 3، 473، برقم 1175.)
ووجه الدليل منه ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – بقوله: «وهذا مما يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين في النساء اللاتي لم يُحْرِمْنَ، وذلك يقتضي ستر وجوههن وأيديهن» (انظر : حجاب المرأة المسلمة ولباسها في الصلاة لشيخ الإسلام، ص 14.).
وقال ابن العربي في عارضة الأحوذي: «قوله في حديث ابن عمر: «لا تنتقب المرأة»؛ وذلك لأن ستر وجهها بالبرقع فرض إلا في الحج؛ فإنها ترخي شيئاً من خمارها على وجهها غير لاصق به، وتعرض عن الرجال، ويعرضون عنها» (عارضة الأحوذي، 4/ 56.).
وقال صفي الرحمن المباركفوري: «هذا الحديث أحسن دليل على ما وقع من التغير والتطوير فى ألبسة النساء بعد نزول الحجاب، والأمر بإدناء الجلباب، وأن النقاب كان قد صار ديدن النساء بحيث لم يكنَّ يخرجنَ إلا به، وليس معنى النهي عن الانتقاب للمحرمة أنها لا تستر وجهها، وإنما المراد أنها تتخذ النقاب لباساً مستقلاً، وإنما تستر وجهها بجزء من لباسها، والنبي – صلى الله عليه وسلم – لم ينهَ عن تغطية وجوه المحرمات، وإنما النهي عن النقاب ونحوه، وعن القفازين فقط» (انظر: إبراز الحق والصواب في مسألة السفور والحجاب، الحلقة الخامسة، مجلة الجامعة السلفية، ص 50.).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: «وَكُنَّ النِّسَاءُ يُدْنِينَ عَلَى وُجُوهِهِنَّ مَا يَسْتُرُهَا مِنَ الرِّجَالِ مِنْ غَيْرِ وَضْعِ مَا يُجَافِيهَا كبدن الرجل، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ كُلَّهَا عَوْرَةٌ، فَلَهَا أَنْ تُغَطِّيَ وَجْهَهَا وَيَدَيْهَا لَكِنْ بِغَيْرِ اللِّبَاسِ الْمَصْنُوعِ بِقَدْرِ الْعُضْوِ، كَمَا أَنَّ الرَّجُلَ لَا يَلْبَسُ السَّرَاوِيلَ، وَيَلْبَسُ الْإِزَارَ» (انظر: حجاب المرأة المسلمة ولباسها في الصلاة، لشيخ الإسلام ابن تيمية، ص 14، ومجموع الفتاوى له، 15/ 370 – 371.).
وقال الشيخ محمد أديب كلكل تعليقاً على هذا الحديث: «وهذا صريح الدلالة على أن النساء في عهد النبوة قد تعودن الانتقاب، ولبس القفازين عامَّة، فنُهين عنه في الإحرام» (انظر: اللباب في فرضية النقاب، ص 115.).
قال القاضي أبو بكر بن العربي – رحمه الله -: «والمسألة الرابعة عشرة: قوله في حديث ابن عمر: «ولا تَنَتقِب الَمرأةُ»؛ وذلك لأن سترها وجهها بالبرقع فرض إلا في الحج، فإنها ترخي شيئًا من خمارها على وجهها غير لاصق به، وتعرض عن الرجال، ويعرضون عنها» (عارضة الأحوذي، 4/ 56.).
وقال شيخ الإسلام – رحمه الله -: «ووجه المرأة في الإِحرام فيه قولان في مذهب أحمد وغيره، قيل: إنه كرأس الرجل فلا يغطى، وقيل: إنه كبدنه، فلا يغطى بالنقاب والبُرْقُع ونحو ذلك مما صنع على قدره؛ وهذا هو الصحيح؛ فإن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم ينهَ إلاَّ عن القفازين والنقاب، وكن النساء يدنين على وجوههن ما يسترها من الرجال من غير وضع ما يجافيها عن الوجه، فَعُلِمَ أن وجهها كبدن الرجل، وذلك أن المرأة كلها عورة، فلها أن تغطي وجهها ويديها (يعني في حال الإحرام)؛ لكن بغير اللباس المصنوع بقدر العضو، كما أن الرجل لا يلبس السراويل ويلبس الإِزار» (مجموع الفتاوى، 20/ 120).
وقال الإمام العلامة المحقق ابن قيم الجوزية – رحمه الله – في تهذيب السَنن: «وأما نهيه – صلى الله عليه وسلم – في حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – المرأة أن تنتقب، وأن تلبس القفازين، فهو دليل على أن وجه المرأة كبدن الرجل لا كرأسه، فيحرم عليها فيه ما وضع وفُصِّل على قدر الوجه كالنقاب والبرقع، ولا يحرم عليها ستره بالمِقْنَعة والجِلباب ونحوهما، وهذا أصح القولين؛ فإن النبي – صلى الله عليه وسلم – سوى بين وجهها ويديها، ومنعها من القفازين والنقاب، ومعلوم أنه لا يحرم عليها ستر يديها، وأنهما كبدن المحرم يحرم سترهما بالمفصَّل على قدرهما وهما القفازان، فهكذا الوجه إنما يحرم ستره بالنقاب ونحوه، وليس عن النبي – صلى الله عليه وسلم – حرف واحد، في وجوب كشف المرأة وجهها عند الإحرام إلا النهي عن النقاب، وهو كالنهي عن القفازين، فنسبة النقاب إلى الوجه كنسبة القفازين إلى اليد سواء، وهذا واضح بحمد اللَّه» (تهذيب سنن أبي داود، 5/ 282 – 283 بهامش عون المعبود).
وقال أيضًا في إعلام الموقعين في الحديث نفسه: «ونساؤه – صلى الله عليه وسلم – أعلم الأمة بهذه المسألة، وقد كنّ يَسْدُلن على وجوههن إذا حاذاهن الركبان، فإذا جاوزوهن كشفن وجوههن، ورَوى وكيع، عن شعبة، عن يزيدَ الرِّشْك، عن معاذة العدوية قالت: سألتُ عائشة – رحمه الله – ما تلبسُ المحرمة؟ فقالت: لا تنتقب ولا تتلثم، وتسدل الثوبَ على وجهها» (وعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: «تلبس المحرمة من الثياب ما شاءت إلا ثوباً مسه زعفران أو ورس، ولا تتبرقع، ولا تتلثم، وتسدل الثوب على وجهها» رواه البيهقي، 5/ 47، وغيره. انظر: مسائل الإمام أحمد، لأبي داود، ص 108 – 110).
ثم ذكر ابن القيم – رحمه الله – قول الذين يمنعون المحرمة من تغطية وجهها وردَّ عليهم إلى أن قال: «فكيف يحرم ستر الوجه في حق المرأة مع أمر اللَّه لها أن تدني عليها جلبابها، لئلا تُعْرَفَ ويفْتَتَن بصورتها؟» (إعلام الموقعين عن رب العالمين، 1/ 266).
وذكر الإمام ابن القيم أيضاً في بدائع الفوائد سؤالاً في كشف المرأة وجهها في حال الإِحرام، وجواباً لابن عقيل في ذلك، ثم تعقبه بالرد فقال: «سبب هذا السؤال والجواب خفاءُ بعض ما جاءت به السنة في حق المرأة في الإِحرام؛ فإن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يشرع لها كشف الوجه في الإحرام ولا غيره، وإنما جاء النصُّ بالنهي عن النقاب خاصة، كما جاء بالنهي عن القفازين، وجاء بالنهي عن القميص والسراويل، ومعلوم أن نهيه عن لبس هذه الأشياء، لم يُرِد أنها تكون مكشوفة لا تُسْتَرُ البتة؛ بل قد أجمع الناسُ على أن المحرمة تستر بدنها بقميصها ودِرْعها، وأن الرجل يستر بدنه بالرداء وأسافله بالإِزار، مع أن مخرج النهي عن النقاب والقفازين والقميص والسراويل واحد، وكيف يُزاد على موجَب النص، ويُفهم منه أنه شرع لها كشف وجهها بين الملأ جهارًا؟ فأي نص اقتضى هذا، أو مفهومِ أو عموم أو قياس أو مصلحة؟
بل وجه المرأة كبدن الرجل، يحرم ستره بالمفصل على قدره كالنقاب والبُرقع، بل وكَيَدِها يحرم سترُها بالمفصَّل على قدر اليدين كالقُفَّاز، وأما سترها بالكم، وستر الوجه بالملاءة والخمار والثوب فلم يُنْه عنه البتة، ومن قال: إن وجهها كرأس المحرم، فليس معه بذلك نص ولا عموم، ولا يصح قياسه على رأس المحرِم، لما جعل اللَّه بينهما من الفرق.
وقول من قال من السلف: إحرام المرأة في وجهها، إنما أراد به هذا المعنى، أي لا يلزمها اجتناب اللباس كما يَلزم الرجل، بل يلزمها اجتناب النقاب، فيكون وجهها كبدن الرجل.
ولو قُدِّر أنه أراد وجوبَ كشفه فقوله ليس بحجة ما لم يثبت عن صاحب الشرع أنه قال ذلك، وأراد به وجوب كشف الوجه، ولا سبيل إلى واحد من الأمرين.
وقد قالت أم المؤمنين عائشة – رحمه الله -: «كُنَّا إذا مَرَّ بنا الركبان سدلت إحدانا الجلباب على وجهها» (أخرجه أحمد، برقم 24021، وأبو داود، برقم 1833، وقال الشيخ الألباني في جلباب المرأة المسلمة، 1/ 107: «حسن في الشواهد»)، ولم تكن إحداهن تتخذ عوداً تجعله بين وجهها وبين الجلباب (انظر: نيل الأوطار، 5/ 71.)، كما قاله بعض الفقهاء، ولا يُعْرَفْ هذا عن امرأة من نساء الصحابة، ولا أمهات المؤمنين البتة، لا عملاً ولا فتوىً، ومستحيل أن يكون هذا من شعار الإِحرام، ولا يكونَ ظاهرًا مشهورًا بينهن يعرفه الخاص والعام.
ومن آثر الإِنصاف، وسلك سبيل العلم والعدل، تبين له راجح المذاهب من مرجوحها، وفاسدها من صحيحها، واللَّه الموفق والهادي» (بدائع الفوائد، 3/ 174 – 175).
ونقل الحافظ ابن حجر في فتح الباري عن ابن المنذر أنه قال: «أجمعوا على أن المرأة المحرمة تلبس المخِيطَ كلَّه والخِفافَ، وأنَّ لها أن تغطي رأسها، وتستُر شعرها إلا وجهها، فتسدل عليه الثوبَ سدلًا خفيفاً تستتر به عن نظر الرجال الأجانب، ولا تخمره، إلا ما روي عن فاطمة بنت المنذر قالت: «كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر – رضي الله عنهما – تعني جدتها» (أخرجه الإمام مالك في الموطأ، 1/ 328، برقم 16 في الحج، باب تخمير المحرم وجهه، وابن خزيمة، 4/ 203، برقم 2690، والحاكم، 1/ 45، وصححه، ووافقه الذهبي).
قال: ويحتمل أن يكون ذلك التخمير سدْلاً، كما جاء عن عائشة – رحمه الله – قالت: «كنّا مع رسول اللَّه – رضي الله عنه – إذا مرَّ بنا رَكْبٌ سدلنا الثوب على وجوهنا ونحن محرمات، فإذا جاوزونا رفعناه» (فتح الباري، لابن حجر، 3/ 406).
قال العلامة الصنعاني في حاشيته على شرح العمدة بعد ما ذكر الحديث: «لا تنتقب المرأة، ولا تلبس القفازين».
قال: «قوله: بوجهها وكفيها، أقول: فلا يُلبس ما فصل وقطع وخيط لأجل الوجه كالنقاب، ولأجل اليدين كالقفازين، لا لأن المراد أنها لا تغطي وجهها وكفيها كما توهم، فإنه يجب سترهما، لكن بغير النقاب والقفازين» (العدة شرح العمدة بحاشية الصنعاني، 3/ 476)
ثالثا : الأدلة من الإجماع العملي على وجوب حجاب المرأة عن الرجال الأجانب :
نقل الإجماع العملي المستمر على وجوب حجاب المرأة عن الرجال الأجانب جمع من أهل العلم، منهم من يأتي:
1 – قالَ أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المُنذِر النيسابوري المتوفى سنة 318هـ: «وأَجمَعُوا عَلَى أَنَّ المَرأَة تَلبَس المَخِيط كُلّه والخِفاف، وأَنَّ لَها أَن تُغَطِّيَ رَأسَها، وتَستُرَ شَعرَها إِلاَّ وجهَها، فَتَسدُل عَلَيهِ الثَّوب سَدلاً خَفِيفًا، تُستَر بِهِ عَن نَظَرِ الرِّجال، ولا تُخَمِّرهُ إِلاَّ ما رُوِيَ عَن فاطِمَة بِنت المُنذِر، قالَت: كُنّا نُخَمِّر وُجُوهنا ونَحنُ مُحرِمات مَعَ أَسماء بِنت أَبِي بَكر؛ تَعنِي جَدَّتها» (عزاه إليه الحافظ في الفتح، 3/ 406، وهو في بداية المجتهد، ص 272)
2 – وقال الحافظ الإمام ابن عبد البر المتوفى سنة 463هـ: «وأجمعوا أن إحرامها في وجهها دون رأسها، وأنها تخمر رأسها وتستر شعرها وهي محرمة، وأجمعوا أن لها أن تسدل الثوب على وجهها من فوق رأسها سدلاً خفيفاً، تستتر به عن نظر الرجال إليها» (التمهيد لابن عبد البر، 15/ 108)، وقال في موضع آخر: «وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ إِحْرَامَ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا، وَأَنَّ لَهَا أَنْ تُغَطِّيَ رَأْسَهَا، وَتَسْتُرَ شَعْرَهَا وهي محرمة، وَأَنَّ لَهَا أَنْ تَسْدِلَ ثَوْبَهَا عَلَى وَجْهِهَا مِنْ فَوْقِ رَأْسِهَا سَدْلًا خَفِيفًا، تَسْتَتِرُ بِهِ عَنْ نَظَرِ الرِّجَالِ إِلَيْهَا»(الاستذكار لابن عبد البر، 11/ 28، برقم 15257)
3- وقال شيخ الحنابلة الموفق ابن قدامة المتوفى سنة 620هـ في قول الخرقي: «الْمَرْأَةُ إحْرَامُهَا فِي وَجْهِهَا، فَإِنْ احْتَاجَتْ سَدَلَتْ عَلَى وَجْهِهَا»، قال: فَأَمَّا إذَا احْتَاجَتْ إلَى سَتْرِ وَجْهِهَا، لِمُرُورِ الرِّجَالِ قَرِيبًا مِنْهَا، فَإِنَّهَا تَسْدُلُ الثَّوْبَ مِنْ فَوْقِ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ، وَعَائِشَةَ، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَمَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا; وَذَلِكَ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ – رحمه الله – قَالَتْ: «كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا، وَنَحْنُ مُحْرِمَاتٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَإِذَا حَاذَوْنَا، سَدَلَتْ إحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا، فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالْأَثْرَمُ؛ وَلِأَنَّ بِالْمَرْأَةِ حَاجَةً إلَى سَتْرِ وَجْهِهَا، فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهَا سَتْرُهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، كَالْعَوْرَةِ» (المغني لابن قدامة، 5/ 154)
4- وَقال شيخ الإسلام ابن تيمية المتوفى سنة 728هـ: «أَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنَّهَا عَوْرَةٌ، فَلِذَلِكَ جَازَ لَهَا أَنْ تَلْبَسَ الثِّيَابَ الَّتِي تَسْتَتِرُ بِهَا، وَتَسْتَظِلُّ بِالْمَحْمَلِ، لَكِنْ نَهَاهَا النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – أَنْ تَنْتَقِبَ أَوْ تَلْبَسَ الْقُفَّازَيْنِ، وَالْقُفَّازَانِ: غِلَافٌ يُصْنَعُ لِلْيَدِ، كَمَا يَفْعَلُهُ حَمَلَةُ الْبُزَاةِ، وَلَوْ غَطَّتْ الْمَرْأَةُ وَجْهَهَا بِشَيْءِ لَا يَمَسُّ الْوَجْهَ جَازَ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَ يَمَسُّهُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَيْضًا، وَلَا تُكَلَّفُ الْمَرْأَةُ أَنْ تُجَافِيَ سُتْرَتَهَا عَنْ الْوَجْهِ لَا بِعُودِ، وَلَا بِيَدِ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ»(مجموع الفتاوى، 26/ 112)
5_ وقال الإمام الحافظ شمس الدين ابن قيم الجوزية المتوفى سنة 752هـ: «قد أجمع الناس على أن المحرمة تستر بدنها بقميصها ودرعها، وأن الرجل يستر بدنه بالرداء، وأسافله بالإزار، مع أن مخرج النهي عن النقاب والقفازين والقميص والسراويل واحد، وكيف يزاد على موجب النص، ويفهم منه أنه شرع لها كشف وجهها بين الملأ جهاراً؟ فأي نص اقتضى هذا؟! أو مفهوم أو عموم أو قياس أو مصلحة، بل وجه المرأة كبدن الرجل، يحرم ستره بالمفصل على قدره كالنقاب، والبرقع، وكيدها يحرم سترها بالمفصل على قدر اليد كالقفازين، وأما سترها بالكم، وستر الوجه بالملاءه والخمار والثوب، فلم ينه عنه البتة») بدائع الفوائد، 3/ 141) .
6_ ذكر الإمام الصنعاني – رحمه الله – إجماع المسلمين على تحريم التبرج»( منحة الغفار على ضوء النهار، 4/ 2011، 2012) .
رابعاً: الدليل من الاعتبار الصحيح والقياس المطرد على وجوب الحجاب:
قال العلامة محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: «الدليل الحادي عشر: الاعتبار الصحيح والقياس المطرد الذي جاءت به الشريعة الكاملة. وهو إقرار المصالح ووسائلها والحث عليها، وإنكار المفاسد ووسائلها والزجر عنها، فكل ما كانت مصلحته خالصة أو راجحة على مفسدته فهو مأمور به أمر إيجاب أو أمر استحباب.
وكل ما كانت مفسدته خالصة أو راجحة على مصلحته فهو نهي تحريم أو نهي تنزيه.
وإذا تأملنا السفور وكشف المرأة وجهها للرجال الأجانب وجدناه يشتمل على مفاسد كثيرة، وإن قدر فيه مصلحة فهي يسيرة منغمرة في جانب المفاسد.
مفاسد السفور وكشف المرأة وجهها كثيرة، منها:
1 – الفتنة؛ فإن المرأة تفتن نفسها بفعل ما يُجَمِّل وجهها، ويبهيه، ويظهره بالمظهر الفاتن. وهذا من أكبر دواعي الشر والفساد.
2 – زوال الحياء عن المرأة الذي هو من الإيمان، ومن مقتضيات فطرتها، فقد كانت المرأة مضرب المثل في الحياء «أحيا من العذراء في خدرها»، وزوال الحياء عن المرأة نقص في إيمانها، وخروج عن الفطرة التي خلقت عليها.
3 – افتتان الرجال بها لا سيما إذا كانت جميلة، وحصل منها تملق وضحك ومداعبة في كثير من السافرات، وقد قيل: «نظرة، فسلام، فموعد، فلقاء».
والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فكم من كلام وضحك وفرح أوجب تعلق قلب الرجل بالمرأة، وقلب المرأة بالرجل، فحصل بذلك من الشر ما لا يمكن دفعه نسأل اللَّه السلامة.
4 – اختلاط الرجال بالنساء، فإن المرأة إذا رأت نفسها مساوية للرجل في كشف الوجه، والتجول سافرة لم يحصل منها حياء ولا خجل من مزاحمة، وفي ذلك فتنة وفساد عريض، وقد «خرج النبي – صلى الله عليه وسلم – ذات يوم من المسجد، وقد اختلط النساء مع الرجال في الطريق فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «استأخرن؛ فإنه ليس لكنَّ أن تحتضن الطريق، عليكن بحافات الطريق». فكانت المرأة تلصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق به من لصوقها» (سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب في مشي النساء مع الرجال في الطريق، برقم 5272، وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 856)، ذكره ابن كثير عند تفسير قوله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ}» (رسالة الحجاب، ص 20 – 22.).
وقد جاء في فتنة النساء أحاديث كثيرة، منها:
1 – حديث أسامة بن زيد – رضي الله عنهما – قال: قال رسول اللَّه – صلى الله عليه وسلم -: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ» (البخاري، برقم 5096، ومسلم، برقم 2740).
2 – حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه –، عن النبي – صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ» (مسلم، كتاب العلم، باب أكثر أهل الجنة الفقراء، وأكثر أهل النار النساء، وبيان الفتنة بالنساء، برقم 2742.).
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: «وفي الحديث: أن الفتنة بالنساء أشد من الفتنة بغيرهن، ويشهد لهذا قوله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ} فجعلهن من حب الشهوات، وبدأ بهن قبل بقية الأنواع إشارة إلى أنهن الأصل في ذلك … وقد قال بعض الحكماء: «النساء شر كلهن، وأشر ما فيهن عدم الاستغناء عنهن، ومع أنهن ناقصات عقل ودين تحمل الرجل على تعاطي ما فيه نقص العقل والدين» (فتح الباري، لابن حجر، 9/ 138.).
قال الإمام ابن القيم – رحمه الله -: «ففتنة النظر أصل كل فتنة، كما ثبت في الصحيحين من حديث أسامة بن زيد – رضي الله عنهما – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ» (البخاري، برقم 5096، ومسلم، برقم 2740).
وفي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «اتقوا الدنيا واتقوا النساء» (مسلم، برقم 2742).
وفي مسند محمد بن إسحاق السرّاج من حديث علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «أخوف ما أخاف على أمتي النساء والخمر» (علل الحديث لابن أبي حاتم، برقم 1311، ومسند السراج، ص 26، وضعفه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة، برقم 6052).
وقال ابن عباس – رضي الله عنهما -: «لم يكفر ممن كفر ممن مضى إلا من قبل النساء، وكفر من بقي من قبل النساء» (مصنف ابن أبي شيبة، 3/ 46، برقم 17643، وقال الشيخ التويجري في إتحاف الجماعة، 1/ 338: «إسناده حسن».) … إلى أن قال: «والنظرة تفعل في القلب ما يفعل السهم في الرمية، فإن لم تقتله جرحته، وهي بمنزلة الشرارة من النار ترمى في الحشيش اليابس، فإن لم تحرقه كله أحرقت بعضه، كما قيل:
كل الحوادث مبدؤها من النظر … ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها … فتك السهام بلا قوس ولا وتر
والمرء ما دام ذا عين يقلبها … في أعين الغيد موقوف على الخطر
يسر مقلته ما ضر مهجته … لا مرحباً بسرور عاد بالضرر» (روضة المحبين، ص 113)
المصدر : إظهار الحق والصواب فى حُكم الحِجاب
والحمد لله رب العالمين الذى بنعمته تتم الصالحات