مقالة
(الرد على الزعم القائل :بأن الدين مكتمل بالقرآن دون السنة )
مضمون الشبهة:
يدعي منكرو السنة أن القرآن وحده يكفي المسلمين في كل ما يحتاجون إليه، ولا حاجة لهم في السنة، ويعتبرونها زيادة في الدين وليست منه، ومن ثم يرون أن السنة لا تعتمد كمصدر ثان في التشريع الإسلامي؛ إذ إن الدين قد اكتمل بالقرآن وحده دون السنة، ويستدلون على ذلك بالآتي:
أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يصرح بأن السنة هي المصدر الثاني للتشريع. -
قوله عز وجل: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) (المائدة: 3)، وأن هذه الآية نزلت في أواخر حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يكن للسنة وجود يومها - حسب زعمهم - فقد جمعت بعد ذلك، ولو كان الدين وكماله متوقفا عليها، لما نزلت هذه الآية. - أن القرآن الكريم جاء بكل شيء قال عز وجل: ( مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ) (الأنعام: 38)، وقال عز وجل: ( أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) (العنكبوت: 51), وأن القرآن كما جاء بكل شيء فقد بين كذلك كل أمر من أموره وفصله بحيث لا يحتاج إلى شيء آخر يفصله قال عز وجل: ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ ) (النحل: 89). ويتساءلون: إذا كان القرآن جاء بكل شيء ولم يترك شيئا إلا بينه وفصله على أكمل وجه، فما الحاجة إذن إلى السنة؟ رامين من وراء ذلك كله إلى إنكار حجية السنة والطعن في كونها المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي، بغية التحلل من هذا المصدر العظيم وترك العمل بها.
وجوه إبطال الشبهة:
1- لقد تواترت آيات القرآن الصريحة في الدعوة إلى التمسك بالسنة والحض على الاعتصام بها، وأكد النبي -صلى الله عليه وسلم- في كثير من أحاديثه أن الهدي في اتباع سنته، فأمر بالأخذ بها وحذر من مخالفتها، فكيف يدعون أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يصرح بأن السنة هي المصدر الثاني للتشريع؟!
2- السنة النبوية كانت موجودة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ كانت هي الطريقة العملية والتطبيق المجسد لتعاليم الدين، وقد بثها صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد وفاته خشية التأثم بكتمان العلم، كما أن عدم كتابتها لا يعني عدم وجودها؛ إذ لا يلزم من نفي الكتابة نفي المكتوب، هذا فضلا عن أن الكتابة ليست من لوازم الحجية، لا سيما وقد حل محلها ما هو أقوى منها، وهو الحفظ الواعي عند الصحابة بعد التلقي المباشر من النبي صلى الله عليه وسلم.
3- إن القرآن لم يتضمن تفصيلا لكل أمور الشريعة كالعبادات من صلاة وصيام وحج... إلخ، وإنما جاء مجملا لكل شيء، وترك التفصيل للسنة النبوية. أليس هذا دليلا قاطعا على وجوب وجود السنة وصدورها عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كمصدر ثان للتشريع؟! 4- الآيات التي استشهدوا بها لا تنفي حجية السنة، بل تؤكدها:
فالدين في قوله عز وجل: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُم ) ْ (المائدة: 3) المقصود به القرآن والسنة؛ إذ هما الوحي الذي بني عليه الدين، وليس المقصود به القرآن فقط، والدليل على ذلك أن الوحي القرآني لم يتوقف عند هذه الآية، وإنما نزلت بعدها آيات أخر تتضمن تشريعات ذات أهمية كآية الربا، ولو افترضنا أن الآية آخر ما نزل وأن معنى الدين هو القرآن فليس في ذلك نفي لحجية السنة بل هي دليل آكد على حجيتها؛ إذ هي بيان للقرآن ولا كمال للدين بدون بيان. - المراد بـ "الكتاب" في قوله عز وجل: ( مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ) (الأنعام: 38) هو اللوح المحفوظ الذي أحصى الله فيه كل شيء من أمور خلقه, وليس المراد به القرآن الكريم، وإذا سلمنا بأن المقصود به القرآن الكريم؛ فإن المعنى أنه يحوي كل أمور الدين، إما بالنص الصريح، وإما ببيان السنة له. - إن استدلالهم بقوله عز وجل: ( أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ ) (العنكبوت: 51) استدلال خاطئ؛ وذلك لأن المخاطبين هنا هم المشركون حينما قالوا: لو أن الله أنزل على محمد آيات من عنده، فرد الله عليهم بأن كتابه هذا معجزة كافية لهم في التصديق برسالته، ولا علاقة لها بأن القرآن كفاية للمؤمنين في كل شيء دون السنة كما زعموا. - قوله عز وجل: ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ ) (النحل: 89) تعني أن القرآن قد نزل مبينا لكل شيء من أمور الدين في شكل قواعد كلية مجملة، أما تفاصيل تلك القواعد وما أشكل منها فالبيان فيها قد أوكل إلى السنة النبوية, ولذلك أمر الله نبيه أن يبين للناس ما نزل إليهم، وهذا عن طريق قوله أو فعله أو تقريره، ومن ثم يتعذر الانتفاع بالقرآن دون السنة؟
الخلاصة: - إن الآيات القرآنية الصريحة التي تأمر بطاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- واتباع سنته وتحذر من مخالفته - أكثر من أن تحصى، فكيف يدعي منكرو السنة أن الدين مكتمل بالقرآن دون السنة؟!- ولو كان ما ادعوه صحيحا لوجدنا ما يؤكد دعواهم في القرآن الكريم، بل وجدنا ما ينقضها، ورضوان الله أحق أن يتبع، وكل من خالفه حق عليه الخزي والخذلان في الدنيا والآخرة، وهذا الحث الرباني على اتباعه -صلى الله عليه وسلم- هو إعظام لرسالته -صلى الله عليه وسلم- وإعلاء لطاعته صلى الله عليه وسلم.