تأليف
الوصف
مقالة
الجواب التفصيلي
* لنتعرَّفْ أوَّلًا على حكمِ المسألةِ: فإنه بمجرَّدِ إسلامِ الزوجةِ يحرُمُ عليها زوجُها الكافرُ؛ وهذا ما عليه الصحابةُ ومَن بعدَهم مِن علماءِ المسلِمين؛ فعن داودَ بنِ كُرْدُوسٍ، قال: «كَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ، يُقَالُ لَهُ: عُبَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ بْنِ زُرْعَةَ، عِنْدَهُ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ - وَكَانَ عُبَادَةُ نَصْرَانِيًّا - فَأَسْلَمَتِ امْرَأَتُهُ، وَأَبَى أَنْ يُسْلِمَ؛ فَفَرَّقَ عُمَرُ بَيْنَهُمَا»؛ رواه ابنُ أبي شَيْبةَ في «مصنَّفِه» (5/90).
والإجماعُ قائمٌ على هذا الحكمِ مِن قديمِ الإسلام؛ حتى لقد نقَلهُ الشافعيُّ، فقال: «فحرَّم اللهُ عزَّ وجلَّ على الكفَّارِ نساءَ المؤمِنين، لم يُبِحْ واحدةً منهُنَّ بحالٍ، ولم يختلِفْ أهلُ العلمِ في ذلك». «كتابُ الأمِّ» (5/153).
ولا فرقَ بين ابتداءِ النكاحِ واستدامتِهِ؛ فلا يَحِلُّ اجتماعُ كافرٍ مع مسلِمةٍ بعَقْدِ زواجٍ مطلَقًا.
لكنْ لا يَلزَمُ مِن ذلك ألا تَرجِعَ المرأةُ إليه؛ فلها أن تَصبِرَ حتى يُسلِمَ، فتَرجِعَ زوجةً له، فإذا أسلَمَ في وقتِ عِدَّتِها، فهما على نكاحِهما، وإن انقضَتْ عدَّتُها، ولم يُسلِمْ، فأمرُها بيدِها: إن شاءت، تزوَّجَت بغيرِه، وإن شاءت، انتظَرَتْهُ، لعلَّه يُسلِمُ يومًا مِن الدهرِ، فتعُودُ إليه مِن غيرِ حاجةٍ إلى تجديدِ نكاح.
* وبالنسبةِ لفهمِ هذا الحكمِ وهذه الحكمةِ نقولُ:
أوَّلًا: إن الحكمَ الشرعيَّ هو الذي يحكُمُ في حياةِ الناس، وليس الناسُ بأهوائِهم وأمزِجَتهم يحكُمون في هذا الدِّين؛ بل المطلوبُ مِن المؤمِنِ أن يُذعِنَ لحكمِ الشرع؛ قال تعالى:
{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}
[النساء: 65].
فبغَضِّ النظَرِ عن الأجوبةِ التاليةِ؛ فمتى عرَفَ الإنسانُ ربَّه، عَلِمَ أنه حكيمٌ خبيرٌ، فمتى عرَفَ حكمَ اللهِ، وجَبَ عليه اتِّباعُهُ؛ سواءٌ عرَفَ الحكمةَ أو لا؟
ثانيًا: الثابتُ أن الإسلامَ أتى بالحقائق، وليس كلُّ الناسِ يحبُّ الحقيقةَ ويَتَّبِعُها؛ فهناك أناسٌ أحبُّوا اللهَ وأطاعُوه، وهناك أناسٌ كفَروا به وانتقَصوا منه.
وهذا الكفرُ والانتقاصُ هو جِنايةٌ، ولا يَمنَعُ أن تترتَّبَ عليه آثارٌ؛ ولهذا قد فرَّق اللهُ تعالى بين المسلِمِ والكافرِ، وإن كان أقرَبَ الناسِ إليه؛ كأبيهِ، وعشيرتِه: فقد فرَّق بين إبراهيمَ وأبيهِ وقومِه، وأمَرَ كلَّ مسلِمٍ بالاقتداءِ والتأسِّي بإبراهيمَ في هذا الأمر؛ قال تعالى:
{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ}
[الممتحنة: 4].
فالذي فرَّق بين إبراهيمَ وأبيهِ وقومِهِ، هو كُفرُهم، ولقد حوَّل الكفرُ ما كان مِن صِلةٍ ومودَّةٍ إلى عداوةٍ أبديَّةٍ وبغضاءَ لِمَا هم عليه، لا تنتهي إلا برفضِ الكُفْرِ والدخولِ في الإيمان.
وحرَّم الإسلامُ على كلِّ مسلِمٍ أن يوالِيَ أقرَبَ الناسِ إليه موالاةً تامَّةً؛ إن كان كافرًا؛ فقال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}
[التوبة: 23- 24].
والمقصودُ: بُغْضُ ما هو عليه، وبغضُهُ مِن حيثُ هو متلبِّسٌ بالكفرِ وعداوةِ اللهِ تعالى، أما المحبَّةُ الطبيعيَّةُ للآباءِ والأمَّهاتِ، أو الإخوةِ مِن غيرِ المسلِمين -: فهو أمرٌ لم تحرِّمْهُ الشريعةُ، وإنما حرَّمَتْ أن يكونَ هذا الحبُّ سبيلًا لنقصِ الدِّينِ أو نقضِه.
ثالثًا: دِينُ الإسلامِ العظيمُ جاء بتحصيلِ المصالحِ ودفعِ المفاسدِ:
لكنَّنا نقولُ: أيُّ المصالِحِ والمفاسِدِ هي المعتبَرةُ في الإسلام؟! فهذا أمرٌ تكلَّم عنه العلماءُ، وذكَروا أدلَّتَهُ المعروفةَ في كُتُبِهم المطوَّلة:
إن المصالحَ في الشرعِ: إما مصالحُ معتبَرةٌ شرعًا، أو مصالحُ فاسدةٌ شرعًا، أو مصالحُ مرسَلةٌ:
أما المصالحُ المعتبَرةُ شرعًا: فما نَصَّ الشارعُ على أنها مصلَحةٌ يريدُ الشارعُ تحقيقَها للعبادِ؛ فأمَرَ بها، أو أحلَّها، وكلُّ شيءٍ أمَرَ اللهُ به أو أحلَّه يحقِّقُ مصلحةَ العباد.
والمصالحُ الفاسدةُ: هي مصالحُ موهومةٌ، قد نَصَّ الشارعُ على إلغائِها، وعدمِ اعتبارِها، وكلُّ شيءٍ نَهَى اللهُ عنه، فإنَّ تَرْكَهُ مصلحةٌ، وفِعْلَهُ مفسدةٌ، والكافرُ فاسدٌ، أمَرَ الشارعُ بعداوتِهِ ومقاطَعتِهِ وفِراقِه، إنْ كان زوجًا أو زوجةً، والكفرُ مفسدةٌ نَهَى الشارعُ عنها؛ لقولِهِ تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}
[الممتحنة: 10].
أما المصلحةُ المرسَلةُ: فهي التي لم يَرِدْ في الشرعِ نصٌّ مِن كتابِ اللهِ، أو سُنَّةِ رسولِ اللهِ ^، أو إجماعِ الأمَّةِ، على اعتبارِها، ولا على إلغائِها.
والإسلامُ حرَّم على المسلِمِ الزواجَ مِن كافرةٍ إلا مِن يهوديَّةٍ أو نصرانيَّةٍ، وحرَّم على المسلِمةِ الزاوجَ مِن كافرٍ حتى لو كان يهوديًّا أو نصرانيًّا؛ قال تعالى يخاطِبُ المؤمِنين ذكورًا وإناثًا:
{وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ}
[البقرة: 221]
، واستثنى للرجُلِ المسلِمِ فقطِ الزواجَ مِن يهوديَّةٍ أو نصرانيَّةٍ؛ كما قال تعالى:
{وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ}
[المائدة: 5].
كما حرَّم استمرارَ ذلك الزواجِ الممنوعِ بين المسلِمِ والكافرةِ غيرِ الكتابيَّة، وبين المسلِمةِ والكافرِ مطلَقًا، بقولِهِ تعالى:
{لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}
[الممتحنة: 10]
، وهذه الصيغةُ تُفيدُ العمومَ.
هذا؛ وقد فرَّق الرسولُ ^ بين ابنتِهِ زينبَ رضِيَ اللهُ عنها المسلِمةِ، وبين زوجِها أبي العاصِ بنِ الرَّبيعِ سِنينَ، ولم يرُدَّها عليه إلا بعد أن أسلَمَ، وكان وفيًّا لها ولأبيها، ولم يُؤْذِها وهو على كُفْرِه؛ كما شَهِدَ له رسولُ اللهِ ^ بذلك.
كلُّ ذلك يدُلُّ على وجودِ عَلاقةٍ حسَنةٍ بينهما، ومع هذا: فقد فرَّق رسولُ اللهِ ^ بين هذه الأسرة، وكان بينهما ذُرِّيَّةٌ، وولَدَتْ زينبُ لأبي العاصِ أكثرَ مِن ولَدٍ، فعاشت في المدينة، وعاش أبو العاصِ زوجُها في مكَّةَ على كُفْرِه، ولم تَتِمَّ أيَّةُ صلةٍ جنسيَّةٍ أو استمتاعٍ بينهما، بعد مجيئِها إلى المدينةِ حتى أسلَمَ.
وقد فارَقَ عُمَرُ بنُ الخطَّابِ رضِيَ اللهُ عنه زَوْجتَيْهِ المشرِكتَيْنِ عند نزولِ قولِهِ تعالى:
{لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}
[الممتحنة: 10]
، وقولِهِ تعالى:
{وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ}
[الممتحنة: 10].
وأما زواجُ المسلِمِ مِن يهوديَّةٍ أو نصرانيَّةٍ، فهو جائزٌ لأن الرجُلَ له السلطةُ والقِوامةُ في بلَدِ الإسلام، وهو أكثرُ تأثيرًا مِن المرأة، واليهوديَّةُ والنصرانيَّةُ أقربُ إلى الإسلامِ مِن المشرِكات؛ ولهذا خُفِّفَ هذا الحُكْمُ لهذه الحِكْمةِ وغيرِها مما يَعلَمُهُ العليمُ الخبير.
ومع ذلك: فمتى غلَبَ على الظنِّ أن زواجَ المسلِمِ باليهوديَّةِ أو النصرانيَّةِ سيكونُ سببًا لفتنتِهِ في دِينِهِ، أو فِتْنةِ ولدِهِ - خصوصًا إن كان في بلادِ الكفَّار - فيُمنَعُ مِن هذا الزواجِ لهذه الفتنةِ العارضة.
رابعًا: التفريقُ بين الزوجَيْنِ حالَ إسلامِ أحدِهما، لا يَصِحُّ وصفُهُ بالحكمِ المنفِّرِ مِن الإسلام، بل هو مِن مَحاسِنِ الإسلامِ الداعيةِ للدخولِ فيه:
فوصفُ الحكمِ الشرعيِّ الذي جاء به القرآنُ الكريمُ، والسُّنَّةُ النبويَّةُ الشريفةُ، في التفريقِ بين المسلِمةِ والكافِر، والمشرِكةِ والمسلِم، وقال به الفقهاءُ، وجماهيرُ العلماءِ مِن لَدُنْ صحابةِ رسولِ اللهِ ^، حتى يومِنا هذا: بأنه تنفيرٌ، وإبعادٌ للناسِ عن دينِ الله -: هذا القولُ قولٌ قبيحٌ، يُرَدُّ على قائلِه، ويُنكَرُ عليه.
فهو إن كان يَدَّعي الفقهَ واحترامَ الفقهاء، فهذا القولُ متَّفَقٌ عليه بين علماءِ الإسلام، ومنزلتُهم معروفةٌ، وقد أفنى هؤلاءِ العلماءُ والفقهاءُ أعمارَهم في خدمةِ الإسلام، وتعليمِهِ للناس، وإقناعِهم به؛ فهل إفتاءُ التابِعين وتابِعي التابِعين والأئمَّةِ بعدهم بالتفريقِ ثمرتُهُ تنفيرُ الناسِ مِن الدِّينِ، وإبعادُهم عن الإسلام؟!
وإن كان لا يقدُرُ قَدْرَ فقهاءِ المسلِمين، فيُعرَّفُ قَدْرَهم، وإلا فيُذكَّرُ بالواقع؛ فإن القولَ باستمرارِ العَلاقةِ الزوجيَّةِ بين الكافرِ والمسلِمةِ، وبين المسلِمِ والمشرِكةِ غيرِ الكتابيَّة، يعاشِرُها وتعاشِرُهُ، ويُنجِبانِ أطفالًا يتخاصَمُ الأبوانِ ويتنازَعانِ على حضانتِهما وتربيتِهما، ويُنسَبُ هؤلاءِ الأطفالُ للرجُلِ الزوجِ إنْ كان كافرًا؛ لأنهم وُلِدوا لكافرٍ؛ فإن الولَدَ لأبيه -: هذا القولُ يخالِفُ الأدلَّةَ الواضحةَ، ومنهجَ الفقهِ والفقهاءِ الذين اتفَقُوا على التفريقِ بينهما.
مع أن الإسلامَ لم ينفرِدْ بهذا؛ ففي قانونِ الأقباطِ الأَرْثُوذُكْسِ المصريِّ الصادرِ عامَ (1938م)، تنُصُّ المادَّةُ السادسةُ على أن «اختلافَ الدِّينِ مانعٌ مِن الزواج»، وغيرُها شواهدُ كثيرة.
ومما تجدُرُ الإشارةُ إليه: أن حياةَ المسلِمين الواقعيَّةَ، وتاريخَهمُ الطويلَ، منذ العهدِ النبويِّ، وحتى انقضاءِ الدولةِ العثمانيَّة، والمُفْتون يُفْتون المسلِمين، وقضاةُ المسلِمين يَقْضون بين المسلِمين وغيرِهم في هذه الحالاتِ: أن إسلامَ أحدِ الزوجَيْنِ، وإصرارَ الآخَرِ على الكفرِ، يُبطِلُ عقدَ الزواج، ويَمنَعُ مِن الوَطْء؛ فلم ينفِّرْ ذلك الناسَ مِن الإسلام، بل دخَلوا فيه وافِرين:
فالرجُلُ حين يَرَى زوجتَهُ قد هَدَاها اللهُ للإسلامِ؛ فهجَرَتْ عبادةَ الأوثان، وتحرَّرت مِن الخُرافاتِ والأوهام -: كان يبادِرُ إلى دخولِ الإسلامِ معها، أو بعدَها بقليلٍ، فيكوِّنانِ أُسْرةً مسلِمةً، تَسُودُ فيها الحياةُ الإسلاميَّةُ، وأحكامُ الشريعةِ الإسلاميَّة.
والمرأةُ التي أسلَمَ زوجُها، ودخَلَ هذا الدِّينَ، وجاهَدَ مِن أجلِ نشرِهِ في ربوعِ العالَمِين، حين ترى زوجَها يُسلِمُ -: تسارِعُ إلى الدخولِ في الإسلامِ - في الغالبِ - مع زوجِها، حتى يستمِرَّ الانسجامُ، والمودَّةُ والرحمةُ والسكَنُ، ويكوِّنا أسرةً مسلِمةً.
هذا؛ وإنَّ عددَ الحالاتِ التي يدخُلُ فيها أحدُ الزوجَيْنِ الإسلامَ، ويُصِرُّ الآخَرُ على الكفرِ، ولو تمزَّقتِ الأسرةُ، وتفرَّق الزوجانِ -: قليلٌ جِدًّا، ولا يكادُ يُذكَرُ بالنسبةِ للأزواجِ الذين دخَلوا الإسلامَ معًا، أو سبَقَ أحدُهما الآخَرَ.
وقد أعطى الإسلامُ فُرْصةً لأحدِ الزوجَيْنِ الكافرِ منهما أن يتدبَّرَ الأمرَ، وأن يفكِّرَ فيه مدَّةً مِن الزمَن، فإذا رفَضَ الكافرُ خلالَ هذه المدَّةِ أن يدخُلَ في دينِ الله، وأن يَبْقى كافرًا، معادِيًا للهِ ورسولِهِ ^، فكيف تَبْقى هذه المرأةُ المؤمِنةُ زوجةً له؟! يجامِعُها وتنكشِفُ عليه أبدًا، ثم يُعَدُّ ذلك ترغيبًا له ولغيرِهِ في الإسلام؟!
بل ذلك يَجعَلُهُ مُصِرًّا على الكفرِ متمرِّسًا به، ما دام يحقِّقُ مرادَهُ ونَزْوَتَهُ، ولذَّاتِهِ مع المسلِمة، وهو كافرٌ يكفُرُ بربِّها وبدِينِها، ويُنكِرُ نبيَّها ^، ويعبُدُ غيرَ اللهِ مِن وثَنٍ أو غيرِه.
فليس في ذلك تأليفٌ لقلبِهِ على الإسلام، بل هو إقرارٌ لقلبِهِ على الكفرِ؛ وهذا أبعَدُ ما يكونُ مما قامت عليه الدعوةُ النبويَّة.
وراجِعْ: جوابَ السؤال رقم: (271).
مختصر الجواب
مضمونُ السؤال:
صاحبُ هذا السؤالِ يَرَى أن التفريقَ بين الزوجَيْنِ بسببِ إسلامِ أحدِهما، يعارِضُ مَقصِدَ الشريعةِ في حفظِ الأُسْرةِ، وعدمِ تفكُّكِها.
والذي يريدُ قولَهُ: إن هذا الحكمَ الشرعيَّ يؤدِّي إلى التنفيرِ مِن الدِّينِ الإسلاميِّ، وإعراضِ الناسِ عنه.
مختصَرُ الإجابة:
إن الإسلامَ جاء برعايةِ الأسرةِ والمحافَظةِ عليها، لكنَّه لم يأمُرِ المسلِمةَ الجديدةَ، أو المسلِمَ الجديدَ، بالبقاءِ مع زوجِهِ، أو زوجتِهِ، إنْ هو أصَرَّ على الكفرِ، بل أمرَ بحصولِ التفريقِ بينهما.
والتفريقُ - في هذه الحالةِ - دَلَّ عليه الكتابُ والسُّنَّة، وأفتى به الصحابةُ والتابِعون رضِيَ اللهُ عنهم، وهي مسألةٌ إجماعيَّةٌ بين العلماء.
والأمرُ بالتفريقِ فيه اعتبارٌ لمصلحةٍ أجلَّ وأعظمَ، وهي مصلحةُ عُلُوِّ الإسلامِ ورفعتِه، التي لا تحصُلُ بإباحةِ وَطْءِ الكافرِ للمسلِمةِ بحال.
ولو كان الزوجُ الكافرُ يَرغَبُ في استمرارِ الحياةِ الزوجيَّةِ مع المسلِمة، وكان يحبُّها حبًّا حقيقيًّا -: لدخَلَ في دِينِ الإسلام، لكنَّ رفضَهُ الإسلامَ (دِينَ زوجتِهِ) يدُلُّ على عدمِ الحبِّ، ولأنه لنْ يراعِيَ أحكامَ الشرعِ في المعاشَرةِ، وحظرِها في الحَيْضِ والنِّفاس، وغيرِ ذلك مِن الأمور، وهو بابٌ لإنتاجِ ذُرِّيَّةٍ كافرةٍ؛ إذِ الولدُ تبَعٌ لأبيه.