تأليف
الوصف
مقالة
الرد على من يطعن في معاوية بن أبي سفيان
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا، وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، الَّذِي أَرْسَلَهُ رَبُّهُ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ:
سوف نذكر بعض الطعون التي يثيرها بعض الحاقدين على الإسلام ضد معاوية بن أبي سفيان، رضي اللهُ عنهما، ونذكر الرد عليها، فأقول وبالله تعالى التوفيق:
الشبهة الأولى:
قال الطاعنون: معاويةُ بنُ أبي سفيان هَوَ الطَّلِيقُ ابْنُ الطَّلِيقِ.
الرد على هذه الشبهة:
هَذَه لَيْسَتْ صِفَةُ ذَمٍّ؛ فَإِنَّ الطُّلَقَاءَ هُمْ مُسْلِمَةُ الْفَتْحِ، الَّذِينَ أَسْلَمُوا عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَأَطْلَقَهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانُوا نَحْوًا مَنْ أَلْفَيْ رَجُلٍ، وَفِيهِمْ مَنْ صَارَ مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ، كَالْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، وَسُهَيلِ بْنِ عَمْرٍو، وَصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، وَعِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ، وَيَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، وَأَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ،ابْنِ عَمِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي كَانَ يَهْجُوهُ ثُمَّ حَسُنَ إِسْلَامُهُ، وَعَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ الَّذِي وَلَّاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ لَمَّا فَتَحَهَا، وَغَيْرِ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ حَسُنَ إِسْلَامُهُ. (منهاج السنة لابن تيمية جـ4صـ381).
الشبهة الثانية:
قال الطاعنون: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ َقَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمْ مُعَاوِيَةَ عَلَى مِنْبَرِي فَاقْتُلُوهُ».
الرد على هذه الشبهة:
الرد من وجهين:
أولًا: مَا ذَكَرَوه مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَعَنَ مُعَاوِيَةَ وَأَمَرَ بِقَتْلِهِ إِذَا رُؤِيَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَهَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْإِسْلَامِ الَّتِي يُرْجَعُ إِلَيْهَا فِي عِلْمِ النَّقْلِ، وَهُوَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ كَذِبٌ مَوْضُوعٌ مُخْتَلَقٌ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا الحديثُ لَمْ يُذْكُرْ لَهُ إِسْنَادًا حَتَّى يُنْظَرَ فِيهِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ.
ثانيًا: يُبَيِّنُ كَذِبَ الطاعنين أَنَّ مِنْبَرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ صَعِدَ عَلَيْهِ بَعْدَ مُعَاوِيَةَ مَنْ كَانَ مُعَاوِيَةُ خَيْرًا مِنْهُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ. فَإِنْ كَانَ يَجِبُ قَتْلُ مَنْ صَعِدَ عَلَيْهِ لِمُجَرَّدِ الصُّعُودِ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَجَبَ قَتْلُ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ. ثُمَّ هَذَا خِلَافُ الْمَعْلُومِ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّ مُجَرَّدَ صُعُودِ الْمِنْبَرِ لَا يُبِيحُ قَتْلَ مُسْلِمٍ. وَإِنْ أَمَرَ بِقَتْلِهِ لِكَوْنِهِ تَوَلَّى الْأَمْرَ، وَهُوَ لَا يَصْلُحُ، فَيَجِبُ قَتْلُ كُلِّ مَنْ تَوَلَّى الْأَمْرَ بَعْدَ مُعَاوِيَةَ مِمَّنْ مُعَاوِيَةُ أَفْضَلُ مِنْهُ. وَهَذَا خِلَافُ مَا تَوَاتَرَتْ بِهِ السُّنَنُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ نَهْيِهِ عَنْ قَتْلِ وُلَاةِ الْأُمُورِ وَقِتَالِهِمْ. (منهاج السنة لابن تيمية جـ4صـ381: 379).
الشبهة الثالثة:
قال الطاعنون: "سَمَّوْا معاوية ابن أبي سفيان كَاتِبَ الْوَحْيِ وَلَمْ يَكْتُبْ لَهُ كَلِمَةً وَاحِدَةً مِنَ الْوَحْيِ".
الرد على هذه الشبهة:
هَذَا قَوْلٌ بِلَا حُجَّةٍ وَلَا عِلْمٍ، فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكْتُبْ لَهُ كَلِمَةً وَاحِدَةً مِنَ الْوَحْيِ، وَإِنَّمَا كَانَ يَكْتُبُ لَهُ رَسَائِلَ؟
روى الشيخانِ عَنِ البَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿ لاَ يَسْتَوِي القَاعِدُونَ ﴾ (النساء: 95) مِنَ المُؤْمِنِينَ "دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدًا (ابن ثابت)، فَجَاءَ بِكَتِفٍ فَكَتَبَهَا. (البخاري حديث: 2831/مسلم حديث: 1898).
وَكَتَبَ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أيضًا: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَرْقَمِ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ، وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، وَحَنْظَلَةُ بْنُ الرَّبِيعِ الْأَسَدِيُّ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَمُعَاوِيَةُ، وَشُرَحْبِيلُ بْنُ حَسَنَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. (منهاج السنة لابن تيمية جـ4صـ428: 427).
الشبهة الرابعة:
قال الطاعنون " إِنَّ مُعَاوِيَةَ بن أبي سفيان لَمْ يَزَلْ مُشْرِكًا مُدَّةَ كَوْنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَبْعُوثًا ".
الرد على هذه الشبهة:
الرد من عِدة وجوه:
أولًا: لَا شَكَّ أَنَّ مُعَاوِيَةَ وَأَبَاهُ وَأَخَاهُ وَغَيْرَهُمْ أَسْلَمُوا عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ، قَبْلَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَحْوٍ مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ، فَكَيْفَ يَكُونُ مُشْرِكًا مُدَّةَ الْمَبْعَثِ. وَمُعَاوِيَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ حِينَ بُعِثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَغِيرًا. وَمُعَاوِيَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَسْلَمَ مَعَ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ، مِثْلُ أَخِيهِ يَزِيدَ، وَسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، وَعِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ، وَأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ،وَهَؤُلَاءِ كَانُوا قَبْلَ إِسْلَامِهِمْ أَعْظَمَ كُفْرًا وَمُحَارَبَةً لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مُعَاوِيَةَ. فَصَفْوَانُ وَعِكْرِمَةُ وَأَبُو سُفْيَانَ كَانُوا مُقَدَّمِينَ لِلْكُفَّارِ يَوْمَ أُحُدٍ، رُءُوسَ الْأَحْزَابِ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ، وَمَعَ هَذَا كَانَ أَبُو سُفْيَانَ وَصَفْوَانُ وَعِكْرِمَةُ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ إِسْلَامًا، وَاسْتُشْهِدُوا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يَوْمَ الْيَرْمُوكِ.
ثانيًا: مُعَاوِيَةُ لَمْ يُعْرَفْ عَنْهُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ أَذًى لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا بِيَدٍ وَلَا بِلِسَانٍ، فَإِذَا كَانَ مَنْ هُوَ أَعْظَمُ مُعَادَاةً لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مُعَاوِيَةَ قَدْ حَسُنَ إِسْلَامُهُ، وَصَارَ مِمَّنْ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَمَا الْمَانِعُ أَنْ يَكُونَ مُعَاوِيَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَذَلِكَ؟.
ثالثًا: كَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ سِيرَةً فِي وِلَايَتِهِ، وَهُوَ مِمَّنْ حَسُنَ إِسْلَامُهُ، وَلَوْلَا مُحَارَبَتُهُ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَتَوَلِّيهِ الْمُلْكَ، لَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ إِلَّا بِخَيْرٍ، كَمَا لَمْ يُذْكَرْ أَمْثَالُهُ إِلَّا بِخَيْرٍ. وَهَؤُلَاءِ مُسْلِمَةُ الْفَتْحِ - مُعَاوِيَةُ وَنَحْوُهُ - قَدْ شَهِدُوا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِدَّةَ غَزَوَاتٍ، كَغَزَاةِ حُنَيْنٍ وَالطَّائِفِ وَتَبُوكَ، فَلَهُ مِنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ مَا لِأَمْثَالِهِ، فَكَيْفَ يَكُونُ هَؤُلَاءِ كُفَّارًا وَقَدْ صَارُوا مُؤْمِنِينَ مُجَاهِدِينَ تَمَامَ سَنَةِ ثَمَانٍ وَتِسْعٍ وَعَشْرٍ، وَبَعْضَ سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ؟! (منهاج السنة لابن تيمية جـ4صـ429: 428)
الشبهة الخامسة:
قال الطاعنون: دعا النبي (ص) على معاوية بن أبي سفيان، فقال: (لَا أَشْبَعَ اللَّهُ بَطْنَهُ).
الرد على هذه الشبهة:
روى مسلمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كُنْتُ أَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَوَارَيْتُ خَلْفَ بَابٍ قَالَ فَجَاءَ فَحَطَأَنِي حَطْأَةً وَقَالَ اذْهَبْ وَادْعُ لِي مُعَاوِيَةَ قَالَ: فَجِئْتُ فَقُلْتُ: هُوَ يَأْكُلُ. قَالَ ثُمَّ قَالَ لِيَ اذْهَبْ فَادْعُ لِي مُعَاوِيَةَ قَالَ: فَجِئْتُ فَقُلْتُ: هُوَ يَأْكُلُ. فَقَالَ: لَا أَشْبَعَ اللَّهُ بَطْنَهُ. (مسلم حديث 2604).
قال العلماء: هذا الحديث مِن مناقب معاوية بن أبي سفيان، وذلك لما أخرجه مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَتَّخِذُ عِنْدَكَ عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ آذَيْتُهُ شَتَمْتُهُ لَعَنْتُهُ جَلَدْتُهُ فَاجْعَلْهَا لَهُ صَلَاةً وَزَكَاةً وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. (مسلم حديث 2601).
الشبهة السادسة:
قال الطاعنون: نَزَلَ فِي معاوية بن أبي سفيان قوله تعالى: (وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا).
أولًا: هذا قولٌ بَاطِلٌ ; فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ، لَمَّا أُكْرِهَ عَمَّارٌ وَبِلَالٌ عَلَى الْكُفْرِ.
ثانيًا: لَوْ افترضنا أَنَّهُ نَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةُ ; فَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ قَبِلَ إِسْلَامَهُ وَبَايَعَهُ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: ﴿ كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 89: 86] (منهاج السنة لابن تيمية جـ4صـ443).
الشبهة السابعة:
قال الطاعنون: «رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ يَمُوتُ عَلَى غَيْرِ سُنَّتِي فَطَلَعَ مُعَاوِيَةُ. وَقَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطِيبًا، فَأَخَذَ مُعَاوِيَةُ بِيَدِ ابْنِهِ يَزِيدَ وَخَرَجَ وَلَمْ يَسْمَعِ الْخُطْبَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَعَنَ اللَّهُ الْقَائِدَ وَالْمَقُودَ. " فَأَيُّ يَوْمٍ يَكُونُ لِلْأُمَّةِ مَعَ مُعَاوِيَةَ ذِي الْإِسَاءَةِ».
الرد على هذه الشبهة:
الرد مِن عِدة وجوه:
أَوَّلًا: نَحْنُ نُطَالِبُ بِصِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ: فَإِنَّ الِاحْتِجَاجَ بِالْحَدِيثِ لَا يَجُوزُ إِلَّا بَعْدَ ثُبُوتِهِ.
ثَانِيًا: هَذَا الْحَدِيثُ مِنَ الْكَذِبِ الْمَوْضُوعِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ، وَلَا يُوجَدُ فِي شَيْءٍ مِنْ دَوَاوِينِ الْحَدِيثِ الَّتِي يُرْجَعُ إِلَيْهَا فِي مَعْرِفَةِ الْحَدِيثِ، وَلَا لَهُ إِسْنَادٌ مَعْرُوفٌ.
ثالثًا: قَوْلُهمُ: " إِنَّ معاويةَ أَخَذَ بِيَدِ ابْنِهِ يَزِيدَ " يَزِيدُ بن معاوية وُلِدَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَمْ يَكُنْ لِمُعَاوِيَةَ وَلَدٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْفَضْلِ ابْنُ نَاصِرٍ: خَطَبَ مُعَاوِيَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ امرأةً- فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يُزَوَّجْ، لِأَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا،وَإِنَّمَا تَزَوَّجَ مُعَاوِيَةُ فِي زَمَنِ عُمَرَ بنِ الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَوُلِدَ لَهُ يَزِيدُ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ.
رابعًا: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ كَانَ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنْ ذَمِّ الصَّحَابَةِ، وَأَرْوَى النَّاسِ لِمَنَاقِبِهِمْ، وَقَوْلُهُ فِي مَدْحِ مُعَاوِيَةَ مَعْرُوفٌ ثَابِتٌ عَنْهُ.
(منهاج السنة لابن تيمية جـ4صـ446: 443).
روى أبو بَكْر الخَلَّال عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَسْوَدَ(أَيْ أَسْخَى) مِنْ مُعَاوِيَةَ». قَالَ: قُلْتُ: هُوَ كَانَ أَسْوَدَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ؟ قَالَ: هُوَ وَاللَّهِ أَخْيَرُ مِنْهُ، وَهُوَ وَاللَّهِ كَانَ أَسْوَدَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ ". قَالَ: قُلْتُ: فَهُوَ كَانَ أَسْوَدَ مِنْ عُمَرَ؟ قَالَ: عُمَرُ وَاللَّهِ كَانَ أَخْيَرَ مِنْهُ، وَهُوَ وَاللَّهِ أَسْوَدُ مِنْ عُمَرَ ". قَالَ: قُلْتُ: هُوَ كَانَ أَسْوَدَ مِنْ عُثْمَانَ؟ قَالَ: وَاللَّهِ إِنْ كَانَ عُثْمَانُ لَسَيِّدًا، وَهُوَ كَانَ أَسْوَدَ مِنْهُ ". (السنة ـ لأبي بكر الخَلَّال جـ2صـ441).
الشبهة الثامنة:
يقول الطاعنون:: " قَتَلَ يَزِيدُ بنُ معاويةَ مَوْلَانَا الْحُسَيْنَ وَنَهَبَ نِسَاءَهُ ".
الرد على هذه الشبهة من عِدة وجوه:
أولًا: إِنَّ يَزِيدَ بنَ معاوية لَمْ يَأْمُرْ بِقَتْلِ الْحُسَيْنِ بن علي بِاتِّفَاقِ أَهْلِ العلمِ، وَلَكِنْ كَتَبَ يزيدُ إِلَى عُبَيْدِ الله بْنِ زِيَادٍ أَنْ يَمْنَعَهُ عَنْ وِلَايَةِ الْعِرَاقِ. وَالْحُسَيْنُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَظُنُّ أَنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ يَنْصُرُونَهُ وَيَفُونَ لَهُ بِمَا كَتَبُوا إِلَيْهِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمُ ابْنَ عَمِّهِ مُسْلِمَ بْنَ عَقِيلٍ، فَلَمَّا قَتَلُوا مُسْلِمًا وَغَدَرُوا بِهِ وَبَايَعُوا ابْنَ زِيَادٍ، أَرَادَ الْحُسَيْنُ بنُ عليٍّ الرُّجُوعَ فَأَدْرَكَتْهُ السَّرِيَّةُ الظَّالِمَةُ، فَطَلَبَ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى يَزِيدَ بن معاوية، أَوْ يَذْهَبَ إِلَى الثَّغْرِ، أَوْ يَرْجِعَ إِلَى بَلَدِهِ، فَلَمْ يُمَكِّنُوهُ مِنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يُسَلِّمَ نَفْسَه أسيرًا لَهُمْ، فَامْتَنَعَ، فَقَاتَلُوهُ حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا مَظْلُومًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
ثانيًا: لَمَّا بَلَغَ يَزِيدَ بنَ معاوية، مَقْتَلَ الحسين أَظْهَرَ التَّوَجُّعَ عَلَى ذَلِكَ، وَظَهَرَ الْبُكَاءَ فِي دَارِهِ، وَلَمْ يَسْبِ لَهُ حَرِيمًا أَصْلًا، بَلْ أَكْرَمَ أَهْلَ بَيْتِهِ، وَأَجَازَهُمْ حَتَّى رَدَّهُمْ إِلَى بَلَدِهِمْ.
ثالثًا: وَلَوْ افترضنا أَنَّ يَزِيدَ بنَ معاويةَ قَتَلَ الْحُسَيْنَ بن علي، فما ذنْبُ معاوية في ذلك. يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ (فاطر: 18) (منهاج السنة لابن تيمية جـ4صـ472).
الشبهة التاسعة:
يقول الطاعنون: إن الخلاف بين علي ومعاوية كان سببه طمع معاوية في الخلافة وأن خروج معاوية على علي وامتناعه عن بيعته كان بسبب عزله عن ولاية الشام.
الرد على هذه الشبهة:
هذا كذبٌ وافتراءٌ، لأنمعاويةُ بنُ أبي سفيان لم يعترض على خلافة علي بن أبي طالب،ولكن طلب منه القصاص مِن قتلةِ عثمان بن عفان.
• جَاءَ أَبُو مُسْلِمٍ الخَوْلاَنِيُّ وَأُنَاسٌ إِلَى مُعَاوِيَةَ، وَقَالُوا: أَنْتَ تُنَازِعُ عَلِيًّا، أَمْ أَنْتَ مِثْلُهُ؟ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لاَ وَاللهِ، إِنِّيْ لأَعْلَمُ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنِّي، وَأَحَقُّ بِالأَمْرِ مِنِّي، وَلَكِنْ أَلَسْتُم تَعْلَمُوْنَ أَنَّ عُثْمَانَ قُتِلَ مَظْلُوْمًا، وَأَنَا ابْنُ عَمِّهِ، وَالطَّالِبُ بِدَمِهِ، فَائْتُوْهُ، فَقُوْلُوا لَهُ، فَلْيَدْفَعْ إِلَيَّ قَتَلَةَ عُثْمَانَ، وَأُسْلِمَ لَهُ. فَأَتَوْا عَلِيًّا، فَكَلَّمُوْهُ، فَلَمْ يَدْفَعْهُم إِلَيْهِ. (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 3 صـ 140).
قال الإمامُ ابن حجر الهيتمي: حدثت الفتنة عندما طلب معاوية ومن معه من علي بن أبي طالب تسليم قتلة عثمان بن عفان، إليهم، وذلك لكون معاوية ابن عمه، فامتنع علي ظنًا منه أن تسليم قتلة عثمان إليهم على الفور، مع كثرة عشائرهم واختلاطهم بعسكر علي، يؤدي إلى اضطراب في أمْر الخلافة، التي بها انتظام كلمة أهل الإسلام خاصة وهي في بدايتها، فرأى علي بن أبي طالب أن تأخير تسليم قتلة عثمان رضي الله عنه أصوب إلي أن يرسخ قدمه في الخلافة، ويتحقق التمكن من الأمور فيها، ويتم اتفاق كلمة المسلمين، ثم بعد ذلك يلتقطهم واحدًا فواحدًا ويسلمهم إليهم، ويدل على ذلك أن بعض قتلة عثمان رضي الله عنه عزم على الخروج على علي بن أبي طالب ومقاتلته لما نادى يوم الجمل بأن يخرج عنه قتلة عثمان رضي الله عنه. (الصواعق المحرقة لابن حجر الهيتمي صـ325).
الشبهة العاشرة:
قال الطاعنون: إن أبا بكر الصديق قد ولَّى معاوية فأقره عمر طيلة حياته.
الرد على هذه الشبهة:
هذا كذب وافتراء، لأن المعروف عند كل مَن درس سيرة الخلفاء أن أبا بكر قد ولى يزيد بن أبي سفيان الشام، وبقي واليًا عليها في خلافة عمر وأقره عمر فلما توفي يزيد ولى أخاه معاوية بن أبي سفيان.
الشبهة الحادية عشرة:
قال الطاعنون: إن عمر بن الخطاب كان يلين مع معاوية ولا يحاسبه أبدًا.
الرد على هذه الشبهة:
الرد على هذه الشبهة من وجهين:
أولًا: هذا كذبٌ وافتراءٌ على الخليفة الراشد عمر بن الخطاب. ونقول للطاعنين: ما هوالدليلعلىقولكم هذا؟
ثانيًا: الثابت في كتب السير والتاريخ يؤكد شدة محاسبة عمر لجميع ولاته،وكل من ثبت في حقه التقصير في عمله عزله أمير المؤمنين عمر، وولى غيره مكانه، فعمر، رضي الله عنه، لا يجامل أحدًا من ولاته على حساب المسلمين.
قَالَ عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: دَخَلَ مُعَاوِيَةُ عَلَى عُمَرَ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ خَضْرَاءُ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا الصَّحَابَةُ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عُمَرُ وَثَبَ إِلَيْهِ بِالدِّرَّةِ، فَجَعَلَ يَضْرِبُهُ بِهَا، وَجَعَلَ مُعَاوِيَةُ يَقُولُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهَ اللَّهَ فِيَّ. فَرَجَعَ عُمَرُ إِلَى مَجْلِسِهِ، فَقَالَ لَهُ الْقَوْمُ: لِمَ ضَرَبْتَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَا فِي قَوْمِكَ مِثْلُهُ؟! فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ إِلَّا خَيْرًا، وَمَا بَلَغَنِي إِلَّا خَيْرٌ، ولو بلغني غيرَ ذلكَ لكانَ مِني إليه غيرَ مَا رأيتم،ولكِنْ رَأَيْتُهُ- وَأَشَارَ بِيَدِهِ- فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَضَعَ مِنْهُ ما شمخ. (البداية والنهاية لابن كثير جـ8صـ125).
الشبهة الثانية عشرة:
قال الطاعنون أن عمر بن الخطاب لم يعزل معاوية بن أبي سفيان رغم كثرة الساعين الذين يشتكون من معاوية.
الرد على هذه الشبهة:
هذا الطعن يكذبه التاريخ فقد مكث معاوية أربعين عامًا يحكم أهل الشام، كانت سياسته مع رعيته من أفضل السياسات، وكانت رعيته تحبه ويحبُّهم، لدرجة أنهم أجابوه بقوة للأخذ بدم عثمان، ووقفوا معه في حربه مع علي بن أبي طالب.
الشبهة الثالثة عشر:
قال الطاعنون: إن معاويةَ بن أبي سفيان قتلَ حُجْرِ بْنِ عَدِيٍّ،وهو من الصحابة.
الرد على هذه الشبهة:
أولًا: حُجْرُ بْنُ عَدِيٍّ عَدَّهُ البخاريُّ وابنُ أبي حاتم وخليفة بن خياط وابنُ حبان، وابنُ سعدٍ مِن التابعين. (الإصابة لابن حجر العسقلاني جـ1صـ313).
ثانيًا: روى محمد بن سيرين أن زياد ابن أبيه- وهو أمير الكوفة- خطبَ خطبةً أطال فيها، فنادى حُجْرُ بْنُ عَدِيٍّ: الصلاة! فمضى زيادٌ في خطبته، فحصبه حُجْرٌ (ألقى عليه الحصى) وحصبه آخرون معه. فكتب زياد إلى معاوية يشكو بغى حجر على أميره في بيت الله، وعد ذلك من الفساد في الأرض. فكتب معاوية إلى زياد أن سرح به إليَّ فلما جيء به إلى معاوية أمر بقتله.
ثالثًا: سببُ قتل معاوية لحُجْرِ بْنِ عَدِيٍّ هو محاولة حُجْرٍ البغي على الجماعة وشق عصا المسلمين، فاعتبر معاوية ذلك من السعي بالفساد في الأرض وخصوصًا في الكوفة التي خرج منها جزء من أصحاب الفتنة على عثمان، فأراد معاوية قطع دابر الفتنة من منبتها بقتل حجر بن عدي.
رابعًا: لعل حجة معاوية في قتل حُجْرِ بْنِ عَدِيٍّ ما رواه مسلمٌ عَنْ عَرْفَجَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ، يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ، أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ، فَاقْتُلُوهُ. » (مسلم حديث: 1852).
خامسًا: ولو افترضنا أن معاوية أخطأ في قتل حجر بن عدي فإن هذا لا مطعن فيه عليه، فهذا اجتهادٌ من معاوية،وقد سبق هذا الخطأ في القتل من اثنين من الصحابة،هما: خالد بن الوليد،مع بني جزيمة، وأسامة بن زيد،عندما قتل الرجل بعد أن قال: لا إله إلا الله. (العواصم من القواصم لأبي بكر بن العربي صـ220: 219).
سادسًا: قال عبد الله بن أبي مُليكة: لما قدم معاوية دخل على عائشة فقالت: أقتلت حُجْرًا؟ قال: يا أم المؤمنين: أني وجدت قتلَ رَجُلٍ في صلاح الناس خير من استحيائه في فسادهم. (تاريخ دمشق لابن عساكر جـ12صـ229).
الشبهة الرابعة عشر:
قال الطاعنون: " كَانَ معاويةُ بنُ أبي سفيان بِالْيَمَنِ يَوْمَ الْفَتْحِ يَطْعَنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَتَبَ إِلَى أَبِيهِ أبي سُفيانَ بْنِ حَرْبٍ يُعَيِّرُهُ بِإِسْلَامِهِ، وَيَقُولُ: أَصَبَوْتَ إِلَى دِينِ مُحَمَّدٍ؟
صَبَوْتَ: أي تركت دين الآباء ودخلت دين محمد.
الرد على هذه الشبهة:
هَذَا مِنَ الْكَذِبِ الْمَعْلُومِ ;فَإِنَّ مُعَاوِيَةَ إِنَّمَا كَانَ بِمَكَّةَ، وَلَمْ يَكُنْ بِالْيَمَنِ، وَأَبُوهُ أَسْلَمَ قَبْلَ دُخُولِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ لَيْلَةَ نَزَلَ بِهَا، وَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ: إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ يُحِبُّ الشَّرَفَ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ» ".
ثانيًا: أَبُو سُفْيَانَ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ مَا أَخْبَرَهُ بِهِ هِرَقْلُ مَلِكُ الرُّومِ، لَمَّا سَافَرَ إِلَى الشَّامِ فِي الْهُدْنَةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَهُمْ، وَمَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ، لَكِنَّ الْحَسَدَ مَنَعَهُ مِنَ الْإِيمَانِ، حَتَّى أَدْخَلَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَهُوَ كَارِهٌ، بِخِلَافِ مُعَاوِيَةَ فَإِنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا عَنْ أَخِيهِ يَزِيدَ. (منهاج السنة لابن تيمية جـ4صـ435: 434).
الشبهة الخامسة عشر:
قال الطاعنون: " إنمعاوية بن أبي سفيانأخذ الخلافةمن غيرِمشورة، وفيهمبقاياالصحابةوذووالفضيلة".
الرد على هذه الشبة:
هذا الادعاء باطلٌ،لأن الحسن بن علي قد تنازل لمعاوية بالخلافة،وقد بايعه جميعُ الناس، ولا نعلم أن أحدًا من الصحابة، الموجودين في ذلك الوقت، امتنع عن مبايعة معاوية.
1- روى البخاريُّ عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: سَمِعْتُ الحَسَنَ البصري، يَقُولُ: اسْتَقْبَلَ وَاللَّهِ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ مُعَاوِيَةَ بِكَتَائِبَ(الجيش) أَمْثَالِ الجِبَالِ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ العَاصِ: إِنِّي لَأَرَى كَتَائِبَ لاَ تُوَلِّي حَتَّى تَقْتُلَ أَقْرَانَهَا (الكفء في الشجاعة)، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ، وَكَانَ وَاللَّهِ خَيْرَ الرَّجُلَيْنِ،: أَيْ عَمْرُو إِنْ قَتَلَ هَؤُلاَءِ هَؤُلاَءِ، وَهَؤُلاَءِ هَؤُلاَءِ مَنْ لِي بِأُمُورِ النَّاسِ مَنْ لِي بِنِسَائِهِمْ مَنْ لِي بِضَيْعَتِهِمْ (أي من يقوم بأطفالهم وضعفائهم)، فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ: عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ، فَقَالَ: اذْهَبَا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ(الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ)، فَاعْرِضَا عَلَيْهِ، وَقُولاَ لَهُ: وَاطْلُبَا إِلَيْهِ، فَأَتَيَاهُ، فَدَخَلاَ عَلَيْهِ فَتَكَلَّمَا، وَقَالاَ لَهُ: فَطَلَبَا إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمَا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ: إِنَّا بَنُو عَبْدِ المُطَّلِبِ، قَدْ أَصَبْنَا مِنْ هَذَا المَالِ (أي أيام الخلافة)، وَإِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ قَدْ عَاثَتْ فِي دِمَائِهَا، قَالاَ: فَإِنَّهُ يَعْرِضُ عَلَيْكَ كَذَا وَكَذَا، وَيَطْلُبُ إِلَيْكَ وَيَسْأَلُكَ قَالَ: فَمَنْ لِي بِهَذَا، قَالاَ: نَحْنُ لَكَ بِهِ، فَمَا سَأَلَهُمَا شَيْئًا إِلَّا قَالاَ: نَحْنُ لَكَ بِهِ، فَصَالَحَهُ، فَقَالَ الحَسَنُ البصري: وَلَقَدْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ يَقُولُ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى المِنْبَرِ وَالحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى جَنْبِهِ، وَهُوَ يُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ مَرَّةً، وَعَلَيْهِ أُخْرَى وَيَقُولُ: «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ» (البخاري حديث: 2704).
2- روى الطبرانيُّ عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: شَهِدْتُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِالنَّخِيلَةِ (مكان) حِينَ صَالَحَهُ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: إِذَا كَانَ ذَا فَقُمْ فَتَكَلَّمْ، وَأَخْبِرِ النَّاسَ أَنَّكَ قَدْ سَلَّمْتَ هَذَا الْأَمْرَ لِي. فَقَامَ فَخَطَبَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: " أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ أَكْيَسَ الْكَيْسِ التُّقَى، وَإِنَّ أَحْمَقَ الْحُمْقِ الْفُجُورُ، وَإِنَّ هَذَا الْأَمْرَ الَّذِي اخْتَلَفْتُ فِيهِ أَنَا وَمُعَاوِيَةُ إِمَّا كَانَ حَقًّا لِي تَرَكْتُهُ لِمُعَاوِيَةَ إِرَادَةَ صَلَاحِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَحَقْنِ دِمَائِهِمْ، أَوْ يَكُونُ حَقًّا كَانَ لِامْرِئٍ أَحَقَّ بِهِ مِنِّي، فَفَعَلْتُ ذَلِكَ،﴿ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ﴾ [الأنبياء: 111] (معجم الطبراني الكبير جـ3صـ26)
الشبهة السادسة عشر:
يقول الطاعنون: كيف تريدون أن يكون معاوية بن أبي سفيان صحابيًا عادلًا وقد دسَّ السم للحسن بن علي، سيد شباب أهل الجنّة وقتله؟
الرد على هذه الشبهة:
الرد على هذه الشبهة من عِدة وجوه:
أولًا: لم يثبت دليلٌ صحيحٌ على هذا الادعاء.
ثانيًا: تضاربت الأقوال فيمن سمَّ الحسن غير معاوية فقيل هي زوجته، وقيل: أن أباها الأشعث بن قيس هو الذي أمرها بذلك، وقيل: يزيد بن معاوية،وهذا التضارب يضعف هذه النقول لأنه ينقصها النقل الثابت بذلك.
ثالثًا: هذا الادعاء بأن معاوية قد دس السمَّ للحسن بن علي،قد تقبله العقول في حالة واحدة وهي رفض الحسن الصلح مع معاوية ومقاتلته على الخلافة،وهذا لم يحدث، ولكن الحسن صالحَ معاوية وسلَّمَ له بالخلافة وبايعه فعلى أي شيء يسمّ معاوية الحسن؟!
رابعًا: لم يرد في وفاة الحسن بن علي بالسم خبر صحيح أو رواية ذات أسانيد صحيحة.
خامسًا: إذا كان معاوية يريد أن يصفي الساحة من المعارضين حتى يتمكن من أخذِ البيعة لولده يزيد بالخلافة من بعده، بدون معارضة، فإنه سيضطر إلى تصفية الكثير من أبناء الصحابة،ولن تقتصر التصفية على الحسن فقط.
سادسًا: قالَ الإمامُ ابنُ كثير: رَوَى بَعْضُهُمْ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ بَعْثَ إِلَى جَعْدَةَ بِنْتِ الْأَشْعَثِ أَنْ سُمِّي الْحَسَنَ وَأَنَا أَتَزَوَّجُكِ بَعْدَهُ، فَفَعَلَتْ، فَلَمَّا مَاتَ الْحَسَنُ بَعَثَتْ إِلَيْهِ فَقَالَ: إِنَّا وَاللَّهِ لَمْ نَرْضَكِ لِلْحَسَنِ أَفَنَرْضَاكِ لِأَنْفُسِنَا؟ وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَعَدَمُ صِحَّتِهِ عَنْ أَبِيهِ مُعَاوِيَةَ بِطَرِيقِ الْأُولَى والأحرى. (البداية والنهاية لابن كثير جـ8صـ43).
هذا النقل باطلٌ مِن وجهين:
1- هل معاوية أو ولده يزيد بهذه السذاجة ليأمرا امرأة الحسن بهذا الأمر الخطير، وما هو موقف معاوية أو ولده أمام المسلمين لو أن جعدة كشفت أمرهما!
2- هل جَعْدَةُ بِنْتُ الْأَشْعَثِ بن قيس بحاجة إلى شرف أو مال حتى تسارع لتنفيذ هذه الرغبة من يزيد، وبالتالي تكون زوجة له؟!
أليست جَعْدَةُ ابنة أمير قبيلة كِندة، وهو الأشعث بن قيس؟!،ثم أليس زوجها وهو الحسن بن علي أفضل الناس شرفًا ورفعة بلا منازعة، إن أمه فاطمة وجده الرسول) ص) وكفى به فخرًا وأبوه علي بن أبي طالب أحد العشرة المبشرين بالجنة ورابع الخلفاء الراشدين؟! ما هو الشيء الذي تسعى إليه جَعْدَةُ وستحصل عليه حتى تنفذ هذا العمل الخطير؟!
سابعًا: هناك الكثير من أعداء الحسن بن علي قبل أن يكون معاوية هو المتهم الأول، فهناك السبئية الذين وجه لهم الحسنُ صفعةً قوية عندما تنازل عن الخلافة لمعاوية وجعل حدًا لصراع المسلمين. وهناك الخوارج الذين قاتلهم أبوه علي بن أبي طالب، فربما أرادوا الانتقام لقتلاهم في النهروان وغيرها بسَمِ الحسن بن علي.
وهكذا تظهرُ براءة معاوية بن أبي سفيان وابنه يزيد مِن تهمة سَمِّ الحسنِ بن علي. (شبهات طال حولها الجدل صـ869: 864)
الشبهة السابعة عشر:
قال الطاعنون: "إن معاويةَ بن أبي سفيان أعطى مِصْرَ طُعمَةً لعمرو بن العاص، لقاء تأييد عمروٍ له في حربه ضد علي بن أبي طالب".
الرد على هذه الشبهة:
الرد من عدة وجوه:
أولًا: هذه الأخبار تحوي روحًا عدائية لعمرو ومعاوية وتصور اتفاقهما على حرب علي كما لو كانت مؤامرة دَنيئة أو صفقة مريبة، خان فيها الرجلان ربهما ودينهما، وتاريخهما مقابل عرض زائل أو نصر سريع.
ثانيًا: مِن الدلائل القوية التي تدلُ على بُطلانِ هذه الشبهة، تزكية نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص.
روى الترمذيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عُمَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِمُعَاوِيَةَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا وَاهْدِ بِهِ. (حديث صحيح) (صحيح الترمذي للألباني حديث 3018).
وروى الترمذيُّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَسْلَمَ النَّاسُ وَآمَنَ عَمْرُو بْنُ العَاصِ» (حديث حسن) (صحيح الترمذي للألباني حديث 3020).
ثانيًا: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ حَوالة الأَزْدِيّ: ما كَانَ لمعاوية بن أبي سفيان هَمٌ إلا مصرَ، وَكَانَ لأهلها هائبًا خائفًا، لقربهم مِنْهُ، وشدتهم عَلَى مَن كَانَ عَلَى رأي عُثْمَان،وَقَدْ كَانَ عَلَى ذَلِكَ علم أن بِهَا قومًا قَدْ ساءهم قتل عُثْمَان،وخالفوا عَلِيًّا،وَكَانَ مُعَاوِيَة يرجو أن يكون إذا ظهر عَلَيْهَا ظهر عَلَى حرب علي، لعِظَمِ خَراجها(ما يخرج منها مِن الخيرات). (تاريخ الطبري جـ5صـ97).
هنا نسألُ سؤالًا مهمًا: كيفَ يهبُ معاوية ذلك الخراج كله لعمرو بن العاص وهو في شدة الحاجة إليه؟!
ثالثًا: قَالَ عُبَيْدُ اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر: كتب معاوية إلى وردَان مولى عمرو بن العاص أن زِدْ عَلَى كل امرئ منَ القِبط قيراطًا (مبلغًا من المال)، فكتب إليه: كيف أزيد عليهم وفي عهدهم أن لا يزاد عليهم. (فتوح البلدان لياقوت الحموي صـ215).
هذه الرواية صريحةٌ قاطعةٌ في الدلالة على اهتمام معاوية بزيادة حصيلة الخراج في مصر، وفي ولاية عمرو بن العاص عليها، وهذا الاهتمام لا معنى له إلا إذا كان فائض الخراج في مصر يحمل إلى معاوية في دمشق ليواجه به وجوه الإنفاق المتنوعة.
رابعًا: كيفَ يستحلُ معاويةُ أن يتنازل عن خراج مصر ـ وهي من أغنى أقاليم الدولة الإسلامية آنذاك ـ لعمرو بن العاص، وهو فرد واحد وهو يعلم أنه حق الأمة كلها، وأنه لا يملك التنازل عنه. (معاوية بن أبي سفيان ـ لعلي محمد الصلابي صـ288: 285).
خامسًا: قَالَ عَطِيَّةَ بْنِ قَيْسٍ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ يَخْطُبُنَا يَقُولُ: إِنَّ فِي بَيْتِ مَالِكُمْ فَضْلًا بَعْدَ أُعْطِيَاتِكُمْ، وَإِنِّي قَاسِمُهُ بَيْنَكُمْ، فَإِنْ كَانَ يَأْتِينَا فَضْلٌ عَامًا قَابِلًا قَسَّمْنَاهُ عَلَيْكُمْ، وَإِلَّا فَلَا عَتَبَةَ عَلَيَّ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَالِي، وَإِنَّمَا هُوَ مَالُ اللَّهِ الَّذِي أَفَاءَ عَلَيْكُمْ. (منهاج السنة لابن تيمية جـ6صـ234).
الشبهة الثامنة عشر:
قال الطاعنون: "إن معاوية بن أبي سفيان تنازل للحسن بن علي رضي الله عنهما عن خراج (دار بجرد) وأن يعطيه مِن بيت مال الكوفة مبلغ خمسة آلاف ألف درهم مقابل تنازل الحسن عن الخلافة لمعاوية".
الرد على هذه الشبهة:
هذا الكلامُ كذبٌ وافتراءٌ على معاوية بن أبي سفيان والحسن بن علي، رضي الله عنهم.
ونسألُ سؤالًا هامًا: هل هذا يليق بالحسن بن علي، سيد شباب أهل الجنة.؟!
روى البخاريُّ عَنْ الحَسَنِ البصري قَالَ: (وهو يتحدث عن الصلح بين معاوية والحسن بن علي) بَعَثَ (أي معاوية) إِلَيْهِ (أي الحسن) رَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ: عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ، فَقَالَ: اذْهَبَا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ، فَاعْرِضَا عَلَيْهِ، وَقُولاَ لَهُ: وَاطْلُبَا إِلَيْهِ، فَأَتَيَاهُ، فَدَخَلاَ عَلَيْهِ فَتَكَلَّمَا، وَقَالاَ لَهُ: فَطَلَبَا إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمَا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ: إِنَّا بَنُو عَبْدِ المُطَّلِبِ، قَدْ أَصَبْنَا مِنْ هَذَا المَالِ، وَإِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ قَدْ عَاثَتْ فِي دِمَائِهَا، قَالاَ: فَإِنَّهُ يَعْرِضُ عَلَيْكَ كَذَا وَكَذَا، وَيَطْلُبُ إِلَيْكَ وَيَسْأَلُكَ قَالَ(أي الحسن): فَمَنْ لِي بِهَذَا (أي من يضمن لي هذا)، قَالاَ: نَحْنُ لَكَ بِهِ، فَمَا سَأَلَهُمَا شَيْئًا إِلَّا قَالاَ: نَحْنُ لَكَ بِهِ، فَصَالَحَهُ. (البخاري حديث: 2704).
في هذا الحديث يتحدث الحسنُ بن علي عن أموالٍ سبق أن أصابها هو وغيره من بني عبد المطلب، ويريد الحسنُ ألا يطالبهم بها معاوية، ولا يوجد ذِكْرٌ لأموالٍ يطلبُ الحسنُ من معاوية أن يدفعها إليه في المستقبل. (معاوية بن أبي سفيان ـ لعلي محمد الصلابي صـ289: 288).
الشبهة التاسعة عشر:
قال الطاعنون: إن معاويةَ بن أبي سفيان قال: "أني رأيت أن منبر رسول الله وعَصَاه، لا يُتركان بالمدينة، وهم قتلة أمير المؤمنين عثمان وأعداؤه.".
الرد على هذه الشبهة:
الرد من عِدة وجوه:
أولًا: لا يوجد دليلٌ على صحة هذه الرواية، فضلًا عن أن دِين معاوية، وعدالته، وصحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم تمنعه من حمل منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى الشام وهو ما رواه الشيخانِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ المَازِنِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ»0 البخاري حديث: 1195/مسلم حديث: 1390).
روى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ صَالِحٍ، أَنَّ بَاقُولَ، مَوْلَى الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ «صَنَعَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْبَرَهُ مِنْ طَرْفَاءَ ثَلَاثَ دَرَجَاتٍ» فَلَمَّا قَدِمَ مُعَاوِيَةُ الْمَدِينَةَ زَادَ فِيهِ. (مصنف عبد الرزاق جـ3صـ182 حديث: 5244).
هذا الحديث أشار إلى زيادة درجات المنبر دون الإشارة إلى إرادة معاوية نقل المنبر، أو أخذ عصا النبي(ص) معه إلى الشام.
ثانيًا: اتهام معاوية، رضي الله عنه، ببغض أهل المدينة (الأنصار) لكونهم قتلة عثمان بن عفان رضي الله عنه، هذا الخبر كذبٌ وافتراءٌ على معاوية. وموقف الأنصار في الدفاع عن عثمان معروفٌ.
روى خليفةُ بنُ خياط عَن قَتَادَة أَن زيد بْن ثَابت قَالَ لعُثْمَان: هَؤُلَاءِ الْأَنْصَار بِالْبَابِ يَقُولُونَ إِن شِئْت كُنَّا أنصار اللَّه مرَّتَيْنِ؟ فَقَالَ: لَا حَاجَة لي فِي ذَلِكَ كفوا. (تاريخ خليفة صـ: 173).
ثالثًا: زعمهم أن معاويةَ يبغض الأنصار، رضي الله عنهم، لكونهم قتلة عثمان رضي الله عنه، فمردود بما ورد من حقيقة موقف الأنصار من عثمان رضي الله عنه، كما أن تقريب معاوية للأنصار وتوليته إياهم في مناصب هامة وحساسة يرد هذا الكذب، ومن الشواهد على ذلك:
1- توليته فضالة بن عبيد الأنصاري رضي الله عنه قضاء دمشق، وتوليته إياه منصب أمير البحرية الإسلامية في مصر.
2- تعيينه النعمان بن بشير الأنصاري رضي الله عنه أميرًا على الكوفة.
3- تعيينه مسلمة بن مخلد الأنصاري رضي الله عنه أميرًا على مصر والمغرب معا.
4- تعيينه رويفع بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه أميرًا على طرابلس.
(معاوية بن أبي سفيان ـ لعلي محمد الصلابي صـ349: 347).
الشبهة العشرون:
قال الطاعنون "إن معاوية بن أبي سفيان أمَرَ بلعنِ علي بن أبي طالب على المنابر.".
الرد على هذه الشبهة:
الرد من وجهين:
أولًا: هذا كذبٌ وافتراءٌ على معاوية بن أبي سفيان ويحتاج إلى دليل صحيح.
ثانيًا: ادعاء الطاعنين بأن معاوية أمرَ بسب علي بن طالب ولعنه على المنابر مردود عليهم لعدة أمور:
1- ما كان معاوية يَسُبُّ عليًا فكيف يأمر غيره بسبه، بل كان معاوية معظمًا لعليٍّ، معترفًا له بالفضل والسبق إلى الإسلام، كما دلت على ذلك أقواله الثابتة عنه.
2- لا يعرف بنقل صحيح أن معاوية تعرض لعلي بسب أو شتم أثناء حربه له في حياته فهل من المعقول أن يسبه بعد انتهاء حربه معه ووفاته فهذا من أبعد ما يكون عند أهل العقول وأبعد منه أن يحمل الناس على سبه وشتمه.
3- انفرد معاوية ا بالخلافة بعد تنازل الحسن بن علي له واجتمعت عليه الكلمة والقلوب ودانت له الأمصار بالملك فأي نفع له في سب علي بل الحكمة وحسن السياسة تقتضي عدم ذلك لما فيه من تهدئة النفوس وتسكين الأمور ومثل هذا لا يخفى على معاوية ا الذي شهدت له الأمة بحسن السياسة والتدبير.
4- كان بين معاوية بعد استقلاله بالخلافة وأبناء علي بن أبي طالب مِن الألفة والتقارب ما هو مشهور في كتب السير والتاريخ. وهذا مما يقطع بكذب ما ادَّعاه الطاعنون في حق معاوية من حمله الناس على سب علي. (شبهات طال حولها الجدل صـ904: 898).
قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: وَفَدَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ لِلْحَسَنِ: مرحبًا وأهلًا بابن رسول الله، وَأَمَرَ لَهُ بِثَلَاثِمِائَةِ أَلْفٍ درهم. (البداية والنهاية لابن كثير جـ8صـ127).
• وَفَدَ مَرَّةً الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَأَجَازَهُمَا عَلَى الْفَوْرِ بِمِائَتَيْ أَلْفٍ، وَقَالَ لَهُمَا: مَا أَجَازَ بهما أَحَدٌ قَبْلِي، فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ، وَلَمْ تُعْطِ أَحَدًا أَفْضَلَ مِنَّا. (البداية والنهاية لابن كثير جـ8صـ127).
الشبهة الحادية والعشرون:
قال الطاعنون: "لم يثبت في فضل معاوية بن أبي سفيان حديث صحيح.".
الرد على هذه الشبهة:
هذا كذبٌ وافتراءٌ على معاوية بن أبي سفيان. لقد ثبتَ في فضل معاوية أحاديث صحيحة:
1- روى الترمذيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عُمَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِمُعَاوِيَةَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا وَاهْدِ بِهِ. (حديث صحيح) (صحيح الترمذي للألباني حديث 3018).
2- روى الترمذيُّ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ قَالَ: لَمَّا عَزَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عُمَيْرَ بْنَ سَعْدٍ عَنْ حِمْصَ وَلَّى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ النَّاسُ عَزَلَ عُمَيْرًا وَوَلَّى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ عُمَيْرٌ: لَا تَذْكُرُوا مُعَاوِيَةَ إِلَّا بِخَيْرٍ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اهْدِ بِهِ. (حديث صحيح) (صحيح الترمذي للألباني حديث 3019).
3- روى البخاريُّ عن ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: هَلْ لَكَ فِي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مُعَاوِيَةَ فَإِنَّهُ مَا أَوْتَرَ إِلَّا بِوَاحِدَةٍ. قَالَ: أَصَابَ إِنَّهُ فَقِيهٌ. (البخاري حديث 3765)
الشبهة الثانية والعشرون:
قال الطاعنون: روى مسلمٌ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَمَرَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ سَعْدًا فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسُبَّ أَبَا التُّرَابِ؟ فَقَالَ: أَمَّا مَا ذَكَرْتُ ثَلَاثًا قَالَهُنَّ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَنْ أَسُبَّهُ، لَأَنْ تَكُونَ لِي وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَهُ، خَلَّفَهُ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ اللهِ خَلَّفْتَنِي مَعَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى؟ إِلَّا أَنَّهُ لَا نُبُوَّةَ بَعْدِي» وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ يَوْمَ خَيْبَرَ «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ» قَالَ فَتَطَاوَلْنَا لَهَا فَقَالَ: «ادْعُوا لِي عَلِيًّا» فَأُتِيَ بِهِ أَرْمَدَ، فَبَصَقَ فِي عَيْنِهِ وَدَفَعَ الرَّايَةَ إِلَيْهِ، فَفَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ، وَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ ﴾ [آل عمران: 61] دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ وَحَسَنًا وَحُسَيْنًا فَقَالَ: «اللهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلِي» (مسلم حديث: 2404).
الرد على هذه الشبهة:
قال الإمامُ النووي (رحمه الله):
قَوْلُهُ: (إِنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسُبَّ أَبَا تُرَابٍ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ الَّتِي فِي ظَاهِرِهَا دَخَلٌ عَلَى صَحَابِيٍّ يَجِبُ تَأْوِيلُهَا. قَالُوا: وَلَا يَقَعُ فِي رِوَايَاتِ الثِّقَاتِ إِلَّا مَا يُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ:
أولًا: قَوْلُ مُعَاوِيَةَ هَذَا لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ أَمَرَ سَعْدًا بِسَبِّهِ وَإِنَّمَا سَأَلَهُ عَنِ السَّبَبِ الْمَانِعِ لَهُ مِنَ السَّبِّ كَأَنَّهُ يَقُولُ: هَلِ امْتَنَعْتَ تَوَرُّعًا أَوْ خَوْفًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ تَوَرُّعًا وَإِجْلَالًا لَهُ عَنِ السَّبِ فَأَنْتَ مُصِيبٌ مُحْسِنٌ وَإِنْ كَانَ غَيْرُ ذَلِكَ فَلَهُ جَوَابٌ آخَرُ.
ثانيًا: لَعَلَّ سَعْدًا قَدْ كَانَ فِي طَائِفَةٍ يَسُبُّونَ فَلَمْ يَسُبَّ مَعَهُمْ وَعَجَزَ عَنِ الْإِنْكَارِ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ فَسَأَلَهُ هَذَا السُّؤَالَ.
ثالثًا: قَالُوا وَيَحْتَمِلُ تَأْوِيلًا آخَرَ أَنَّ مَعْنَاهُ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تُخَطِّئَهُ فِي رَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ وَتُظْهِرَ لِلنَّاسِ حُسْنَ رَأْيِنَا وَاجْتِهَادِنَا وَأَنَّهُ أَخْطَأَ قَوْلُهُ. (مسلم بشرح النووي جـ8صـ193)
الشبهة الثالثة والعشرون:
قال الطاعنون: "اسْتَلْحَقُ مُعَاوِيَةَ بنُ أبي سفيان زِيَادَ بْنَ أَبِيهِ الْمَوْلُودَ عَلَى فِرَاشِ الْحَارِثِ بْنِ كِلْدَةَ، وقد خالف أحكام الإسلام، وذلك بدليل ما رواه الشيخانِ عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ (أي يُنْسَبُ لصاحب الفراش) وَلِلْعَاهِرِ الحَجَرُ (أي الرجمُ بالحجارة حتى الموت). (البخاري حديث: 2053/ مسلم حديث: 1457).
الرد على هذه الشبهة:
الرد مِن عِدة وجوه:
أولًا: اسْتَلْحَقَ معاويةُ بنُ أبي سُفيان زيادًا لأن أنكحة الجاهلية كانت أنواعًا، وكان منها أن الجماعة يجامعون البَغِيَّ، فإذا حملت وولدت ألحقت الولد لمن شاءت منهم فيلحقه، فلمّا جاء الإسلام حرَّمَ هذا النكاح، إلا أنَّه أقرَّ كل ولد كان يُنسب إلى أب من أي نكاح كان من أنكحتهم على نسبه، ولم يفرّق بين شيء منها، فظن معاوية أنّ ذلك جائز له ولم يُفَرِّق بين استلحاق في الجاهلية، والإسلام. وهذا اجتهادٌ من معاوية، رضي الله عنه.
(الكامل في التاريخ لابن الأثير جـ2صـ 471) (تاريخ التشريع الإسلامي ـ لمناع القطان صـ259).
فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَة شَهِدَ جَمَاعَة عَلَى إِقْرَار أَبِي سُفْيَان بِأَنَّ زِيَادًا وَلَدَهُ فَاسْتَلْحَقَهُ مُعَاوِيَة لِذَلِكَ.
قال معاوية: وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمَتِ الْعَرَبُ أَنِّي كُنْتُ أَعَزُّهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَنَّ الإِسْلامَ لَمْ يَزِدْنِي إِلا عِزًّا،وَأَنِّي لَمْ أَتَكَثَّرْ بِزِيَادٍ مِنْ قِلَّةٍ، وَلَمْ أَتَعَزَّزْ بِهِ مِنْ ذِلَّةٍ، وَلَكِنْ عَرَفْتُ حَقًّا لَهُ فَوَضَعْتُهُ مَوْضِعَهُ. (تاريخ الطبري جـ5صـ215).
ثانيًا: زيادُ بنُ أبيه هو الذي ألحقَ نَسَبَهُ بنسَبِ أبي سفيان.
قال أبو نُعَيم الأصبهاني: زِيَادُ بْنُ سُمَيَّةَ ادَّعَى أَبَا سُفْيَانَ فَنُسِبَ إِلَيْهِ. (معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني جـ3صـ 1217).
ثالثًا: هذه مَسْأَلَةٌ فِقْهِيَّةٌ اجْتِهَادِيَّةٌ، اختلف فيها الفقهاء. هَلْ يَجُوزُ لِلْوَارِثِ أَنْ يَسْتَلْحِقَ أَحَدًا؟ أَمْ لَا يَجُوزُ؟
فقال الإمامُ مالكٌ: يرث ولا يثبت النسب. وقال الشافعي - في أحد القولين - يثبت النسب ويأخذ المال، هذا إذا كان المقر به غير معروف النسب. (العواصم من القواصم لأبي بكر بن العربي صـ: 252).
رابعًا: معاويةُ بنُ أبي سفيان لم يستلحق زياد ابن أبيه.
قال أبو الحسن المدائني: أخبرنا أبو الزبير الكاتب عن ابن إسحاق قال: اشترى زيادٌ أباه عُبيدًا، فقدم زياد على عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، فقال له: ما صنعت بأول شيءٍ أخذتَ مِن عطائك قال: اشتريتُ به أبي، قال: فأعجبَ ذلكَ عمر، رضي الله عنه.
قالَ ابنُ خَلِّكَان (رحمه الله): وهذا ينافي استلحاق معاوية إياه. (وفيات الأعيان لابن خلكان جـ6صـ359).
خامسًا: لعل معاوية بن أبي سفيان وأبيه لَمْ يَبْلُغْهُم حديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الحَجَرُ.".
قال الإمامُ ابنُ تيمية(رحمه الله) (وهو يتحدث عن عُذْرِ مُعَاوِيَةَ في اسْتِلْحَاقِه لزِيَادِ بْنَ أَبِيهِ) لَمْ يَبْلُغْهُمْ قَضَاءُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ، وَاعْتَقَدُوا أَنَّ الْوَلَدَ لِمَنْ أَحْبَلَ أُمَّهُ وَاعْتَقَدُوا أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ هُوَ الْمُحْبِلُ لِسُمَيَّةَ أُمِّ زِيَادٍ، فَإِنَّ هَذَا الْحُكْمَ قَدْ يَخْفَى عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ لَا سِيَّمَا قَبْلَ انْتِشَارِ السُّنَّةِ مَعَ أَنَّ الْعَادَةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَتْ هَكَذَا. (مجموع فتاوى ابن تيمية جـ20صـ: 268).
سادسًا: قَالَ ابْنُ خلدون: كَانَت سُمَية أم زِيَاد مولاة لِلْحَارِثِ بن كلدة الثَّقَفِيّ الطَّبِيب وَولدت مِنْهُ أَبَا بكرَة نفيع بن الْحَارِث ثمَّ زَوجهَا بمولى لَهُ فأتتْ مِنْهُ بِابْن سَمَّاهُ نَافِعًا ثمَّ إِن أَبَا سُفْيَان قد ذهب إِلَى الطَّائِف فِي بعض حاجاته فَأصَاب سميَّة هَذِه بِبَعْض أَنكِحَةِ الْجَاهِلِيَّة وولدَت زيادًا هَذَا ونسبته إِلَى أبي سُفْيَان وأقرَ لَهَا بِهِ إِلَّا أَنه كَانَ يخفيه. (سمط النجوم العوالي ـ لعبد الملك العصامي ـ جـ3صـ114).
أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالى بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، وَصِفَاتِهِ الْعُلاَ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الْعَمَلَ خَالِصًَا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وأنْ ينفعَ بِهِ طُلاَّبَ العِلْمِ الكِرَامِ.
وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ، وَأَصْحَابِهِ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ