تأليف
الوصف
مقالة
الشبهات المثارة حول معاوية رضي الله عنه.
سبق أن عرفنا ما هو المذهب الذي اختص بسب معاوية رضي الله عنه، وتبين لنا يقينا أن من يطعن فيه ويسبه ويجرحه إن لم يكن رافضيا فهو على الأقل على مذهبهم في هذه المسألة، المهم أنه قد تخدق في صفهم ولا يمكن بحال أن يكون من أهل السنة، وهذا الرجل عفا الله عنا وعنه الذي يجرح معاوية ويسبه، وينعته بنعوت نربأ أن ننعته هو نفسه بها، لأن منهج أهل السنة أن لا يردوا البدعة ببدعة،،،
أنصتُّ له في برنامج تلفزيوني حتى أعرف نهجه العلمي، وقد نفى أن يكون شيعيا، وأنه لا يمارس التقية ولا يؤمن بها، عموما سواء كان شيعيا أم لا، فهو خليط من مذاهب شتى، عقلاني في فهمه رافضي في الصحابة صوفي في التوحيد أشعري في العقيدة ويدعي أنه شافعي وهو عقلاني فقها وفهما ومعتقدا، لا يؤمن بإجماع، ليس عنده حدود لمتفق عليه، المتفق عليه ما توافق مع عقله،،،
ومثل هذا لا سبيل لإقناعه، وإنما الذي يمكن هو الدفاع عن الصحابة من الشبهات التي ينتقيها، وكلها قال بها الرافضة، والردود على الرافضة كثيرة، لكن نحن سنختص معاوية بالدفاع لأنه قنطرته إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ثم إلى غيرهما وصولا إلى أبي بكر رضي الله عنه، فمعاوية رضي الله عنه هو حصن الدفاع الأول.
ويوهم أتباعه أن الطعن ونقد الصحابة ونبزهم ليس من الأمور العقدية، وهذا كذب لما نقلناه من المذاهب التي افترقت في الصحابة وأن الغلاة في تجريحهم، هم الرافضة.
ولا ينقضي عجبي منه كيف تطعن فيهم وتصلي بما هو منقول عنهم فإن كنت شافعيا فمدار أحاديث الشافعية وفقههم ينتهي إلى الصحابة، عجيب!!! فحتى الرافضة عندما جرحوهم لم يعملوا بأحاديثهم لأنهم آمنوا بأن إسقاطهم لا يجتمع مع الأخذ عنهم دينهم، فلذلك باينوا أهل السنة في أركان الدين وليس فروعه فقط!!!
أما هذا الرجل فيجرحهم وينتقي من حديثهم ما وافق عقله، فالأحرى أن تبحث عن أسانيد نظيفة ممن جرحت وهذه الأسانيد على هذا المذهب لن تجدها إلا عند الرافضة.
وكنت أتعجب هل يمكن أن يوجد اليوم من يجمع شواذ العلم؟!!!
حتى رأيته بأم عيني، بل منهجه صار يبحث عن أي مسألة هل يوجد فيها شاذ يخالف أهل السنة والجماعة فينفض عنه الغبار ويبثه لأتباعه.
ولا حول ولا قوة إلا بالله ...
عموما سندخل إلى صلب الموضوع ونبدأ بنقل هذه الشبهات والجواب عنها، وهذه الشبهات كلها موجودة في الشيعة.
أولاً: الشبهة الأولى: حديث: (لا تدري ما أحدثوا بعدك .. ):
ذكر عدنان إبراهيم هذا الحديث واستدل به على أن هناك من أحدث وبدّل من الصحابة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعل عدنان إبراهيم معاوية رضي الله عنه من الذين أحدثوا وبدلوا بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، واعتقد بذلك ثم استدل بما ذكره في بقية الخطبة.
وبداية أورد نص الحديث كاملاً كما جاء في صحيح البخاري و الإمام مسلم في صحيحه واللفظ للبخاري:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ إِلَى اللَّهِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا»، ثُمَّ قَالَ: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ، وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 104] إِلَى آخِرِ الآيَةِ، ثُمَّ قَالَ: " أَلاَ وَإِنَّ أَوَّلَ الخَلاَئِقِ يُكْسَى يَوْمَ القِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ، أَلاَ وَإِنَّهُ يُجَاءُ بِرِجَالٍ مِنْ أُمَّتِي فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أُصَيْحَابِي، فَيُقَالُ: إِنَّكَ لاَ تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ كَمَا قَالَ العَبْدُ الصَّالِحُ: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ، فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المائدة: 117] فَيُقَالُ: إِنَّ هَؤُلاَءِ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ " [18]
• شرح العلماء لهذا الحديث وبالتحديد قوله صلى الله عليه وسلم: " فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أُصَيْحَابِي، فَيُقَالُ: إِنَّكَ لاَ تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ ":
شرح الإمام النووي: وأما أصيحابي فوقع في الروايات مصغرا مكررا وفي بعض النسخ أصحابي أصحابي مكبرا مكررا قال القاضي: هذا دليل لصحة تأويل من تأول أنهم أهل الردة ولهذا قال فيهم سحقا سحقا ولا يقول ذلك في مذنبي الأمة بل يشفع لهم ويهتم لأمرهم. [19]
شرح الإمام ابن حجر العسقلاني: أصيحابي كذا للأكثر بالتصغير وللكشميهني بغير تصغير قال الخطابي فيه إشارة إلى قلة عدد من وقع لهم ذلك وإنما وقع لبعض جفاة العرب ولم يقع من أحد الصحابة المشهورين. [20]
شرح الإمام العيني لعبارة (إِنَّ هَؤُلاَءِ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ): وقال الخطابي: الإرتداد هنا التأخير عن الحقوق اللازمة والتقصير فيها، قيل: هو مردود، لأن ظاهر الإرتداد يقتضي الكفر لقوله تعالى: {أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم} (آل عمران: 441). أي: رجعتم إلى الكفر والتنازع، ولهذا قال: بعدا لهم وسحقا، وهذا لا يقال للمسلمين، فإن شفاعته للمذنبين. فإن قلت: كيف خفي عليه حالهم مع إخباره بعرض أمته عليه؟ قلت: ليسوا من أمته، وإنما يعرض عليه أعمال الموحدين لا المرتدين والمنافقين، وقال ابن التين: يحتمل أن يكونوا منافقين أو مرتكبي الكبائر من أمته، قال: ولم يرتد أحد من أمته، ولذلك قال: على أعقابهم، لأن الذي يعقل من قوله: المرتدين الكفار إذا أطلق من غير تقييد، وقيل: هم قوم من جفاة العرب دخلوا في الإسلام أيام حياته رغبة ورهبة: كعيينة بن حصين، جاء به أبو بكر، رضي الله تعالى عنه، أسيرا، والأشعث بن قيس، فلم يقتلهما ولم يسترقهما، فعادوا الإسلام. وقال النووي: المراد به المنافقون والمرتدون. [21]
وعلى هذا نرى أن كلام العلماء الذين أجمعت الأمة على تقديم شرحهم لأحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أن هؤلاء المبدلين هم أهل الردة والجفاة من العرب وهذا ما نصوا عليه رحمهم الله ولم يقع ذلك من الصحابة المشهورين ولا أحد ينكر أن معاوية رضي الله عنه من مشاهير الصحابة، فكيف يدعي عدنان أن معاوية منهم، على ماذا اعتمد واستدل؟!
وأقول: معاوية رضي الله عنه جعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم - كاتباً له بين يديه وذكر له - صلى الله عليه وسلم- عدداً من الفضائل و روى معاوية عن رسول الله عدداً من الأحاديث وأخذ منه الفقه ومن كبار الصحابة حتى صار من الطبقة الثانية من أكثر الصحابة فتيا، ثم استعمله عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ولاية الشام بعد أخيه يزيد ثم استعمله عثمان رضي الله عنه فمكث في ولاية الشام عشرين عاماً.
فإن كان الغيب حُجِب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يُبلغ بأسماء من أحدث وبدل بعده، فهل اطلع عليه عدنان حتى يجعل معاوية منهم؟!!
وهل كان عمر وعثمان رضي الله عنهم غافلين عن معاوية لما أوكلوا إليه إمارة الشام التي هي من أعظم بلاد الإسلام؟! و لو قلنا جدلاً أن معاوية بدّل بعد عهد الخلفاء الراشدين! فلماذا بايعه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالخلافة وعلى رأسهم الحسن والحسين وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير والأمة كلها؟! ألم يكونوا يعلمون أنه بدّل كما زعم عدنان وهم الذين كانوا يعلمون بحاله عن قرب ويميزون بين الحق والباطل و لا يخافون في الله لومة لائم.
فهذا الادعاء أرى أنه تأَلَي على الله تعالى وادعاء علم الغيب بمعرفة من بدّل من الصحابة وتعيينهم دون نص أو دليل، وافتراء على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه الذين وثقوا بمعاوية رضي الله عنه كل الثقة وأوكلوا له المهمات العظيمة التي لا تعطى إلا لمن خَلُص دينه لله تعالى وكان أهلاً لهذه المهمات، وكذلك هو افتراء على الحسن بن علي سبط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والصحابة رضوان الله عليهم الذين بايعوا معاوية على الخلافة في عام الجماعة، وأيضاً هو تكذيب لصريح قوله - صلى الله عليه وسلم -: " إن ابنى هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين" [22]. فرسول الله نص على أن الفئتين من المسلمين ومعاوية رضي الله عنه على رأس إحدى الفئتين، فإن كان مسلماً بالنص الصريح فكيف يكون مبدلاً بالتأويل؟ فما بالك إن كانت هذه التهمة بالتلفيق؟!!
ثانياُ: الرد على الشبهة الثانية: أثر (لماذا لا تسب أبا تراب) وشبهة سب معاوية لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
أولاً: أرغب بإدراج نص الحديث كاملاً من صحيح مسلم مع شرح العلماء له:
نص الحديث: عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا فقال: ما منعك أن تسب أبا التراب؟ فقال: أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن أسبه، لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له، خلفه في بعض مغازيه، فقال له علي: يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ إلا أنه لا نبوة بعدي» وسمعته يقول يوم خيبر «لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله» قال فتطاولنا لها فقال: «ادعوا لي عليا» فأتي به أرمد، فبصق في عينه ودفع الراية إليه، ففتح الله عليه، ولما نزلت هذه الآية: {فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم} [آل عمران: 61] دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال: «اللهم هؤلاء أهلي». [23]
شرح النووي على مسلم: قوله (إن معاوية قال لسعد بن أبي وقاص ما منعك أن تسب أبا تراب) قال العلماء الأحاديث الواردة التي في ظاهرها دخل على صحابي يجب تأويلها قالوا ولا يقع في روايات الثقات إلا ما يمكن تأويله فقول معاوية هذا ليس فيه تصريح بأنه أمر سعدا بسبه وإنما سأله عن السبب المانع له من السب كأنه يقول هل امتنعت تورعا أو خوفا أو غير ذلك فإن كان تورعا وإجلالا له عن السب فأنت مصيب محسن وإن كان غير ذلك فله جواب آخر، ولعل سعدا قد كان في طائفة يسبون فلم يسب معهم وعجز عن الإنكار وأنكر عليهم فسأله هذا السؤال قالوا ويحتمل تأويلا آخر أن معناه ما منعك أن تخطئه في رأيه واجتهاده وتظهر للناس حسن رأينا واجتهادنا وأنه أخطأ قوله. [24]
وأقول: بالمنطق والعقل من المعلوم إن أفضل لقب ونداءٍ يحب أن ينادى به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب هو (أبا تراب) وذلك لأن من لقبه بهذا اللقب هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكيف يطلب معاوية من سعد أن يسبه - كما يزعم عدنان إبراهيم في تأويله - ومعاوية يناديه ويسميه بأجمل وأحب الألقاب إليه؟!!
وذكر السندي في حاشيته على سنن ابن ماجه في لفظ آخر للحديث:
قوله: (فنال منه) أي نال معاوية من علي ووقع فيه وسبه بل أمر سعدا بالسب كما: قيل في مسلم والترمذي ومنشأ ذلك الأمور الدنيوية التي كانت بينهما - ولا حول ولا قوة إلا بالله - والله يغفر لنا ويتجاوز عن سيئاتنا ومقتضى حسن الظن أن يحمل السب على التخطئة ونحوها مما يجوز بالنسبة إلى أهل الاجتهاد لا اللعن وغيره. [25]
أما ما يتعلق باتهام معاوية رضي الله عنه أن أمر بسب علي بن أبي طالب رضي الله عنه في المنابر، فأكتفي بنقل ما ذكر المؤرخ الكبير د. علي الصلابي - حفظه الله - في كتابه معاوية بن أبي سفيان:
قال د. الصلابي: تذكر كتب التاريخ أن الولاة من بني أمية قبل عمر بن عبد العزيز كانوا يشتمون علي، وهذا الأثر الذي ذكره ابن سعد لا يصح، قال ابن سعد: أخبرنا علي بن محمد، عن لوط بن يحي، قال: كان الولاة من بني أمية قبل عمر بن عبد العزيز يشتمون رجلاً رضي الله عنه، فلما ولي هو ـ عمر بن عبد العزيز ـ أمسك عن ذلك، فقال كثير عزة الخزاعي:
وليت فلم تشتم علياً ولم تخف…برياً ولم تتبع مقالة مجرم
تكلمت بالحق المبين وإنما…تبين آيات الهدى بالتكلم
فصدَّقت معروف الذي قلت…بالذي فعلت فأضحى راضياً كل مسلم
فهذا الأثر واهٍ، فعلي بن محمد هو المدائني فيه ضعف وشيخه لوط بن يحي (أبومخنف)، واهٍ بمرة، قال عنه يحي بن معين: ليس بثقة، وقال أبو حاتم: متروك الحديث، وقال الدارقطني: أخباري ضعيف ووصفه في الميزان: أخباري تالف لا يوثق به، وعامة روايته عن الضعفاء والهلكى و المجاهيل، وقد اتهم الشيعة معاوية رضي الله عنه بحمل الناس على سب علي ولعنه فوق منابر المساجد، فهذه الدعوة لا أساس لها من الصحة، والذي يقصم الظهر أن الباحثين قد التقطوا هذه الفرية على هوانها دون إخضاعها للنقد والتحليل، حتى صارت عند المتأخرين من المُسلَّمات التي لا مجال لمناقشتها، ولم يثبت قط في رواية صحيحة، ولا يعول على ما جاء في كتب الدميري، واليعقوبي وأبي الفرج الأصفهاني، علماً بأن التاريخ الصحيح يؤكد خلاف ما ذكره هؤلاء. من احترام وتقدير معاوية لأمير المؤمنين علي وأهل بيته الأطهار. انتهى. [26]
قلت: ومنها:
• حدثني يعلى بن عبيد، قال: حدثنا أبي، قال: قال أبو مسلم الخولاني وجماعة لمعاوية: أنت تنازع عليا! أم أنت مثله؟ فقال: لا والله إني لأعلم أن عليا أفضل مني وأحق بالأمر مني، ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوما، وأنا ابن عمه، وإنما أطلب بدمه، فأتوا عليا فقولوا له، فليدفع إلي قتلة عثمان وأسلم له. فأتوا عليا فكلموه بذلك، فلم يدفعهم إليه. [27]
• وعن قيس بن أبي حازم قال: سأل رجل معاوية عن مسألة، فقال: سل عنها علي بن أبي طالب فهو أعلم مني، قال: قولك يا أمير المؤمنين أحبّ إليّ من قول علي، قال: بئس ما قلت، ولؤم ما جئت به، لقد كرهت رجلاً كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يغرّه بالعلم غرّاً، ولقد قال له: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي "، وكان عمر بن الخطاب يسأله ويأخذ عنه، ولقد شهدت عمر إذا أشكل عليه أمر قال: هاهنا علي بن أبي طالب. ثم قال للرجل: قم لا أقام الله رجليك، ومحا اسمه من الديوان. [28]
• قال أبو القاسم ابن أخي أبي زرعة الرازي: جاء رجل إلى عمي أبي زرعة فقال له: يا أبا زرعة! أنا أبغض معاوية. قال: لم؟ قال: لأنه قاتل علي بن أبي طالب. فقال له عمي: إن رب معاوية رب رحيم، وخصم معاوية خصم كريم، فأيش دخولك أنت بينهما رضي الله عنهم أجمعين؟. [29]
ثالثا: الرد على الشبهة الثالثة: شبهة شرب معاوية للخمر وقصة أبو بريدة:
أما هذه الشبهة التي ذكرها عدنان إبراهيم فهي مصيبة المصائب وذلك أن فيها تلفيقاً منه على الرواية الموجودة في مسند الإمام أحمد والذي قد نقلها من النسخة التي حققها الشيخ شعيب الأرناؤوط و وجدت أن عدنان إبراهيم تغافل عن ما ذكره الشيخ الأرناؤوط في تعليقه في الحاشية وسأورد لكم الرواية كاملة مع الحاشية التي أدرجها العلامة الشيخ شعيب الأرناؤوط:
رواية الإمام أحمد: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بُرَيْدَةَ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَأَبِي عَلَى مُعَاوِيَةَ فَأَجْلَسَنَا عَلَى الْفُرُشِ، ثُمَّ أُتِينَا بِالطَّعَامِ فَأَكَلْنَا، ثُمَّ " أُتِينَا بِالشَّرَابِ فَشَرِبَ مُعَاوِيَةُ، ثُمَّ نَاوَلَ أَبِي، ثُمَّ قَالَ: مَا شَرِبْتُهُ مُنْذُ حَرَّمَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ثُمَّ قَالَ مُعَاوِيَةُ: كُنْتُ أَجْمَلَ شَبَابِ قُرَيْشٍ وَأَجْوَدَهُ ثَغْرًا، وَمَا شَيْءٌ كُنْتُ أَجِدُ لَهُ لَذَّةً كَمَا كُنْتُ أَجِدُهُ وَأَنَا شَابٌّ غَيْرُ اللَّبَنِ، أَوْ إِنْسَانٍ حَسَنِ الْحَدِيثِ يُحَدِّثُنِي. [30]
* ما ذكره العلامة شعيب الأرناؤوط في حاشيته:
قال العلامة شعيب الأرناؤوط: إسناده قوي .. وأخرجه ابن أبي شيبة 11/ 94 - 95 عن زيد بن الحُباب، به. ولفظه: دخلتُ أَنا وأَبي على معاوية، فأَجْلسَ أَبي على السَّرير، وأُتِيَ بالطعام فأطْعَمَنا، وأُتِيَ بشرابٍ فشربَ، فقال معاوية: ما شيءٌ كنت أَستلِذُّه وأنا شابٌّ فآخُذه اليومَ إلا اللَّبَنَ، فإني آخذه كما كنت آخذه قبل اليوم، والحديثَ الحسَنَ.
وأخرجه ابن عساكر ص 417 من طريق علي بن الحسين بن واقد، عن أبيه، به، بلفظ: دخلت مع أبي على معاوية.
وقوله: "ثم قال: ما شَرِبتُه منذ حرَّمَه رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" أي: معاوية بن أبي سفيان، ولعله قال ذلك لِما رأَى من الكراهة والإنكار في وجه بريدة، لظنِّه أنه شرابٌ مُحرَّم، والله أعلم. [31]
قلت: و واضح من نص الرواية أنه لم ترد كلمة (الخمر) في النص أبداً، فيتبين أن عدنان إبراهيم دسَّها في ثنايا الرواية دون أن يخبر بأن هذه الكلمة من إضافته أو من تفسيره وهذا خلافٌ لما تقتضيه الأمانة العلمية التي يجب على من تصدر لتوعية الناس وتثقيفهم أن يتحلى بها، فما بالك إن كانت هذه الإضافة هي اتهام وقذف لصاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وأيضاً فمن خلال قراءة نص الرواية قراءة متأنية نجد أن معاوية رضي الله عنه بلفظه هو قال أنه لمَا كان شاباً في قريش وعلى الكفر وابن سادات قريش لم يكن يحب شراباً غير اللبن. أي أنه رضي الله عنه حتى وهو كافر لم يكن يحب الخمر فما بالكم بحاله بعد دخوله في الإسلام وملازمته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكبار الصحابة.
وأيها الأخوة هذا نص عدنان ابراهيم في خطبته حين ذكر هذا الحديث وهذا ما نص عليه في الخطبة المكتوبة وسمعته في خطبته المرئية الموجودة على موقع اليوتيوب لزيادة التوثيق:
عن عبد الله بن بريدة الصحابي قال: دخلت أنا وأبي على معاوية بن أبي سفيان، أي في دمشق، ثم أتينا بالطعام، فأصبنا منه، أو قال: أكلنا، ثم أتينا بالشراب، الخمر، فشرب معاوية، وناول أبي، فقال: أي أبوه: ما شربته منذ حرّمه رسول الله. انتهى. [32]
ولن أذكر بقية السب والقذف الذي ذكره بعد تلفيقه هذا، وكفى بهذا التلفيق والكذب أن يسقط عدالة هذا الرجل الذي أتانا ببهتانه هذا على صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسقٌ بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين}. [33]
أما كلام عدنان إبراهيم أن معاوية يتاجر بالخمور والأصنام فلم أجد ما ذكر لا في مسند الإمام أحمد ولا غيره من كتب السنة حسب علمي وبحثي و وجدت ما ذكر في الشيعة الإلكترونية.
رابعاُ: الرد على الشبهة الرابعة: شبهة قتل معاوية للحسن بن علي رضي الله عنهما بالسم.
وأيضا في رد هذه التهمة الساقطة أورد ما ذكره المؤرخ الجليل د. علي الصلابي - حفظه الله - في هذه المسألة وأكتفي بما ذكره لأنه حفظه الله جمع أقوال العلماء في هذه المسألة وحقق مرواياتها خير تحقيق فجزاه الله عن الصحابة والإسلام والمسلمين خير الجزاء،وقد ذكر د. الصلابي كافة المصادر التي نقل عنها فمن أراد الرجوع إليها فليرجع إلى كتابه.
قال د. الصلابي: ذكرت بعض الروايات أن الحسن بن علي توفي متأثراً بالسم الذي وضع له، وقد اتجهت أصابع الاتهام نحو زوجة الحسن جعدة بنت الأشعث بن قيس أمير كندة فهذه أم موسى سرية علي تتهم جعدة بأنها دست السم للحسن، فاشتكى منه شكاة: فكان يوضع تحته طست، وترفع أخرى نحواً من أربعين يوماً، وهذه رواية إسنادها لا يصح وهي ضعيفة، وحاول البعض من الإخباريين والرواة أن يوجد علاقة بين البيعة ليزيد ووفاة الحسن، وزعموا أن يزيد بن معاوية أرسل إلى جعدة بنت قيس أن ُسمي حسناً فإني سأتزوجك، ففعلت، فلما مات الحسن بعثت جعدة إلى يزيد تسأله الوفاء: فقال: إنا والله لم نرضك له أفنرضاك لأنفسنا، وفي سندها يزيد بن عياض بن جعدية، كذبه مالك وغيره، وقد وردت هذه الروايات في كتب أهل السنة بدون تمحيص، مع العلم أن أسانيد تلك الروايات أسانيدها ضعيفة.
1 ـ قال ابن العربي: فإن قيل: دس على الحسن من تسمَّه، قلنا هذا محال من وجهين: أحدهما: أنه ما كان ليتقي من الحسن بأساً وقد سلَّم الأمر، الثاني: أنه أمر مغيب لا يعلمه إلا الله، فكيف تحملونه بغير بيَّنة على أحد من خلقه في زمن متباعد ولم نثق فيه بنقل ناقل، بين أيدي قوم ذوي أهواء، وفي حال فتنة وعصبية، ينسب كل واحد إلى صاحبه ما لا ينبغي، فلا يقبل منها إلا الصافي، ولا يسمع فيها إلا من العدل الصميم.
2 ـ وقال ابن تيمية: وأما قوله: معاوية سمّ الحسن، فهذا ممن ذكره بعض الناس، ولم يثبت ذلك ببينة شرعية، أو إقرار معتبر، ولا نقل يجزم به، وهذا مما لا يمكن العلم به، فالقول به قول بلا علم. وقد جاء عن ابن تيمية في رده عن اتهام معاوية بسمّ الحسن وأنه أمر الأشعث بن قيس بتنفيذ هذه الجريمة وكانت ابنته تحت الحسن، حيث قال: وإذا قيل أن معاوية أمر أباها كان هذا ظناً محضاً، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث. ثم أن الأشعث بن قيس مات سنة أربعين وقيل سنة إحدى وأربعين ولهذا لم يذكر في الصلح الذي كان بين معاوية والحسن بن علي، فلو كان شاهداً لكان يكون له ذكر في ذلك، وإذا كان قد مات قبل الحسن بنحو عشر سنين فكيف يكون هو الذي أمر بنته. وهذا يدل على قدرة ابن تيمية للنقد العلمي القوي للروايات التاريخية.
3 ـ وقال الذهبي: قلت هذا شئ لا يصح فمن الذي أطلع عليه.
4 ـ وقال ابن كثير: روي بعضهم أن يزيد بن معاوية بعث إلى جعدة بنت الأشعث أن سُمَّي الحسن وأنا أتزوجك بعده ففعلت، فلما مات الحسن بعثت إليه فقال: إنا والله لم نرضك للحسن، أفنرضاك لأنفسنا؟ وعندي أن هذا ليس بصحيح، وعدم صحته عن أبيه معاوية بطريق الأولى و الأحرى.
5 ـ وقال ابن خلدون: وما نقل من أن معاوية دس إليه السم مع زوجته جعدة بنت الأشعث، فهو من أحاديث الشيعة، حاشا لمعاوية من ذلك.
6 ـ د. جميل المصري: وقد علق على هذه القضية بقوله:…ثم حدث افتعال قضية سم الحسن من قبل معاوية أو يزيد .. ويبدو أن افتعال هذه القضية لم يكن شائعاً آنذاك، لأننا لا نلمس لها أثراً في قضية قيام الحسن، أو حتى عتاباً من الحسين لمعاوية. وبالنسبة لسم الحسن رضي الله عنه، فنحن لا ننكر هذا، فإذا ثبت أنه مات مسموماً فهذه شهادة له وكرامة في حقه، وأما اتهام معاوية وابنه فهذا لا يثبت من حيث السند، كما مر معنا، ومن حيث المتن وهل جعدة بنت الأشعث بن قيس بحاجة إلى شرف أو مال ـ كما تذكر الروايات حتى تسارع لتنفيذ هذه الرغبة من يزيد، وبالتالي تكون زوجة له أليست جعدة ابنة أمير قبيلة كندة كافة وهو الأشعث بن قيس، ثم أليس زوجها وهو الحسن بن علي أفضل الناس شرفاً ورفعة بلا منازعة، إن أمه فاطمة رضي الله عنها، وجده رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفى به فخراً، وأبوه علي بن أبي طالب أحد العشرة المبشرين بالجنة ورابع الخلفاء الراشدين، إذاً ما هو الشئ الذي تسعى إليه جعدة وتحصل عليه حتى تنفذ هذا العمل الخطير، إن هناك الكثير الذين هم أعداء للوحدة الإسلامية، وزادهم غيظاً وحنقاً ما قام به الحسن بن علي، كما أن قناعتهم قوية بأن وجوده حياً صمام أمان للأمة الإسلامية، فهو إمام ألفتها وزعيم وحدتها بدون منافس، وبالتالي حتى تضطرب الأحداث وتعود الفتن إلى ما كانت عليه فلا بد من تصفيته وإزالته، فالمتهم الأول في نظري هم السبئية أتباع عبد الله بن سبأ الذين وجه لهم الحسن صفعة قوية عندما تنازل لمعاوية وجعل حداً للصراع، ثم الخوارج الذين قتلوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وهم الذين طعنوه في فخذه، فربما أرادوا الانتقام من قتلاهم في النهروان وغيرها. انتهى. [34]
قلت: وقد روى الإمام أحمد في مسنده عن معاوية ما نصه: عن عبد الرحمن بن أبي عوف الجرشي، عن معاوية، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم " يمص لسانه - أو قال: شفته، يعني الحسن بن علي صلوات الله عليه - وإنه لن يعذب لسان أو شفتان مصهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ". وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح. [35]
وهذا الحديث الذي رواه معاوية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والذي فيه من فضائل الحسن رضي الله عنه دليل على حب معاوية للحسن رضي الله عنهم أجمعين.
خامساً: الرد على الشبهة الخامسة: شبهة أكل معاوية للربا.
أما شبهته هذه فأورد لكم نص الرواية التي استدل عليها ثم نذكر التعليق عليها:
نص الرواية: عن أبي قلابة، قال: كنت بالشام في حلقة فيها مسلم بن يسار، فجاء أبو الأشعث، قال: قالوا: أبو الأشعث، أبو الأشعث، فجلس، فقلت له: حدث أخانا حديث عبادة بن الصامت، قال: نعم، غزونا غزاة وعلى الناس معاوية، فغنمنا غنائم كثيرة، فكان فيما غنمنا آنية من فضة، فأمر معاوية رجلا أن يبيعها في أعطيات الناس، فتسارع الناس في ذلك، فبلغ عبادة بن الصامت، فقام، فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ينهى عن بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، إلا سواء بسواء، عينا بعين، فمن زاد، أو ازداد، فقد أربى»، فرد الناس ما أخذوا، فبلغ ذلك معاوية فقام خطيبا، فقال: ألا ما بال رجال يتحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث قد كنا نشهده ونصحبه فلم نسمعها منه، فقام عبادة بن الصامت فأعاد القصة، ثم قال: " لنحدثن بما سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كره معاوية - أو قال: وإن رغم - ما أبالي أن لا أصحبه في جنده ليلة سوداء "، قال حماد هذا أو نحوه. [36]
ونرى من خلال قرائتنا لهذه الرواية أنه لا توجد فيه عبارة: (قال -أي معاوية-: نتاجر ونربح) كما ذكر عدنان إبراهيم في نص خطبته!! ولم أجد هذه العبارة في أي من الروايات الأخرى لا في صحيح مسلم ولا في غيره! وهذا تلفيقٌ آخر منه في الروايات!
وأذكر لكم رواية أخرى ذكرها الإمام مالك في موطأه لقصة أبي الدرداء مع معاوية ويتبين لنا من خلالها أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه نهى معاوية عن ذلك فانتهى معاوية رضي الله عنه وإلا لما رضي عمر بأن يكون واليه يفعل محرماً وإن كان متأولاً في ذلك.
نص الرواية في الموطأ: عن عطاء بن يسار، أن معاوية بن أبي سفيان باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها، فقال أبو الدرداء سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ينهى عن مثل هذا إلا مثلا بمثل»، فقال له معاوية: ما أرى بمثل هذا بأسا. فقال أبو الدرداء: من يعذرني من معاوية؟ أنا أخبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويخبرني عن رأيه، لا أساكنك بأرض أنت بها " ثم قدم أبو الدرداء على عمر بن الخطاب فذكر ذلك له، فكتب عمر بن الخطاب إلى معاوية: أن لا تبيع ذلك إلا مثلا بمثل وزنا بوزن " [37]
• قال الإمام الزرقاني في شرحه على الموطأ: (فقال معاوية: ما أرى بمثل هذا بأسا) إما لأنه حمل النهي على المسبوك الذي به التعامل وقيم المتلفات أو كان لا يرى ربا الفضل كابن عباس. [38]
• وقال الإمام أبو الوليد الباجي القرطبي الأندلسي في شرحه المنتقى على الموطأ وشرحه لحديث أبي الدرداء، قال: ما ذهب إليه معاوية من بيع سقاية الذهب بأكثر من وزنها يحتمل أن يرى في ذلك ما رآه ابن عباس من تجويز التفاضل في الذهب نقدا ويحتمل أن يكون لا يرى ذلك ولكنه جوز التفاضل بين المصوغ منه وغيره لمعنى الصياغة وقول أبي الدرداء سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن مثل هذا أنكر عليه فعله من تجويزه التفاضل في الذهب واحتاج إلى الاحتجاج بنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن مثل ذلك؛ لأن معاوية من أهل الفقه والاجتهاد فليس لأبي الدرداء صرفه عن رأيه الذي روي إلا بدليل وحجة بينة.
وقد روى ابن أبي مليكة قيل لابن عباس هل لك في أمير المؤمنين معاوية ما أوتر إلا بواحدة قال أصاب إنه فقيه.
ثم ذكر في شرحه المنتقى كلاماً أصولياً نفيساً في هذه المسألة وختم كلامه بهذه العبارة:
ولم ينكر عمر - رضي الله عنه - على معاوية ما راجع به أبو الدرداء لما احتمل من التأويل على ما قدمناه والله أعلم وأحكم. [39]
سادساً: الرد على الشبهة السادسة: أن معاوية غير دية المعاهد وجعلها إلى النصف من دية المسلم بعد أن كانت على السواء من دية المسلم:
أذكر في هذه المسألة قول الإمام ابن قدامة في المغني وهو من فقهاء الحنابلة، الذي يرجح أن دية المعاهد على النصف من دية المسلم كما هو فعل معاوية رضي الله عنه، قال ابن قدامة: ولنا، ما روى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «دية المعاهد نصف دية المسلم». وفي لفظ، «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى أن عقل الكتابي نصف عقل المسلم». رواه الإمام أحمد. وفي لفظ: «دية المعاهد نصف دية الحر». قال الخطابي: ليس في دية أهل الكتاب شيء أثبت من هذا، ولا بأس بإسناده. وقد قال به أحمد، وقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولى، ولأنه نقص مؤثر في الدية، فأثر في تنصيفها كالأنوثة. [40]
قلت: وأمر تحديد دية المعاهد فيه خلاف بين الفقهاء بين مساوٍ له مع دية المسلم وبين من جعل الدية نصف دية المسلم. [41]
سابعاً: الرد على الشبهة السابعة: استصفاء معاوية للغنائم لنفسه:
زعم عدنان إبراهيم أن معاوية طلب من الحكم بن عمرو الغفاري أن يستصفي الغنائم لنفسه ويخرج منها كل صفراء وبيضاء. وأورد لكم الخبر كما ذكره الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في البداية والنهاية، قال ابن كثير:
وفي هذه السنة غزا الحكم بن عمرو نائب زياد على خراسان جبل الأسل عن أمر زياد فقتل منهم خلقا كثيرا وغنم أموالا جمة، فكتب إليه زياد: إن أمير المؤمنين قد جاء كتابه أن يصطفى له كل صفراء وبيضاء- يعني الذهب والفضة- يجمع كله من هذه الغنيمة لبيت المال. فكتب الحكم بن عمرو: إن كتاب الله مقدم على كتاب أمير المؤمنين، وإنه والله لو كانت السموات والأرض على عدو فاتقى الله يجعل له مخرجا، ثم نادى في الناس: أن اغدوا على قسم غنيمتكم، فقسمها بينهم وخالف زيادا فيما كتب إليه عن معاوية، وعزل الخمس كما أمر الله ورسوله، ثم قال الحكم: إن كان لي عندك خير فاقبضني إليك، فمات بمرو من خراسان رضي الله عنه. [42]
قلت: ونرى في هذه الرواية أن استصفاء هذه الغنائم كان لوضعها في بيت المال كما ذكر في ابن كثير في هذه الرواية، ولقد وردت روايات أخرى بدون عبارة (لبيت المال)، وقد نقل المؤرخ الكبير أ. د.محمد بن طاهر البرزنجي في كتابه صحيح وضعيف تاريخ الطبري - قسم الصحيح - نقل رواية في مختصر تاريخ ابن عساكر:
أخرج بن عساكر عن قتادة: لما انتهى الحكم بن عمر إلى معاوية وجعل كتاب الحكم في جوب كتابه .. الخبر) وفي آخره قال معاوية: (أتأمروني أن أعمد إلى رجل آثر كتاب الله على كتابي وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على سنتي فأقطع يديه ورجليه؟ بل أحسن وأجمل وأصاب فكانت هذه مما يعد من مناقب معاوية).مختصر تاريخ ابن عساكر/ترجمة معاوية 52). [43]
ثامناً: الرد على الشبهة الثامنة: شبهة قتل حجر بن عدي-رضي الله عنه-.
و هنا أود أن أشير إلى أن حجر بن عدي وكما تذكر الروايات التاريخية أنه جمع الجموع على أمير المؤمنين معاوية وسيطر على الكوفة وأظهر العصيان على الخليفة، وأن قتل معاوية لحجر بن عدي كان عن تأويل منه لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد، يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم، فاقتلوه". [44]
وأنا لا أرغب بالتطويل في هذا الموضوع والإسهاب في ذكر الروايات التاريخية وأكتفي هنا بذكر موقف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها مع معاوية: فعن ابن أبي مليكه: إن معاوية جاء يستأذن على عائشة، فأبت أن تأذن له، فخرج غلام لها يقال له: ذكوان، قال: ويحك أدخلني على عائشة فإنها قد غضبت علي، فلم يزل بها غلامها حتى أذنت له، وكان أطوع مني عندها، فلما دخل عليها قال: أمتاه فيما وجدت عليَّ يرحمك الله؟ قالت: .. وجدت عليك في شأن حجر وأصحابه إنك قتلتهم فقال لها:…وأما حجر وأصحابه فإني تخوفت أمراً، وخشيت فتنة تكون، تهراق فيها الدماء، تستحل فيها المحارم، وأنت تخافيني، دعيني والله يفعل ما يشاء قالت: تركتك والله، تركتك والله، تركتك والله، وجاء في رواية أخرى: لما قدم معاوية دخل على عائشة، فقالت: أقتلت حجراً؟ قال: يا أم المؤمنين، إني وجدت قتل رجلٍ في صلاح الناس، خير من استحيائه في فسادهم. [45]
وقد نقل الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء أن معاوية ندم على قتل حجر: قال: وقدم ابن هشام برسالة عائشة، وقد قتلوا، فقال: يا أمير المؤمنين! أين عزب عنك حلم أبي سفيان؟
قال: غيبة مثلك عني. قال الذهبي:- يعني: أنه ندم -. [46]
قلت: وقد طلب معاوية رضي الله عنه من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن تدعه والله يفعل به ما يشاء أي أنه سلم أمره لله في هذا الفعل، وقد تركته عائشة رضي الله عنها بعد كلمته هذه ولم تنازعه فقالت: (تركتك والله ثلاثاً)، أفنحن نأتي بعد أن سلّم معاوية أمره لله تعالى وبعد أن تركت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنه - لومه أفنأتي نحن لنحسابه؟!! فلنترك الأمر لله تعالى كما تركته أم المؤمنين وطلب ذك معاوية رضي الله عنه علاوة على ذلك فقد روي أنه ندم على هذا الفعل. والله أعلم ..
تاسعاً: رد الشبهة التاسعة: شبهة استلحاق زياد بن أبيه.
أما هذه الشبهة فقد وضحها وبينها د. علي الصلابي خير تبيين وتجد تفصيل ذلك في كتابه معاوية بن أبي سفيان (1/ 348)، وخلاصة كلامه: أن من استلحق نسبه بأبي سفيان هو زياد بن أبيه، وكذلك فهناك من شهد ومنهم من الصحابة أن سمية جارية الحارث بن كلدة قد علقت من أبي سفيان لما وطئها في الجاهلية .. والله أعلم.
والعجيب أن عدنان إبراهيم قد شنع على زياد أشد تشنيع وكأنه لم يعلم أنه كان من شيعة علي بن أبي طالب قبل أن يكون مع معاوية بل قد ولاه علي بن أبي طالب ولاية فارس، وهذا ما ذكره الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية، قال ابن كثير:
وفي هذه السنة -أي سنة 39 هـ - ولى علي بن أبي طالب زياد بن أبيه على أرض فارس، وكانوا قد منعوا الخراج والطاعة .. فاستشار على الناس فيمن يوليه عليهم، فأشار ابن عباس وجارية بن قدامة أن يولي عليهم زياد بن أبيه، فإنه صليب الرأي، عالم بالسياسة.
فقال علي: هو لها، فولاه فارس وكرمان وجهزه إليهما في أربعة آلاف فارس، فسار إليها في هذه السنة فدوخ أهلها وقهرهم حتى استقاموا وأدوا الخراج وما كان عليهم من الحقوق، ورجعوا إلى السمع والطاعة، وسار فيهم بالمعدلة والأمانة. [47]
عاشراً: رد الشبهة العاشرة: شبهة عدم قتل قتلة عثمان في عهد معاوية:
و رد هذه الشبهة أن الاتفاق الذي أبرم بين الحسن ومعاوية كان من بنوده عدم الأخذ بأي دم سفك قبل الصلح بين المسلمين، وهذا ما جعل معاوية يكف عن متابعة قتلة عثمان حقناً لدماء المسلمين ودرءاً للفتنة، وهذا ما جاء في صريح كلام الإمام الحسن بن علي - عليه السلام - في أمر الصلح.
وهذه رواية الإمام البخاري في صحيحه لقصة الصلح بين سيدنا الحسن بن علي وسيدنا معاوية رضوان الله عليهم أجمعين:
حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا سفيان، عن أبي موسى، قال: سمعت الحسن، يقول: استقبل والله الحسن بن علي معاوية بكتائب أمثال الجبال، فقال عمرو بن العاص: إني لأرى كتائب لا تولي حتى تقتل أقرانها، فقال له معاوية وكان والله خير الرجلين: أي عمرو إن قتل هؤلاء هؤلاء، وهؤلاء هؤلاء من لي بأمور الناس من لي بنسائهم من لي بضيعتهم، فبعث إليه رجلين من قريش من بني عبد شمس: عبد الرحمن بن سمرة، وعبد الله بن عامر بن كريز، فقال: اذهبا إلى هذا الرجل، فاعرضا عليه، وقولا له: واطلبا إليه، فأتياه، فدخلا عليه فتكلما، وقالا له: فطلبا إليه، فقال لهما الحسن بن علي: إنا بنو عبد المطلب، قد أصبنا من هذا المال، وإن هذه الأمة قد عاثت في دمائها، قالا: فإنه يعرض عليك كذا وكذا، ويطلب إليك ويسألك قال: فمن لي بهذا، قالا: نحن لك به، فما سألهما شيئا إلا قالا: نحن لك به، فصالحه، فقال الحسن: ولقد سمعت أبا بكرة يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه، وهو يقبل على الناس مرة، وعليه أخرى ويقول: «إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين»، قال أبو عبد الله: " قال لي علي بن عبد الله: إنما ثبت لنا سماع الحسن من أبي بكرة، بهذا الحديث "
قال ابن حجر في فتح الباري في شرحه لهذا الحديث:
قال فقال لهما الحسن بن علي إنا بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال وإن هذه الأمة قد عاثت في دمائها قالا فإنه يعرض عليك كذا وكذا ويطلب إليك ويسألك قال فمن لي بهذا قالا نحن لك به فما سألهما شيئا إلا قالا نحن لك به فصالحه قال بن بطال هذا يدل على أن معاوية كان هو الراغب في الصلح وأنه عرض على الحسن المال ورغبه فيه وحثه على رفع السيف وذكره ما وعده به جده صلى الله عليه وسلم من سيادته في الإصلاح به.
وفي هذه القصة من الفوائد علم من أعلام النبوة ومنقبة للحسن بن علي فإنه ترك الملك لا لقلة ولا لذلة ولا لعلة بل لرغبته فيما عند الله لما رآه من حقن دماء المسلمين فراعى أمر الدين ومصلحة الأمة وفيها رد على الخوارج الذين كانوا يكفرون عليا ومن معه ومعاوية ومن معه بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم للطائفتين بأنهم من المسلمين ومن ثم كان سفيان بن عيينة يقول عقب هذا الحديث قوله من المسلمين يعجبنا جدا أخرجه يعقوب بن سفيان في تاريخه عن الحميدي وسعيد بن منصور عنه وفيه فضيلة الإصلاح بين الناس ولا سيما في حقن دماء المسلمين ودلالة على رأفة معاوية بالرعية وشفقته على المسلمين وقوة نظره في تدبير الملك. [48]
قلت: أيها الأخوة هذا كلام العلماء الكبار الذين أطبقت الأمة وأجمعت على تقديم كلامهم هذا هو كلامهم في أمير المؤمنين معاوية - رضي الله عنه - وفي فضله في مسألة الصلح وحقن دماء المسلمين، واليوم يأتي من أضاع جادة الحق التي رسمها هؤلاء العلماء فيتهم معاوية رضي الله عنه في نواياه ويشكك في صدقها و يتغافل عن الحق المذكور في صحيح البخاري وغيره من الروايات الصحيحة وتعليقات العلماء النفيسة.
والناظر في التاريخ المتأمل في هذه الحقبة يجد أن أغلب قتلة عثمان قد قتلوا إما في معركة الجمل أو صفين أو النهروان لأنهم شاركوا في كل هذه الفتن وبالأخص معركة النهروان التي استأصل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم وجهه استأصل بهذه المعركة قوتهم وأبادهم فلم يبق منهم إلا قليل مشردون، ومعروف في الروايات التاريخية أن من أواخر من قتل من قتلة عثمان هو عمير بن ضابئ التميمي قتله الحجاج في الكوفة سنة 75 هـ. [49]
حادي عشر: رد الشبهة الحادية عشر: شبهة أن معاوية أحد القتلة (قصة بسر بن أرطأة):
وهذه القصة التي ذكرها عدنان إبراهيم عن الحافظ ابن كثير وتبجح بها أي تبجح بأن ابن كثير صاحب الهوى الأموي قد أورد قصة تدل على أن معاوية قاتل مجرم!! وللرد على هذه الشبهة الشنيعة الباطلة أورد لكم نص الحافظ ابن كثير بكماله حتى تعلموا مدى التلفيق الذي انتهجه عدنان إبراهيم في نقله عن العلماء: أترككم مع الرواية كما ذكرها ابن كثير - رحمه الله -:
قال ابن جرير: فمما كان في هذه السنة من الأمور الجليلة توجيه معاوية بسر بن أبي أرطاة في ثلاثة آلاف من المقاتلة إلى الحجاز، فذكر عن زياد بن عبد الله البكائي عن عوانة قال: أرسل معاوية بعد تحكيم الحكمين بسر بن أبي أرطاة- وهو رجل من بني عامر بن لؤي- في جيش فساروا من الشام حتى قدموا المدينة- وعامل على عليها يومئذ أبو أيوب- ففر منهم أبو أيوب فأتى عليا بالكوفة، ودخل بسر المدينة ولم يقاتله أحد، فصعد منبرها فنادى على المنبر: يا دينار ويا نجار ويا رزيق شيخي شيخي عهدي به هاهنا بالأمس فأين هو؟ - يعني عثمان بن عفان- ثم قال: يا أهل المدينة والله لولا ما عهد إلى معاوية ما تركت بها محتلما إلا قتلته، ثم بايع أهل المدينة وأرسل إلى بني سلمة فقال: والله ما لكم عندي من أمان ولا مبايعة حتى تأتوني بجابر بن عبد الله- يعني حتى يبايعه- فانطلق جابر إلى أم سلمة فقال لها: ماذا ترين إني خشيت أن أقتل وهذه بيعة ضلالة؟ فقالت: أرى أن تبايع فإني قد أمرت ابني عمر وختني عبد الله بن زمعة- وهو زوج ابنتها زينب- أن يبايعا فأتاه جابر فبايعه. قال: وهدم بسر دورا بالمدينة ثم مضى حتى أتى مكة فخافه أبو موسى الأشعري أن يقتله فقال له بسر: ما كنت لأفعل بصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، فخلى عنه، وكتب أبو موسى قبل ذلك إلى أهل اليمن أن خيلا مبعوثة من عند معاوية تقتل من أبى أن يقر بالحكومة، ثم مضى بسر إلى اليمن وعليها عبيد الله بن عباس ففر إلى الكوفة حتى لحق بعلي، واستخلف على اليمن عبد الله بن عبد الله بن المدان الحاوي، فلما دخل بسر اليمن قتله وقتل ابنه، ولقي بسر ثقل عبيد الله بن عباس وفيه ابنان صغيران له فقتلهما وهما عبد الرحمن وقثم، ويقال إن بسرا قتل خلقا من شيعة على في مسيره هذا وهذا الخبر مشهور عند أصحاب المغازي والسير، وفي صحته عندي نظر والله تعالى أعلم. [50]
هذه الرواية كاملة كما أوردها ابن كثير في كتابه البداية والنهاية ونقلها عن ابن جرير الطبري، وكما هي عادة الحافظ ابن كثير في تاريخه فإنه كان دائماً ما يعلق على الروايات التاريخية ويذكر رأيه فيها، وترون في آخر هذه القصة أن ابن كثير ذكر رأيه في هذه القصة بشكل واضح وهو (وفي صحته عندي نظر والله تعالى أعلم). وهذا التعليق يجعل القارئ لهذه القصة في البداية والنهاية بين أمرين إما أن لا ينقلها ويرويها أو أن ينقلها ويذكر تعليق الحافظ ابن كثير عليها من باب الأمانة العلمية، ونرى أن عدنان إبراهيم قد ذكر هذه الرواية وتغافل عن رأي ابن كثير في صحتها، وهذا فيه من عدم المصداقية العلمية ما فيه.
و أود أن أشير إلى أن ابن كثير أورد رواية بعدها فيها أن علي بن أبي طالب أرسل جيشه إلى اليمن لاستعادتها من بسر بن أرطأة وأن جيش علي لما وصل اليمن قتل من شيعة عثمان .. إلى آخره.
وجزا الله د. محمد البرزنجي خير الجزاء عن أمة الإسلام وتاريخها في تحقيقه لتاريخ الطبري فقد ذكر أن هذه الرواية والتي قبلها ضعيفتان ولا تصحان.
الختام:
وفي ختام هذا الرد الذي كتبته أرجوا من الله أن يجعلني من الناصرين لدينه سبحانه ونبيه - صلى الله عليه وسلم - وصحابته رضوان الله عليهم أجمعين، وأسأل الله سبحانه أن يكون هذا الرد والنقاش العلمي سبباً في إيضاح الحق لمن التبس عليهم الأمر من المسلمين بعد سماعهم لهذه الخطبة الشنيعة المليئة بالسب والقذف التي لم يسلم منها حتى أم المؤمنين عائشة وطلحة والزبير رضوان الله عليهم أجمعين، وأرجو من إخواني المسلمين التثبت من المصادر قبل تسليم عقولهم لمن يقدح في من حمل هذا الدين وهم صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
نسأل الله سبحانه وتعالى التوفيق والسداد والرشاد ..
=============
[18] فتح الباري شرح صحيح البخاري (8/ 286) ط: دار المعرفة 1379 هـ.
[19] شرح النووي على صحيح مسلم (15/ 64) ط: دار إحياء التراث العربي.
[20] فتح الباري شرح صحيح البخاري (8/ 286).
[21] عمدة القارئ شرح صحيح البخاري (15/ 243) ط: دار إحياء التراث العربي.
[22] صحيح البخاري (3/ 186) حديث رقم 2704 ط: دار طوق النجاة.
[23] صحيح مسلم (4/ 1871).
[24] شرح النووي على مسلم (15/ 175)، تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي (10/ 156).
[25] حاشية السندي على سنن ابن ماجه (1/ 58).
[26] أنظر: معاوية بن أبي سفيان - شخصيته وعصره، للدكتور علي الصلابي ط: دار الأندلس 2008 ص: 226
[27] أنظر سير أعلام النبلاء للذهبي ط: الرسالة (راشدون/262) وقال المحقق التاريخي أ. د.محمد الرزنجي: رجاله ثقات.
[28] مختصر تاريخ دمشق (17/ 347) ط: دار الفكر.
[29] مختصر تاريخ دمشق (25/ 39).
[30] أنظر: مسند الإمام أحمد بن حنبل. تحقيق: شعيب الأرناؤوط حديث رقم: 22941 (38/ 25 - 26) بتصرف في حاشية الأرناؤوط ومحل هذا التصرف هو إغفال تخريج الحديث والتعليق على رجاله، لأني اكتفيت بخلاصة السند. والبقية نقلته بنصه.
[31] المصدر السابق.
[32] انظر نص الخطبة في موقع عدنان إبراهيم والخطبة بعنوان: بداية كارثتنا،ومقطع الفيديو في يوتيوب بعنوان حقيقة الباغي معاوية.
[33] سورة الحجرات آية رقم: 6.
[34] أنظر: معاوية بن أبي سفيان - شخصيته وعصره، للدكتور علي الصلابي ص:231 إلى 233 وانظر: أمير المؤمنين الحسن بن علي بن أبي طالب - شخصيته وعصره - للدكتور علي الصلابي ص:433 إلى 438.ط: دار التوزيع والنشر الإسلامية.
[35] مسند الإمام أحمد (28/ 62).
[36] صحيح مسلم حديث رقم 1587 (3/ 1210)
[37] موطأ الإمام مالك ط: دار إحياء التراث العربي (2/ 634) حديث رقم: 33.
[38] شرح الزرقاني على الموطأ (3/ 419).
[39] المصدر السابق.
[40] المغني لابن قدامة ط: مكتبة القاهرة (8/ 399).
[41] انظر الموسوعة الفقهية الكويتية (21/ 61).
[42] البداية والنهاية ط: دار الفكر (8/ 29)
[43] صحيح وضعيف تاريخ الطبري للبرزنجي ط: دار ابن كثير (4/ 28)، وانظر: تاريخ دمشق لابن عساكر (59/ 170).
[44] صحيح مسلم (3/ 1480).
[45] انظر: معاوية بن أبي سفيان للصلابي ص:242، وقد نقل د. الصلابي هاتين الروايتين عن تاريخ دمشق لابن عساكر ووجدته في تاريخ دمشق (12/ 230) وقال د. البرزنجي عن سند هذه الرواية هذا إسناد صحيح صحيح تاريخ الطبري (4/ 53)
[46] سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي (3/ 465) ط: مؤسسة الرسالة.
[47] البداية والنهاية (7/ 370) بتصرف.
[48] فتح الباري (13/ 66).
[49] تاريخ الطبري (6/ 202).
[50] البداية والنهاية لابن كثير (7/ 322).
««توقيع ابو غسان»»
وقد رد الدكتور محمد بن طاهر البرزنجي صاحب " صحيح وضعيف الطبري."
يقول:
الرد على الشبهة الأولى
قالوا الأحاديث النبوية الشريفة تصور معاوية من الدعاة إلى نار جهنم حاشاه
واستدلوا بحديث (ويح عمار تقتله الفئة الباغية) الصحيح ولكنه غير صحيح بصيغته المركبة أي مع الزيادة المركبة (ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار)
في الكثير من النسخ المطبوعة بين أيدينا من صحيح البخاري-كتاب المساجد- باب التعاون في بناء المساجد الحديث رقم 447 من طريق خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس عن أبي سعيد الخدري قال (كنا نحمل لبنة لبنة وعمار لبنتين لبنتين فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فينفض التراب عنه ويقول ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار)
والحق يقال فالزيادة المركبة هذه غير موجودة في جميع طبعات البخاري الحالية فالطبعة الأميرية مثلا المعروفة بطبعة بولاق التي نشرت سنة 1300 للهجرة بمصر لا تحتوي على هذه الزيادة المركبة في كتاب المساجد.وكذلك طبعة شرح ابن بطال لم تذكر هذه الزيادة المركبة في كتاب المساجد ولكنها ذكرت في الموضع الثاني (أي في الجهاد).
وقد اختلف علماء الحديث في المقطع الأخير أي القدر المرفوع منه كما قال الحافظ الناقد ابن رجب الحنبلي في شرحه للحديث في صحيح البخاري وهو من أئمة الجرح والتعديل المعروفين وكلام ابن رجب الحنبلي بحاجة إلى تفصيل فقد صححه العديد من العلماء وضعفه آخرون-والذي تبين لي بعد طول بحث وتمحيص أن:
1 - لفظ) ويح عمار تقتله الفئة الباغية) حديث صحيح بلغ درجة التواتر وقاله عليه الصلاة والسلام مرة عند حفر الخندق. والمقصود بالفئة الباغية هنا جيش الشام وتطلق عليهم فترة حربهم مع سيدنا علي فقط اما بعدها مباشرة فقد ارتفعت عنهم التسمية بالفئة الباغية لأنهم فاءوا إلى أمر الله وانتفت عنهم صفة الغي أي أنها تسمية مؤقتة مرتبطة بفترة زمانية قصيرة فقط (فترة خروجهم على الإمام الأعظم الذي أجمعت الأمة على بيعته)
2 - لفظ (ويح عمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار) حديث صحيح أخرجه البخاري وغيره وهي تتحدث عن ما جرى بين عمار وكفار قريش وقالها عليه الصلاة والسلام عند بناء المسجد النبوي إد كان الصحابة حديثي عهد بمحاربة قريش لهم وبالأخص عمار بن ياسر فقد استشهد والداه على يد جلادي قريش وهده الصيغة مثبتة في طبعة بولاق الأميرية بمصر سنة 1300 للهجرة كتاب المساجد باب التعاون في بناء المسجد وشرح ابن بطال لصحيح البخاري طبعة دار الكتب العلمية المجلد الثاني ح 391) وكتاب الجمع بين الصحيحين لعبد الحق الاشبيلي في الباب نفسه).
3 - اللفظ المركب من الزيادتين أي (ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار) غير صحيح وغير مخرج في أصل البخاري.
ويؤيد هذا الاستنتاج عدد من الأئمة الحفاظ النقاد ممن اختصوا في الصحيحين ورووه بسندهم الموصول إلى البخاري ومسلم والذين أثبتوا براءة البخاري من هذه الرواية المركبة كما في صنيع الحافظ الحميدي والحافظ المزي والحافظ أبو حفص الموصلي في كتابيها الجمع بين الصحيحين والإمام الحافظ الناقد عبد الحق الإشبيلي والذي كان أكثر تفصيلا من غيره فقد ذكر جميع الصيغ الصحيحة التي ذكرناها آنفا ثم قال بالحرف الواحد (لم يخرج البخاري في قتل عمار شيئا) وكذلك وجدت العلامة محمد صديق القنوجي البخاري في تحقيقه لمختصر الزبيدي وشرحه لمفرداته (عون الباري 2/ 242 رقم الحديث 274) قد اقتصر على الصيغة الصحيحة في اصل البخاري وهي (ويح عمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار) وأشار أيضا تبعا لابن حجر ان الصيغة المركبة حذفها البخاري من صحيحه لكنها موجودة في بعض النسخ رواية عن ابن السكن وكذلك الشيخة كريمة قلت والأصوب أنها لم تذكر في الصحيح أصلا كما قال الحافظ الحميدي والحافظ المزي وعبد الحق الاشبيلي وأبو حفص الموصلي ولكن بعض النساخ أضافوها.
أخرج الإمام الخلال في كتابه القيم (السنة 2/ 463) قال حدثنا إسماعيل الصفار سمعت أبا أمية الطرسوسي يقول سمعت في حلقة احمد ويحيى بن معين وابي خيثمة والمعيطي وقد ذكر حديث (ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار) فقالوا يعني الأربعة ما فيه حديث صحيح اي ان الأربعة لم يصححوا الحديث بصيغته المركبة هذه وهذا لا يخاف تصحيحهما للصيغة الاخرى للحديث في موضع آخر فالإمام احمد وغيره صححوا لفظ (ويح عمار تقتله الفئة الباغية) كما سنذكر بعد قليل.وكذلك ذكرالحافظ الحميدي (المتوفي 488 هجرية) في كتابه المشهور الجمع بين الصحيحين تعليقا على الحديث 16 أن هذه الزيادة غير موجودة أصلا في البخاري واوضح من كل هذاكلام الحافظ عبد الحق إذ قال: لم يخرج البخاري في قتل عمار شيئا وكذلك أشار الدارقطني أن الرواية المحفوظة هي من طريق غندرعن شعبة عن خالد الحذاء أي لفظ (ويح عمار تقتله الفئة الباغية) (علل الدارقطني رقم السؤال 2167). فاستيقنت أن النص المطبوع بين ايدينا من صحيح البخاري والتي هي النسخة اليونينية (كتبت نهاية القرن السابع الهجري) المروية من طريق واحد عن البخاري واعني الفربري قد وهم فيها بعض الرواة في هذه اللفظة والصحيح ما أثبته عبد الحق الإشبيلي في كتابه الجامع وكذلك الحميدي في الجمع بين الصحيحين والحافظ المزي في تحفة الأشراف ومن النسخ المطبوعة من شرح ابن بطال والتي أثبتها تارة بلفظ (ويح عمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار) كتاب المساجد وهذه صحيحة وهي المؤيدة لما قاله الحفاظ النقاد وكذلك رواه ابن بطال في موضع آخر بلفظ (ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار) وهي غير صحيحة بينما في النسخة المطبوعة من صحيح البخاري باللفظ الأخير في الموضعين وهذا يعني أن وهما ما حصل بعد وفاة البخاري من بعض الرواة فخلطوا بين الصحيحة وغيرها.
ولقد ذكر الحافظ المزي في تعليقه على الرواية 4248 من تحفة الأشراف فقال رواية البخاري ليس فيها هذه الزيادة (أي الزيادة المركبة) ولم يعارضه الحافظ ابن حجر على قوله هذا في النتكت الظراف. وقال الإمام الحافظ عبد الحق الإشبيلي المتوفي سنة 581 هجرية صاحب كتاب في الجمع بين الصحيحين (4/ 264) والذي لم يبق شاردة ولا واردة في الصحيحين إلا ذكرها في جمعه قال بالحرف الواحد (لم يخرج البخاري في قتل عمار شيئا) أي أن الرواية الوحيدة في أصل البخاري هي بلفظ (ويح عمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار) والذي يؤيد ما قاله هؤلاء الأئمة أن الحديث عند الامام مسلم من عدة طرق عن أبي سعيد الخدري دون هذه الزيادة (يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار) وأصح طرق الحديث على الاطلاق طريق الامام احمد عن شيخه محمد بن جعفر عن شعبة عن خالد الحذاء به بلفظ (ويح عمار تقتله الفئة الباغية) وهو المحفوظ. ولقد أشار الدارقطني وهو إمام كبير في الجرح والتعديل حتى انهم قالوا (انتهى علم العلل إلى الدرقطني) فقد ذكر الدارقطني عندما سئل عن العبارة المرفوعة (ويح عمار تقتله الفئة الباغية) فقال والصحيح عن شعبة وعن غيره عن خالد الخذاء عن عكرمة به وهو المحفوظ وبيت القصيد هنا قول الدارقطني وهو المحفوظ عن غندر عن شعبةعن خالد قلت (البرزنجي) ومعلوم ان محمد بن جعفر من اثبت الرواة عن شعبة وكذلك شعبة أثبتهم عن خالد الحذاء فروايتهما هي الأصح دون ذكر تلك الزيادة (يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار) ولقد ناقش ابن حجر هذه المسألة في الفتح وذكر أقوال العلماء في ذلك وبين ان هذه الزيادة غير موجودة في نسخ البخاري الأصلية سوى بعضها كرواية ابن السكن عن الفربري ورواية الشيخة كريمة عن الكشميهني عن الفربري أما بقية الطرق التي هي بالعشرات فليس فيها هذه الزيادة.
قلت (البرزنجي): خلاصة القول ان عبارة (ويح عمار تقتله الفئة الباغية) عبارة صحيحة بالتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ رواه جمع من الصحابة عن رسول الله رضي الله عنهم كما في الصحاح والسنن والمسانيد وإليه يصرف تصحيح أحمد في إحدى الروايتين عنه كما نص الذهبي على ذلك بعد ذكره للرواية من طريق أبي عوانة إذ قال الذهبي (وفي الباب عن عدة من الصحابة فهو متواتر. و قال يعقوب ابن شيبة سمعت أحمد بن حنبل سئل عن هذا الحديث فقال حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم) سير أعلام المجلد الأول ترجمة 90) وصححه الكثيرون من علماء الحديث ويكفي أن الإمام مسلم رواه من عدة طرق عن أبي سعيد وعن أم سلمة وعليها اعتمد جمهور أهل السنة والجماعة في قولهم أن اجتهاد سيدنا علي في قتال أهل الشام صحيح لأنه أراد تنفيذ الآية الآيات القرآنية في سورة الحجرات المتعلقة بقتال البغاة حتى إرجاعهم إلى طاعة الإمام الذي أجمعت الأمة على بيعته (فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى امر الله) وحقا فقد رجعوا إلى الصواب وفاؤوا إلى أمر الله وعرضوا الصلح على سيدنا علي رضي الله عنه فقبله منهم وحقن الله بذلك دماء الصحابة والتابعين ثم استكملت الطائفتان العظيمتان من المسلمين الصلح بعد استشهاد سيدنا علي وجمع الله الأمة بعد شتات على يد السيد الهاشمي القرشي سيدنا أمير المؤمنين الحسن السبط سيد شباب أهل الجنة عليه وعلى أبيه وأعمامه حمزة والعباس سحائب الرحمة والرضوان.
وكذلك صيغة الحديث بلفظ (ويح عمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار).وفي لفظ يدعوهم إلى الله ... فصحيحة لوحدها دون زيادة كما أخرجه البخاري في صحيحه (ح 447 وفي ترقيم ابن بطال ح 319 كتاب الصلاة باب التعاون في بناء المسجد وأثبته عبدالحق الاشبيلي في جمعه بين الصحيحين وأما من تأوله من العلماء على جلالة قدرهم ان الحديث وصفهم بالدعوة إلى نار جهنم بالدعوة إلى خروجهم على الامام ففيه تكلف واضح ولقد أصاب المهلب رحمه الله (وهو من الشراح المتقدمين لصحيح البخاري) إذ قال:يدعوهم إلى الله أي اهل مكة الذين أخرجوه من دياره وعذبوه في ذات الله لدعائه لهم إلى الله ولا يمكن أن يتاول الحديث في المسلمين البتة لأنهم قد دخلوا دعوة الله وإنما يدعى إلى الله من كان خارجا من الإسلام (شرح البخاري لابن بطال كتاب الجهاد ح 1673 وتوفي ابن بطال سنة 449 هجرية.).
أما الزيادةالمركبة (تقتله افئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه الى النار) فغير صحيحة كما نقل عن ابن معين وابي خيثمة والمعيطي وعليه يحمل قول الامام أحمد في إحدى الروايتين عنه وقوله كذلك انه ورد من عدة طرق ليس فيها طريف صحيح وقال الحافظ الحميدي صاحب الجمع بين الصحيحين والحافظ المزي ان الحديث غير موجود في أصل ابخاري. وكذلك الحافظ عبد الحق الاشبيلي في كتابه في الجمع بين الصحيحين (4/ 264) والذي لم يبق شاردة ولا واردة في الصحيحين إلا ذكرها في جمعه وقال بالحرف الواحد (لم يخرج البخاري في قتل عمار شيئا). والحمد لله فلقد بانت براءة البخاري من الزيادة المركبة.
الرد على الشبهة الثانية
زيادة (لماذا لا تسب أبا تراب) في حديث سعد بن ابي وقاص
هذه الزيادة (أي قول معاوية لسعد ما منعك أن تسب علي) زيادة غريبة معلولة الإسناد
الذي عليه جمهور أئمة الحديث من العلماء المتقدمين كما نقل عنهم ابن الصلاح في مقدمته ان الأمة تلقت صحيح البخاري ومسلم بالقبول وان ما فيهما صحيح سوى أحاديث وزيادات معروفة عند اهل الشأن من أئمة العلل والجرح والتعديل كالدرقطني والترمذي وأحمد وغيرهم.وفيما يتعلق ببعض الزيادات غير الصحيحة فقد اتفق جمهور علماء الحديث ان زيادة الثقة مقبولة وبشروط اما زيادة غيرالثقة فمردودة بلا ريب مع التفصيل المعروف. وفيما يتعلق بأحاديث الامام مسلم في صحيحه فإنه يكرر الحديث من عدة طرق إما لبيان الزيادة المقبولة عن ثقة او بيان الزيادة المرفوضة عن راو ضعفه الحفاظ وهو عند مسلم ليس في محل الاحتجاج وإنما في محل الاستشهاد أي لا يحتج به فهو ليس من رجال مسلم إنما يروي له استشهادا ولا يعتمد عليه.
فلقد قال الامام مسلم في صحيحه (إنا نعمد الى جملة ما أسند من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فنقسمها على ثلاثة أقسام وثلاث طبقات من الناس على غير تكرار إلا أن يأتي موضع لا يستغنى فيه عن ترداد حديث فيه زيادة معنى او اسناد يقع الى جنب اسناد لعلة تكون هناك) مقدمة صحيح مسلم طبعة دار المعرفة الصفحة الأولى السطر العشرين. اي انه يكرر الرواية إما لزيادة ثقة وهي مقبولة أو لزيادة من طريق فيه ضعف فالزيادة مردودة.
وفيما يتعلق بالرواية التي يستشهد بها من يثيرون هذه الشبهة فهذا هو سند ونص الرواية عند مسلم:من طريق حاتم بن اسماعيل عن بكير بن مسمار عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا فقال: ما منعك أن تسب أبا التراب؟ فقال: أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن أسبه .. الحديث، ثم ذكر سعد بن أبي وقاص فضائل سيدنا علي (صحيح صحيح مسلم 4 كتاب فضائل الصحابة ح 6170)
ومن عادة الامام مسلم انه يأتي بجميع روايات الحديث ومن طرق مختلفة حتى يتبين للنقاد الزيادة الصحيحة المقبولة والزيادة المردودة التي لا تصح لعلة او اكثر وفيما يتعلق بهذه الرواية أقول لو رجعنا للترقيم القديم لوجدنا أن مسلما قد جمع هذه الروايات ضمن رواياته المختلفة لحديث واحد هو 2404 أي انه رحمه الله جمع طرق الحديث في مكان واحد ولو طبقنا القاعدة التي ذكرها الامام مسلم في مقدمته لتبين لنا الاتي:العلة في هذا الاسناد انه من طريق بكير بن مسمار إذ انه ليس ممن يحتج مسلم بروايتهم في صحيحه إنما كما قال الحاكم استشهد به مسلم في موضعين التهذيب ترجمة 913 وميزان الاعتدال ترجمة 1251) وترجم له العقيلي في الضعفاء 2/ 152) أي أن بكير بن مسلم ليس على شرط مسلم لذلك أخرج مسلم نفسه الحديث من طرق آخرى متعددة أصح إسنادا بكثير من هذا الاسناد ومن طريق رواة ثقات يحتج بهم مسلم كل الاحتجاج دون ذكر هذه الزيادة فقد أخرجه في الرواية 6167 من طريق أربعة آخرين من شيوخه الثقات هم يحيى بن يحيى التميمي ومحمد بن الصباح أبوجعفر وعبيد الله القواريري وسريج بن يونس كلهم من طريق يوسف بن الماجشون عن محمد بن المنكدر عن سعيد بن المسيب عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي (أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي) أي ان بكير بن مسماروسعيد بن المسيب كلاهما رويا الحديث عن عامر ابن سعد عن أبيه سعد وليس في رواية سعيد بن المسيب هذه الزيادة وومما لاشك في ان سعيد بن المسيب أحفظ وأثبت عشرات المرات من بكير بن مسمارفبكير بن مسمار ضعفه البخاري ولم يعتمد عيه مسلم في مواضع الاحتجاج وإنما ذكره في محل الاستشهاد وتثبيتا مرة أخرى لعدم قبول هذه الزيادة أقول: أخرجه مسلم في الرواية 6171 من طريق ثلاثة من شيوخه الحفاظ الكبار وهما ابن أبي شيبة ومحمد بن المثنى وابن بشار من طريق شعبة عن الحكم عن مصعب بن سعد عن أبيه سعد قال خلف رسول الله علي بن أبي طالب في غزوة تبوك فقال يارسول الله تخلفني في النساء والصبيان؟ فقال (أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ غير أنه لا نبي من بعدي) ح 6168. والبخاري 4416) لذلك تبين لنا فيما يتعلق بقول الراوي (قال معاوية لسعد ما منعك ان سب عليا) زيادة لم تأت الا من هذا الطريق الضعيف مخالفة لعدد من الحفاظ الكبار الذين رووه من طريق آخر اصح اسنادا وأقوى بكثير وذلك من طريق سعيد بن المسيب (وهو جبل من جبال الحفظ) وقال عنه الذهبي ثقة حجة وابن المسيب بدوره رواه كذلك عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه ولم يرو هذه الزيادة المنكرة. وكما هو معلوم فإن الجمع من الرواة الثقات هم اولى بالحفظ من الثقة الفرد فما بالك لوكان هذا الفرد (بكير بن مسمار) ضعيفا بينما من خالفه أحفظ وأكثر عددا كما هو الحال في هذه الرواية التي رواها شيوخ مسلم الثلاثة من طريق االامام شعبة وهو ثقة متقن ثبت استحق لقب امير المؤمنين في الحديث كما عند الثوري.
اما الحفاظ الذين تعاملوا مع هذه الزيادة على انها صحيحة ومنهم الحافظ ابن هبيرة المتوفي 560 للهجرة فقد قال اراد معاوية أن يؤدب بقول سعد بعض أحداث الأسنان من اهله وأتباعه بما يذكر سعد في حق علي وقد روي لنا أن معاوية كان يثني على علي ويقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغره بالعلم غرا ويرد الفتاوى عنه إليه في حالة اشتداد مابينهما ولم يكن منكرا لفضل علي إنما كان القتال مستندا إلى اجتهاد في فرع اخطا فيه معاوية واصاب علي. وليس ذلك بمخرجهم من الإيمان. (الإفصاح عن معاني الصحاح 1/ 349).
وكذلك الحافظ النووي شارح الصحيح فقد قال (معنى عبارة ما منعك أن تسب:ما منعك أن تخطئه في رأيه واجتهاده وتظهر للناس حسن رأينا واجتهادنا وأنه أخطأ قوله) شرح النووي على مسلم (15/ 175) ولقد قرات للبعض يقول بان تفسير النووي هذا تاويل بعيد وتبرير غير منطقي والعكس صحيح فالسبب ين المسلمين في عهد الرسالة ومن بعده بقليل جاء بمعانى متعددة منها أن تعير رجلا من اجل لونه وجنسه او توجه إلي انتقادا لاذعا اما أن تعيره فكما عير أبو ذر بلالا بقوله يا بن السوداء ثم اعتذر منه رضي الله عنهما اما السب في أصل الروايات المتعلقة بالباب فروايات الخبر الصحيحة تؤكد ماقاله النووي وغيره فكما هو معلوم فإن علم اسباب النزول يقابله في علم الحديث علم مبارك هو علم أسباب ورود الحديث ولو جمعنا روايات الحديث النبوي الشريف لتبين لنا سبب الورود وتبين لنا كذلك أن السب الذي حصل في تلك الحادثة لم يكن شتما وإنما كان بمثابة توجيه انتقاد من صحابي لاخر فقد جاء في صحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة باب تحريم سب الصحابة عن أبي سعيد قال كان بين خالد وعبد الرحمن بن عوف شيء فسبه خالد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسبوا أصحابي (ح 2541) و والسب هذا فسرته رواية احمد فلا مجال للحدس والتاخمين في تفسير ذلك السب فقد اخرج احمد في مسنده (2\ 266 حديث رقم 13812) كان بين خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف كلام فقال خالد لعبد الرحمن تستطيلون علينا بأيام سبقتمونا بها) فذكر ذلك للنبي فقال عليه الصلاة والسلام دعوا لي أصحابي)
وهذا يعني ان تأويل النووي هنا صحيح فكما ان مجرد توجيه النقد اللاذع من قبل خالد لعبد الرحمن بن عوف سماه الرسول عليه الصلاة والسلام سبا فكذلك توجيه الناس النقد لأمير المؤمنين علي بقولهم لو اقتص علي من قتلة عثمان لما وقعت معركتي الجمل وصفين اقول توجيه هذا النقد يسمى سبا اعتمادا على ما تبين لنا من أسباب ورود الحديث.
واما ما ذكر ابن ماجة في سننه في طريق آخر للحديث قال (فنال منه) أي نال معاوية من علي سنن ابن ماجه (1/ 58).ح 121) فاسناده غير صحيح ففي اسناده علي بن محمد وفيه ضعف وفيه عبد الرحمن بن سابط وهو وان كان ثقة فهو كثير الارسال وقد حكم أئمة الحديث بأنه لم يسمع من سعد بن أبي وقاص كالحافظ ابن معين وأبوزرعة والذهبي تقريب التقريب ترجمة 3867) فالرواية غير صحيحة والحمد لله على نعمةالاسناد.
قلت (البرزنجي) خلاصة القول زيادة (قال معاوية لسعد ما منعك ان تسب عليا) زيادة غريبة معلولة وورودها عند مسلم من طريق من يستشهد بهم لا من يحتج بهم من باب بيان علة الاسناد وعدم قبول الزيادة اعتمادا على القاعدة التي اطلقها هو رحمه الله في مقدمة صحيحه وقد ذكرنا العلل في الاسناد والغرابة في متن الزيادة وانطلقنا من انتقاد الترمذي للرواية من هذا الطريق الضعيف والترمذي تلميذ البخاري وهو إمام في العلل بالإضافة إلى كونه محدثا مصنفا حافظا فقد علق بعدها بقوله بعد الرواية صحيح غريب من هذا الوجه ولقد تبين لك أخي الكريم مما سبق صحة ودقة تعليق الترمذي فالحفاظ الكبار رووه من غير هذا الطريق الضعيف وبدون هذه الزيادة عن سعد بن أبي وقاص كما عند البخاري ومسلم وبقية الصحابة الذين زادوا عن اثني عشر صحابيا استوعب بعض الحفاظ جميع طرق الحديث في ترجمة سيدنا علي وقال الحافظ ابن حجر في شرحه للحديث (3706) من طريق إبراهيم بن سعد عن أبيه سعد قال قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي:أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى) ثم ذكر زيادة صحيح مسلم وعقب قائلا وهذا الحديث دون الزيادة روي (كذلك) عن غير سعد من حديث عمر وعلي نفسه وأبي هريرة وابن عباس وجابربن عبد الله والبراء وزيد بن أرقم وأبي سعيد وأنس وجابر بن سمرة وحبشي بن جنادة ومعاوية وأسماء بنت عميس وغيرهم (الفتح 4/ 797) فهؤلاء إثنا عشر وبسعد يكونوا ثلاثة عشر صحابيا روي عنهم دون هذه الزيادة والله تعالى اعلم.
الرد على الشبهة الرابعة
رد شبهة قولهم أن معاوية كان يأمر بأكل الأموال بالباطل وقتل النفس
-واستدلوا بما أخرجه الامام مسلم في صحيحه من طريق جرير بن حازم عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الرحمن ابن عبد رب الكعبة قال: دخلت المسجد فإذا عبدالله بن عمرو بن العاص جالس في ظل الكعبة. والناس مجتمعون عليه. فأتيتهم. فجلست إليه. فقال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر. فنزلنا منزلا. فمنا من يصلح خباءه. ومنا من ينتضل، ومنا من هو في جشره. إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة جامعة. فاجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال (إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم. وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها. وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها. وتجيء فتنة فيرقق بعضها بعضها. وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي. ثم تنكشف. وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه. فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر. وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه. ومن بايع إماما، فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه، فليطعه إن استطاع. فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر). فدنوت منه فقلت: أنشدك الله! آنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأهوى إلى أذنيه وقلبه بيديه. وقال: سمعته أذناي ووعاه قلبي. فقلت له: هذا ابن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل. ونقتل أنفسنا. والله يقول: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما} [4 / النساء / 29]. قال: فسكت ساعة ثم قال: أطعه في طاعة الله. واعصه في معصية الله. كتاب الامارة باب 11 باب الأمر بالوفاء ببيعة الخلفاء الأول فالأول ح 1844
وعلى عادة الإمام مسلم فإنه يستقصي طرق الحديث وبمختلف الأسانيد حتى يبن للقارئ الزيادة المقبولة الصحيحة والزيادة المردودة التي جاءت من طريق ضعيف اعتمادا على القاعدة التي ذكرها في مقدمته رحمه الله واعتمادا على ما اتفق عليه علماء الحديث في شروط قبول الزيادة و الحديث صحيح سوى زيادة (يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل. ونقتل أنفسنا) وإليك التفصيل فقد ذكر مسلم بعد هذه الرواية مباشرة من طريق وكيع الحافظ عن الأعمش بهذا الاسناد نحوه وطريقا آخر من طرق عبد الله بن أبي السفر عن عامر الشعبي عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة الصائدي قال رايت جماعة عند الكعبة فذكر نحو حديث الأعمش ولم يذكرمسلم نص الروايتين الثانية والثالثة وانما اكتفى بقوله نحوه ومما لا شك فيه ان لفظ نحوه يعنى وجود اختلاف في النص أكثر من قولهم مثله ومع ذلك لم يترك لنا أئمة الحديث مجالا كي نجول بخيالنا في النصوص التي لم يذكرها مسلم من هذين الطريقين فقد اخرج الامام أحمد نص الحديث من هذين الطريقين وليس فيهما على الاطلاق عبارة (يأمرنا أن نأكل اموالنا بالباطل ونقتل أنفسنا) وإنما العبارة كالآتي (فإن ابن عمك معاوية يأمرنا؟ فوضع جمعه على جبهته ثم نكس ثم رفع رأسه فقال أطعه في طاعة الله واعصه في معصية الله قلت له أنت سمعت هذا من رسول الله قال نعم سمعته أذناي ووعاه قلبي مسند أحمد 2؟ 191 ح 6793 وح 6794.
وكذلك رواه أبو داود في سننه كتاب الفتن والملاحم ح 4248 من طريق مسدد حدثنا حدثنا عيسى بن يونس (ثقة مأمون من رجال الصحيحين وقال الذهبي احد الأعلام في الحفظ. (تقريب 5340 مع الكاشف) عيسى بن يونس عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة عن عبد الله بن عمرو مرفوعا بلفظ:من بايع إماما، فأعطاه صفقة يده، وثمرة قلبه، فليطعه ما استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا رقبة الآخر قلت: أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: سمعته أذناي، ووعاه قلبي. قلت: هذا ابن عمك معاوية، يأمرنا أن نفعل ونفعل، قال: أطعه في طاعة الله، واعصه في معصية الله. وليس فيه ذكر لهذه الزيادة المنكرة أبدا)
وهذا يعني ان جبال الحفظ الأعلام رووا الحديث بدون هذه الزيادة التي رواها جرير بن حازم عن الأعمش وجرير هذا مدلس من المرتبة الاولى وقد عنن هنا ولم يصرح بالتحديث وقد تكلم احمد في روايته عن الأعمش فقال جرير لم يكن بالضابط عن الأعمش وقال ابن حجر له أوهام إذا حدث من حفظه تقريب 911.و 2615.وقال ابن حبان في الثقات كان يخطيء لأن أكثر ما كان يحدث من حفظه يهم في الشيء وقال الأزدي جرير صدوق ولم يكن بالحافظ. تهذيب طبعة دار الكتاب الاسلامي 2/ 112) وقال الساجي صدوق حدث بأحاديث وهم فيها وكذلك اخرجه ابن ماجة (كتاب الفتن ح 3952 من طريقين:من طريق أبي معاوية وعبد الرحمن المحاربي عن الأعمش به وليس فيه ذكر هذه الزيادة التي هي من اوهام جرير وبالمناسبة فإن أبا معاوية من أحفظ تلاميذ الأعمش فقد قال يعقوب بن شيبة الثوري وأبو معاوية مقدمان في الأعمش على جميع جميع من روى عن الأعمش وقال ابن المديني كان أبو معاوية حافظا عن الأعمش وقال جرير بن عبد الحميد أبومعاوية حفظ حديث الأعمش ونحن اخذناها من الرقاع (تقريب ترجمة الأعمش 2615 .. والامام النسائي المعروف روى هذا الحديث في سننه دون هذه الزيادة الغير صحيحة انظر سنن النسائي كتاب البيعة ح 4191) قلت (البرزنجي) خلاصة القول: الجمع الكثير من الحفاظ (وكيع وأبو معاوية وعيسى بن يونس وعبد الرحمن المحاربي) رووه عن الأعمش دون هذه الزيادة التي انفرد بها جرير بن حازم وهو أقل منهم حفظا بكثير فيما يتعلق باحاديث الأعمش وهو مدلس وقد عنن وقد خالف الحفاظ الثقات الذين منهم من هو من جبال الحفظ وبالتحديد في روايتهم عن الأعمش كأبي معاوية وعيسى بن يونس وإمام الحديث وكيع الحافظ فهي زيادة في صحتها نظر.وجزى الله عنا علماء الجرح والتعديل خير الجزاء وجزى الله الامام مسلم الذي نبه إلى الطريقين الاخرين الذي أخرجهما احمد وغيره كما ذكرنا آنفا أضف إلى كل ذلك فإن عامر الشعبي وهو التابعي الجليل قد تابع الأعمش حين رواه من طريق عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة دون هذه الزيادة.
الرد على الشبهة الخامسة
شبهة شرب معاوية للخمر وقصة أبو بريدة:المنكرة
أما هذه الشبهة ففيها زيادة تلفيق على الرواية المنكرة أصلا و الموجودة في مسند الإمام أحمد كما نشرته بعض المحرفا اي انهم لم يكتفوا بنكارة النص الأصلي بل زادوا عليه وحرفوه وكالآتي (عن عبد الله بن بريدة الصحابي قال: دخلت أنا وأبي على معاوية بن أبي سفيان، أي في دمشق، ثم أتينا بالطعام، فأصبنا منه، أو قال: أكلنا، ثم أتينا بالشراب، الخمر، فشرب معاوية، وناول أبي، فقال: أي أبوه: ما شربته منذ حرّمه رسول الله.). وعند مراجعة أصل النص عند احمد تجد ان كلمة (الخمر) لم ترد في النص أبداً، فيتبين أن بعض المعاصرين دسَّها في الرواية وزاد بعض الكذابين على بعض المن الشبكة العنكبوتية فقالوا معاوية يتاجر بالخمور والأصنام ولا وجود لكل هذه الأكاذيب في الرواية المنكرة أصلا.
والنص كالأتي: قال الإمام أحمد: ثنا زيد بن الحباب عن حسين بن واقد حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بُرَيْدَةَ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَأَبِي عَلَى مُعَاوِيَةَ فَأَجْلَسَنَا عَلَى الْفُرُشِ، ثُمَّ أُتِينَا بِالطَّعَامِ فَأَكَلْنَا، ثُمَّ " أُتِينَا بِالشَّرَابِ فَشَرِبَ مُعَاوِيَةُ، ثُمَّ نَاوَلَ أَبِي، ثُمَّ قَالَ: مَا شَرِبْتُهُ مُنْذُ حَرَّمَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ثُمَّ قَالَ مُعَاوِيَةُ: كُنْتُ أَجْمَلَ شَبَابِ قُرَيْشٍ وَأَجْوَدَهُ ثَغْرًا، وَمَا شَيْءٌ كُنْتُ أَجِدُ لَهُ لَذَّةً كَمَا كُنْتُ أَجِدُهُ وَأَنَا شَابٌّ غَيْرُ اللَّبَنِ، أَوْ إِنْسَانٍ حَسَنِ الْحَدِيثِ يُحَدِّثُنِي وهي] رواية منكرة كما حكم عليها بذلك الإمام أحمد نفسه «وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه قال وكيع يقولون سليمان أصحهما حديثا قال عبد الله قال أبي عبد الله بن بريدة الذي روى عنه حسين بن واقد ما أنكرها وأبو المنيب أيضا يقول كأنها من قبل هؤلاء» (تهذيب الكمال 14/ 331) بالاضافة إلى ذلك فان الإمام أحمد شكك في روايته عن أبيه وضعفه وأما ابراهيم الحربي فقد حكم بعدم سماع عبد الله من أبيه بريدة لذلك لم يرو له البخاري عن أبيه سوى رواية واحدة وكذلك وافقه مسلم في ذلك. تقريب 3227 قال العلامة شعيب الأرناؤوط: .. وأخرجه ابن أبي شيبة 11/ 94 - 95 عن زيد بن الحُباب، به. ولفظه: دخلتُ أَنا وأَبي على معاوية، فأَجْلسَ أَبي على السَّرير، وأُتِيَ بالطعام فأطْعَمَنا، وأُتِيَ بشرابٍ فشربَ، فقال معاوية: ما شيءٌ كنت أَستلِذُّه وأنا شابٌّ فآخُذه اليومَ إلا اللَّبَنَ، فإني آخذه كما كنت آخذه قبل اليوم، والحديثَ الحسَنَ. وهذا يعني ان الرواية الصحيحة التي يتغافلون عن ذكرها تؤكد ان معاوية كان يكره شرب الخمر حتى في جاهليته بل كان محبا لشرب اللبن منذ شبابه وامارواية شربه لشراب محرم فخبر غير صحيح حكم عليه بالنكارة اول من اخرجه وهو الامام احمد فلا اعتبار لمن صححه من المعاصرين على جلالة قدرهم لان احمدا صاحب هذه الرواية وقد أنكرها بنفسه.
الرد على الشبهة السادسة:
قتل سبعون ألف من الصحابة من الطرفين في معركة صفين
وهذا غير صحيح لا سندا ولا متنا فجيش سيدنا علي لم يصل إلى عشرة آلاف بمجموعه عند معركة الجمل هذا لو فرضنا أن أحدا لم يقتل في معركة الجمل وبقي جميع أفراده سالمين حتى دخلوا معركة صفين لبقي العدد قريبا مما ذكرنا فقد أخرج الطبري بإسناد حسن عن إمام من أئمة أهل البيت وهو محمد بن سيدنا علي المعروف بمحمد بن الحنفية أنه قال (أقبلنا من المدينة بسبعمائة رجل وخرج إلينا من الكوفة سبعة آلاف وانضم إلينا من حولنا ألفان وأكثرهم بكر بن وائل) 4\ 506 والصحيح 3/ 383) ولم ترد رواية مسندة صحيحة ولا حسنة ولا ضعيفة ولا شديدة الضعف تؤكد الأعداد المبالغ فيها وإنما ذكر المؤرخون المتقدمون ذلك من دون إسناد بينما الرواية التاريخية الصحيحة وهي رواية واحدة مسندة موصولة وبسند حسن وهي تبين مدى مبالغة الوضاعين وكذبهم في ذكر أرقام خيالية لا يصدقها واقع ذلك العصر فقد اخرج خليفة بن خياط في تأريخه 196 وغيره عن الصحابي الجليل عبد الرحمن بن أبزى وكان يقاتل تحت راية سيدنا أمير المؤمنين علي فهو اعرف بعدد الصحابة ولا حجة بعد كلامه إذ قال رضي الله عنه (شهدنا مع علي ثمانمائة ممن شهدوا بيعة الرضوان قتل منا ثلاثة وستون منهم عمار بن ياسر).
الرد على الشبهة السابعة
شبهة قتل معاوية للحسن بن علي رضي الله عنهما بالسم.
ذكرت بعض الروايات أن الحسن بن علي توفي متأثراً بالسم وقد اتهم بعض الرواة زوجة الحسن جعدة بنت الأشعث بن قيس كما ورد عن أم موسى سرية علي انها كانت تتهم جعدة بأنها دست السم للحسن،، في رواية لا يصح إسنادها، ففي سندها يزيد بن عياض بن جعدية، كذبه مالك وغيره، وقد وردت هذه الروايات في كتب أهل السنة بدون تمحيص، قال ابن العربي: فإن قيل: دس على الحسن من تسمَّه، قلنا هذا محال من وجهين: أحدهما: أنه ما كان ليتقي من الحسن بأساً وقد سلَّم الأمر، ـ وقال الذهبي: قلت هذا شئ لا يصح. وقال ابن كثير: روي بعضهم أن يزيد بن معاوية بعث إلى جعدة بنت الأشعث أن سُمَّي الحسن وأنا أتزوجك بعده ففعلت، فلما مات الحسن بعثت إليه فقال: إنا والله لم نرضك للحسن، أفنرضاك لأنفسنا؟ وعندي أن هذا ليس بصحيح، وقال ابن خلدون: وما نقل من أن معاوية دس إليه السم مع زوجته جعدة بنت الأشعث، حاشا لمعاوية من ذلك.
الرد على الشبهة الثامنة شبهة أكل معاوية للربا
زعم البعض زورا وبهتانا أن معاوية رضي الله عنه كان يتعامل بالربا مخالفا بذلك النصوص الصريحة في التحريم واستدلوا بالرواية ونصها: عن أبي قلابة، قال: كنت بالشام في حلقة فيها مسلم بن يسار، فجاء أبو الأشعث، قال: قالوا: أبو الأشعث، أبو الأشعث، فجلس، فقلت له: حدث أخانا حديث عبادة بن الصامت، قال: نعم، غزونا غزاة وعلى الناس معاوية، فغنمنا غنائم كثيرة، فكان فيما غنمنا آنية من فضة، فأمر معاوية رجلا أن يبيعها في أعطيات الناس، فتسارع الناس في ذلك، فبلغ عبادة بن الصامت، فقام، فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ينهى عن بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، إلا سواء بسواء، عينا بعين، فمن زاد، أو ازداد، فقد أربى»، فرد الناس ما أخذوا، فبلغ ذلك معاوية فقام خطيبا، فقال: ألا ما بال رجال يتحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث قد كنا نشهده ونصحبه فلم نسمعها منه، فقام عبادة بن الصامت فأعاد القصة، ثم قال: " لنحدثن بما سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كره معاوية - أو قال: وإن رغم - ما أبالي أن لا أصحبه في جنده ليلة سوداء "، قال حماد هذا أو نحوه.] صحيح مسلم حديث رقم 1587) يتبين لنا من خلال قرائتنا لهذه الرواية أنه لا توجد فيه عبارة: (قال -أي معاوية-: نتاجر ونربح) كما ذكر البعض!! ولم أجد هذه العبارة في أي من الروايات الأخرى لا في صحيح مسلم ولا في غيره! وهذا تلفيق واضح! وهذا نص رواية أخرى في الموطأ: عن عطاء بن يسار، أن معاوية بن أبي سفيان باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها، فقال أبو الدرداء سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ينهى عن مثل هذا إلا مثلا بمثل»، فقال له معاوية: ما أرى بمثل هذا بأسا. فقال أبو الدرداء: من يعذرني من معاوية؟ أنا أخبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويخبرني عن رأيه، لا أساكنك بأرض أنت بها " ثم قدم أبو الدرداء على عمر بن الخطاب فذكر ذلك له، فكتب عمر بن الخطاب إلى معاوية: أن لا تبيع ذلك إلا مثلا بمثل وزنا بوزن موطأ الإمام مالك (2/ 634) حديث رقم: 33 قال الإمام الزرقاني في شرحه على الموطأ: (فقال معاوية: ما أرى بمثل هذا بأسا) إما لأنه حمل النهي على المسبوك الذي به التعامل وقيم المتلفات أو كان لا يرى ربا الفضل كابن عباس شرح الزرقاني على الموطأ (3/ 419 وقال الإمام أبو الوليد الباجي القرطبي الأندلسي في شرحه المنتقى على الموطأ وشرحه لحديث أبي الدرداء، قال: ما ذهب إليه معاوية من بيع سقاية الذهب بأكثر من وزنها يحتمل أن يرى في ذلك ما رآه ابن عباس من تجويز التفاضل في الذهب نقدا؛ لأن معاوية من أهل الفقه والاجتهاد فليس لأبي الدرداء صرفه عن رأيه الذي روي إلا بدليل وحجة بينة. وقد روى ابن أبي مليكة قيل لابن عباس هل لك في أمير المؤمنين معاوية ما أوتر إلا بواحدة قال أصاب إنه فقيه. ولقد تراجع عبد الله ابن عباس عن موقفه بعد أن وصله حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال رحم الله عمر وعبد الله بن عمر فقد أصاباوحفظا عن رسول الله ما لم أحفظ وكذلك رجع معاوية عن قوله بعد سماعه لحديث رسول الله ولا ضير فلم يسمع كل صحابي جميع ما قاله عليه الصلاة والسلام. فما العيب في ذلك.
الرد على الشبهة التاسعة
أن معاوية غير دية المعاهد وجعلها إلى النصف من دية المسلم بعد أن كانت على السواء من دية المسلم:
اختلف رأي العلماء في هذه المسألة قديما وحديثا ولم يعب بعضهم على البعض الآخر فالإمام أبو جنيفة النعمان والثوري والزهري والإمام زيد بن علي يرون ان دية الذمي مساوية لدية المسلم بينما يرى آخرون كأحمد ومالك وغيرهما انه على النصف ولقد ذكر الشوكاني في كتبه نيل الأوطار والسيل الجرار وغيرهما اختلاف العلماء في ذلك فأبوحنيفة وزيد بن علي والثوري والزهري قالوا بدية كاملة ولهم في ذلك حجج منها قوله تعالى (وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهلها) وما رواه الزهري حين قال (دية اليهودي والنصراني وكل ذمي مثل دية المسلم وكانت كذلك على عهد رسول الله وابي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم حتى كان معاوية فجعل في بيت المال نصفها واعطى اهل المقتول نصفها ثم قضى عمر بن عبد العزيز بنصف الدية وألغى الذي جعله معاوية لبيت المال فلم يقض لي أن أذكر بذلك عمر بن عبد العزيز) ولكن الشوكاني وهو إمام مجتهد رجح قول الذين قالوا بالنصف كأحمد ومالك وعمر بن عبد العزيز وقال الشوكاني ردا على احتجاجهم بالاية قائلا الآية مطلقة مقيدة غيره من العلماء الذين سبقوه كابن قدامة المقدسي وغيره ادلة الذين قالوا بالنصف إذ يقول ابن قدامة في المغني وهو يحتج لشيوخ السادة الحنابلة (: ولنا، ما روى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «دية المعاهد نصف دية المسلم». وفي لفظ، «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى أن عقل الكتابي نصف عقل المسلم». رواه الإمام أحمد. ح 6691 والترمذي 1413 وحسنه. وفي لفظ: «دية المعاهد نصف دية الحر». قال الخطابي: ليس في دية أهل الكتاب شيء أثبت من هذا، ولا بأس بإسناده. وقد قال به أحمد، (المغني لابن قدامة (8/ 399. (فاذا اختلف االعلماء في مسألة فقهية فما العيب إذا كان معاوية مع طرف منهم وقد ثبت كما ذكرنا أن حبر الامة وترجمان القرآن ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم ابن عباس قد وصف معاوية بالفقيه؟ كما في صحيح البخاري أنه قيل لابن عباس: هل لك في أمير معاوية فإنه ما أوتر إلا بواحدة، قال: إنه فقيه ح (3765).
الرد على الشبهة العاشرة:
استصفاء معاوية جزء من الغنائم لنفسه:
زعم البعض أن معاوية طلب من الحكم بن عمرو الغفاري أن يستصفي الغنائم لنفسه ويخرج منها كل صفراء وبيضاء. واستدلوا بما ذكره الحافظ ابن كثيرفي البداية والنهاية ثم زادوا عليه وحرفوا،
قال ابن كثير: وفي هذه السنة غزا الحكم بن عمرو نائب زياد على خراسان جبل الأسل عن أمر زياد فقتل منهم خلقا كثيرا وغنم أموالا جمة، فكتب إليه زياد: إن أمير المؤمنين قد جاء كتابه أن يصطفى له كل صفراء وبيضاء- يعني الذهب والفضة- يجمع كله من هذه الغنيمة لبيت المال. فكتب الحكم بن عمرو: إن كتاب الله مقدم على كتاب أمير المؤمنين، وإنه والله لو كانت السموات والأرض على عدو فاتقى الله يجعل له مخرجا، ثم نادى في الناس: أن اغدوا على قسم غنيمتكم، فقسمها بينهم وخالف زيادا فيما كتب إليه عن معاوية، وعزل الخمس كما أمر الله ورسوله، ثم قال الحكم: إن كان لي عندك خير فاقبضني إليك، فمات بمرو من خراسان رضي الله عنه.] البداية والنهاية (8/ 29) والواضح في نص هذه الرواية أن استصفاء هذه الغنائم كان لوضعها في بيت المال كما ذكر في ابن كثير في هذه الرواية، ولقد وردت روايات أخرى بدون عبارة (لبيت المال)،وهذا من مناقب سيدنا معاوية ومن مفاخر التأريخ الاسلامي لان الخليفة معاوية هنا لم يستبد برأيه بل كان وقافا عند الحق فرجع اليه عند التذكير من قبل بعض ولاته من اهل الصلاح فقد أخرج ابن عساكر عن قتادة: لما انتهى الحكم بن عمر إلى معاوية وجعل كتاب الحكم في جوب كتابه .. الخبر) وفي آخره قال معاوية: (أتأمروني أن أعمد إلى رجل آثر كتاب الله على كتابي وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على سنتي فأقطع يديه ورجليه؟ بل أحسن وأجمل وأصاب فكانت هذه مما يعد من مناقب معاوية، تاريخ دمشق لابن عساكر (59/ 170).وانظر .. صحيح تاريخ الطبري (4/ 28).
الرد على الشبهة 11:
قتل حجر بن عدي-رضي الله عنه-.
حجر بن عدي وكما تذكر الروايات التاريخية أنه جمع الجموع على أمير المؤمنين معاوية وحاول السيطرة على الكوفة وأظهر العصيان على الخليفة (الذي أجمعت الأمة على بيعته وفي مقدمتهم سيدنا الحسن) فعن ابن أبي مليكه: إن معاوية جاء يستأذن على عائشة، فأبت أن تأذن له، فخرج غلام لها يقال له: ذكوان، قال: ويحك أدخلني على عائشة فإنها قد غضبت علي، فلم يزل بها غلامها حتى أذنت له، وكان أطوع مني عندها، فلما دخل عليها قال: أمتاه فيما وجدت عليَّ يرحمك الله؟ قالت: .. وجدت عليك في شأن حجر وأصحابه إنك قتلتهم فقال لها:…وأما حجر وأصحابه فإني تخوفت أمراً، وخشيت فتنة تكون، تهراق فيها الدماء، تستحل فيها المحارم، وأنت تخافيني، دعيني والله يفعل ما يشاء قالت: تركتك والله، تركتك والله، تركتك والله، وجاء في رواية أخرى: لما قدم معاوية دخل على عائشة، فقالت: أقتلت حجراً؟ قال: يا أم المؤمنين، إني وجدت قتل رجلٍ في صلاح الناس، خير من استحيائه في فسادهم صحيح تاريخ الطبري (4/ 53 (وقد فصل أخي الفاضل الأستاذ خالد الغيث في هذه المسألة وغيرها من حياة الخليفة الصحابي الجليل معاوية رضي الله عنه.
رد الشبهة 12:
شبهة استلحاق زياد بن أبيه.
زياد هذا كان من شيعة علي بن أبي طالب قبل أن يكون مع معاوية بل قد ولاه علي بن أبي طالب ولاية فارس، وهذا ما ذكره الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية،
من ناحية السند لا توجد رواية تأريخية لا صحيحة ولا حسنة ولا من مظان الحسن ولا ضعيفة خفيفة الضعف بل كلها روايات ضعيفة جدا ومنكرة لا أصل لها من الصحة ... وسواء كان زياد كذا أم لا فقد حصل ذلك وأبوه مشرك في الجاهلية والاسلام حرم أنواع الأنكحة التي كانت سائدة في الجاهلية ولكنه أقر ما ترتب عليها من مواليد وأنساب فالإسلام يجب ما قبله ولقد بحث العلماء بالتفصيل في هذه المسألة ومنهم فضيلة الأستاذ خالد الغيث والدكتور الصلابي والعبد الفقير وكثير من الباحثين وكانت النتيجة كالآتي: ان ابن زياد هو الذي استلحق نسبه وليس سيدنا معاوية وأما من ناحية المتن والمعنى فمتون تلك الروايات منكرة هشة لا تقاوم أدنى نقد فلماذا أثيرت هذه القصة سنة 44 للهجرة ولم تثر في عهد رسول الله كمثيلاتها كما في قصة نسب ابن أم زمعة بنت قيس كما في صحيح البخاري ولماذا لم تثر في حياة أبي سفيان ولماذا لم يستغل معاوية هذه المسألة ولم يثرها في عهد سيدنا علي عندها كان يكسب زيادا الى صفه لأن زياد كان من شيعة علي وقد ولاه بلاد فارس فهل فاتت سيدنا معاوية هذه المسألة وهو السياسي البارع؟ هذه المسائل تكشف مواطن الضعيف في هذه الروايات المحبوكة والموضوعة. ثم إن سيدنا معاوية هو احد رواة حديث الولد للفراش وللعاهر الحجر فعدالته وعلمه وتدينه كل ذلك يمنعه من مخالفة الحديث وهو احد رواته.
وكل ما روي في الباب من ان معاوية هو الذي استلحق نسب زياد بابي سفيان فإما مكذوب أو ضعيف جدا وأقل الروايات ضعفا في هذه المسألة ما رواه الطبري من طريق مسلسل بالضعفاء فهو من طريق عبد الرحمن بن صالح وهو معروف بكذبه ووضعه في مثالب الصحابة ثم فيه عمر بن بشير وهو ضعيف ثم عمرو بن هشام وقد ضعفه غير واحد من أئمة الحديث فالسند مسلسل بكذاب وضاع عن ضعيف عن ضعيف جدا (5\ 215 وانظر ضعيف تأريخ الطبري 8\ 54). .
رد الشبهة 13
شبهة التوقف عن ملاحقة قتلة عثمان في عهد معاوية:
الاتفاق الذي أبرم بين الحسن ومعاوية كان من بين بنوده عدم الأخذ بالدماء التي سفكت قبل الصلح بين المسلمين، أي بمصطلح العصر إصدار قرار للعفو العام وهذا ما جعل معاوية يكف عن متابعة قتلة عثمان حقناً لدماء المسلمين ودرءاً للفتنة، وهذا ما جاء في صريح كلام الإمام الحسن بن علي - رضي الله عنه - في أمر الصلح. وهذه رواية الإمام البخاري في صحيحه لقصة الصلح: استقبل والله الحسن بن علي معاوية بكتائب أمثال الجبال، فقال عمرو بن العاص: إني لأرى كتائب لا تولي حتى تقتل أقرانها، فقال له معاوية وكان والله خير الرجلين: أي عمرو إن قتل هؤلاء هؤلاء، وهؤلاء هؤلاء من لي بأمور الناس من لي بنسائهم من لي بضيعتهم، فبعث إليه رجلين من قريش من بني عبد شمس: عبد الرحمن بن سمرة، وعبد الله بن عامر بن كريز، فقال: اذهبا إلى هذا الرجل، فاعرضا عليه، وقولا له: واطلبا إليه، فأتياه، فدخلا عليه فتكلما، وقالا له: فطلبا إليه، فقال لهما الحسن بن علي: إنا بنو عبد المطلب، قد أصبنا من هذا المال، وإن هذه الأمة قد عاثت في دمائها، قالا: فإنه يعرض عليك كذا وكذا، ويطلب إليك ويسألك قال: فمن لي بهذا، قالا: نحن لك به، فما سألهما شيئا إلا قالا: نحن لك به، فصالحه، فقال الحسن: ولقد سمعت أبا بكرة يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه، وهو يقبل على الناس مرة، وعليه أخرى ويقول: «إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين»، قال أبو عبد الله: " قال لي علي بن عبد الله: إنما ثبت لنا سماع الحسن من أبي بكرة، بهذا الحديث "و المتأمل في هذه الحقبة يجد أن معظم قتلة عثمان قد قتلوا إما في معركة الجمل أو صفين ومن تبقى منهم هلك في معركة النهروان عندما نصر الله سيدنا عليا على بقية الخوارج.، وفي بعض الروايات التاريخية أن من أواخر من قتل من قتلة عثمان هو عمير بن ضابئ التميمي قتله الحجاج في الكوفة سنة 75 هـ. تاريخ الطبري (6/ 20).
رد الشبهة 14: (قصة بسر بن أرطأة) وهي قصة ملفقة
قال ابن كثير نقلا عن ابن جرير: فمما كان في هذه السنة من الأمور الجليلة توجيه معاوية بسر بن أبي أرطاة في ثلاثة آلاف من المقاتلة إلى الحجاز، فذكر عن زياد بن عبد الله البكائي عن عوانة قال: أرسل معاوية بعد تحكيم الحكمين بسر بن أبي أرطاة .. ثم مضى بسر إلى اليمن وعليها عبيد الله بن عباس ففر إلى الكوفة حتى لحق بعلي، واستخلف على اليمن عبد الله بن عبد الله بن المدان الحاوي، فلما دخل بسر اليمن قتله وقتل ابنه، ولقي بسر ثقل عبيد الله بن عباس وفيه ابنان صغيران له فقتلهما وهما عبد الرحمن وقثم، ويقال إن بسرا قتل خلقا من شيعة على في مسيره هذا وهذا الخبر مشهور عند أصحاب المغازي والسير، وفي صحته عندي نظر والله تعالى أعلم] البداية والنهاية لابن كثير (7/ 322)
قلت (البرزنجي) وأصل الرواية عند الطبري عن الحكم بن عوانة منقطعا وعوانة ذكرها بلاغا. (ضعيف تأريخ الطبري 8\ 874 وتأريخ الطبري 5\ 140).فليس بخبر صحيح البتة ولا أدري كيف يصح إثبات تهمة القتل من طريق مهلهل كهذا.
رد الشبهة 15
قالوا ثبت من السنة النبوية ان رجلا من بني امية سيغير مجرى اتباع السنة النبوية في المجتمع الإسلامي
واستدلوا بروايات غير صحيحة لعل اقلها ضعفا ما أخرجه أبو يعلى: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا معاوية بن هشام، عن سفيان، عن عوف عن خالد بن أبي المهاجر، عن أبي العالية. قال: كنا مع أبي ذر بالشام فقال أبو ذر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أول من يغير سنتي رجل من بني أمية)
ثم نقلوا تعليق العلامة االألباني فقد قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 4/ 329:ح 1749 أخرجه ابن أبي عاصم في " الأوائل " (7/ 2): حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنابي حدثنا عوف عن المهاجر أبي مخلد عن أبي العالية عن أبي ذر أنه قال ليزيد ابن أبي سفيان: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره.
قلت: و هذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين غير المهاجر و هو ابن مخلد
أبو مخلد، قال ابن معين: " صالح ". و ذكره ابن حبان في " الثقات ". و قال
الساجي: " صدوق ". و قال أبو حاتم: " لين الحديث ليس بذاك و ليس بالمتقن،
يكتب حديثه ".قلت: فمثله لا ينزل حديثه عن مرتبة الحسن. و الله أعلم. و لعل المراد
بالحديث تغيير نظام اختيار الخليفة، و جعله وراثة. و الله أعلم
قلت (البر زنجي) العلامة الألباني على جلالة قدره رحمه الله فاتته علة أخرى ذكرها البخاري وابن معين في هذا الحديث فقد قال ابن معين لم يسمع أبو العالية من أبي ذر وقال البخاري: والحديث معلول ولا نعرف أن أبا ذر قدم الشام زمن عمر بن الخطاب وقال بانقطاعه كذلك ابن كثير في البداية والنهاية 6/ 229 ابن أي عاصم في الأوائل 1/ 77 ونقل صاحب ذخيرة الحفاظ ذخيرة الحفاظ 1/ 540 عن هوذة بن خليفة انه استنكره
ورواه ابن خزيمة عن بندار عن عبد الوهاب بن عبد المجيد عن عوف: حدثنا مهاجر بن أبي مخلد حدثني أبو العالية حدثني أبو مسلم (مجهول) عن أبي ذر فذكر نحوه، وفيه قصة وهي أن أبا ذر كان في غزاة عليهم يزيد بن أبي سفيان فاغتصب يزيد من رجل جارية، فاستعان الرجل بأبي ذر على يزيد أن يردها عليه، فأمره أبو ذر أن يردها عليه، فتلكأ فذكر أبو ذر له الحديث فردها، وقال يزيد لابي ذر: نشدتك بالله أهو أنا؟ قال: لا.وكذا رواه البخاري في التاريخ وأبو يعلى عن محمد بن المثنى عن عبد الوهاب.
ثم قال البخاري: والحديث معلول ولا نعرف أن أبا ذر قدم الشام زمن عمر بن الخطاب.
قال: وقد مات يزيد بن أبي سفيان زمن عمر فولى مكانه أخاه معاوية.
وقال عباس الدوري: سألت ابن معين: أسمع أبو العالية من أبي ذر؟ قال: لا إنما يروي عن أبي مسلم عنه، قلت: فمن أبو مسلم هذا؟ قال: لا أدري (أي انه مجهول) قلت (البرزنجي) خلاصة القول فالحديث غير صحيح.
رد الشبهة 16
شبهة أن معاوية رضي الله عنه كان يخالف السنة
أخرج الإمام النسائي قال: أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيم الأودي، قال حدثنا خالد بن مخلد، قال حدثنا علي بن صالح عن ميسرة بن حبيب عن، المنهال بن عمرو (صدوق يهم) عن سعيد بن جبير قال: كنت مع بن عباس بعرفات فقال ما لي لا أسمع الناس يلبون قلت يخافون من معاوية فخرج بن عباس من فسطاطه فقال: لبيك اللهم لبيك لبيك فإنهم قد تركوا السنة من بغض علي وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.وقال الشيخ الألباني: صحيح الإسناد. سنن النسائي.3006
وقد نوزع العلامة الألباني على جلالة قدره في هذا التصحيح ففي إسناده كما ترى خالد بن مخلد القطواني وإليك موقف الحفاظ من رواياته أما الإمام البخاري ومسلم ففحصوا رواياته ودققوها واستخرجوامنها ماكان صحيحا عندهم وتركوا مناكيره فانتقوا من روايتهِ الصحيح , وهذه الرواية من مناكير خالد بن مخلد القطواني
وهذه اقوال علماء الجرح والتعديل في خالد بن مخلد هذا: قال أبو الهيثم البَجَليّ مولاهم، الكوفي، (ت 213 هـ (قال في التقريب صدوق وله أفراد .. قال ابن سعد: كان منكر الحديث،، وكتبوا عنه ضرورة. الطبقات (6: 406 (وقال أحمد: له أحاديث مناكير. (العلل رواية عبد الله 2: 18 /رقم 1403).وقال الأَزْدِيّ: „في حديثه بعض المناكير،. الميزان (1/ 460). وقال إبن أبي حاتم في العلل (2/ 18): " سألت أبي عن خالد بن مخلد فقال له أحاديث مناكير تقريب 1677. علي بن صالح المكي قال أبو حاتم لا أعرفه مجهول 4749.و الأمر الآخر أن ألحفاظ لم يصححوا رواياته إلا ما جاء من روايته عن أهل المدينة (كما ذكر الحافظ ابن رجب في العلل) وهذه الرواية التي نحن بصددها رواها عن أهل الكوفة وأعني علي بن صالح الكوفي الهمداني
قلت (البرزنجي) خلاصة القول:هذه الرواية من مناكير خالد بن مخلد والله اعلم. والروايات الصحيحة في المسانيد والسنن تؤكد حرص سيدنا معاوية على أتباع السنة النبوية الشريفة.
هذه ردود مقتضبة على شبهات أثيرت حول شخصية سيدنا معاوية فإن كان ما قلت صوابا فمن الله التوفيق وإن كان خطأ فمني واستغفر الله.
مواقف لسيدنا معاوية في باب السياية الشرعية
أولا شعرة معاوية أم نصيحة رسول الله الذهبية لمعاوية في باب السياسة الشرعية وتربيةأفراد المجتمع؟
جاء في الخبر المرفوع يا معاوية: إنك إن تتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت تفسدهم.
قال الحافظ العراقي في: تخريج أحاديث الإحياء - الصفحة أو الرقم: 2/ 250
إسناده صحيح وكان ابو الدرداء يرى ان معاوية قد انتفع بهذه النصيحة النبوية الشريفة كثيرا كما لفظ أبو نعيم في الحلية إنك إذا تتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم. قال: فقال أبو الدرداء: كلمة سمعها معاوية من رسول الله صلى الله عليه وسلم نفعه الله بها (
وعن ابن عباس أنه قال ما رأيت رجلا أخلق بالملك من معاوية كان الناس يردون منه أرجاء واد رحب. (المصنف ح 20985) و إسناده صحيح.
من أجل ما سبق من النصوص النبوية الشريفة ومن اجل قوله تعالى (وقل اعملوافسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) كان معاوية رضي الله عنه يؤكد عمليا على ديمومة التفاعل بين الحاكم والمحكوم كمفردة من مفردات الثقافة الإسلامية السائدة منذ عهد الراشدين فقد اخرج البغوي وغيره بالسند الموصول أن معاوية رضي الله عنه صعد المنبر يوم القمامة فقال عند خطبته إنما المال مالنا والفيء فيئنا فمن شئنا أعطيناه ومن شئنا منعناه فلم يجبه أحد فلما كان في الجمعة الثانية قال مثل ذلك فلم يجبه أحد فلما كان في الجمعة الثالثة قال مثل مقالته فقام إليه رجل ممن حضر المسجد فقال كلا إنما المال مالنا والفيء فيئنا فمن حال بيننا وبينه حاكمتاه إلى الله بأسيافنا فنزل معاوية فأرسل إلى الرجل فأدخله فقال القوم هلك الرجل ثم دخل الناس فوجدوا الرجل معه على السرير فقال معاوية للناس إن هذا أحياني أحياه الله سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سيكون بعدي أمراء يقولون ولا يرد عليهم يتقاحمون في النار كما تتقاحم القردة وإني تكلمت أول جمعة فلم يرد علي أحد فخشيت أن أكون منهم ثم تكلمت في الجمعة الثانية فلم يرد علي أحد فقلت في نفسي إني من القوم ثم تكلمت في الجمعة الثالث فقام هذا الرجل فرد علي فأحياني أحياه الله قال الهيثمي في مجمع الزوائد- 5/ 239 رجاله ثقات) وقال الذهبي هذا حديث حسن. كتاب تأريخ الاسلام عهد معاوية الصفحة 314).
وكان معاوية رضي الله عنه طوال حكمه متفاعلا مع الناس وهم متفاعلون معه سوى تسميته لابنه يزيد فقد شاورهم ولكن لم ينزل عند رأي عدد من كبار الصحابة وما عدا ذلك فكان رضي الله عنه في شورى واخذ ورد وتفاعل حقيقي بين الحاكم والمحكوم فعن ابي مريم الأزدي قال دخلت على معاوية فقال ما أنعمنا بك أبا فلان وهي كلمة تقولها العرب فقلت حديثا سمعته أخبرك به سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من ولاه الله عز وجل شيئا من أمر المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم احتجب الله عنه دون حاجته وخلته وفقره قال فجعل رجلا على حوائج الناس) سنن أبي داود ح 2948. وقال الحافظ في الفتح 13/ 143 إسناده جيد وخبر الصحابي الجليل مسور بن مخرمة الذي أخرجه عبد الرزاق وغيره معروف إذ كان المسور ينتقد سياسات معاوية بن أبي سفيان فلما دخل عليه لكي يستلم عطائه السنوي خاطبه معاوية يا مسور مافعل طعنك في الأئمة فقال مسوريا أمير المؤمنين دع عنك هذا وأحسن فأقسم عليه أن يخبره بما يدور في نفسه من انتقادات غير الذي يذكره في المجالس وكما قال المسور (فلم أدع شيئا أعيبه عليه إلا أخبرته به فقال يا مسور لا تبرأ من الذنوب فهل لك من ذنوب تخاف أن تهلك إن لم يغفرها الله لك قال نعم قال فما الذي يجعلك أحق بأن ترجو أنت المغفرة مني فو الله لما إلي من إصلاح الرعايا وإقامة الحدود والإصلاح بين الناس والجهاد في سبيل الله والأمور العظام لايحصيها إلا الله ولا نحصيها أكثر مما ذكرت من العيوب والذنوب وإني لعلى دين يقبل الله فيه الحسنات ويعفو عن السيئات ... ففكرت حين قال لي ما قال فعرفت أنه قد خصمني فكان المسور إذا ذكره بعد ذلك دعا له بخير) أخرجه عبد الرزاق في المصنف ورجاله رجال رجال الصحيح. (وانظر البداية والنهاية 8/ 136). و يستغرب المرء من جرأة بعض الكتاب على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن لا يتقون الله في أعراض الصحب والآل فتراه يزعم أن سيدنا معاوية هو الذي أسس للنفاق السياسي ثم يستشهد برواية موضوعة مكذوبة في إسنادها من هو منكر الحديث. وينشر ما يقول في مقالة على الالمعروفة على الشبكة وهو لا يدري انه بذلك يتحمل آثام كل من قرأ مقالته تلك وصدقها. غفرانك اللهم .. والسيرة الصحيحة لسيدنا معاوية تثبت خلاف ما قاله تماما. ولا أدري لمصلحة من نظل نشوه تأريخنا الإسلامي بدون علم!!!
ثانيا:
عرف سيدنا معاوية بحرصه على تطبيق السنة النبوية الشريفة في تفاصيل الحياة اليومية للمجتمع الإسلامي حتى انه كان ينهى الناس عن القيام له مهابة واحتراما خشية أن يخالف بذلك السنة النبوية كما اخرج احمد (4/ 93) وابوداود وغيرهما عن أبي مجلز انه (قال: خرج معاوية على ابن الزبير وابن عامر، فقام ابن عامر، وجلس ابن الزبير، فقال معاوية
لابن عامر: اجلس فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من أحب أن يمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار) والحديث صححه من المعاصرين العلامة الألباني رحمه صحيح - صحيح أبي داود 4357 - وقال العلامة الوادعي رحمه الله تعالى رجاله رجال الصحيح.
ثالثا: كان سيدنا معاوية حريصا على الانجاز الحضاري الذي ورثه ممن سبقه
فقد وضع الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم اللبنة الأولى لنظام اقتصادي عادل شيد صرحه فيما بعد سيدنا عمر رضي الله عنه و كان يذكر في المجالس هدفه من التنظيمات الاقتصادية وهو أن يصل بالمجتمع إلى مرحلة يكون فيها لكل فرد ذكرا كان أم أنثى حصة معلومة من الثروة العامة كما في صحيح البخاري (لأن سلمني الله لأدعن أرامل العراق لا يحتجن لرجل بعدي أبدا) الفتح 7/ 74 ح 3700) ذلك الانجاز الاقتصادي المبارك بلغ القمة في التأثير والإثمار في عهد الخليفة الراشد الثالث كما صح عن عروة بن الزبير (قوله أدركت عهد عثمان وما من امرء إلا وله حق في بيت المال). و على دربهم سار سيدنا أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وكذا الحسن الهاشمي ثم جاء معاوية رضي الله عنه فاستمر في تطبيق مبدأ العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروات توزيعا عادلا وذلك من خلال تثبيت وتوسيع نظام العطاء السنوي فقد أخرج البغوي في معجم الصحابة ح 2197: بإسناد حسن عن أبي قبيل: كان معاوية قد جعل في كل قبيلة رجلا وكان رجلا منا يكنى أبا الحسن يصبح كل يوم فيدور على المجالس هل ولد فيكم الليلة مولود؟ فإذا فرغ من القبيلة كلها أتى الديوان فأوقع أسمائهم في الديوان) يعني ليجري الرزق) البداية والنهاية 8/ 137).
وأقول أخيرا (عن حملة الانتقاص الجديدة للنيل من الصحب الكرام) لن تتوقف حملة البغضاء هذه عند سيدنا معاوية بل ستتعداها إلى بقية الصحب الكرام حتى لا يبقى لنا صحب ولا آل إلا وقد طعن في عدالته وقد حصل ذلك بالفعل ولن أنسى مرة في شهر رمضان الفائت حين شاركت في مداخلة على الهواء مباشرة من خلال إحدى الفضائيات فقال بعضهم إن الصحابة ارتدوا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبق منهم إلا ثلاثة على دين الإسلام وان الخلفاء الراشدين من سكنة نار جهنم والعياذ بالله فماذا بقي لنا من حملة الشريعة الغراء؟!! وما ذا بقي من خير القرون وممن قال سبحانه فيهم (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة) صدق الله سبحانه وصدق رسوله الأمين إذ قال عليه الصلاة والسلام (حب الأنصار آية الإيمان وبغضهم آية النفاق) البخاري ومسلم واللفظ له ,ولأهمية هذه الأحاديث فقد
ذكرها الأئمة الحفاظ في كتاب الإيمان وبوب لها مسلم قائلا (باب: الدليل على أن حب الأنصار وعلي رضي الله عنه من الإيمان وعلاماته وبغضهم من علامات النفاق).
لقد أيقنت أن سيدنا معاوية سد منيع للذب عن أصحاب رسول الله ومن قصده أراد أن يكسر هذا السد وهيهات هيهات فقد خاب وخسر فلقد أثرت تلك الحملات المغرضة بالسلب على أصحابها فكشفتهم على حقيقتهم التي طالما أنكروها وأثرت بالإيجاب على شباب الأمة الذي اخذ يرجع إلى أقوال العلماء وتحقيقاتهم وبدأ يدرس سيرة الصحب والآل الكرام ويتعرف على فضائلهم ورد الله كيد المبغضين الحاقدين إلى نحورهم فالحمد لله أولا وآخرا.