تواصل معنا

دليل الفطرة على وجود الله عز و جل (مقالة)

الوصف

مقالة

بسم الله الرحمن الرحيم


روى مسلم في صحيحه في باب الإيمان عن أبي هريرة  أن الرسول :salla2: قال : " لا يزال الناس يسألونك عن العلم ، حتى يقولوا : هذا الله خلقنا فمن خلق الله ؟ " . قال أبو هريرة : جاءني ناس من الأعراب ، فقالوا : يا أبا هريرة ، هذا الله خلقنا ، فمن خلق الله ؟ فأخذ حصى بكفه فرماهم به ، ثم قال : قوموا ، صدق خليلي :salla2: . و هناك عدة روايات لمسلم بهذا المعنى ، جاء في إحداها قول الرسول :salla2: : " فمن وجد من ذلك شيئًا فليقل : آمنت بالله، و قوله : " فمن بلغ ذلك فليستعذ بالله، فأرجع الرسول :salla2: هذا السؤال إلى وسوسة الشيطان ، و لم يأمر باستعادة البراهين على إثبات الله عز و جل .

و كان بعض المتكلمين و منهم الرازي رحمه الله عندما سئل : لم لم يأمر النبي :salla2: عند هذا الوسواس بالبرهان المبين لفساد التسلسل و الدور ، بل أمر بالاستعاذة ؟
فأجاب بأن مثل هذا مثل من عرض له كلب ينبح عليه ليؤذيه و يقطع طريقه ، فتارة يضربه بالعصا ، و تارة يطلب من صاحب الكلب أن يزجره ، فبين الرازي أن البرهان(1) هو الطريق الأول و فيه صعوبة ، و الاستعاذة بالله هو الثاني و هو أسهل .

و لكن اعترض البعض على هذه الإجابة ، لأنها تفضل طريقة البرهان على طريقة الاستعاذة و هي الأكمل و الأقوى ، فإن دفع الله تعالى للوسواس عن القلب أكمل من دافع الإنسان عن نفسه(2) .

و يرى ان تيمية أن كلا الإجابتين خطأ ، مبينًا ذلك من وجوه :(3)

الأولأن الإنسان حادث كائن بعد أن لم يكن ، و العلم الحاصل في قلبه حادث ، فلو لم يحصل في قلبه علم إلا بعد علم قلبه ، لزم أن لا يحصل في قلبه علم ابتداء ، فلا بد من علوم بديهية يبتدؤها الله في قلبه ، و غاية البرهان أن ينتهي إليها .
و هذا حال الإنسان السليم الحس و العقل الذي يستخدم معه طرق البرهان و النظر و الاستدلال ، أما إذا أصابه مرض في الحس أو العقل فعجز عن فهم العلوم البديهية الأولية ، فإنه يعالج بالأدوية الطبيعية أو بالدعاء و نحو ذلك .

و يقرر ابن تيمية أن الوسوسة و الشبهة الفادحة في العلوم الضرورية لا تزال بالبرهان ، بل متى فكر العبد و نظر ازداد دورها على قلبه ، و قد يغلبه الوسواس حتى يعجز عن دفعه عن نفسه ، و هذا يزول بالاستعاذة بالله ، فإن الله هو الذي يعيذ العبد و يجيره من الشبهات المضلة و الشهوات المغوية ، و لهذا أمر العبد أن يستهدي ربه في كل صلاة فيقول : { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) } ( الفاتحة : 6-7 )
و في الحديث الإلهي الصحيح عن النبي :salla2: فيما يرويه عن ربه تبارك و تعالى : " يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته ، فاستهدوني أهدكم " .
و قال تعالى : { فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ( النحل : 98 ) . و قال تعالى : { وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } ( الأعراف : 200 ) .
و كان يمين النبي :salla2: : " لا و مقلب القلوب " . و كان كثيرًا ما يقول : " و الذي نفس محمد بيده ".

ثم يغوص ابن تيمية بعد هذه الشواهد في النفس البشرية ، حيث تمر بها الخواطر التي هي من جنس الاعتقادات و من جنس الإرادات ، و فيها المحمود و المذموم ، و الله هو القادر على صرفها عن الإنسان ، فالاستعاذة به سبحانه و تعالى طريق مؤدية إلى المقصود الذي لا يحصل بالنظر و الاستدلال .

الثانيأن النبي :salla2: لم يقتصر على الأمر بالاستعاذة وحدها ، بل أمر العبد الانتهاء عن ذلك مع الاستعاذة ، إعلانًا منه بأن هذا السؤال هو نهاية الوسواس فيجب الانتهاء عنه ، ليس هو من البدايات التي يزيلها ما بعده ، فإن النفس تطلب سبب كل حادث و أول كل شيء حتى تنتهي إلى الغاية و المنتهى ، و قد قال لله تعالى : { وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى } ( النجم : 42 ) .

و يستطرد شيخ الإسلام بعد ذلك في شرح معنى العلم الضروري الفطري لكل من سلمت فطرته ، إذ أن المخلوقات كلها لا بد لها من خالق ، أما وجود المخلوقات كلها بدون خالق فإنه معلوم الامتناع بالضرورة .

الثالثأن النبي :salla2: أمر العبد أن يقول : آمنت بالله ، و في رواية : و رسوله . فهذا من باب دفع الضد الضار بالضد النافع ، فإن قوله آمنت بالله يدفع عن قلبه الوسواس الفاسد .
و لهذا كان الشيطان يخنس عند ذكر الله و يوسوس عند الغفلة عن ذكر الله ، و لهذا سمي الوسواس الخناس ، فإنه جاثم على فؤاد ابن آدم ، فإن ذكر الله خنس .

و ينبه ابن تيمية أيضًا إلى الوسواس الذي يعرض لكثير من الناس في العبادات حتى يشككه هل كبّر أم لم يكبّر ؟ و هل قرأ الفاتحة أم لا ؟ و هل نوى العبادة أم لم ينوها ؟ و هل تطهر أم لا ؟ فيشككه في عهلومه الحسية ، و هي أمور حسية علم الإنسان بها علم ضروري يقيني أولي لا يتوقف على النظر و الاستدلال .
و في هذه الحالة يوجهنا شيخ الإسلام إلى علاج ذلك بالثبوت على الحق و دفع ما يعارضه من الوسواس ، فينصرف عنه الشيطان متى رأى قوة العبد و ثباته عن الحق ، و إلا فمتى رآه قابلاً للشكوك و الشبهات ، مستجيبًا إلى الوساوس و الخطرات ، أورد عليه من ذلك ما يعجز عن دفعه ، و صار قلبه موردًا لما توحيه شياطين الإنس و الجن من زخرف القول ، و انتقل من ذلك إلى غيره ، إلى أن يسوقه الشيطان إلى الهلكة ، فالله { وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ } ( البقرة : 257 ) .

المرفقات

أضف تعليقا