تواصل معنا

الزعمُ أن الإسلامَ أباح ضربَ المرأةِ، ولم يكفُلْ لها حقَّ تقويمِ الزوجِ بالمِثلِ إذا نشَزَ. (مقالة)

الوصف

مقالة

الجواب التفصيلي

 

 

حافَظَ الإسلامُ على عَلاقةِ المودَّةِ والرحمةِ بين الرجُلِ وزوجتِهِ لدرَجةٍ كبيرةٍ جِدًّا، وعظَّم مِن شأنِ التفريقِ بين الزوجَيْن.

 

ووضَعَ دستورًا ثابتًا للعَلاقةِ الزوجيَّةِ؛ فقال تعالى:

 

{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}

 

[النساء: 19].

 

وبيَّن النبيُّ ﷺ أن المودَّةَ هي عمادُ هذه الحياةِ، فيجبُ أن تَظَلَّ هي الرِّباطَ الوثيقَ بين الزوجَيْنِ، فقال ﷺ: «

 

لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً؛ إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا، رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ»؛

 

رواه مسلم (1469).

 

ولكنْ ما هو العلاجُ إن ظهَرَ مِن الزوجةِ نشوزٌ واعوجاج؟:

 

هل يسارِعُ الزوجُ بالطلاق؟:

 

عالَجَ الإسلامُ هذا النشوزَ على مراحلَ ثلاثٍ: بالموعظةِ الحسَنةِ، فإذا لم تُفلِحْ، فالعلاجُ هو هجرُ الزوجةِ في فراشِ الزوجيَّة، ولكنْ إذا بلَغَ النشوزُ حدًّا لا يُفلِحُ معه الوعظُ والهجرُ، كان حينئذٍ الضربُ غيرَ المبرِّحِ؛ فقد قال تعالى:

 

{وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ}

 

[النساء: 34].

 

والنشوزُ، معناهُ: معصيةُ المرأةِ لزوجِها فيما يجبُ عليها.

 

ومِن أمثلةِ النشوزِ: امتناعُ الزوجةِ عمَّا أحَلَّ اللهُ لزوجِها مِن سُبُلِ التمتُّعِ بها.

 

وعلى الزوجِ حينئذٍ: أن يقوِّمَها بالوعظِ؛ لئلا تقَعَ في النشوز، فإن وقَعتْ في النشوزِ فعلًا، هجَرَها في المَضجَعِ، فإن تكرَّر منها النشوزُ، ضرَبَها.

 

والضربُ في الإسلامِ: ضربٌ غيرُ مبرِّحٍ، يعني: ضربًا يحصُلُ منه التأثيرُ في النفسِ، دون الأذى الجسَديِّ؛ فلا يُدْمِيها، ولا يَنهَشُ لَحْمَها، ولا يَكسِرُ عَظْمَها، ولا يُدِيمُ الضربَ على عضوٍ واحدٍ، ويتجنَّبُ الضربَ على المواضعِ التي يُخْشى منها الضرَرُ المزمِنُ، ويتوقَّى الوجهَ، وينبغي أن يَغلِبَ على ظنِّه أن الضربَ سيُصلِحُها، وإلا لم تكن له فائدةٌ.

 

فإن استجابت وعادت إلى رُشْدِها، فليس للرجُلِ بعد ذلك عليها سبيلٌ، لا هَجْرُها، ولا ضَرْبُها، وإنما عليه أن يُحسِنَ إليها، ويؤدِّيَ لها حقَّها بالمعروف.

 

فالرجُلُ إذا كان قد تعوَّد مِن امرأتِهِ: أنه إذا أمَرَها، أطاعته، وإذا دعاها، أجابته، ثم رأى منها بعضَ الصدودِ مِن غيرِ سببٍ معروفٍ، بأن لم تكن حائضًا ولا نُفَساءَ ولا مريضةً، وخاف أن يؤدِّيَ بها هذا التجهُّمُ والصدودُ إلى الوقوعِ في النشوزِ، ذكَّرها بما أعدَّه اللهُ تعالى للطائِعين والطائِعات، والعاصِين والعاصِيات، وذكَّرها بما له عليها مِن حقٍّ، فإن لم تتَّعِظْ، هجَرَها في المَضجَع، ومعنى الهجرِ في المَضجَعِ: ألا يجامِعَها؛ فإن ذلك يُحرِجُها.

 

وله ألا يكلِّمَها أيضًا، ولكنْ لا يزيدُ تركُ الكلامِ عن ثلاثةِ أيَّامٍ؛ لِمَا رواه البخاريُّ (6237)، ومسلمٌ (2560)، عن أبي أيُّوبَ الأنصاريِّ؛ أن رسولَ اللهِ ﷺ قال:

 

«لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ؛ فَيُعْرِضُ هَذَا، وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ».

 

وقال ﷺ في حَجَّةِ الوداعِ مِن خطبةٍ طويلةٍ:

 

«اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا؛ فَإِنَّهُنَّ عِنْدَكُمْ عَوَانٍ، لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ، إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ، فَإِنْ فَعَلْنَ، فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ، وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ؛ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ، فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا، إِنَّ لَكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ حَقًّا، وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا، فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ، فَلَا يُوَطِّئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ، وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ، أَلَا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ»؛

 

رواه التِّرمِذيُّ (1163)، وابنُ ماجهْ (1851).

 

إذَنْ: فليس التأديبُ المادِّيُّ هو كلَّ ما شرَعهُ الإسلامُ في العلاج، وإنما هو آخِرُ أنواعٍ ثلاثةٍ، مع ما فيه مِن الكراهةِ الشرعيَّةِ التي ثبَتتْ عنه ﷺ، ومع أنه موجَّهٌ لنوعيَّةٍ خاصَّةٍ مِن النساءِ أشار إليها القرآنُ الكريم، فإذا وُجِدَتِ امرأةٌ ناشزٌ، أساءت عِشْرةَ زوجِها، واتَّبعَتْ خُطُواتِ الشيطان، لا تكُفُّ ولا تَرْعوي عن غيِّها واستهتارِها بحقوقِ زوجِها، ولم يَنْجَعْ معها وعظٌ ولا هِجْرانٌ؛ فماذا يَصنَعُ الرجُلُ في هذه الحالة؟!

 

هل مِن كرامةِ الرجُلِ أن يُهرَعَ إلى طلبِ محاكَمةِ زوجتِهِ كلَّما نشَزتْ؟!

 

وهل تَقبَلُ المرأةُ أن يُهْرَعَ زوجُها كلَّما وقَعتْ في عصيانِهِ إلى أبيها، أو المحكَمةِ ينشُرُ خبَرَها على الملأ؟!

 

لقد أمَرَ القرآنُ الكريمُ بالصبرِ والأناة، وبالوعظِ والإرشاد، ثم بالهجرِ في المضاجع، فإذا لم تَنجَحْ كلُّ هذه الوسائل، فليكُنِ الضربُ؛ فإن آخِرَ الدواءِ الكَيُّ.

 

فلماذا تتضجَّرُ المرأةُ المعاصِرةُ أن يؤدِّبَها زوجُها حتى تستقيمَ، وتنتبِهَ إلى الخطأِ الذي مِن أجلِهِ ضُرِبَتْ؟!

 

وأين الغربُ المتحضِّرُ الذي بالَغَ في تجريمِ الضربِ، مِن جرائمِ الظلمِ والتعدِّي على النساءِ التي انتشَرتْ في المجتمَعاتِ الغربيَّة؟!

 

 

 

مختصر الجواب

مضمونُ السؤال:

 

يرى السائلُ أن الإسلامَ أباح للرجُلِ تقويمَ زوجتِهِ بالضربِ إذا نشَزَتْ، ولم يُبِحْ للمرأةِ حقَّ تقويمِ زوجِها بالمِثلِ إذا نشَزَ؛ وفي هذا هضمٌ لحقِّ المرأةِ، وامتهانٌ لكرامتِها.

 

مختصَرُ الإجابة:

 

النشوزُ: هو معصيةُ المرأةِ لزوجِها فيما يجبُ عليها؛ ولهذا ينبغي تقويمُها، وهذا لا يعني سلبَ المودَّةِ والرحمةِ بينهما، أو إهانتَها، وإنما هو تهذيبٌ وإصلاحٌ لها.

 

كما أن للمرأةِ الحقَّ في وعظِ زوجِها إذا نشَزَ، وهجرِهِ في بعضِ الحالات، وأن تشكُوَهُ إلى القاضي الذي ينُوبُ عنها في تأديبِ الزَّوْج وتقويمِه.

 

والضربُ المباحُ للرجُلِ: هو آخِرُ وسائلِ التقويمِ، وليس أوَّلَها، ويكونُ ضربًا غيرَ مبرِّحٍ، ولا يقَعُ منه الأذى الجسَديُّ، وإنما بقدرِ ما يؤثِّرُ في النفسِ فقطْ.

 

خاتمة الجواب

خلاصةُ القولِ: نحن نتكلَّمُ عن ضربٍ معيَّنٍ: ضربٍ بين الرجُلِ وزوجتِه، وفي أضيَقِ الحدود، وليس بين أيِّ رجُلٍ وامرأةٍ، وهذا لا يَعْني بحالٍ: أن الشريعةَ تُبِيحُ ضربَ النساءِ مطلَقًا، ليس الأمرُ كذلك، وإنما هو ضربٌ معيَّنٌ، في حالٍ معيَّنةٍ، لعلاجٍ معيَّن.

المرفقات

أضف تعليقا