الوصف
مقالة
بـ . هل فُرِضَ الحِجاب للتفريق بين الأمة والحُرّة ؟
هل فُرِضَ الحِجاب للتفريق بين الأمة والحُرّة ؟
:بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
بعدما وضّحنا معنى الحِجاب والأدلة على فرضيتة الحِجاب وأدلة وجوبه نتحدّث عن هل فُرِضَ الحِجاب على الحرائر والإماء أم على الحرائر فقط :
أولاً : فرض الله تعالى الحِجاب على نساء المؤمنين فقال تعالى :
(الأحزاب)(o 59 o)(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)
قال الإمام الألبانى رحمه الله فى كتاب “جلباب المرأة المُسلمة فى الكِتاب والسُنّة” ((ومن العجائب أن يغتر بعض المفسرين بهذه الروايات الضعيفة فيذهبوا بسببها إلى تقييد قوله تعالى: {وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 59] بالحرائر دون الإماء وبنوا على ذلك أنه لا يجب على الأمة ما يجب على الحرة من ستر الرأس والشعر بل بالغ بعض المذاهب فذكر أن عورتها مثل عورة الرجل: من السرة إلى الركبة وقالوا:
“فيجوز للأجنبي النظر إلى شعر الأمة وذراعها وساقها وصدرها وثديها“1.
وهذا –مع أنه لا دليل عليه من كتاب أو سنة– مخالف لعموم قوله تعالى: {وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 59] فإنه من حيث العموم كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} الآية [النساء: 43] ولهذا قال أبو حيان الأندلسي في تفسيره: “البحر المحيط” “7/ 250”:
“والظاهر أن قوله: {وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ} يشمل الحرائر والإماء، والفتنة بالإماء أكثر؛ لكثرة تصرفهن، بخلاف الحرائر؛ فيحتاج إخراجهن من عموم النساء إلى دليل واضح“.
وسبقه إلى ذلك الحافظ ابن القطان في “أحكام النظر” “ق 24/ 2″ وغيره. وما أحسن ما قال ابن حزم في “المحلى” “3/ 218 – 219”:
“وأما الفرق بين الحرة والأمة فدين الله واحد والخلقة والطبيعة واحدة كل ذلك في الحرائر والإماء سواء حتى يأتي نص في الفرق بينهما))(جلباب المرأة المُسلمة فى الكِتاب والسنة 1/ 92) .
أى أنّ الحِجاب جاء مُلزما لجميع النساء الحرائر والإماء .
وهو مذهب بعض الحنابلة وابن حزم، قال ابن قدامة في المغني: ((وَسَوَّى بَعْضُ أَصْحَابِنَا بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور: 31] الْآيَةَ؛ وَلِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي تَحْرِيمِ النَّظَرِ الْخَوْفُ مِنْ الْفِتْنَةِ وَالْفِتْنَةُ الْمَخُوفَةُ تَسْتَوِي فِيهَا الْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ، فَإِنَّ الْحُرِّيَّةَ حُكْمٌ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْأَمْرِ الطَّبِيعِيِّ))(المغنى لابن قتيبة 7/ 103) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فى كتاب “حجاب المراة ولباسها فى الصلاة” : ((الأمة إذا كان يخاف بها الفتنة كان عليها أن ترخي من جلبابها وتحتجب ووجب غض البصر عنها ومنها.
وليس في الكتاب والسنة إباحة النظر إلى عامة الإماء ولا ترك احتجابهن وإبداء زينتهن ولكن القرآن لم يأمرهن بما أمر الحرائر. والسنة فرقت بالفعل بينهن وبين الحرائر ولم تفرق بينهن وبين الحرائر بلفظ عام بل كانت عادة المؤمنين أن تحتجب منهم الحرائر دون الإماء واستثنى القرآن من النساء الحرائر القواعد فلم يجعل عليهن احتجابا واستثنى بعض الرجال وهم غير أولي الإربة فلم يمنع من إبداء الزينة الخفية لهم لعدم الشهوة في هؤلاء وهؤلاء فأن يستثنى بعض الإماء أولى وأحرى وهن من كانت الشهوة والفتنة حاصلة بترك احتجابها وإبداء زينتها وكما أن المحارم أبناء أزواجهن ونحوه ممن فيهن شهوة وشغف لم يجز إبداء الزينة الخفية له فالخطاب خرج عاما على العادة فما خرج عن العادة خرج به عن نظائره فإذا كان في ظهور الأمة والنظر إليها فتنة وجب المنع من ذلك كما لو كانت في غير ذلك))(حجاب المرأة ولباسها فى الصلاة 1/ 37) .
=========
ثانيا : الفرق بين حِجاب الحرة والأمة
نقول :
والفرق بين الحرة والأمة أن الحرة كانت تتجلبب (أي تضع الجلباب على وجهها)
((قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَمَرَ اللَّهُ نِسَاءَ الْمُؤْمِنِينَ إذا خرجن من بيوتهن في حَاجَةٍ أَنْ يُغَطِّينَ وُجُوهَهُنَّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِنَّ بِالْجَلَابِيبِ، وَيُبْدِينَ عَيْنًا وَاحِدَةً.
وَقَالَ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: سَأَلْتُ عَبيدةَ السَّلْمَانِيَّ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} ، فَغَطَّى وَجْهَهُ وَرَأْسَهُ وَأَبْرَزَ عَيْنَهُ الْيُسْرَى.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: تُغَطِّي ثُغْرَة نَحْرِهَا بِجِلْبَابِهَا تُدْنِيهِ عَلَيْهَا.))(تفسير ابن كثير 6/ 482) .
ماهو سبب هذه التفريق بين الحرّة والأمة
نقول :
السبب الحقيقي في التفريق بين حجاب الحرة والأمة على هو تخفيف وتيسير من الله لهن ، إذ أن النفوس السوية لا تتشوف غالبا إلى الإماء كالحرائر ولأن الفتنة بالإماء أقل بكثير من الفتنة بالحرائر ، وكذلك لمّا كانت الإماء تكثرُ إليهن الحاجة في الاستخدام وأمورِ المهنة وكنّ مبتذلاتٍ بكثرة الذهاب والمجيء، وكان فرضُ الحجاب عليهن مما يشقُ مشقةً بالغة ، كان من رحمة الله بعباده أنه لم يفرض عليهن الحجاب كما فرضه على الحرائر ..
=========
ثالثا : لايصح ولا يستوي القول بأن الحجاب فرض لأجل تمييز الحرة عن الأمة ، وذلك لأن الأمة يجب عليها الحجاب إذا خيف الإفتتان بها
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ((وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إنَّ الإماء في عهد الرسول عليه الصَّلاة والسَّلام، وإن كُنَّ لا يحتجبن كالحرائر؛ لأن الفتنة بهنَّ أقلُّ، فَهُنَّ يُشبهنَ القواعدَ من النِّساء اللاتي لا يرجون نكاحاً، قال تعالى فيهن: {فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} [النور: 60]، يقول: وأما الإماء التركيَّات الحِسَان الوجوه، فهذا لا يمكن أبداً أن يَكُنَّ كالإماء في عهد الرسول عليه الصَّلاة والسَّلام، ويجب عليها أن تستر كلَّ بدنها عن النَّظر، في باب النَّظر.))(الشرح الممتع على زاد المستقنع 2/ 157) .
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعليقا على قول شيخ الإسلام السابق ((وعلَّل ذلك بتعليل جيِّدٍ مقبولٍ، فقال: إن المقصود من الحجاب هو ستر ما يُخاف منه الفِتنة بخلاف الصَّلاة، ولهذا يجب على الإنسان أن يستتر في الصَّلاة، ولو كان خالياً في مكان لا يطَّلع عليه إلا الله. لكن في باب النَّظر إنما يجب التَّستر حيث ينظر الناس. قال: فالعِلَّة في هذا غير العِلَّة في ذاك، فالعِلَّة في النَّظر: خوف الفتنة، ولا فرق في هذا بين النِّساء الحرائر والنِّساء الإماء. وقوله صحيح بلا شكٍّ، وهو الذي يجب المصير إليه.))( الشرح الممتع على زاد المستقنع 2/ 157) .
((قال ابن المنذر: ثبت أن عمر قال لأمة رآها متقنعة: اكشفي رأسك، ولا تشبهي بالحرائر، وضربها بالدرة. فإن كانت جميلة حرم النظر إليها، كما يحرم إلى الغلام خشية الفتنة. قال أحمد في الأمة إذا كانت جميلة: تنقبت.))(منار السبيل فى شرح الدليل 2/ 138) .
ويقول الشيخ هاني بن عبدالله الجبير –قاضي بمحكمة مكة المكرمة : ((وقد ورد أن عمر كان ينهى الإماء عن التقنع (وهو تغطية الرأس) ويقول: إنما القناع للحرائر، وضرب أمة لآل أنس رآها متقنعة، وقال: اكشفي رأسك ولا تشبهي بالحرائر. (سنن البيهقي 3305) وصححه.
وهذا اشتهر في الصحابة ولم ينكر، كما أن ذلك يظهر عادة عن الخدمة والتقليب للشراء، وأما في خارج الصلاة فإن خشيت الفتنة بهن كالإماء الحسان؛ فيجب عليهن ستر جميع بدنهن فإن المقصود من الحجاب هو ستر ما يخاف منه الفتنة بخلاف الصلاة.
وإن لم تخش الفتنة كما كان الإماء في الصدر الأول، وفي عهد النبي –صلى الله عليه وسلم– فليس عليهن حجاب كحجاب الحرائر، وهن كالقواعد من النساء قال تعالى فيهن:”ليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة” [النور:60] ، هذا هو الظاهر لي، والله الموفق والهادي لا إله إلا هو.))(فتاوى واستشارات الإسلام اليوم 12/ 209) .
ويقول الدكتور علي بن عبد الله الصّياح : ((ولا يخفى أنّ الإماء يفارقن الحرائر بأحكام كثيرة –فلا يخلو باب من أبواب الفقه – في الغالب – من ذكر الفروق بين الحرائر والإماء–، فملامسة الأمة أخف من ملامسة الحرائر، وكذلك النظر إليها وغير ذلك من الأحكام، وتبقى الحرائر على الأصل في تحريم المس.
قَالَ ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الصلوات، في الأمة تصلي بغير خمار (2/41) حدثنا وكيعُ بنُ الجراح، قَالَ: حدثنا شعبةُ، عن قتادةَ، عن أنس قَالَ: رأى عُمرُ أمةً لنا متقنعة فضربها وَقَالَ: لا تشبهي بالحرائر، وهذا إسنادٌ صحيح قَالَ شيخُ الإسلامِ: ((غناءُ الإماءِ الذي يسمعه الرجلُ قد كَانَ الصحابة يسمعونه في العرسات كما كانوا ينظرونَ إلى الإماء لعدم الفتنة في رؤيتهن وسماع أصواتهن)).))(إشكال وجوابه فى حديث أم حرام بنت ملحان 1/ 51) .
قال الإمام النووي رحمه الله : ((الرَّابِعَةُ: إِذَا كَانَ الْمَنْظُورُ إِلَيْهَا أَمَةً، فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَصَحُّهَا فِيمَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: يَحْرُمُ النَّظَرُ إِلَى مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَلَا يَحْرُمُ مَا سِوَاهُ، لَكِنْ يُكْرَهُ. وَالثَّانِي: يَحْرُمُ مَا لَا يَبْدُو حَالَ الْمِهْنَةِ دُونَ غَيْرِهِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا كَالْحُرَّةِ، وَهَذَا غَرِيبٌ لَا يَكَادُ يُوجَدُ لِغَيْرِ الْغَزَالِيِّ.
قُلْتُ: (أى النووى) قَدْ صَرَّحَ صَاحِبُ (الْبَيَانِ) وَغَيْرُهُ، بِأَنَّ الْأَمَةَ كَالْحُرَّةِ وَهُوَ مُقْتَضَى إِطْلَاقِ كَثِيرِينَ، وَهُوَ أَرْجَحُ دَلِيلًا. – وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.))(روضة الطالبين وعُمدة المُفتين 7/ 23) .
وقال أيضا : ((وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ : أَنَّ الْأَمَةَ كَالْحُرَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ))(منهاج الطالبين وعمدة المُفتين فى الفقه 1/ 204) .
قال شارح منهاج الطالبين : ((لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْأُنُوثَةِ وَخَوْفِ الْفِتْنَةِ، بَلْ جَمَالٌ كَثِيرٍ مِنْ الْإِمَاءِ أَكْثَرُ مِنْ جَمَالِ كَثِيرٍ مِنْ الْحَرَائِرِ فَخَوْفُهَا فِيهِنَّ أَعْظَمُ.))(نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج 6/ 193) .
ولهذا لو كان التفريق هو سبب التشريع لما وجب على الأمة تغطية رأسها إذا كان يؤدي إلى فتنة .. وإنما وجب عليها ذلك لأن الاصل في الحجاب هو الستر والعفة والطهارة ..
الحمد لله رب العالمين الذى بنعمته تتم الصالحات