تأليف
الوصف
مقالة
الجواب التفصيلي
هنالك مَن يستشكِلُ حُكْمَ الزكاةِ، ويَرَى أنه يُمكِنُ الاستغناءُ عنها بغيرِها.
والجوابُ على هذه الشبهةِ مِن عدَّةِ أوجُه:
الوجهُ الأوَّلُ: الزكاةُ ركنٌ مِن أركانِ الإسلام، وعبادةٌ يتقرَّبُ بها المسلِمُ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ؛ طاعةً للهِ تعالى، وتنفيذًا لأمرِه، وابتغاءَ رضوانِه، ورجاءَ ثوابِه، وخشيةَ عذابِه، وهي سببٌ لبرَكةِ مالِه، وحصولِ الخيراتِ له في حياتِه، ولها فوائدُ وآثارٌ حميدةٌ تعودُ على الفردِ والمجتمَعِ المسلِمِ؛ قال اللهُ تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}
[البقرة: 277].
الوجهُ الثاني: الزكاةُ تربِّي نفسَ المسلِمِ؛ ففيها تطهيرٌ وتزكيةٌ لنفسِ المعطِي لها، وتربيةٌ له على البذلِ والعطاءِ والإحسان، والبُعْدِ بها عن خُلُقِ الشُّحِّ والمنعِ والبُخْل، وهكذا يَنشَأُ مجتمَعٌ فاضلٌ يعتادُ الأخلاقَ الفاضلةَ؛ كالجُودِ والكرَم، والعطفِ على ذوي الحاجات، والرحمةِ بالفقراء؛ كما أشار إلى هذا المعنى قولُ اللهِ تعالى:
{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}
[التوبة: 103].
والزكاةُ تحقِّقُ السعادةَ وانشراحَ الصدرِ للمزكِّي، وتحقِّقُ له الصحَّةَ النفسيَّةَ؛ فالذي يُحسِنُ إلى الناسِ، ويَنفَعُهم بمالِهِ، وأنواعِ الإحسانِ، ينشرِحُ صدرُه، ويَسعَدُ قلبُه؛ فالكريمُ المُحسِنُ: أشرَحُ الناسِ صدرًا، وأطيَبُهم نفسًا، وأنعَمُهم قلبًا، والبخيلُ الذي لا يُحسِنُ: أضيَقُ الناسِ صدرًا، وأنكَدُهم عيشًا، وأكثَرُهم همًّا وغمًّا، والحرصُ على تحقيقِ الصحَّةِ النفسيَّةِ، والسعادةِ لأفرادِ المجتمَعِ، هدَفٌ تَسْعى له كثيرٌ مِن الدُّوَلِ والمجتمَعاتِ الرشيدة؛ قال تعالى:
{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ}
[المؤمنون: 1- 4].
الوجهُ الثالثُ: أداءُ الزكاةِ والصدَقةِ يُسهِمُ في تخفيفِ معاناةِ الفئاتِ الضعيفةِ والفقيرةِ والمحتاجةِ في المجتمَع؛ فالأموالُ الزَّكَويَّةُ إذا تَمَّ صرفُها لمستحِقِّيها، تساعِدُ في قضاءِ حاجاتِ المحتاجين، وتفريجِ كُرُباتِ المكروبين، والتيسيرِ على المعسِرين؛ ولذلك أثنى اللهُ عزَّ وجلَّ على مَن يبذُلُ مالَهُ لأولئك المحتاجين؛ قال تعالى:
{وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}
[المعارج: 24- 25].
فالزكاةُ حقٌّ على الأفرادِ الأثرياءِ، لمساعَدةِ الفقراءِ والمحتاجين في المجتمَع؛ فهي تساعِدُ في القضاءِ على الفقرِ في المجتمَعِ، أو التخفيفِ منه؛ وهذا يُعَدُّ هدَفًا مُهِمًّا.
الوجهُ الرابعُ: مِن الناحيةِ الاجتماعيَّةِ والاقتصاديَّةِ: فإن الزكاةَ تُسهِمُ في تحسينِ المستوى المعيشيِّ والصحِّيِّ والتعليميِّ للفقراء؛ مما يؤهِّلُهم ليُصبِحوا قوَّةَ عملٍ مشارِكةً في التنميةِ الاقتصاديَّةِ للمجتمَع.
الوجهُ الخامسُ: الزكاةُ تحقِّقُ بين أفرادِ المجتمَعِ: الترابُطَ والتآلُفَ والتعاوُنَ والتكافُلَ الاجتماعيَّ، وتَجعَلُ المجتمَعَ المسلِمَ كالأسرةِ الواحدة، يَرحَمُ القويُّ القادرُ الضعيفَ العاجزَ، والغنيُّ يُحسِنُ إلى المُعسِرِ؛ فيشعُرُ صاحبُ المالِ بوجوبِ الإحسانِ عليه، كما أحسَنَ اللهُ إليه؛ قال اللهُ تعالى:
{وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ}
[القصص: 77].
فتُصبِحُ الأمَّةُ الإسلاميَّةُ كأنها عائلةٌ واحدةٌ، وجسَدٌ واحدٌ؛ جاء في الحديثِ عن النُّعْمانِ بنِ بَشيرٍ رضيَ اللهُ عنهما، قال: قال رسولُ الله ﷺ:
«تَرَى المُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا، تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى»؛
رواه البخاري (6011).
الوجهُ السادسُ: الزكاةُ تُوجِدُ الأُلْفةَ والمحبَّةَ بين أفرادِ المجتمَع، وتثبِّتُ أواصِرَ المحبَّةِ بين الغنيِّ والفقير؛ لأن النفوسَ مجبولةٌ على حُبِّ مَن أحسَنَ إليها، وهذا بدورِهِ يخفِّفُ مِن حَنَقِ الفقراءِ على الأغنياءِ الذي يُوجَدُ في نفوسِهم بسببِ الحِرْمان، ويُطْفئُ حرارةَ وثورةَ الغضَبِ التي تكونُ في نفوسِ الفقراء؛ فالزكاةُ والتصدُّقُ بالمالِ يَنزِعُ الغِلَّ مِن صدورِ الفقراءِ والمحتاجين تُجاهَ الأغنياءِ والمقتدِرين؛ وبالتالي يقلِّلُ مِن المشاحَناتِ والحِقْدِ الطبَقيِّ؛ فيكونُ المجتمَعُ آمِنًا مستقِرًّا، بخلافِ المجتمَعاتِ التي لا يساعِدُ فيها الأغنياءُ الفقراءَ؛ فإنها تجتاحُها الثوراتُ والاحتجاجاتُ التي تسبِّبُ اضطرابَ الأمنِ، والصراعَ والنزاعَ في المجتمَع.
الوجهُ السابعُ: الزكاةُ تَمنَعُ الجرائمَ الماليَّةَ؛ مثلُ السرقاتِ، والنَّهْبِ، وغيرِها مِن الجرائم؛ لاستغناءِ الفقراءِ عن هذه الجرائمِ؛ بإعطائِهم مِن الزكاة، أو بالصدقةِ والإحسانِ إليهم؛ لأن الفقيرَ والمحتاجَ إذا لم يجدْ مَن يُعينُهُ ويساعِدُهُ، فسوف يَلجَأُ لمِثلِ تلك الجرائمِ والشرور.
وهذه الجرائمُ تكبِّدُ الدولةَ أعباءً باهظةً مِن المصروفاتِ الماليَّة، والجُهْدِ البشَريِّ الذي يُصرَفُ في التقصِّي والبحثِ عن المجرِمين. وفي إعطاءِ الفئاتِ الفقيرةِ والمحتاجةِ مِن الزكاةِ، وإغنائِهم بها: تخفيفٌ لمعدَّلِ الإجرامِ والانحراف؛ فينخفِضُ تبَعًا له معدَّلُ الإنفاقِ الماليِّ على مكافَحةِ الجريمة؛ وبالتالي يُمكِنُ توزيعُهُ في قَنَواتٍ اقتصاديَّةٍ أخرى تَنفَعُ المجتمَعَ؛ فالزكاةُ تُسهِمُ في خِدْمةِ التنميةِ الاقتصاديَّة.
أخيرًا: مِن يُسْرِ الإسلامِ: أن الزكاةَ فُرِضَتْ على القادرِ المالكِ للنصابِ بنسبةِ (2.5 بالمئةِ) على النقدِ وعروضِ التجارةِ، في العامِ مرَّةً واحدةً؛ فالحمدُ للهِ على يُسْرِ الإسلام.
مختصر الجواب
مضمونُ السؤال:
السائلُ يَرَى أن إيجابَ الزكاةِ فيه مشقَّةٌ، ومخالِفٌ لما تألَفُهُ النفوسُ مِن محبَّةِ المال، بالإضافةِ إلى تغيُّرِ الزمن؛ وهذه الشبهةُ نتيجةٌ لقصورِ النظرةِ لأهميَّةِ الزكاةِ، ودَوْرِها وأثرِها في حياةِ المجتمَعِ المسلِمِ الذي يطبِّقُها، ويلتزِمُ بأحكامِها.
مختصَرُ الإجابة:
الإسلامُ جاء بأفضلِ الأحكامِ والشرائعِ التي تحقِّقُ الخيرَ للإنسانِ في حياتِهِ، وبعد مماتِه؛ ومِن ذلك فريضةُ الزكاةِ التي شُرِعَتْ لحِكَمٍ كثيرة، ومصالحَ عديدةٍ تعودُ على الفردِ والمجتمَعِ؛ فخيرُها يعودُ على الإنسانِ المزكِّي الباذِلِ لمالِهِ، في الدنيا والآخرةِ؛ فهي عبادةٌ عظيمةٌ في نفسِها، بل هي ركنٌ مِن أركانِ الإسلام، وكذلك تعودُ بالخيرِ على الفئاتِ المحتاجةِ التي تأخُذُ الزكاةَ، وتعودُ كذلك بالنفعِ العامِّ على المجتمَع.
فالذي فرَضَ الزكاةَ وشرَعها، هو اللهُ تعالى، الخالقُ العليمُ الحكيمُ:
الخالقُ: الذي خلَقَ الإنسانَ وأوجَدهُ في هذه الأرضِ وهذه الحياة.
العليمُ: الذي أحاط بكلِّ شيءٍ علمًا، ويَعلَمُ ما يَنفَعُ الإنسانَ، وما يصلُحُ له.
الحكيمُ: الذي لا يشرِّعُ شيئًا إلا لحكمةٍ وغايةٍ ومصلحة.
خاتمة الجواب
تتَّضِحُ أهميَّةُ الزكاةِ وفضلُها مِن خلالِ هذه الحِكَمِ والفوائدِ العظيمة، والمصالحِ الاقتصاديَّةِ والاجتماعيَّة، والأخلاقيَّةِ والنفسيَّة، التي تحصُلُ مِن فريضةِ الزكاةِ للفردِ والمجتمَعِ المسلِم، وأنها فريضةٌ دائمةٌ ومستمِرَّةٌ إلى قيامِ الساعة.