مقالة
ابن النفيس
( 1210-1288م) هو أبو الحسن علاء الدّين عليّ بن أبي حزم، من علماء المسلمين المهمّين والبارعين في عدة مجالات. كان عالماً، وطبيباً، ومؤلفاً، وهو أيضاً من الفقهاء المشهورين، إضافة إلى كونه عالماً في وظائف الأعضاء في جسم الإنسان (Physiology). ولد ابن النفيس في بلدة القرش في دمشق عام ( 1210م)، ونشأ على يد مجموعة من الشّيوخ والعلماء في دمشق، وقد تعمّق في دراسة الفقه الشافعي، وأصبح من أصحاب الحجج في هذا المجال. ودرس الطب في (المستشفى النوري) في دمشق.انتقل إلى مصر وعمل طبيباً في المستشفى النّاصري، الذي أسّسه السّلطان قلاوون، وشغل هناك منصب عميد الأطباء. وقد كان الطّبيب الخاص للظاهر بيبرس. عاصر ابن النّفيس احتلال المغول لبغداد وتدميرهم لمكتباتها، وقد أدّى تدمير المكتبات إلى ضياع العديد من مؤلفاته . توفي عن عمر ثمانين عاماً، وقد خلّف من بعد وفاته المال الكثير، وجعله بالإضافة إلى كتبه وقفاً للمستشفى المنصوري الذي عمل فيه بعد المستشفى النّاصريّ.
لابن النّفيس صفاتٍ ومآثر ميّزته عن غيره من العلماء في مختلف المجالات منها:أنه دعا إلى التّحرر من الأفكار المغلوطة والتي كان غيره من العلماء يخشى انتقادها ومخالفتها، وبذلك كسر طوق التّقيد بها.
جمع بين مختلف العلوم بشكل منسجم ومتوازن. لم يكتف ابن النّفيس بما كان يقرأه بل كان يُخضعه إلى التّمحيص، والنقد، وخطوات البحث العلميّ، وهذا دليل على أصالة تفكيره. شُبّه ابن النّفيس بأنّه موسوعة علميّة متحرّكة، وذلك لبراعته في فن المداواة. لم يغفل ابن النّفيس عن عزوّ فضل العلماء الآخرين إليهم، وهذا دليل على إنصافه وأمانته العلميّة. اعتمد ابن النّفيس في طريقة علاجه على تنظيم الغذاء للمرضى أكثر من اعتماده على الأدوية والعقاقير.
بعد دراسة ابن النّفيس لمسار الدّم في العروق وسريانه في الجّسم، استطاع أن يصف الدّورة الدّمويّة بدقّة، وقد كان بذلك أول مُكتشف للدّورة الدّمويّة في التّاريخ، أي أنّه سبق العالم سيرفيتوس الإسباني، وهارفي الإنجليزي بثلاثة قرون. وبعد هذا الاكتشاف أثبت ابن النّفيس أنّ الرّئتين هي المسؤولة عن تنقية الدّم، كما أنّه صحح ما جاء به جالينوس الطّبيب الإغريقي الذي كان يعتقد أنّ الكبد هو من يولّد الدّم ويتجه نحو القلب، والّذي بدوره يضخّه إلى الشرايين، وقد كان الأوروبيون يجهلون اكتشاف ابن النّفيس؛ لأنه لم يكن يترجم كتبه، على الرغم من أنهم نقلوا كتبه إلى متاحفهم بشكل غير شرعي. لقد أثبت محيي الدّين التّطاوي أحد الطّلاب المصريين في برلين خلال دراسته للطب أن ابن النّفيس هو أول من اكتشف الدّورة الدّمويّة، وهذا عندما كان يعدّ بحثه في مكتبة برلين، إذ عثر على مخطوطة ابن النّفيس والّتي وثّق اكتشافه للدّورة الدّمويّة فيها.
إضافةً لاكتشافه للدّورة الدّمويّة فإنّ لابن النّفيس العديد من الإنجازات المهمة في مجال الطّب منها: دعوته إلى دراسة التّشريح المقارن وذلك لفهم التّشريح البشريّ. تصحيح أخطاء جالينوس في تشريح القلب، حيث كان أول من تحدّث عن تغذية العضلة القلبيّة من الشّرايين التّاجيّة. تحدّث ابن النّفيس عن الإبصار في العين وأبدع في ذلك، حيث قال إنّ العين تعتبر آلةً للبصر، وقد كان لابن النّفيس في فيزيولوجيا الرّؤية نظريات صحيحة، إضافة إلى أنّ ابن النّفيس تحدّث عن مفهوم التّخيل ومفهوم الإبصار وفرّق بينهما. يُشهد لابن النّفيس أنه أول من تحدّث عن ضرورة الاعتدال في تناول الملح، كما تحدّث عن أخطار الملح وما يسببه من ارتفاع ضغط الدّم. ذكر ابن النّفيس شروطاً يجب مراعاتها عند استعمال الأدوية، ومنها الوقت الصّحيح لاستخدام الدّواء ومقداره. تميّز ابن النّفيس بتشريح الشّرايين والجهاز التّنفسي وكذلك الحنجرة. الف ابن النفيس مجموعة من المؤلفات المهمة منها:(الموجز في الطّب): وهو موجز لكتاب القانون في الطّب لابن سينا. (الشامل في الصناعة الطّبية) . كتاب (فاضل بن النّاطق): وقد كتبه على غرار ما ألّفه ابن الطّفيل الأندلسيّ في كتابه حي بن يقظان. (الرّسالة الكامليّة في السّنه النبويّة)، ( شرح تشريح القانون) وفيه تحدث ابن النّفيس عن الدّورة الدّموية الصغرى ووصفها بشكل دقيق . (المختصر في أصول علم الحديث)