تواصل معنا

ابن سبأ مؤسس الماسونية في الإسلام

الوصف

مقالة

عبد الله بن سبأ شخصية حيرت البعض، فهو مؤسس جماعة ماسونية في عصر الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه أدت إلى مقتله وفتح باب الفتن في العالم الإسلامي وكان أول من نشر الفوضى التي عرفت في الغرف الماسوني بالفوضى الخلاقة في القرن الواحد والعشرين الميلادي على يد زعيمة الماسونية الولايات المتحدة الأمريكية. فتقرأ في هذا الكتاب عن شخصية ابن سبأ بين شبهات المنکرين وأدلة المثبتين وذكره في مصادر أهل السنة والجماعة وأهل الشيعة، وتقرأ عن أصل ابن سبا وظهوره في البلدان الإسلامية وإثارة الفتن ضد أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه وأدت تلك الفتنة إلى مقتله ثم التقاتل بين الصحابة في موقعة الجمل وموقعة صفين: 

: وتقرأ عن دور ابن سبأ في أحداث موقعة الجمل وموقعة صفين وكذلك واقعة النهروان وخروج طائفة أخرى منهم وهم الخوارج على الإمام علي رضي الله عنه وتكفيرهم له. وتقرأ أيضا عن حقيقة السبئية وعقيدتهم الفاسدة وكيف أدت تغيرات المجتمع الإسلامي في العصر الأول وكانت من أسباب ظهور السبئية وما هي عقيدتهم التي هي عقيدة المسيح الدجال التي تبدأ بالصلاح والإسلام ثم ادعاء النبوة ثم الألوهية. وتقرأ عن أهم رجالات السبئية ثم تقرأ عن غموض نهاية عبد الله ابن سبأ واختفائه والإجابة عن سؤال قد حير البعض هل ابن سبأ هو المسيح الدجال أو أحد أتباعه. sOR ا إنه كتاب يستحق أن تقرأه عزيزي المثقف لتتعرف على الشخصية الهامة في التاريخ الإسلامي ودورها في أحداث الفتنة الأولي و استمرد وحتى الآن. 

 

مؤسس الماسونية في الإسلام 

ابن سبأ 

{ 16 } 

سلسلة حكومة العالم الخفية 

 

 

المقدمة

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خلق الخلق وقدر كل شيء فيه فأحسن التقدير. 

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه أرسله على حين فترة من الرسل ليخرج الناس من الظلمات إلى النور ومن عبادة غير الله إلى عبادة الله الواحد الأحد فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الله به الغمة وتركنا على المحجة البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك، فكان خير من بلغ عن ربه عز وجل صلوات ربي وسلامه عليه. 

ثم أما بعد،،،، 

فالمؤمرات على الإسلام وعلى البشرية وعلى العالم منذ فجر التاريخ تزعمها في البداية إبليس عليه اللعنه حين رفض طاعة أوامر الله بالسجود لآدم عليه السلام وأظهر حقده وحسده عليه ثم على ذريته وتوعدهم بالغواية والإضلال 

ثم ساعده أتباعه وأعوانه من شياطين الإنس في كل العصور، إلا أن بني إسرائيل حملوا لواء الفتن منذ أن تآمروا على الأنبياء الذين أرسلهم الله إليهم ثم على الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم ثم على الخلفاء الراشدين وخاصة في عهد الخليفة الثالث الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه 

وقد تزعم تلك المؤمرات اليهودي عبدالله بن سبأ (ابن السوداء) الذي ادعى الإسلام في اليمن ثم قاد الفتن والمؤمرات وجمع الأتباع حوله فكان المؤسس للفكر الماسوني في. صدر الإسلام وفي العالم الإسلامي. 

وكعادة اليهود المتآمرين پنگرون خططهم وشخصياتهم، فأنكروا شخصية ابن سبا وقالوا انها شخصية مزيفة ختلقة كما قالوا ذلك أيضا على بروتوكلاتهم الشهيرية التي 

 

وضعها لهم زعيمهم الأكبر الدجال بواسطة رجالاتهم الكبار الذين أطلقوا عليهم الحكماء وهم في الحقيقة الخبثاء. 

وفي هذا الكتاب نحاول بمشيئة الله تسليط الضوء على هذا اليهودي الماسوني الفكر لنتعرف خطورة ما أصاب به الإسلام والمسلمين منذ العصر الأول والقرن الأول للإسلام والفتنة التي حدثت في خلافة عثمان رضي الله عنه ثم الفتنة بين الصحابة بين معسكر الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ومعسکر معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما وهكذا حتى زماننا هذا. 

فالتاريخ الماسوني التآمري قديم وبالتحديد منذ السبي البابلي لبني إسرائيل، وتتجدد تلك المؤامرات حسب طبيعة الزمان والمكان وهو ما يعرف بالأيدلوجية. 

أما الهدف فهو ثابت، فكل الخطط الماسونية تسعى للتمهيد لقدوم الدجال (المسيح المنتظر عند اليهود) وهذا التمهيد يأتي بالإفساد في الأرض وإثارة الفتن حتى يتقبل الناس حكم الدجال، وهو ما نعرفه اليوم في عالم السياسية بالفوضى الخلاقة التي نادت بها وزيرة خارجية أمريكا السابقة ابنت السوداء، حفيدة ابن السوداء ابن سبأ. 

فالأيدلوجية التي اعتمد عليها ابن السوداء هي إثارة الفتن بين الصحابة و تحريف العقيدة والمعتقد الإسلامي الحنيف وإثارة النعرات القومية وعبادة غير الله. 

نسأل الله أن يعيننا على إخراج هذا الكتاب على الوجه الذي يرضيه ويرضاه مناء ويجعله في ميزان حسناتنا يوم القيامة إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد و آله و صحبه. 

منصور عبد الحكيم محمد القاهرة نوفمبر 2012 

 

 

الفوضى الخلاقة من زمن ابن السوداء إلى زمن بنت السوداء

 

| فلسفة الفوضى الخلاقة قديما وحديثا، \ - الفوضى الخلاقة صناعة يهودية قديمة 

القرن الأول الهجري وعادت للظهور في القرن الواحد والعشرين الميلادي. 

 

 

فلسفة الفوضى الخلاقة قديما وحديثا

 

الفوضى (( Disorder )) وتعرف بأنها فقدان النظام الحاكم للسيطرة والترابط بين أجندة الدولة مما يعم على المجتمع بالاضطرابات وعدم قدرة الدولة على التحكم. ومن الفوضى اختراع المتنورين أصحاب المؤامرة (( الماسون )) قديما وحديثا ما عرف بالفوضى الخلاقة ويقصد به تکوين حالة من الاضطراب في المجتمع مقصود مثل الانفجار الكوني يخلق منه نظام عالمي جديد، لكن الفوضى هي الفوضى تؤدي إلى التدمير والخراب وهي قلسلفة ظهرت مؤخرا على لسان وزيرة الخارجية الأمريكية (( رايس، ذات البشرة السوداء، ولا تعيرها بلونها فإنها من خلق الله وإنا نأخذ عليها سواد أعالها، كما ظهرت قديما في صدر الإسلام على يد ابن السوداء عبدالله بن سبأ 

والطريق لتحقيق هذه الفوضى هو تدمير الشعوب ذاتيا حيث إنهم درسوا الدين الإسلامي جيدة وفشلوا في تحريف القرآن والسنة لأن الله هو الحافظ لها كما أنهم يعلمون تحذيرات النبي صلى الله عليه وسلم من الفتن والاختلاف فلا يستطيعون القضاء علينا إلا بهذة الطريقة وهي الحروب الأهلية ونشر ثقافات مبتدعة دخيلة على الثقافة العربية والإسلامية ألفاظ جوفاء لا تحمل بين طياتها واقعا حقيقيا تصب جميعها في التحلل والانسلاخ من قيم ومبادئ المجتمع والدين وهذه المصطلحات في بروتوكولات صهيون وهي ضد سنن الله في كونه وقد سجلت بروتوكولاتهم تلك المخططات وقد أوضحوا ذلك بقولهم في تلك البروتوکلات 

كذلك كنا قديما أول من صاح في الناس والحرية والمساواة والإخاء، کليات ما انفكت ترددها منذ ذلك الحين ببغاوات جاهلة متجمهرة من كل مكان حول هذه الشعائر، وقد حرمت بترددها العالم من نجاحه، وحرمت الفرد من حريته الشخصية الحقيقية التي كانت من قبل في حمي يحفظها من أن يخنقها السفلة. إن أدعياء الحكمة والذكاء من الأميين (غير اليهود) لم يتبينوا كيف كانت عواقب الكلمات التي بلوكونها، ولم يلاحظوا كيف يقل الاتفاق بين بعضها وبعض، وقد يناقض بعضها بعضا. إنهم 

 

 

ابن سبأ. مؤسس الماسونية في الإسلام

 

لم يروا أنه لا مساواة في الطبيعة، وأن الطبيعة قد خلقت أنباطا غير متساوية في العقل والشخصية والأخلاق والطاقة 

وقد اخترعت جماعة النوارنيين (( الإيلوميناتيه عام 1774 مشروعة للسيطرة على المجتمعات حيث إن السيطرة العسكرية تلقى دائا مقاومة فوضع آدم وايزهاوبت، مؤسس جماعة النورانيين، وتعتبر مؤلفاته بمثابة الدستور الذي تقوم عليه الماسونية مشروعة يهدف إلى خلق فوضى عارمة وعنف وإراقة دماء بمستوى عالمي لخلق حالة من الرعب والخوف العالمي حتى يتحد جميع البشر على الأرض في نظام عالمي جديد نظام من رحم الفوضى لا يعترف بدين ولا قومية ولا حدود نظام عالمي إلحادي دنيوي يحكمه في النهاية المسيح الدجال کيا جاء في البروتوكول العاشر من بروتوكولات صهيون نشا: ايصرخ الناس الذين مزقتهم الخلافات وتعذبوا تحت إفلاس حكامهم هاتفين: (( اخلعوهم، وأعطونا حاكما عالميا واحدا يستطيع أن يوحدنا، ويمحق كل أسباب الخلاف، وهي الحدود والقوميات والأديان والديون الدولية ونحوها .. حاك يستطيع أن يمنحنا السلام والراحة اللذين لا يمكن أن يوجدو في ظل حكومة رؤسائنا وملوكنا وممثليناه. 

وتقدم فلسفة الفوضى الخلاقة خروج نظام جديد يخدم المصالح الدجالية، أو ما يعرف بالنظام العالمي الجديد، ويتمثل ذلك واقعية على أرض الواقع في جعل الدول المستهدفة بلا رئاسة لا عسكرية ولا مدنية ولا إسلامية ولا غير ذلك حتى تغرق في فوضى كاملة ولاحظ أن هؤلاء الفوضويين الأناركيين دوما يفخرون بقولهم: الثورة بلا قائد، ثم بعد أحداث هذه الفوضى المديرة وهدم الدولة والحرية التحررية من كل ضوابط العرف والشرع والدين والدولة والمجتمع يأتي أوان البناء على أسس وقواعد ومبادئ ماسونية وذلك الذي يعبر عنه بالبنائين الأحرار. 

إن الفوضى لن تخلق شيئا على الإطلاق لأن هذا ضد ستن الله التي وضعها في الكون فلم نجد يوما ذبابة خلقتها الفوضى ولا كوكية ولا أصغر من ذلك ولا أكبر جاء من رحم الفوضى ونظريات داروين والملحدين كلها نظريات خاطئة لا يمكن إثباتها وتنافي 

12 

 

الواقع الذي أقرته جميع الأديان فالله هو الذي خلق كل شيء من العدم كان قبل أن يكون شيء وكان ولم يكن معه شيء يقول للشيء كن فيكون عنده العلوم كلها وما أوتيتم من العلم إلا قليلا .. 

لقد أعلنت الوزيرة الأمريكية كونداليزا رايس مشروع الشرق الأوسط الجديد أو الفوضى الخلاقة من خلال نشر الديمقراطية في العالم العربي والتدخل لحقوق المرأة ودعم الحرية في عام 2005، وتبنى تنفيذ هذا المشروع جاريد كوهين وهو أصغر مستشار يهودي في مكتب كونداليزا رايس وهو مؤسس منظمة موفمس لتدريب وجمع التشطاء حول العالم وكذلك عضو في برنامج جيل جديد التابع لمنظمة فريدوم هاوس وهو أيضا مدير الأفكار في شركة جوجل، وكان تطبيقه في الشرق الأوسط الإسلامي في العراق فهدم دولة من أكبر الدول العربية الإسلامية وذلك لصالح الكيان الصهيوني ولم تؤد تلك الفوضى إلى الديمقراطية كما قالوا و وعدوا. 

ويرى البعض أن الفوضى تشبه الفتنة وتقارب الثورة رغم أن هناك فرق كبير بين هؤلاء الثلاثة. 

فالفتن في كلام العرب هي الابتلاء والامتحان وقد كثر استعمالها بمعنى الإثم والكفر والقتال، وقد لخص الإعراجي معاني الفتن بقوله: الفتنة الاختبار و الفتنة: المحنة والفتنة المال و الفتنة: الأولاد والفتنة الكفر والفتنة اختلاف الناس بالآراء کا جاء ذلك في لسان العرب لابن منظور) 

- معاني الفتنة في الكتاب والسنة 1 - الابتلاء والاختبار: كما في قوله تعالى: وأحيب الا أن يتركوا أن يقولوا انا وهم لاينتون و

العنكبوت: 2 أي وهم لا يتلون كما في ابن جرير 2 - الصد عن السبيل والرد: کما في قوله تعالى: وواخدهم أن يقولك ع بعي ما أنزل الله الك 4 [المائدة: 44] قال القرطبي: معناه: يصدونك ويردونك. 3 - العذاب: كما في قوله تعالى: ثات كلين هاجروا من بعد ما فوا جهدوا 

وصبروا ك ك من بعدها لثور حب3 [النحل: 111) فتوا: أي عذبوا 

 

ابن سبا .. مؤسس الماسونية في الإسلام 

قال تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ [العنكبوت: 2) . 

والثورة في المصطلح السياسي هي حركة سياسية يحاول الشعب أو الجيش أو مجموعات أخرى إخراج السلطة الحاكمة بالعنف أو المظاهرات والاعتصامات کا حدث في الثورات العربية في مصر وتونس وليبيا. 

- الشرك والكفر: كما في قوله تعالى: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ 4 (البقرة: 193) قال

ابن كثير: أي شرك 5 - الوقوع في المعاصي والنفاق: كما في قوله تعالى في حق المنافقين وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ (الحديد: 14]  قال البغوي: أي أوقعتموها في النفاق وأهلكتموها باستعمال

المعاصي والشهوات. - اشتباه الحق بالباطل: كما في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ [الأنفال: 73] فالمعني: (( إلا يوالى المؤمن من دون الكافر، وإن كان ذا 

رحم به (تكن فتنة في الأرض )) أي شبهة في الحق والباطل. )) كذا في جامع البيان لابن جرير. 7 - الإضلال: كما في قوله تعالى وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ. )) [المائدة: 49] ، فإن معنى الفتنة هنا الإضلال 

البحر المحيط لأبي حيان (4/ 292) 8 - القتل والأسر، ومنه قوله تعالى: (( أنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا 4 (النساء: 101) . والمراد: حمل الكفار 

على المؤمنين وهم في صلاتهم ساجدون حتى يقتلوهم أو يأسروهم. كما عند ابن جرير. - اختلاف الناس وعدم اجتماع قلوبهم: كما في قوله تعالى: وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ 4 

التوبة: 473 أي يوقعوا الخلاف بينكم كما في الكشاف (2/ 277) . | 10 - الجنون: كما في قوله تعالى بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (6 القلم:1) . فالمفتون بمعنى المجنون. 11 - الإحراق بالنار: لقوله تعالى: نَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا و البروج: 10). 

14 

 

الفوضى الخلاقة من زمن ابن السوداء إلى زمن بنك السوداء 

وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة وصاحبة نظرية الفوضى الخلاقة في عصر الرئيس بوش الابن. 

 

 

الفوضى الخلاقة صناعة يهودية قديمة ظهرت في القرن الأول الهجري وعادت للظهور

 

في القرن الواحد والعشرين الميلادي ناصب اليهود الدين الإسلامي منذ ظهوره في شخص النبي صلى الله عليه وسلم فحاولوا قتله ودس السم له وكذلك سحره، وحين لم يفلحوا وأظهر الله عز وجل دينه ونصر رسوله صلى الله عليه وسلم ناصبوا أتباع الدين الجديد العداء کا فعلوا مع المسيح عيسى ابن مريم عليها السلام حيث حاولوا صلبه وقتله فلم يفلحوا ناصبوا أنصاره و حواريه العذاء ثم حدث الاختراق اليهودي الماسوني لهم بواسطة شؤول الذي عرف ببولس الرسول، وكذلك حدث مع المسلمين الأوائل في القرن الأول في عهد الصحابة والخلفاء الراشدين حين دخل بعض اليهود في الإسلام لزرع الفتن وخاصة في العقيدة ولهذا قال تعالى: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ )) [المائدة: 82). | 

ومن هؤلاء الذين ادعوا الإسلام ليثيروا الفتن في المجتمع الإسلامي الجديد عبدالله اين سبأ، فقد لعب دور رئيسة ومحوريا في تلك الفتن التي ظهرت في عصر عثمان بن عفان رضي الله عنه وأدت إلى مقتله ثم الفتن بين الصحابة في عهد الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ثم ظهور شيعة الإمام علي رضي الله عنه وهذا الدور اليهودي ليس بمستغرب عليهم قديما وحديثا فهم أهل عنصرية يرون أنفسهم شعب الله المختار المميز على سائر البشر. 

وقد ظهر دور اليهود التأمري قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة لكنه ظهر جليا على أرض الواقع في المدينة المنورة بعد تأسيس الرسول صلى الله عليه وسلم لدولة الإسلام الأولى كما روت كتب السيرة ذلك وكان سبب نصب العداء 

 

له هو الحسد، فانضم اليهود إلى طائفة المنافقين من أهل المدينة الذين أظهروا الإسلام وأبطنوا النفاق والعداء للإسلام. 

ذكر ابن هشام في السيرة النبوية عن ابن إسحاق قوله: ونصبت عند ذلك أحبار هود لرسول الله صلى الله عليه وسلم العداوة بغية وحسد .. وأضاف إليهم رجال من الأوس والخزرج - أهل المدينة - فكانوا أهل نفاق وكان هواهم مع اليهودا. 

هكذا ظهرت تلك الطائفة الجديدة في مجتمع المدينة، بعد الهجرة النبوية المنافقين من اليهود وبعض أهل المدينة من قبيلتي الأوس والخزرج وقد ذكرهم الله عز وجل في أكثر من موضع من القرآن الكريم ووصف حالهم، قال تعالى: (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ [البقرة: 14) . 

وشياطينهم هم سادتهم وكبراؤهم من أحبار اليهود والمشركين كما قال بذلك ابن كثير في تفسيره للآية. 

وكان بالمدينة ثلاث قبائل من اليهود يسكنون بها مع أهل المدينة من قبيلتي الأوس والخزرج، وهم يهود بني قينقاع ويهود بني قريظة ويهود بني النضير، وقد عقد رسول الله صلى الله عليه وسم معهم معاهدة إلا أنهم نقضوا تلك العهود والعقود، كما قال تعالى: أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ 6 [البقرة: 100). 

وقد حاولوا قتله کا فعل يهود بني النضير وأما بني قريظة فنقضوا العهد معه وتحالفوا مع المشركين في غزوة الأحزاب، وكذلك فعل بنو النضير، وكان مصيرهم الطرد من المدينة أو القتل كما حدث مع بني النضير الذين قالوا لوفد الأنصار في أيام حصار المشركين للمدينة في غزوة الخندق والأحزاب، وكانت المعاهدة تقضي بأن يشاركوا المسلمين الدفاع عن المدينة امن رسول الله، لا عهد بيننا وبين محمد ولا عقد ... )) (1) . 

ومن أساليب اليهود في فتنة المسلمين وحتى أيام النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يعلنون إسلامهم نهارا ويكفرون به ليلا ليوهموا الناس بأنهم قد تبين لهم الضلال فعادوا 

1 - انظر كتاب السيرة النبوية لابن هشام وغيره من كتب التاريخ مثل البداية والنهاية وتاريخ الطبري

17 

 

إلى الصواب كما قال تعالى في القرآن الكريم وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ 4 [آل عمران: 72) 

وتتسع أراضي الدولة الإسلامية في عهد عمر رضي الله عنه الخليفة الراشد وكان اليهود المطرودون من المدينة المنورة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم قد لحق بعضهم بالشام والبعض الآخر ظل في الجزيرة العربية بخيبر وقد أوصي بجلائهم في أواخر حياته بقوله: (لا يجتمعن بجزيرة العرب دينان) . (1) وبالفعل أجلاهم عمر رضي الله عنه 

ويفتح باب الفتن بمقتل عمر رضي الله عنه على يد المجوسي أبي لؤلؤة عام 23 ه کيا يروي ذلك البخاري في صحيحه عن الصحابي الذي شهد الحادثة الأليمة فيقول: 

وإني لقائم ما بيني وبين عمر إلا عبدالله بن عباس غداة أصيب، وكان إذا مر بين الصفين قال استووا، حتى إذا لم ير فيهم خل" تقدم فكير وربما قرأ سورة يوسف أو النحل أو نحو ذلك في الركعة الأولى حتى يجتمع الناس فها هو إلا أن كبر فسمعته يقول: قتلني أو أكلني الكلب، حين طعنه فطار العلج بسكين ذات طرفين لا يمر على أحد يمينا ولا شالا إلا طعنه حتى طعن ثلاثة عشر رجلا مات منهم تسعة، فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه برنسا، فلما ظن العلج أنه مأخوذ نحر نفسه، وتناول عمر يد عبدالرحمن بن عوف نقدمه، فمن يلي عمر، فقد رأى الذي رأى، وأما نواحي المسجد فإنهم لا يدرون غير أنهم فقدوا صوت عمر وهم يقولون سبحان الله سبحان الله، فصلى 

هم عبدالرحمن صلاة خفيفة فلما انصرفوا قال: يا ابن عباس انظر من قتلني فجال ساعة ثم جاء فقال غلام المغيرة قال الصنع؟ قال نعم قال: قاتله الله لقد أمرت به معروف الحمد الله الذي لم يجعل منيتي بيد رجل يدعي الإسلام 

ويحس عمر رضي الله عنه أنها اللحظات الأخيرة، فيوصي ابنه عبدالله أن يقضي ما عليه من الديون، وأن يستأذن أم المؤمنين عائشة في أن يدفن مع صاحبيه (( انطلق إلى عائشة فقل يقرأ عليك عمر السلام ولا تقل أمير المؤمنين فإني لست اليوم للمؤمنين 

1 - السيرة النبوية لابن هشام.

 

أميرة، وقل يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه (1) . 

ويستبشر عمر حينها يطمئنه عبدالله بن عمر بساح أم المؤمنين وإذانها في دفنه بجوار صاحبيه وكأن ذلك هو الأمر الوحيد الذي عاد يهمه ويوليه فكره والحمد لله ما كان من شيء أهم إلى من ذلك. 

وقد ذكر ابن كثير أن قاتل عمر هو فيروز (المجوسي الأصل، الرومي الدار) . 

وقال ابن سعد: (( كان أبو لؤلؤة - واسمه فيروز - من سبي نهاوند، و هذا يدعونا إلى أن تتوقف قليلا لنعرف سر تخوف عمر - في حياته - من السبي، ووضعه خطة تكفل منع البالغين منهم دخول المدينة كما يقول الزهري: (( كان عمر لا يأذن لسبي قد احتلم في دخول المدينة، حتى كتب المغيرة بن شعبة - وهو على الكوفة - يذكر له غلاما عنده صنعة ويستأذنه أن يدخل المدينة، ويقول: إن عنده أعمالا كثيرة فيها منافع للناس إنه حداد، نقاش، نجار فأذن له أن يرسل بها. 

وعن أسباب قتله تذكر لنا الروايات التاريخية محاورة جرت بين عمر وبين أبي لؤلؤة المجوسي - قبيل قتله - ومضمونها شكوى أبي لؤلؤة وتظلمه من الخراج الذي فرضه عليه سيده (المغيرة بن شعبة) ومقداره در همان في اليوم أو أربعة دراهم. 

وأن عمر سأله عما يملكه من صناعة فأجاب بأنه نقاش، نجار، حداد فقال له عمر: افيا أري خراجك بكثير على ما تصنع، فغضب العبد وقال: (( وسع الناس كلهم عدله غيري، فأضمر قتله. 

ولم يؤد مقتل عمر رضي الله عنه واستشهاده إلى فوضى رغم أن ما حدث كان مصيبة لم تصب الناس قبل ذلك كا ذكر ذلك عمرو بن ميمون عن خبره الذي ذكره البخاري: 

وكأن الناس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ، فقد مرت الحادثة وتم اختيار عثمان بن عفان رضي الله عنه خليفة للمسلمين وأميرة للمؤمنين. 

وكان النصف الأول من خلافة عثمان رضي الله عنه بلا مشاكل ولا فتن وإنما استقرار 

1 - رواه البخاري في صحيحه

 

وزيادة في رفعة أراضي الدولة الإسلامية ما أثار حفيظة اليهود والماسون )) المتآمرين على البشرية والإسلام، وجاء دور عبدالله بن سبأ في إثارة الفتن الخلاقة بتأليب المسلمين في الأمصار على الخليفة على مدار السنوات الأخيرة في حياة عثمان رضي الله عنه 

لقد استطاع ابن سبأ من إحداث فوضى بدأت بالفتنة بين عوام المسلمين وصعدت إلى كبار الصحابة في عهد عثمان رضي الله عنه ثم تحولت إلى فوضى وحروب وقتال و شقاق واختلافات و خلاف في الرأي وكل شيء أدى إلى القتال بين الرفقاء الأصحاب حتى أن تلك الفوضى أنست الكثيرين منهم تعاليم ونصائح وأوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم كما نرى ذلك في موقعة الجمله حين ذكر الإمام علي رضي الله عنه صديقه القديم وغريمه الجديد في ساحة المعركة الصحابي الزبير بن العوام بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم له بأنه سيقاتله وهو ظالم له، فتذكر الزبير في الحال وانسحب من أرض المعركة. 

فالفتن هي البداية الحقيقة لأي فوضى تحدث في العالم، فالبداية فتن و خلاف والنهاية فوضى وملاحم وقتال. 

وأرضية الفتن موجودة في كل زمان ومكان وهي الخلاف، لأن الخلاف أمر طبيعي في المجتمعات وخطورته ألا يكون على أسس وضوابط، ففي حالة انفلاته يؤدي إلى حدوث الفتن بين أفراد المجتمع الواحد والأسرة الواحدة وهذا يؤدي بالطبع إلى إحداث الفوضى المحدودة ثم العارمة والاقتتال، وهذا ما تفعله قوى الشر في العالم القديم والحديث وهذا ما فعله أيضا ابن السوداء في العصر الأول للإسلام فعلته بنت السوداء کوندليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة وأدى فعلها إلى تدمير منطقة بأسرها و عالم بأكمله في غضون سنوات قليلة ونحن نعيش نتائج أفعالها في عالمنا العربي والإسلامي الآن. 

 

 

عبدالله بن سبأحقيقة لا خرافة

 

عبد الله بن سبأ بين شبهات المنكرين وأدلة المثبتين لوجوده 

- الخلط بين عبدالله بن سبأ اليهودي .. وعمار بن ?اسررضي الله عنهم?

ذكر ابن سبا مصادر أهل السنة والجماعة. 

ذكر ابن سبأ في مصادر الشيعة 

 

 

عبدالله بن سبأ بين شبهات المنكرين

 

وأدلة المثبتين لوجوده عبدالله بن سبأ من الشخصيات التاريخية المؤثرة والمتسبب في إحداث الفتنة التي حدثت في عصر الخليفة الثالث الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه وكذلك في عهد الخليفة الرابع الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما سيأتي ذكره إن شاء الله، فقد أنكر وجوده أصلا بعض من المؤرخين والكتاب المعاصرين، وقد أثبت وجوده أيضا الكثيرون من المؤرخين وكتاب التاريخ وهذا ما جعله شخصية غامضة أثارت الحيرة والشك في وجوده أصلا عند بعض الكتاب في العصر الحديث وهذا هو المطلوب من الماسونية العالمية للتغطية على مؤامرتهم القديمة الممتدة حديثا. 

وهناك من خلط بين الصحابي الجليل عمار بن ياسر رضي الله عنها وبين عبدالله اين سبأ وأنها شخصية واحدة أي أن ابن السوداء وهو اللقب الذي أطلقه المؤرخون على عبالله بن سبأ هو عمار بن ياسر وهذا وهم لا أساس له کما سيتضح من خلال استعراض ومناقشة أدلة المنكرين لوجود شخصية ابن سبأ أصلا رغم ذكره في مصادر كثيرة في التاريخ الإسلامي لكبار المؤرخين أمثال الطبري وابن كثير وسعد بن عبدالله القمي الأشعري وابن عساکر وغيرهم. 

وأهم الشبهات التي استدل بها المنكرون لوجود شخصية ابن سبأ أن المؤرخين القدامي اعتمدوا على روايات الإخباري سيف بن عمر الذي اعتمد الطبري عليه في إثبات وجود ونقل أخبار ابن سبأ في تاريخه وهو في نظر علماء الجرح والتعديل لا يعتد 

فإذا قالوا عن تلك الشبهة؟ ذکر مرتضى العسكري في كتابه (( عبدالله بن سبأ وأساطير أخرى إن معظم المؤرخين الذين تطرقوا للحديث عن عبدالله بن سبأ أخذوا معلوماتهم عن 

 

الطبري وإن الطبري اعتمد على روايات الإخباري سيف بن عمر الذي جرحه علياء الجرح والتعديل، وإن كتاب الرجال يصفون سيف بن عمر بأنه يروي عن خلق كثير من المجهولين ضعيف الحديث ليس بشيء، متروك يضع الحديث وهو في الرواية ساقط يروي الموضوعات عن الثقات وعادة حديثه منکر متهم بالوضع والزندقة. 

وبالفعل فقد جرح علماء الجرح والتعديل سيف بن عمر فقال عنه أبو حاتم الرازي: حدثنا عبد الرحمن قال سأل أبي عن سيف بن عمر الضبي فقال متروك الحديث، يشبه حديثه حديث الواقدي. (1) 

وذكره الذهبي واكتفى بالقول (ضعفه ابن معين وغيره) (2) . وقال عنه ابن معين: سيف ضعيف الحديث: 

وقال ابن حجر: (سيف ضعيف الحديث) . ولكن الطعن في مروياته من الأحاديث النبوية الشريفة، لا ينسحب بالضرورة على الأخبار التي يرويها، لأن الأحاديث النبوية جزء من التشريع تنبني عليها الأحكام، ويؤخذ منها الحلال والحرام، وتقام بها الحدود، فهي تتصل بأصل من أصول التشريع الإسلامي وهو السنة النبوية (3) . | 

ولكن يختلف الأمر في رواية الأخبار التاريخية، فهي وإن كانت مهمة، إلا أنها لا تصل أهمينها إلى درجة الأحاديث النبوية، ولا يتمخض عنها أحكام ملزمة، إذ كل إنسان يؤخذ من كلامه ويترك .. إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم . 

ولهذا قال الذهبي: (كان سيف إخباريا عارفا) (4) . وقال ابن حجر: (ضعيف في الحديث عمدة في التاريخ) ، وفي الواقع إن سيف بن عمر لم يكن المصدر الوحيد الذي استأثر بأخبار عبد الله بن سيأ، بل ورد ذكر أخبار ابن سبأ وطائفته منقولة عن علماء متقدمين، ورواة غير سيف بن عمر وهم كثر مثل ما جاء في (طوق الحمامة) ليحيى بن 

1 - انظر المجروحين من المحدثين و الضعفاء والمزكين - ابن حبان والجرح والتعديل ابن أبي حاتم الرازي 2

- انظر الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة - الذهبي

3 - تقريب التهذيب لابن حجر.

4 - ميزان الاعتدال للذهبي

 

حمزة الزبيدي عن سويد بن غفلة الجعفي الكوفي المتوفي عام (80 ه 199 م) أنه دخل على علي - رضي الله عنه في إمارته، فقال: إني مررت بتفر يذکرون أبا بكر وعمر بسوء، ويروون أنك تضمر لهما مثل ذلك، منهم عبد الله بن سبأ، فقال علي: مالي ولهذا الخبيث الأسود، ثم قال: معاذ الله أن أضمر لها إلا الحسن الجميل، ثم أرسل إلى أبن سبأ فسيره إلى المدائن، ونهض إلى المنبر، حتى اجتمع الناس فأثنى عليهما خيرا، ثم قال: إذا بلغني عن أحد أنه يفضلني عليها جلدته حد المفتري. 

وذكر ابن عساكر في تاريخه عن زيد بن وهب الجهني الكوفي المتوفي عام (709/ 190 م) قال: (قال علي بن أبي طالب: مالي ولهذا الخبيث الأسود - يعني عبد الله ابن سبأ- وكان يقع في أبي بكر وعمر) . 

وكذلك روى ابن سعد في طبقاته عن إبراهيم بن يزيد النخعي المتوفي عام (96 ه/714 م) إن رجلا كان يأتيه فيتعلم منه، فيسمع قوما يذکرون أمر علي وعتان، فقال: أن أتعلم من هذا الرجل؟ وأرى الناس مختلفين في أمر علي وعثمان فسأل إبراهيم النخعي عن ذلك فقال: ما أنا بسبني ولا مرجئي. 

وأخرج ابن عساكر كذلك عن ابن الطفيل عامر بن وائلة الليثي الصحابي المتوفي عام (110 ه 728 م) قال: (رأيت المسيب بن نجية أتي به ملييه -يعني ابن السوداء- وعلي على المنبر، فقال علي: ما شأنه؟ فقال: يكذب على الله ورسوله) . 

وفي تفسير الإمام الطبري إن قتادة بن دعامة السدوسي المتوفي عام (117 ه 730 م) كان إذا قرأ قوله تعالى: (فأما الذين في قلوبهم زيغ الآية) قال: (إن لم يكونوا الحرورية والسبئية فلا أدري) . 

ويشير أبو مخنف إلى السبئية بصورة مقتضبة بعد استشهاد علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ويفهم منه أنها الفنية التي توالي عليا، ووصف- زياد بن أبيه - حجر بن عدي الكندي و أصحابه بأنهم (السبئية الجانية) وبأنهم (الترابية السبئية) وذكر أبو مخنف أن شبث بن ربعي الرياحي تهكم على أصحاب المختار، ووصفهم بأنهم سبئية، ووصفت 

 

أشراف الكوفة المختار واتباعه بأنهم سيئية - أثناء احتجاجهم على المختار الثقفي قبل موقعة (جبانة السبع) التي انتصر فيها المختار سنة 16 للهجرة، حيث قالوا: (أظهر وسبئيته البراءة من أسلافها الصالحين) ، کا وصف الخوارج أصحاب علي - كرم الله وجهه - بأنهم (سيئية) . 

وكل هذه الروايات الواردة عن أبي مخنف، والروايات السابقة عن سيف وغيره، تفيد أن عبد الله بن سبأ وأتباعه، كانوا من عالم الخفيفة وإن الطبري وغيره لم يعتمد على سيف بن عمر فقط منفردة وإنما يوجد غيره الكثيرون. 

کہا تنوعت المصادر الشيعية التي أثبتت وجود - ابن سبا - وتشمل هذه المصادر الشيعية كتب الفرق، وفي مقدمتها كتاب التاشي الأكبرات 293 ه): مسائل الإمامة ومقتطفات من كتاب الأوسط في المقالات و کتاب المقالات و الفرق للقمي (ت 301 ه) وفرق الشيعة للنوبختي (ت 310 ه) وكذلك كتب الرجال، ومنها رجال الكشي (أبو عمرو محمد بن عمر، ت 340 للهجرة) وقد نقل أكثر من رواية مسندة تؤكد حقيقة ابن سبأ، وكتاب رجال الطوسي (محمد بن الحسن الطوسي، ت 460 ه) وكلها تثبت وجود ابن سبأ ولم ينكر وجود ابن سبا إلا متأخرو الاب والمؤلفين من الشيعة (1) 

ومن الذين أنكروا وجود عبدالله بن سبأ من المعاصرين د. طه حسين في كتابه الفتنة الكبرى كما هو معتاد عليه و متعود منه من إثارة الشكوك وتبني الآراء الشاذة معتمدة على مصادر غامضة، و روايات ميتورة، تاركا خلفه المصادر الإسلامية، ونقل روايات الفتنة کا رواها روانها دون تمحيص لهذه الروايات، كما كان له هوي واضح لم يكشف عنه إلا بعد إن قطع شوطا طويلا فيما كتب، وقد كفانا مؤونة الرد عليه أديب العربية الراحل محمود محمد شاكر فقال: وبعد أن ذكر الفتنة قال: فالفتنة إذا إنها كانت عربية نشأت من تزاحم الأغنياء على الغني والسلطان، ومن حسد العامة العربية هؤلاء الأغنياء، وأنت خليق أن تنظر في هذا التكرار هذه الصفة (فتنة العربية) و (عامية عربية) لتعلم ماذا 

- انظر أنصار الشرافي - ملاذري - وتاريخ الطبري

 

بريد بهذا التكرار، وما الذي يريد أن يتفيه من شركة أحد من غير العرب في دم عثمان، وما تكاد تمضي صفحات حتي نري بابا يبدأ هكذا: وهناك قصة اكبر الرواة المؤرخون من شأنها، وأسرفوا فيها، حتى جعلها كثير من القدماء والمحدثين مصدرا لما كان من الخلاف على عثمان، ولما أورث هذا الاختلاف من فرقة بين المسلمين لم تمح آثارها بعد، وهي قصة عبد الله بن سبأ الذي يعرف بابن السوداء. قال الرواة: كان عبد الله بن سبا يهوديا من أهل صنعاء حبشي الأم، فأسلم في أيام عثمان، ثم جعل ينتقل في الأمصار يكيد لعثمان، ويغري به، ويحرض عليه، ويذيع في الناس آراء محدثة أفسدت عليهم رأيهم في الدين والسياسة جميعا. 

ثم يقول: (وإلى ابن السوداء يضيف كثير من الناس كل ما ظهر الفساد والاختلاف في البلاد الإسلامية أيام عثمان، ويذهب بعضهم إلى أنه أحكم كيده إحكاما، فنظم في الأمصار جماعات خفية تستمر بالكيد، وتتداعى فيما بينها إلى الفتنة، حتى إذا تهيأت لها الأمور، وثبت على الخليفة، فكان ما كان من الخروج والحصار وقتل الإمام) و نري من هذا لماذا أصر الدكتور على أن يصف الفتنة بأنها (عربية) وبان العامة الذين كانوا شرار هذه الفتنة كانوا (عامة عربية) أي أن ليس لعبد الله بن سبأ يد فيها، وأن ليس لليهود عمل في تأريث نارها. ثم يمضي الدكتور في حديثه ليقول عقب ذلك: (ويخيل إلي أن الذين يكبرون من أمر ابن سبأ إلى هذا الحد، يسرفون على أنفسهم وعلى التاريخ إسرافا شديدا، وأول ما نلاحظه أنا لا نجد لابن سبأ ذكرا في (المصادر المهمة التي قصت أمر الخلاف على عثمان، فلم يذكره البلاذري في أنساب الأشراف وهو فيا أرى أهم المصادر لهذه القصة وأكثرها تفصيلا، وذكره الطبري عن سيف بن عمر، وعنه أخذ المؤرخون الذين جاءوا بعده فيا يظهر) . 

ثم قال: (ولست أدري إن كان لابن سبأ خطر أيام عثمان أم لم يكن .. ؟ ولكني أقطع بأن خطره - إن كان له خطر - ليس ذا شأن، وما كان المسلمون في عصر عثمان ليعبث بعقولهم وآرائهم وسلطانهم طارئ من أهل الكتاب أسلم أيام عثمان) . 

إلى أن يقول: (فلنقف من هذا كله موقف التحفظ والتحرج والاحتياط، ولنكبر 

27 

 

المسلمين على أن يعبث بدينهم و سياستهم وقولهم ودولتهم رجل أقبل من صنعاء، وكان أبوه يهوديا وكانت أمه سوداء، وكان هو يهوديا، ثم أسلم لا رغبا ولا رهبا، ولكن مکرا وکيدا و خداعا، ثم أتيح له من النجح ما كان ينبغي، فحرض المسلمين على خليفتهم حتى قتلوه) ثم يقول: (هذه كلها أمور لا تستقيم للعقل ولا تثبت للنقد ولا ينبغي أن يقام عليها أمور التاريخ) هكذا يقطع الدكتور الرأي جملة واحدة، ثم مضى على وجهه يقول: (وهنا تأتي قصة الكتاب الذي يقول الرواة أن المصريين قد اخذوا أثناء عودتهم إلى مصر، فكروا راجعين، فهذه القصة فيما أرى ملفقة من أصلها) ثم اختصر قصة الكتاب اختصارا وقال: كل هذا أشبه أن يكون ملهاة سخيفة، منه أن يكون شيئا قد وقع، والأمر أيسر من هذا، تلقى أهل الأمصار وعدا من إمامهم فاطمأنوا إليه، ثم تبينوا أن الخليفة لم يصدق وعده .. ! فأقبلوا ثائرين يريدون أن يفرغوا من هذا الأمر وأن لا يعودوا إليه حتى يفرغوا، ثم تبين للدكتور طه أن إلغاء هذا الكتاب الذي أرسل إلى والي مصر يأمره بقتل رؤوس الوفد الذي جاء من مصر ليس يحل الإشكال في عودة الوفد، بعد أن فصل عن المدينة راجعا إلى مصر، وتبين له أيضا أن أهل الأمصار تبينوا أن الخليفة لم يصدق وعده، أي أنه كذب عليهم باللفظ الصريح، فإن سأل نفسه كيف تبينوا أنه كذب عليهم، فلم يعرف كيف يجيب، فألقى الفرض کيا هو وزاد عليه أنهم أقيلوا ثائرين، فلما بلغوا المدينة وجدوا أصحاب رسول الله قد تهيأوا لقتالهم، فكرهوا هذا القتال، وانصرفوا عائدين حتى إذا عرفوا أن هؤلاء الشيوخ قد ألقوا سلاحهم، وأمنوا في دور هم کروا راجعين فاحتلوا المدينة بغير قتال). 

ثم قال: (وأكاد اقطع بأن قد كان لهم من أهل المدينة أنفسهم أعوان دعوهم وشجعوهم، ثم أعلموهم با عزم عليه أصحاب النبي، ثم أعلموهم بعودة المدينة إلى الهدوء والدعة، ثم انضموا إليهم حين حاصروا عثمان) . 

وهذه كلها - کانري - فروض وتخيل، وإقرار أيضا بما أنكره في أمر عبد الله بن سبا من تنظيم الجماعات الخفية، التي تتستر بالكيد، فهو ينكر هذا المبدأ هناك ويقره هنا وهذا خلط يدل على عدم استقامة الرأي عنده. 

 

وقد ذكر من كلامه عن إسقاط قصة عبد الله بن سبأ، أن الرواة المتأخرين أكبروا من شأنها، أسرفوا فيها، وأنها لم ترد في المصادر المهمة، وأن ابن سعد لم يذكرها، وأن البلاذري لم يذكرها في أنساب الأشراف وأن الذي ذكرها هو الطبري (أخذها عنه المؤرخون الذين جاءوا بعده فيما يظهر) کا يقول. وقول (الرواة المتأخرين) فيه إيهام شديد متعمد فيها يظهر، فإن الطبري ليس من الرواة المتأخرين، فهو قد ولد سنة (225 ه) ومات سنة (310 ه) ، فهو معاصر للبلاذري، وفي طبقة تلاميذ ابن سعد صاحب الطبقات، وأن سيف بن عمر الذي روى عنه الطبري هذا الخبر، هو من كبار المؤرخين القدماء فهو شيخ شيوخ الطبري، والبلاذري، وهو في مرتبة شيوخ - ابن سعد - فقد مات في زمن الرشيد، أي في ما قبل سنة (190 من الهجرة) ، فلا يقال عنه ولا عن الطبري إنها من - الرواة المتأخرين - فإن كلامه ليس إلا إيهاما للقارئ 

وكذلك قوله: (المصادر المهمة) فيه إيهام شديد، وإجحاف جارف، فإن لم يكن كتاب الطبري من المصادر المهمة)، فالبلاذري قد ذكر ابن سبأ في أنساب الأشراف، أضف إلى ذلك أن كتاب ابن سعد الذي بين أيدينا كتاب ناقص وأنه ملفق من نسخ مختلفة، وبعضها تام، وبعضها ناقص، وبعضها مختصر. 

وجملة ما ذكره طه حسين من إنكار لشخصية ابن سبأ إنا ناتج عن نفي اشتراك اليهود في المؤامرة على قتل عثمان رضي الله عنه وعن الإسلام وهذا إنكار ساذج كمن ينكر الشمس في كبد النهار. 

وأما كون سيف بن عمر (ت 180 ه) كذاب ضعفه علماء الجرح والتعديل فيجب التفريق بين رواية الحديث وكونه أخباريا يروي الأخبار والتاريخ يقول النسائي في الضعفاء والمتروكين: (سيف بن عمر الضبي ضعيف) ، وذكر ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل أن سيف بن عمر: (متروك الحديث، يشبه حديثه حديث الواقدي. 

وعند ابن معين في نفس المصدر أن سيف ضعيف الحديث، وذكره الذهبي فيمن له رواية في الكتب الستة، واكتفى بالقول: (ضعفه ابن معين و غيره) (( الكشاف). 

 

وفي المغني في الضعفاء قال الذهبي: (سيف بن عمر التميمي الأسدي له تواليف متروك باتفاق) ، وعند ابن حجر في التقريب: (سيف ضعيف الحديث) . ويقول ابن حبان في المجروحين: (سيف بن عمر الضبي الأسدي من أهل البصرة اتهم بالزندقة .. يروي الموضوعات عن الأثبات. 

أما عن كونه إخباريا يقول الذهبي في ميزان الاعتدال: (كان إخبارية عارفة) . ويقول ابن حجر في تقريب التهذيب: (عمدة في التاريخ) . أما اتهام ابن حبان لسيف بالزندقة فيجيب عنه ابن حجر في التقريب بقوله: (أفحش ابن حبان القول فيه) . ولا يصح اتهام سيف بالزندقة دون دليل، إذ كيف نفسر رواياته في الفتنة وحديثه عما جرى بين الصحابة، فأسلوبه الذي روي به تلك الأحداث أبعد ما يكون عن أسلوب الزنادقة، وهو الذي فضح وهتك ستر الزنادقة أمثال اين سبأ فيكون زنديقة 

فرواية سيف مرشحة على غيره من الإخباريين أمثال أبي مخنف والواقدي واين الكلبي، وغيرهم الكثير، فإن روايات سيف تتفق وتنسجم مع الروايات الصحيحة المروية عن الثقات، علاوة على أنها صادرة ومأخوذة عمن شاهد تلك الحوادث أو كان قريبة منها 

 

الخلط بين عبدالله بن سبأ .. وعمار بن ياسر 

رضي الله عنهما 

لقد قالوا فيما قالوا إنكارا لوجود ابن سبأ قولهم إنما هو في الحقيقة شخصية رمزت العمار بن ياسر، وساقوا عددا من الدعائم التي تؤيد هذا القول مثل قولهم إن ابن سبأ يعرف بابن السوداء، وعمار كان يكنى بابن السوداء أيضا و كلاهما من أب يماني، وينسبون إلى سبأ بن يشجب أصل أهل اليمن وكذلك كلاهما كان شديد الحب لعلي، ومن محرضي الناس على بيعته، وإن عمار بن ياسر ذهب إلى مصر أيام عثمان وأخذ يحرض الناس على عثمان، ومثل هذا ينسب إلى ابن سبأ أيضا. 

وهذا الرأي ترده كتب الجرح والتعديل وكتب الرجال الموثقة عند الشيعة، فهي تذكر عمار بن ياسر ضمن أصحاب علي والرواة عنه، وهو أحد الأركان الأربعة عندهم، ثم هي تذكر في موضع آخر ترجمة عبد الله بن سبأ في معرض السب واللعنة. 

وأما عن ذهاب عمار إلى مصر وكذلك ابن سبأ زمن عثمان، فإن استقراء النصوص ومعرفة تاريخها يعطي مفهوما غير الذي فهمه النافون لوجود ابن سبأ، فعار إنما بعثه عثمان إلى مصر سنة (35 ه) ، بينما كان ظهور ابن سبأ سنة (30 ه) كما في الطبري، وهو الذي ساق الخبرين، والطبري أورد أن من الذين استهالوا عمارة في مصر قوم منهم عبدالله اين سبا (1) 

وكذلك ذكر ذلك ابن كثير في البداية والنهاية و ابن خلدون وابن الأثير وهم من كبار المؤرخين وقد ذكروا شخصية ابن سبأ منفردة و عمار بن ياسر متفردة. (2) 

وأما قولهم بأن عمار کان يانيا، فكل باتي يصح أن يقال له ابن سبأ، فهذا غير صحيح، فليست سبأ إلا جزءا من بلاد اليمن الواسعة كما قال بذلك ياقوت في معجم البلدان. 

- انظر رجال اللي هي و رجال الحل

2 - انتظر تاريح امله تي و البداية والنهاية لابن کثير و تاريخ: خرند ولي به همگامال في الربح لابن الأثير

 

وأما قولهم بأن عمار كان يقول بأن عثمان قد أخذ الخلافة بغير حق، وأن صاحبها الشرعي هو علي، فإن هذه المقولة عم يحتاج إلى دليل، بل الثابت أن عثمان رضي الله عنه كان يثق بعار وهو الذي أرسله إلى مصر لضبط أمورها (1) 

وقد قتل عمار بن ياسر رضي الله عنه في معركة صفين التي كانت بين الإمام علي رضي الله عنه و معاوية رضي الله عنه وأما ابن سبأ فقد تواتر الأخبار عنه وجوده قبل ذلك، 

أ- انظر تاريخ الطبري

 

 

ذكر عبدالله بن سبأ في مصادر أهل السنة والجماعة

 

جاء ذكر ابن سبا ومن أحداث من فتنة في زمن عثمان وعلي رضي الله عنها في مصادر أهل السنة مثل تاريخ الطبري، والبداية والنهاية لابن كثير وتاريخ ابن عساکر وكذلك رواية عن الشعبي (ت 103 ه) ذكرها ابن عساكر في تاريخه، تفيد أن أول من كذب عبدالله بن سبأ. 

وقد وصف الشاعر المعروف الفرزدق يهجو في ديوانه أشراف العراق ومن انضم إلى ثورة عبدالرحمن بن الأشعث في معركة دير الجماجم، ويصفهم بالسبئية، حيث يقول: 

كأن على دير الجماجم منهم حصائد أو أعجاز نخل تقرا تعرف همدانية سبئية وتكره عينيها على ما تنكرا 

رأته مع القتلى وغير بعلها عليها تراب في دم قد تعقرا وفي كتاب عقد الجان للعيني المتوفي 855 هذكر أن ابن سبا دخل مصر وطاف کورها - محافظاتها- وأظهر الأمر بالمعروف وتكلم في الرجعة وقررها في قلوب المصرين. 

وفي كتاب لوامع الأنوار للسفاريني المتوفي 1188 ه ذکر فرقة السبئية ضمن فرق الشيعة فقال: 

وهم أتباع عبدالله بن سبأ الذي قال لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنت الإله حقا، فأحرق من أصحاب هذه المقالة من قدر عليه منهم فخذ لهم أخاديد وأحرقهم بالتار. 

وذكر صاحب کتاب تاج العروس الزبيدي، المتوفي سنة 1205 ه أن سبأ الوارد في حديث فروة بن مسيك المرادي هو والد عبدالله بن سبأ صاحب السبئية من الغلاة. 

وذكر الجوزجاني في أحوال الرجال أن السبئية غلت في الكفر فزعمت أن عليا إله حتى حرقهم بالنار إنكار عليهم واستبصار في أمرهم حين يقول: 

لما رأيت الأمر أمر منكرا أججت ناري ودعوت قنبرا 

 

ويقول ابن قتيبة في المعارف: (السبئية من الرافضة ينسبون إلى عبد الله بن سبأ) . وفي تأويل مختلف الحديث يقول: (إن عبد الله بن سبأ ادعى الربوبية لعلي، فأحرق علي أصحابه بالنار) . 

ويذكر البلاذري ابن سبأ من جملة من أتوا إلى علي رضي الله عنه يسألونه عن رأيه في أبي بكر وعمر، فقال: أو تفرغتم لهذا. (1) 

وذكر ابن عبد ربه أن ابن سبأ وطائفته السبئية قد غلوا في علي حين قالوا: هو الله خالقنا، كما غلت النصارى في المسيح ابن مريم عليه السلام (2) 

أبو الحسن الأشعري في مقالات الإسلاميين عبد الله بن سبا وطائفته من ضمن أصناف الغلاة، إذ يزعمون أن عليا لم يمت، وأنه سيرجع إلى الدنيا فيملأ الأرض عدلا کا ملئت جورا. 

ويذكر ابن حبان في كتاب المجروحين: (أن الكلبي سبئية من أصحاب عبد الله بن سبأ، من أولئك الذين يقولون: إن عليا لم يمت، وإنه راجع إلى الدنيا قبل قيام الساعة) . 

وذكر المقدسي في كتابه البدء والتاريخ ابن سبأ في قوله: (إن عبد الله بن سبأ قال للذي جاء ينعي إليه موت علي بن أبي طالب: لو جتنا بدماغه في صرة لعلمنا أنه لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه) . 

وكذلك الملطي في كتابه التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع فيقول: (في عهد علي رضي الله عنه جاءت السبئية إليه وقالوا له: أنت أنت!!، قال: من أنا؟ قالوا: الخالق البارئ، فاستنتابهم، فلم يرجعوا، فأوقد هم نارأ عظيمة وأحرقهم 

وذكر أبو حفص ابن شاهين أن عليا حرق جماعة من غلاة الشيعة ونقي بعضهم، ومن المنفيين عبد الله بن سبأ. (3) 

ويذكر الخوارزمي في كتابه مفاتيح العلوم، أن السبئية هم أصحاب عبد الله بن سبأ. 

1 - انظر أنساب الأشراف للبلاذري.

2 - 2 - انظر العقد الفريد لابن عبد ربه

3 - . 3 - انظر منهاج السنة، لابن تيمية.

 

وذكر الغدادي في الفرق بين الفرق: أن فرقة السبئية أظهروا بدعتهم في زمان علي رضي الله عنه فأحرق قوم منهم ونفى ابن سبأ إلى سباط المدائن إذ نهاه ابن عباس رضي الله عنها عن قتله حينما بلغه غلوه فيه وأشار عليه بنفيه إلى المدائن حتى لا يختلف عليه أصحابه، لاسيما وهو عازم على العودة إلى قتال أهل الشام. 

وذكر التركي في كتابه البرهان في معرفة عقائد أهل الأديان: (أن ابن سبا وجماعته أول من قالوا بالرجعة إلى الدنيا بعد الموت) . 

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أن أصل الرفض من المنافقين الزنادقة، فإنه ابتدعه ابن سبأ الزنديق، وأظهر الغلو في علي بدعوى الإمامة والنص عليه، وادعى العصمة له. 

وجاء ذكر ابن سبأ في كتاب التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان: (وفي سنة ثلاث وثلاثين تحرك جماعة في شأن عثمان رضي الله عنه .. وكانوا جماعة منهم، مالك الأشتر، والأسود بن يزيد .. وعبد الله بن سبأ المعروف بابن السوداء) . | 

وفي كتاب المغني في الضعفاء للذهبي وأيضا في الميزان: (عبد الله بن سبأ من غلاة الشيعة، ضال مضل )) . 

وذكر الصفدي في كتابه الوافي بالوفيات في ترجمة ابن سبأ: (عبد الله بن سبأ رأس الطائفة السبئية .. قال لعلي أنت الإله، فنفاه إلى المدائن، فلما قتل علي رضي الله عنه زعم ابن سبأ أنه لم يمت لأن فيه جزء، إلهية وأن ابن ملجم إنها قتل شيطان تصور بصورة علي، وأن عليها في السحاب، والرعد صوته، والبرق سوطه، وأنه سينزل إلى الأرض) . | 

وفي كتاب الفصل في المال والأهواء و الكل يقول ابن حزم عن ابن سبأ وطائفته: 

من الفرق الغالية الذين يقولون بالإلهية لغير الله عز وجل فأولهم قوم من أصحاب عبد الله بن سبأ الحميري لعنه الله، أتوا إلى علي بن أبي طالب فقالوا مشافهة: أنت هو، فقال لهم: ومن هو؟ فقالوا: أنت الله، فاستعظم الأمر وأمر بنار فأججت وأحرقهم بالنار). (2) 

- انظر منهاج السنة النبوية، مصدر سايق

2 - انظر كتاب الفصل في المال والأهواء والنحل لابن حزم

 

يقول الأسفرايني: (إن أبن سبأ قال بنبوة علي في أول أمره، ثم دعا إلى ألوهيته، ودعا الخلق إلى ذلك فأجابته جماعة إلى ذلك في وقت علي) . 

ويتحدث الشهرستاني: (ومنه انشعبت أصناف الغلاة) ، ويقول في موضع آخر: (إن ابن سياهو أول من أظهر القول بالنص بإمامة علي) . . 

وترجم ابن عساكر في تاريخه لأين سيأ بقوله: عبد الله بن سبأ الذي تنسب إليه السبئية، وهم الغلاة من الرافضة، أصله من اليمن، وكان يهوديا وأظهر الإسلام. 

ويؤكد فخر الدين الرازي في كتابه اعتقادات فرق المسلمين والمشركين، كغيره من أصحاب المقالات والفرق خبر إحراق علي رضي الله عنه لطائفة من السبئية. 

ويذكر ابن الأثير في كتابه اللباب ارتباط السبئية من حيث النسبة بعبد الله بن سبأ. وأورد روايات الطبري بعد حذف أسانيدها في كتابه الكامل. 

وكذلك في كتاب الحور العين لنشوان الحميري: (( فقالت السبئية إن عليا حي لم يمت ولا يموت حتى يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورة ... 

وفي كتاب الفرق الإسلامية للكرماني المتوفي سنة 786 ه: أن عليا رضي الله عنه لما قتل زعم عبد الله بن سبا أنه لم يمت، وأن فيه الجزء الافي. 

وفي كتاب الاعتصام للشاطبي ذكر إلى أن بدعة السبئية من البدع الاعتقادية المتعلقة بوجود إله مع الله، وهي بدعة تختلف عن غيرها من المقالات. 

وفي شرح العقيدة الطحاوية ذكر مؤلفه ابن أبي العز الحنفي عبد الله بن سبأ أظهر الإسلام وأراد أن يفسد دين الإسلام کا فعل بونص بدين النصرانية 

وذكر الجرجاني في كتابه التعريفات عبد الله بن سبأ بأنه رأس الطائفة السبئية، وأن أصحابه عندما يسمعون الرعد يقولون: عليك السلام يا أمير المؤمنين. | 

وفي كتاب الخطط للمقريزي: (أن عبد الله بن سبأ قام في زمن علي رضي الله عنه محدثا القول بالوصية والرجعة والتناسخ) . 

وفي كتاب لسان الميزان للحافظ ابن حجر ذكر أخبار اين سبأ فقال: (وأخبار عبد الله بن سبأ شهيرة في التواريخ، وليس له رواية والحمد لله) . 

 

وأما السيوطي في كتابه لب الألباب في تحرير الأنساب فقد أكد نسبة السبئية إلى عبدالله بن سبأ. 

وذكر الطبري في تاريخه عن أحداث سنة 35 ه: يبدو عبدالله بن سبأ كزعيم لطائفة پيٹ دعاته لنشر مذهبهم، ويكاتب أهل الأمصار فتستجيب له طوائف منهم وبکاتبوه، وتحاط دعوتهم بالسرية والكتمان، متسترين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويعيبون ولاتهم، ويتكاتبون فيما بينهم. (1) 

وفي أحداث سنة 33 ه أن ابن سبأ حينما تزل البصرة على احكيم بن جبلة، اجتمع إليه نفر فطرح لهم بعضا من آرائه ولم يصرح فقبلوا منه واستعظموه. 

وحينما طرد من البصرة فصد الكوفة فطرد منها، فاستقر بمصر فجعل يكاتب صنائعه ويكاتبوه وتختلف الرجال بينهم. 

وذكر ابن كثير في البداية والنهاية: أن ابن سبأ افتتن به بشر كثير من أهل مصر، وكتبوا إلى جماعات من عوام أهل الكوفة والبصرة، فتالؤوا على ذلك وتكاتبوا فيه، وتواعدوا أن يجتمعوا في الإنكار على عثمان 

وذكر السيوطي في كتابه حسن المحاضرة: فافتتن به بشر كثير من أهل مصر، وكان ذلك مبدأ تأليهم على عثمان 

- تاريخ الطبري

 

 

ذكر ابن سبأ في مصادر الشيعة

 

جاء ذكر ابن سبأ أيضا في مصادر الشيعة الإمامية الأوائل مثل: 

کتاب مسائل الإمامة للناشئ الأكبر المتوفي سنة 293 ه: وفرقة زعموا أن عليا رضي الله عنه حي لم يمت، وأنه لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه، وهؤلاء هم السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ، وكان عبد الله بن سبأ رجلا من أهل صنعاء يهوديا .. وسكن 

وكذلك كتاب المقالات و الفرق للقمي جاء فيه أن عبد الله بن سبأ أول من أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة، وتبرأ منهم، وادعى أن عليا أمره بذلك. 

وفي كتاب فرق الشيعة للنوبختي عن أخبار ابن سبأ فيذكر: أنه لما بلغ ابن سبأ نعي علي بالمدائن، قال للذي نعاه: كذبت لو جتنا بدماغه في سبعين صرة وأقمت على قتله سبعين عدلا لعلمنا أنه لم يمت ولم يقتل، ولا يموت حتى يملك الأرض. 

وفي شرح نهج البلاغة ذكر ابن أبي الحديد: (( فلما قتل أمير المؤمنين عليه السلام أظهر ابن سبأ مقالته وصارت له طائفة وفرقة يصدقونه ويتبعونه. 

وقال أبو جعفر الطوسي المتوفي سنة 460 ه في كتاب تهذيب الأحكام أن ابن سبأ رجع إلى الكفر وأظهر الغلو. 

يقول: المؤرخ الشيعي في (( روضة الصفاء: (( أن عبد الله بن سبأ توجه إلى مصر حينها علم أن مخالفيه (عثمان بن عفان) كثيرون هناك، فتظاهر بالعلم والتقوى، حتى افتتن الناس به، وبعد رسوخه فيهم بدأ يروج مذهبه و مسلکه، ومنه، إن لكل نبي وصيا وخليفته، فوصى رسول الله وخليفته ليس إلا عليا المتحلي بالعلم، والفتوى، والمتزين بالكرم، والشجاعة، والمتصف بالأمانة، والتقي، وقال: إن الأمة ظلمت عليا، وغصبت حقه، حق الخلافة، والولاية، ويلزم الآن على الجميع مناصرته و معاضدته، وخلع طاعة عثمان وبيعته، فتأثر كثير من المصريين بأقواله و آرائه، وخرجوا على الخليفة عثمان )) . 

 

روى الكشي (ت 340 ه) في (( الرجال )) أقوالآ عن الباقر والصادق وزين العابدين تلعن فيها عبد الله بن سبأ. ولا يجوز ولا يتصور - كما قال - أن تخرج اللعنات من المعصوم!! على مجهول. ويروي الكشي كذلك بسنده إلى أبي جعفر (أن عبد الله بن سبا كان يدعي النبوة وزعم أن أمير المؤمنين هو الله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا فبلغ ذلك أمير المؤمنين فدعاه و سأله فأقر بذلك وقال: نعم أنت هو وقد كان ألقي في روعي أنك أنت الله وأني نبي فقال له أمير المؤمنين: ويلك قد سخر منك الشيطان فارجع عن هذا ثكلتك أمك وتب فابي فحبسه و استتابه ثلاثة أيام فلم يتب فأحرقه بالنار والصواب أنه تفاه بالمدائن) . 

وكذلك قال الكشي والمامقاني: أن عبد الله بن سبأ كان يهوديا فأسلم، ووالى علياء وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون وصي موسي بالغلو، فقال في إسلامه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في على مثل ذلك، وكان أول من أشهر القول بفرض إمامة علي، وأظهر البراءة من أعدائه و کاشف مخالفيه، وكفرهم. 

وذكر الأردبيلي عبد الله بن سبا في كتابه جامع الرواة فقال عنه غال ملعون 
... 
وإن كان يزعم ألوهية علي ونبوته

وذكر المجلسي في (بحاره) أن السبنية من تقول: بأن المهدي هو علي بن أبي طالب وأنه لم يمت. 

ويقول نعمة الله الجزائري (ت 1112 ه) في كتابه الأنوار النعمانية: قال عبد الله ابن سيأ لعلي بن أبي طالب أنت الله حقا فنفاه على إلى المدائن و قيل إنه كان يهوديا فأسلم وكان في اليهودية يقول في يوشع بن نون وفي موسي مثل ما قال في علي. 

وذكر أبو حاتم الرازي أن عبدالله بن سبأ ومن قال بقوله من السبئية كانوا يزعمون أن عليا هو الإله وأنه يحيي الموتى وأدعوا غيبته بعد موته. (1) 

ويقول الثقفي (ت 280 ه) صاحب كتاب (الغارات) : (دخل عمرو بن الحمد 

1 - انظر كتاب الزينة في الكليات الإسلامية، أبو حاتم الرازي.

 

وحجر بن عدي وحبة العوفي والحارث الأعور و عبد الله بن سبأ على أمير المؤمنين بعد ما افتتحت مصر وهو مغموم حزين، فقالوا له: بين لنا قولك في أبي بكر وعمر؟ فقال لهم: وهل فرغتم لهذا وهذه مصر قد افتتحت، وشيعتي بها قد قتلت؟! أنا محرج إليكم كتابا أخبركم فيه عما سألتم، وأسألكم أن ... )، ويتابع الثقفي في نفس الكتاب في موضع آخر: ( .. تلك الطائفة الضعيفة العقول السخيفة الأحلام الذين رؤوا أمير المؤمنين في آخر أيامه كعبد الله بن سبأ وأصحابه فإنهم كانوا من ركاكة البصائر وضعفها على حال مشهورة ... ) . 

ويقول القمي (ت 301 ه) في كتابه "المقالات والفرقه: إن السبئية قالوا للذي نعاه أي علي بن أبي طالب): كذبت يا عدو الله لو جتنا والله بدماغه خربة فأقمت على قتله سبعين عدة ما صدقناك ولعلمنا أن لم يمت ولم يقتل وإنه لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه ويملك الأرض ثم مضوا). 

وقال النوبختي (ت 310 ه) في كتابه (( فرق الشيعة )) : عبد الله بن سبأ كان ممن أظهر الطعن على أبي بكر، وعمر، وعثمان، و الصحابة، وتبرأ منهم، وقال إن عليا أمره بذلك، فأخذه على، فسأله عن قوله هذا، فأقر به، فأمر بقتله فصاح الناس إليه، يا أمير المؤمنين!! 

أتقتل رجلا يدعو إلى حبكم، أهل البيت، وإلى ولايتكم، والبراءة من أعدائكم، فسبيره، إلى المدائن. 

وهناك العديد من المصادر عند أهل الشيعة الإمامية القدامي تذكر عبدالله بن سبأ ومؤامراته على الإسلام وتتفق مع مصادر أهل السنة القدامى أيضا والله تعالى أعلى وأعلم. 

 

 

ابن سبأ واختراق صفوف المسلمين

 

- أصل ابن سبأ ونشأته.

- الظهور المتكرر لابن سبأ في الولايات الإسلامية لإثارة

الفتن وتأليب الناس على الخليفة عثمان رضي الله عنه - 

أول فتنة في الإسلام تنتهي بقتل الخليفة الراشد 

عثمان بن عفان رضي الله عنه 

- دور ابن سبا في إحداث فتنة عثمان.

- نهاية قتلة عثمان رضي الله عنه

 

 

أصل ابن سبأ ونشأته

 

اسمه عبدالله وهو اسم شائع في العرب والمسلمين وينتسب إلى سبأ وهم من اليمن السعيد، وقد اختلف المؤرخون في بلده وقبيلته والراجح عندهم أنه من اليمن وأصول السبئية تعود إلى سبا التي تعود أصوله إلى يعرب بن قحطان والذي ولد يشجب ولد بشجب سبأ، واسم سبأ هو عبد شمس وقد ملك اليمن بعد أبيه وأكثر من الغزو ولهذا سمي سبأ أي من السبي وهم من يقع في أسرى في الحرب أو الخطف قديم کا اعتاد العرب وقد جاء ذكر سبا في القرآن و سميت سورة كاملة بهذا الاسم. (1) 

قال تعالى: لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (سبا: 15] وذكر ابن كثير في البداية والنهاية أن أصل ابن سبأ من الروم 

وكان أصله روما فأظهر الإسلام وإحداث بدعا قولية وفعلية قبحه الله )) . ولم يوافق أحد أبن كثير في رأيه وقوله هذا ولعل كلمة روما كتب خطأ من النساخ. 

وأصلها اذماه وليس تروما، وقد جاء في بعض نسخ البداية والنهاية كلمة ذما بدلا من (( روما )) . (3) 

والطبري في تاريخه وابن عساكر في تاريخه فيذكر ان أنه من اليمن، فقال الطبري: كان عبدالله بن سبأ يهوديا في أهل صنعاء، وقال ابن عساكر في تاريخ دمشق: عبدالله بن سبأ أصله من أهل اليمن كان يهودا 

وعلى هذا سار غالبية المؤرخين وهو الأقرب للصحة ولكننا نعرض كل الآراء. 

وهناك من ينسب ابن سبأ إلى قبيلة الجميره اليمنية مثل ابن حزم في الملل والأهواء، وتنسب إلى حمير بن الغوث بن سعد بن عوف بن مالك بن زيد بن سعد بن حمير بن سبا 

1 - انظر كتاب قلائد الجمان، القلقشندي.

2 - 2 - انظر البداية والنهاية، لابن كثير.

 

الأصغر بن لهيعة بن حمير بن سبأ بن يشجب هو امير الأكبره وحمير الغوث هو حمير الأدنى. (1) | 

ويقول ابن حزم او القسم الثاني من فرق الغالية يقولون بالألهية لغير الله عز وجل فأولهم قوم من أصحاب عبدالله بن سبأ الجمير. (2) 

وهناك من ينسبه إلى قبيلة همدان، التي هي بطن من کهلان من القحطانية وهم بنو همدان بن مالك بن أوسلة بن ربيعة بن الخيار بن مالك بن زيد بن كهلان بشرق اليمن. (3) 

ومن نسبوا ابن سبا لقبيلة همدان الفرزدق والبلاذري في كتاب أنساب الأشراف وكذلك الأشعري في المقالات و الفرق، وقد قال الفرزدق في ديوانه عن موقعه دير الجاجم 

كأن على دير الجماجم منهم 
... 
حصائد أو أعجاز نخل تقعرا:
تعرف همدانية سبئية 
... 
وتكره عينيها على ما تنكرا

وقد خلط البعض مثل الأشعري القمي في المقالات بين عبدالله بن سبأ وعبدالله بن وهب الراسبي الخارجي رأس فرقة الخوارج الذين خرجوا على الإمام علي بن أبي طالب وقتل في معركة النهروان (4) 

قال السمعاني في الأنساب أن عبدالله بن وهب السبئي رئيس الخوارج وأنه نسب إلى عبدالله بن سبأ. 

وذكر الجاحظ في البيان والتبين بسنده عن زحر بن قيس اقدمت المدائن بعد ما قرب علي بن أبي طالب كرم الله وجهه فلقيني ابن السوداء وهو ابن حرب. أي أن حرب هو أبو عبدالله بن سبأ .. 

1 - انظر معجم البلدان لياقوت الحموي

2 - 2 - الفصل في الملل والنحل، لابن حزم

3 - 3 - انتظر معجم قبائل العرب، رضا کحالة.

4 - 4 - انظر العبر في خير من غير للذهبي

 

وأم ابن سبأ من الحبشة كما ذكر ذلك الطبري وغيره ولهذا يطلق عليه ابن السوداء، وكان هو نفسه أسود اللون مثل أمه. (1) 

ويرجع سبب اختلاف المؤرخين في شخص ابن السوداء إلى أنه أحاط نفسه بالغموض شأن كل الماسون والمتنورين اليهود وكل الجمعيات السرية حتى يثير البلبلة في كل شيء حتى في اسمه ونسبه ووجوده من عدمه، وقد نجح ابن سبأ في ذلك. 

فيهودية ابن سبأ لا خلاف فيها وقد قال الوالي البصرة عبد الله بن عامر في زمن عثمان رضي الله عنه ما أنت؟ 

لم يخبره ابن سبأ باسمه واسم أبيه ولكن قال له إنه رجل من أهل الكتاب رغب في دخول الإسلام ورغب في جوارك (2) 

1 - جاء في البيان والتبيين: (( فلقيتي ابن السوداء، وفي تاريخ الطبري: اونزل ابن السوداء على حكيم بن

جبلة في البصرةا. وفي تاريخ ابن عساكر: (( من قول علي بن أبي طالب، من يعذرني من هذا الحميت الأسود الذي يكذب على أبي الطفيل يقول رأيت المسيب بن نجية أتي به مليه - ملازمه - يعني اين السوداء، وعلي رضي الله عنه على المنبر، فقال علي: ما شأنه؟ فقال: يكذب على الله ورسوله، وفي رواية 

أخرى. مالي وهذا الحميت الأسود .. 2 - تاريخ الطبري. 

45 

 

 

الظهور المتكرر لابن سبأ في الولايات الإسلامية

 

كان ظهور عبدالله بن سبأ الأول في موطنه الأصلي باليمن وكان لليهود وجود بها من قديم الأزل، وقد هاجر إليها جمع من القبائل اليهودية بعد غزو طيطس الروماني لأرض فلسطين عام 79 م وتفرق شمل اليهود بقبائلهم الاثنتي عشرة في بقاع الأرض ومنها اليمن السعيد، وقد حكم اليهود فترة من الزمن بلاد اليمن. 

ثم في عهد الحكم المسيحي لليمن في زمن الأحباش الذين جاءوا من الحبشة لنصرة إخوانهم الذين تم تعذيبهم وقتلهم على يد ملك اليمن اليهودي من التابعة انتهت السيطرة اليهودية على اليمن ولكن عاد اليهود من اختراق الديانة الأخرى المنافسة لهم فقد دخل الكثير منهم في المسيحية وتأثرت المسيحية بهم وظل بعضهم على ديانته مثل عبد الله بن سبأ وآله. 

كان الظهور الأول لابن سبأ حين أعلن دخوله في الإسلام وتركه للدين اليهودي الذي هو دين آبائه وهذا ما ذكره الطبري في تاريخه وابن الأثير في كتابه الكامل في التاريخ وابن عساكر في تاريخه وابن كثير في البداية والنهاية وغيرهم. 

ولا يعلم على وجه التحديد متى أعلن ذلك اليهودي إسلامه وفي أي مكان والغالب أنه أعلن إسلامه في زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه، فقد ذكر ابن كثير في جملة أحداث عام 34 ه أن عبد الله بن سبأ كان سبب تألب الأحزاب على عثمان، ثم ذكره في أحداث سنة 305 ه مع المعارضين والمتحزبين ضد الخليفة عثمان الذين قدموا من مصر يدعون إلى خلع عشان. (1) 

وأما مکان ظهوره فقد ذكره الطبري وابن الأثير أنه ظهر عام سنة 34 في الكوفة حين ذكرا أن يزيد بن قيس دخل مسجد الكوفة يريد خلع سعيد بن العاص رضي الله عنه عامل عثمان رضي الله عنه على الكوفة وشاركه الذين كان ابن السوداء بکاتبهم، وهذا 

أ- البداية والنهاية، لابن كثير.

 

يعني بالتالي أن ابن السوداء ابن سبأ كان له نشاط قبل هذا التاريخ وقد ذكر أيضا أن عبدالله بن سبأ قد نزل على حکيم بن جبلة ثم كانت مقابلة ابن سبا مع ابن عامر والي البصرة كما ذكرنا. 

وكذلك ذكر الطبري وابن الأثير كذلك ظهور ابن سبأ في أحداث سنة 30 ه في الشام والتقى بالصحابي أبي ذر الغفاري رضي الله عنه كي بحثه على الثورة على معاوية بن أبي سفيان والي الشام. 

وكما ذكر الطبري وذكرنا فإن ابن سبأ نزل في البصرة على حکيم بن جبلة العبدي وذلك بعد مرور ثلاث سنوات من إمارة ابن عامر حيث بلغه أن في عبد القيس رجلا نزل على حکيم بن جبلة، وكان حكيم هذا رجلا لها ويسعى في الأرض فسادا فيغير على أهل الذمة ويتنكر لهم ويصيب ما يشاء، وكان سعيد هذا في أرض فارس حتى إن أهل الذمة وغيرهم قد شكوه إلى الخليفة عثمان، فكتب الخليفة إلى عبدالله بن عامر أن يحبسه فلا يخرج من البصرة حيث يشاء في فارس، وبالتالي قام ابن عامر بحبسه في البصرة، ولما قدم ابن سبأ البصرة نزل عليه واجتمع إليه نفر من المعارضين للخليفة وعرض عليهم الثورة على عثمان، وحين بلغ ابن عامر ذلك أرسل إليه وقال له: من أنت. 

فقال له ابن سبأ: رجل من أهل الكتاب رغب في الإسلام والجوار. فقال ابن عامر: ما يبلغني ذلك أخرج عني. وبالفعل طرده من البصرة فأتى الكوفة. (1) 

قال الطبري في تاريخه: فخرج حتى أتى الكوفة، فأخرج منها فاستقر بمصر وجعل يکاتبهم ويكتبونه ويختلف الرجال بينهم. 

وذكر الطبري أيضا أن ابن سبا لقي أبا ذر بالشام سنة 30 ه وقال له: ألا تعجب إلى معاوية، يقول المال مال الله، كأنه يريد أن يحتجزه لنفسه دون المسلمين؟ 

وذكر أن أبا ذر ذهب إلى معاوية وأنكر عليه ذلك. 

1 - انظر تاريخ الطبري

 

لكن ابن سبأ لم يكن له دور في الشام حيث إن الشام موطن القوة والتأييد لمعاوية ابن أبي سفيان وبالتالي فقد طرد من الشام، وبعد طرده من الشام أتى مصر، ومن تأريخ الطبري نجد أن ابن سبا أتى الشام مرتين عام 30 ه والتقى بأبي ذر الغفاري والمرة الأخرى بعد إخراجه من الكوفة سنة 33 ه 

وظهر ابن سبا عام 34 ه في مصر کا ذکر ذلك ابن كثير في تاريخه ضمن أحداث تلك السنة وتابعه السيوطي في حسن المحاضرة وفي مصر استطاع جمع المعارضين للخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه وبهم وبأهل العراق كانت الفتنة 

وقام ابن سبأ بإثارة فتنة أيضا بين الأعراب حيث ذهب إليهم وأثار عندهم الأكاذيب حول الخليفة عثمان بن عفان فتأثر به الأعراب وصدقوه وبهذا وصل ابن سبا لهدفه المنشود من خروج الناس على ولي أمر المسلمين. 

فقد ذكر الطبري في تاريخه أن اين سبأ قال للناس: (( إن عثان أخذ الأمر بغير حق وهذا وصي الرسول صلى الله عليه وسلم (يقصد الإمام علي فانهضوا في هذا الأمر فحرکوه، وابدؤوا بالطعن في أمرائكم وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي من المنكر تستميلوا الناس وأدعوهم إلى هذا الأمر. 

وقد اعتمد اين سبأ في إثارة الفتن وتأليب الناس على الدولة والخليقة على عقيدة الرجعة والوصية وقال: لعجب ممن يزعم أن عيسى يرجع ويكذب بأن محمدا يرجع، وقد قال الله عز وجل (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ 6 [القصص: 85] محمد أحق بالرجوع من عيسى وأنه كان ألف نبي ووصي وكان على وصي محمد، ثم قال: محمد خاتم الأنبياء وعلي خاتم الأوصياء )) (1) 

ومن هذه العقيدة أصاب ابن سبأ العقيدة الإسلامية وشق الجماعة وفعل بالإسلام کا فعل بولس النصارى بعد عيسي عليه السلام وكلاهما كان يهودا. | 

استطاع ابن سبأ أن يجمع حوله المنافقين والمرجفين الذين صادف هواهم هواه، وأخذ 

1 - انظر تاريخ الطبري

48 

 

بعض أتباعه على إرسال الرسائل بالإشاعات المغرضة فأشاع الفوضى في الأمصار حتى تخيل أهل البصرة أنهم أسوأ حالا من أهل مصر ويتخيل أهل مصر أن حالهم أسوأ من 

حال أهل الكوفة، وزاد أتباعه من شياطين الإنس وانتشروا في الأمصار يدعون الناس للثورة على الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه بوصفه مغتصب الخلافة من الإمام علي رضي الله عنه 

وأدرك الخليفة عثمان رضي الله عنه أن هناك مؤامرة تحاك في الأمصار فقال لمن حوله من الصحابة: والله إن رحى الفتنة لدائرة، فطوبى لعثمان إن مات ولم يحركها. (1) 

وهو يعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم حدوث ذلك له أنه من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرت الفتنة فقال: يقتل هذا فيها مظلوم - يقصد 

عثمان - (2) 

والأحاديث النبوية في حدوث تلك الفتنة ومقتل عثمان رضي الله عنه فيه كثير وهي من علامات الساعة الصغرى. (3) 

- المصدر السابق 2 - رواه الترمذي في سنته. 3 - اقرأ كتابنا نهاية العالم وأشراط الساعة، ففيه المزيد والمفيد عن ذلك، الناشر دار الكتاب العربي

 

أول فتنة في الإسلام تؤدي إلى مقتل 

الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه 

البداية كانت إثارة الفتن للوصول إلى نهاية تعيشها الآن وحتى قرب قيام الساعة وهي الملاحم المتالية في الأمة، فقد تحقق لأصحاب المؤامرة ما أرادوا وقام ابن سبأ بها وكل إليه من مهام، فالأحداث قد بدأت سنة 31 ه كما ذكر عبدالرحمن ابن الجوزي في كتابه المنتظم في تاريخ الملوك والأمم من أحداث عام 31 فقال تحت عنوان: تكلم قوم في عثمان رضي الله عنه 

وكان محمد بن أبي حذيفة يقول بعد غزاة الروم: والله لقد تركنا الجهاد خلفتا، فيقال له: وأي جهاد؟ فيقول: عثمان بن عفان فعل كذا وكذا حتى أفسد الناس، فقدموا وقد أظهروا من القول ما لم يكونوا ينطقون به، وتكلم معه محمد بن أبي بكر، وذكر ما خلف به أبا بكر، وعمر رضي الله عنها، فبلغ ذلك عبد الله بن سعد، فقال: لا تركيا معنا، فركبا في مركب ما فيه أحد من المسلمين. 

ثم ذكر أحداث سنة 33 ه فقال تحت عنوان: 

سير عثمان رضي الله عنه من أهل العراق من سير إلى الشام 

فسير جماعة من أهل الكوفة كانوا يذكرون عثمان ويسبون سعدا فكتب سعد بن أبي وقاص إلى عثمان في أمرهم فكتب إليه ابعثهم إلى معاوية فلما ذهبوا إليه رأي منهم ما لا يصلح فأبعدهم عنه فرجعوا إلى الكوفة فضج أهل الكوفة منهم فسيروا إلى حمص ومن القوم مالك بن الحارث الأشتر و ثابت بن قيس النخعي وكميل بن زياد و زيد بن صوحان وجندب بن وسير جماعة من أهل البصرة إلى الشام أيضا منهم حمران بن أبان وكان قد تزوج امرأة في عدتها فنكل به عثمان وفرق بينها وسيره إلى أهل البصرة 

وأضاف بسنده عن سيف عن محمد وطلحة: أن عثمان سير حمران بن أبان حين 

 

تزوج امرأة في عدتها وفرق بينهما وضربه و سيره إلى البصرة ثم أذن له فقدم عليه المدينة وقدم معه قوم سعوا بعامر بن عبد قيس أنه لا يرى التزويج ولا يأكل اللحم ولا يشهد الجمعة وكان عامر منقبضا وعمله كله مستعبر فكتب إلى عبد الله بن عامر بذلك فألحقه بمعاوية. 

فلما قدم عليه وافقه وعنده ثريدة فأكل أكلا غريبا فعرف أن الرجل مكذوب عليه فقال: يا هذا هل تدري فيما أخرجت قال: لا قال: أبلغ الخليفة أنك لا تأكل اللحم وقد عرفت أنك مكذوب عليك وأنك لا ترى التزويج ولا تشهد الجمعة. 

قال: أما الجمعة فإني أشهدها في مؤخر المسجد ثم أرجع في أوائل الناس وأما الترويج فإني خرجت وأنا يخطب علي وأما اللحم فقد رأيت ولكني كنت امرأ لا آكل ذبائح القصابين منذ رأيت قصابا يجر شاة إلى مذبحها ثم وضع السكين على حلقها وما زال يقول: النفاق النفاق حتى وجيت. 

قال: فارجع قال: لا أرجع إلى بلد استحل أهله مني ما استحلوا ولكني أقيم بهذا البلد الذي اختاره الله لي. 

وكان يكون في السواحل وكان يلقى معاوية فيقول له: حاجتك فيقول: لا حاجة لي فلما أكثر عليه قال: ترد علي من حر البصرة لعل الصوم أن يشتد علي شيئا فإنه يخف علي في بلادكم. 

هكذا مهدت الأرض للفتن وبذور الشقاق التي جاء بها ابن سبأ حين وطأ أرض العراق ثم الشام ومصر، وقد أيد ابن كثير في البداية والنهاية ذلك في أحداث سنة 33 ه فقال: 

وفيها: سير أمير المؤمنين جماعة من قراء أهل الكوفة إلى الشام وكان سبب ذلك أنهم تكلموا بكلام قبيح في مجلس سعيد بن عامر، فكتب إلى عثمان في أمرهم، فكتب إليه عثمان أن يجليهم عن بلده إلى الشام، وكتب عثمان إلى معاوية أمير الشام: أنه قد أخرج إليك قراء من أهل الكوفة فأنزلهم وأكرمهم وتألفهم. 

فقال: 

 

فلما قدموا أنزلهم معاوية وأكرمهم واجتمع بهم ووعظهم ونصحهم فيها يعتمدونه من اتباع الجماعة وترك الانفراد والابتعاد. 

فأجابه متكلمهم والمترجم عنهم بكلام فيه بشاعة وشناعة، فاحتملهم معاوية لحلمه، وأخذ في مدح قريش - وكانوا قد نالوا منهم - وأخذ في المدح لرسول الله والثناء عليه والصلاة والتسليم. 

وافتخر معاوية بوالده وشرفه في قومه، وقال فيا قال: وأظن أبا سفيان لو ولد الناس كلهم لم يلد إلا حازمان 

فقال له صعصعة بن صوحان: كذبت، قد ولد الناس كلهم لمن هو خير من أبي سفيان من خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا له، فكان فيهم البر والفاجر، والأحمق والكيس. 

ثم بذل لهم النصح مرة أخرى فإذا هم يتهادون في غيهم، ويستمرون على جهالتهم و حماقتهم، فعند ذلك أخرجهم من بلده ونفاهم عن الشام، لئلا يشوشوا عقول الطعام، وذلك أنه كان يشتمل مطاوي كلامهم على القدح في قريش، كونهم فرطوا وضيعوا ما يجب عليهم من القيام فيه من نصرة الدين وقمع المفسدين. 

وإنما يريدون بهذا التنقيص والعيب ورجم الغيب، وكانوا يشتمون عثمان وسعيد بن العاص 

وكانوا عشرة، وقيل: تسعة وهو الأشبه، منهم: کميل بن زياد، والأشتر النخعي - واسمه مالك بن يزيد - وعلقمة بن قيس النخعيان، وثابت بن قيس النخعي، وجندب بن زهير العامري، وجندب بن کعب الأزدي، وعروة بن الجعد، وعمرو بن الحمق الخزاعي 

فلما خرجوا من دمشق آووا إلى الجزيرة فاجتمع بهم عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، وكان نائبا على الجزيرة 

ثم ولي حمص بعد ذلك - فهددهم وتوعدهم، فاعتذروا إليه وأنابوا إلى الإقلاع 

 

عما كانوا عليه، فدعا لهم وسير مالك الأشتر النخعي إلى عثمان بن عفان ليعتذر إليه عن أصحابه بين يديه، فقبل ذلك منهم وكف عنهم وخيرهم أن يقيموا حيث أحبوا، فاختاروا أن يكونوا في معاملة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، فقدموا عليه حمص فأمرهم بالمقام بالساحل، وأجرى عليهم الرزق، ويقال: بل لما مقتهم معاوية كتب فيهم إلى عنان فجاءه كتاب عشان أن يردهم إلى سعيد بن العاص بالكوفة، فردهم إليه، فلا رجعوا كانوا أزلق ألسنة، وأكثر شرا، فضج منهم سعيد بن العاص إلى عثمان فأمره أن يسيرهم إلى عبد الرحمن بن خالد بن الوليد بحمص، وأن يلزموا الدروب. 

وفي هذه السنة: سير عثمان بعض أهل البصرة منها إلى الشام وإلى مصر بأسباب مسوغة لما فعله رضي الله عنه فكان هؤلاء ممن يؤلب عليه ويالى الأعداء في الحط والكلام فيه، وهم الظالمون في ذلك، وهو البار الراشد رضي الله عنه 

كل هؤلاء أصبحوا من رجالات ابن سبأ ومن وقود الفتنة الكبرى التي هي أول الفتن في الإسلام. 

أخذ أهل الفتنة يتراسلون فيما بينهم، فلما رأوا أن عددهم قد كثر تواعدوا على أن يلتقوا عند المدينة في شوال من سنة (35 ه) في صفة الحجاج، فخرج أهل مصر في أربع رفاق على أربعة أمراء المقلل يقول ستائة وقيل ألف، ولم يجترئوا أن يعلموا الناس بخروجهم إلى الحرب، وإنما خرجوا كالحجاج ومعهم أبن السوداء .. و خرج أهل الكوفة في عدد کعدد أهل مصر، وكذا أهل البصرة، ولما اقتربوا من المدينة شرعوا في تنفيذ مرحلة أخرى من خطتهم، فقد اتفق أمرهم أن يبعثوا اثنين منهم ليطلعا على أخبار المدينة ويعرفا أحوال أهلها، ذهب الرجلان فلقيا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وعلا وطلحة والزبير، وقالا: إنا جتنا نستعفي عثمان من بعض عمالنا، واستأذنا لرفاقهم بالدخول، فأبي الصحابة، وقال علي رضي الله عنه لا آمركم بالإقدام على عثمان فإن أبيتم فبيض سيفرخ). 

1 - أنظر تاريخ الطبري.

 

تظاهر القوم بالرجوع وهم يبطنون أمرا لا يعلمه الناس، فوصلت الأنباء إلى أهل المدينة بانصراف أهل الفتنة فهدأ الناس، وفي الليل فوجي أهل المدينة بأهل الفتنة يدخلون المدينة من كل مكان فتجمعوا في الشوارع وهم يكبرون، فجاء علي بن أبي طالب وقال: ما شأنكم؟ لماذا عدتم؟ فرد عليه الغافقي بأن عثمان غدر بهم، 

قال كيف؟. قال: قبضنا على رسول ومعه کتاب من عثمان يأمر فيه الأمراء بقتلنا? 

فقال على لأهل الكوفة والبصرة: وكيف علمتم بالقي أهل مصر وقد سرنم مراحل ثم طويتم نحونا، هذا والله أمر أبرم بالمدينة، وكان أمر الكتاب الذي زور على لسان عثمان رضي الله عنه اتخذوه ذريعة ليستحلوا دمه ويحاصروه في داره إلى أن قتلوه رضي الله عنه 

وفوق هذا كله فالثائرون يفصحون عن هدفهم ويقولون: ضعوه على ما شئتم، لا حاجة لنا في هذا الرجل ليعتزلنا ونحن نعتزله. (1) 

عند رجوع الوفد المصري بعد أن زعم أنه قبض على رسول من عثيان إلى عامله في مصر بأمره بقتلهم، وقد ظهرت حقيقة اليد التي زورت وخططت وهي يد ابن سبا وأعوانه. 

استشار عثمان كبار الصحابة في أمر التخلي عن الخلافة لتهدأ الفتنة، وكان المغيرة بن الأخنس قد أشار عليه بالخلع لئلا يقتله الخارجون عليه، وقد سأل عثمان ابن عمر عن رأي المغيرة فنصحه بأن لا يخلع نفسه وقال له: فلا أرى لك أن تخلع قميص قمصكه الله فتكون سنة كلا كره قوم خليفتهم أو أميرهم قتلوه. (3) 

ورفض عثمان رضي الله عنه أن يدافع عنه الصحابة حتى لا تراق الدماء وصبر وحاول اقناع المتمردين الحوار والموعظة الحسنة. لكن هم شددوا عليه الحصار ومنعوا 

1 - انظر تاريخ الطبري

2 - 2 - انظر طبقات ابن سعد

 

عنه الماء ومنعوه الخروج للصلاة في المسجد. 

وقد سئل الإمام علي رضي الله عنه عن عدم نصرته لعثمان فقال: إن عثمان كان إماما وإنه نهي عن القتال وقال: من سل سيفه فليس مني، فلو قاتلت دونه عصيناه. (1) 

لقد وضع عثمان رضي الله عنه مصلحة الرعية في المقام الأول، فعندما عرض عليه معاوية أن يبعث إليه بجيش يقيم بين ظهراني أهل المدينة لنائبة إن نابت المدينة أو إياه قال رضي الله عنه أنا لا أقتر على جيران رسول الله صلى الله عليه وسلم الأرزاق بجند يساكنهم، وأضيق على أهل الهجرة والنصرة، فقال له معاوية: والله يا أمير المؤمنين التغتال أو لتغزين، فقال عثمان: حسبي الله ونعم الوكيل. (7) 

ذكر ابن خلدون في مقدمته إن الأمر في أوله خلافة، ووازع كل أحد فيها من نفسه هو الدين وكانوا يؤثرونه على أمور دنياهم وإن أفضت إلى هلاكهم وحدهم دون الكافة فهذا عشان لما حصر في داره جاءه الحسن والحسين وعبد الله بن عمر وابن جعفر وأمثالهم يريدون المدافعة عنه، فأبي و منع سل السيوف بين المسلمين مخافة الفرقة، وحفظا للألفة التي بها حفظ الكلمة ولو أذى إلى هلاكه. 

وإلى جانب صبره واحتسابه وحفظة لكيان الأمة من التمزق والضياع وقف عثمان رضي الله عنه موقفا آخر أشد صلابة، وهو عدم إجابته الخارجين إلى خلع نفسه من الخلافة؛ فلو أجابهم إلى ما يريدون السن بذلك سنة، وهي كلما کره فوم أميرهم خلعوه، ومما لاشك فيه أن هذا الصنيع من عثمان كان أعظم وأقوى ما يستطيع أن يفعله، إذ لجأ إلى أهون الشرين وأخف الضررين ليدعم بهذا الفداء نظام الخلافة. | 

وعند ابن سعد في الطبقات أن الخارجين على عثمان قد طلبوا منه ثلاث مطالب أوضحها في النص التالي: 

1 - أخرج الترمذي والحاكم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا عثمان أنه لعل

الله يقمصك قميصا - أي الخلافة - فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه حتى تلقاني. وفي رواية للترمذي أيضا أنه قال أيام الحصار: إن النبي عهد إلي عهدة فأنا صاير عليه. 

2 - تاريخ الطبري

 

وقال عثمان للأشتر: يا أشتر ما يريد الناس مني؟ قال: ثلاث ليس لك من إحداهن بد، قال: ما هن؟ قال: يخيرونك بين أن تخلع لهم أمرهم، فتقول هذا أمركم فاختاروا من شئتم، وبين أن تقص من نفسك، فإن أبيت هاتين فإن القوم قاتلوك. قال: أما ما من إحداهن بد؟ قال: لا، ما من إحداهن بد. قال: أما أن أخلع لهم أمرهم، والله لأن أقدم فتضرب عنقي أحب إلي من أن أخلع أمة محمد بعضها على بعض، وأما أن أقص من نفسي فوالله لقد علمت أن صاحبي بين يدي قد كان يعاقبان وما يقوم بد من القصاص، وأما أن تقتلوني فوالله لئن قتلتموني لا تحابون بعدي أبدا ولا تصلون بعدي جميع أبدا ولا تقاتلون بعدي عدوا جميعا أبدا. 

ولهذا احتج عثمان رضي الله عنه على المحاصرين بقوله: إن وجدتم في كتاب الله - وفي رواية في الحق أن تضعوا رجل في قيد فضعوها (1) 

ومما قاله عثمان رضي الله عنه للمحاصرين له: علام تقتلوني! فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، رجل زني بعد إحصانه فعليه الرجم، أو قتل عمدا فعليه القود، أو ارتد بعد إسلامه فعليه القتل. فوالله مازنيت في جاهلية ولا إسلام، ولا قتلت أحدا فأقيد نفسي منه، ولا ارتدت منذ أسلمت وإني أشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فيما تقتلوني؟! (2) . 

لقد كان موقفه ثابتة لا يتزعزع في عدم التقاء سيوف المسلمين من أجله وإن انتهى الأمر بقتله فصبر کا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك ألزم به الصحابة بموقفه فقال لهم: (( أعزم على كل من رأى عليه سمعا وطاعة إلا كف يده وسلاحها، فخرج كل من الحسن والحسين وعبد الله بن عمر وأصر عباد الله بن الزبير على البقاء ومعه مروان بن الحكم، فلما طلب منه ابن الزبير أن يقاتل الخارجين، قال عثمان: لا والله لا أقاتلهم أبدا (3) . | 

1 - انظر فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل أيضا.

2 - 2 - أخرجه أحمد في المسند وفي فضائل الصحابة ورواه الترمذي في السنن وابن ماجه وأبو داود

باستاد حسن 

3 - طبقات ابن سعد وابن أبي شيبة.

56 

 

وتصدى عنان لأبي هريرة وكان متقلدا سيفه، ولم يأذن له قائلا: يا أبا هريرة أيسرك أن تقتل الناس جميعا وإياي؟ قال: لا، قال: فإنك والله إن قاتلت رجلا واحدا فكأنما قتل الناس جميعا 

قال أبو هريرة: فرجعت ولم أقاتل (1) 

واستمر الحصار عليه رضي الله عنه حتى إنهم منعوا عنه الماء، فوصل الخبر إلى أمهات المؤمنين فتحركت أم حبيبة رضي الله عنها وكانت من أقارب عثمان، فأخذت الماء وجعلته تحت ثوبها، وركبت البغل واتجهت نحو دار عثمان، فدار بينها وبين أهل الفتنة كلام فقال الأشتر كذبت بل معك الماء ورفع الثوب فرأى الماء فغضب وشق الماء، قال كنانة مولى صفية: كنت أقود بصفية لترد عن عثمان فلقيها الأشتر فضرب وجه بغلتها حتى مالت فقالت: ردوني ولا يفضحني هذا الكلب). | 

قال الحسن البصري: لما اشتد أمرهم يوم الدار، قال: قالوا فمن، فمن؟ قال: فبعثوا إلى أم حبيبة فجاؤوا بها على بغلة بيضاء وملحفة قد سترت، فلما دنت من الباب قالوا: ما هذا؟ قالوا: أم حبيبة، قالوا: والله لا تدخل، فردوها (3) 

ورغم ذلك إلا أنه قد حدثت مناوشات بين المتمردين وشباب الصحابة فجرح خلالها بعض الصحابة أمثال الحسن بن علي رضي الله عنها وغيره. 

عن كنانة مولى صفية بنت حيي بن أخطب قال: شهدت مقتل عثمان، فأخرج من الدار أمامي أربعة من شبان قريش ملطخين بالدم محمولين، كانوا يدرؤون عن عثمان رضي الله عنه الحسن بن علي، وعبد الله بن الزبير، ومحمد بن حاطب، ومروان بن الحكم). 

وحين اشتد الحصار على الخليفة عثمان رضي الله عنه ومنعوا عنه الماء حاول الإمام علي رضي الله عنه فك هذا الحصار بالحوار دون القتال وقد جاءت روايات أن عثمان 

1 - طبقات ابن سعد و ابن أبي شيبة

2 - 2 - رواه البخاري في تاريخه وابن سعد في الطبقات والطبري في تاريخه.

3 - 3 - رواه أحمد بن حنبل في فضائل الصحابة بإسناد صحيح.

4 - 4 - انظر التاريخ للبخاري والاستيعاب لابن عبدالبر

 

وهو محصور في الدار بعث إلى علي يطلبه، وأن علا استجاب لأمره لكنه لم يتمكن من الوصول إلى الدار التي كان المعارضون يطوقونها، فقال علي للثوار: أيها الناس إن الذي تفعلون لا يشبه أمر المؤمنين ولا أمر الكافرين فلا تمنعوا عن هذا الرجل الماء ولا الطعام فإن الروم وفارس لتأسر وتطعم وتسقي، ولكن لم يستطع أن يفعل شيئا، فحل عمامته السوداء التي كان يرتديها ورمي بها إلى رسول عثمان، فحملها الرسول إلى عثمان فعلم عثمان أن علي حاول المساعدة لكنه لم يستطع (1) 

وأستمر الحصار على عثمان رضي الله عنه أياما عديدة من أواخر ذي القعدة إلى الثامن عشر من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين، وكان يطل على المحاصرين ويخطب فيهم ويذكرهم بمواقفه لعلهم يلينون، لكنهم لم يفعلوا. 

يروي أحد شهود الواقعة وهو ثمامة بن حزن القشيري فيقول: شهدت الدار حيث أشرف عليهم عثمان فقال: أنشدكم بالله والإسلام هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة فقال من يشتري بئر رومة يجعل دلوه فيها كدلاء المسلمين بخير له في الجنة؟ فاشتريتها من صلب مالي؟ قالوا: اللهم نعم. وزاد البخاري، ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من جهز جيش العسرة فله الجنة، فجهزته. 

قالوا: اللهم نعم. وعند الترمذي عن أبي إسحاق، هل تعلمون أن حراء حين انتفض قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أثبت حراء فليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد؟ 

قالوا: نعم، وهل تعلمون أن المسجد ضاق بأهله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد بخير منها في الجنة؟ فاشتريتها من صلب مالي، فأنتم اليوم تمتعوني أن أصلي فيها؟ | 

قالوا: نعم. 

وفي رواية الدارقطني: وهل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجني ابنتيه 1 - انظر طبقات ابن سعد و سنده منقطع وتاريخ الطبري وابن أبي شيبة في مصنفه وستنده متقطع أيضا. 

58 

 

واحدة بعد أخرى رضي بي ورضي عني؟ 

قالوا: نعم. . 

وعند الحاكم، قال لطلحة: أتذكر إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم إن عثمان رفيقي في الجنة؟ 

قال: نعم. (1) 

وتدخل أبو هريرة رضي الله عنه ينصحهم ويذكرهم فيقول: (( إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنكم تلقون بعدي فتنة واختلافا، أو قال: اختلافا وفتنة فقال له قائل من الناس: فمن لنا يا رسول الله؟ فقال: عليكم بالأمين وأصحابه، وهو يشير إلى عثمان بذلك )) . (2) 

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: لما كان يوم الدار قيل لعثمان: ألا تقاتل؟ قال: قد عاهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم على عهد سأصبر عليه. قالت عائشة: فكنا نرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إليه فيها يكون من أمره. (3) 

عن عبد الله بن خيار: أنه دخل على عثمان وهو محصور فقال: إنك إمام عامة، ونزل بك ما نرى ويصلي لنا إمام فتنة ونتحرج، فقال: الصلاة أحسن ما يعمل الناس، فإذا أحسن الناس فأحسن معهم، وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم. (4) 

ويستمر الحصار وتشتد الفتنة وقد أحكمت حلقاتها من لدن المتآمرين حتى تنتهي باقتحام الدار وقتلهم للخليفة الصابر الشهيد. 

وقبيل مقتله بري عثمان رضي الله عنه في المنام اقتراب أجله فيستسلم لأمر الله؛ قال ابن عمر رضي الله عنهما أن عثمان أصبح يحدث الناس قال: رأيت النبي صلى الله عليه 

1 - انظر الروايات في سنن الترمذي والنسائي والدارقطني وعند الحاكم في المستدرك على الصحيحين 2 - فضائل الصحابة لابن حنبل 3 - انظر كتاب السنة لابن أبي عاصم، قال الألباني إسناده صحيح - رواه البخاري في صحيحه.

 

وسلم في المنام فقال: يا عثمان! أفطر عندنا، فأصبح صائي وقتل من يومه (1) . 

روى أبو سعيد مولى أبي أسيد ما حدث لعثمان حين اقتحم داره وقتل: فتح عثمان الباب ووضع المصحف بين يديه، فدخل عليه رجل فقال بيني وبينك كتاب الله، فخرج وتركه، ثم دخل عليه آخر فقال: بيني وبينك كتاب الله، فأهوى إليه بالسيف، فاتقاه بيده فقطعها، فلا أدري أبانها أم قطعها ولم يبنها، فقال والله إنها لأول کف خطت المفضل (2) . 

وتتوزع سيوفهم دماءه الطاهرة، فأخذ الغافقي حديدة ونزل بها على عثمان رضي الله عنه فضربه بها ورگ المصحف برجله فطار المصحف واستدار ورجع في حضن عثمان وسال الدم فنزل عند قوله تعالى: فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ 4 [البقرة: 137)، هنا أرادت نائلة زوجة عثمان أن تحميه فرفع سودان السيف يريد أن يضرب عثمان، فوضعت يدها التحميه فقطع أصابعها فولت صارخة تطلب النجدة، فضربها في مؤخرتها، وضرب عثمان على كتفه فشقه. ثم نزل عليه بخنجر فضربه تسع ضربات وهو يقول: (( ثلاث لله، و لما في الصدور )) . 

ثم قام قتيرة فوقف عليه بالسيف، ثم اتكأ على السيف فأدخله في صدره. ثم قام أشقاهم وأخذ يقفز على صدره حتي کسر أضلاعه. | 

هنا قام غلمان عثمان بالدفاع عنه، واستطاعو أن يقتلوا كلا من سويدان وقتيرة، لكن أهل الفتنة قتلو الغلان جميعا، وترکو جتهم داخل الدار. 

ثم قام جماعة من الصحابة وذهبوا إلى داره وخرجوا به ودفنوه رضي الله عنه بليل في حش کوکب، وكانت مقبرة لليهود فاشتراها عثمان، وهي في ظهر البقيع فدفن فيها ولم يدفن في البقيع لعدم إذن أهل الفتنة، ثم إنه في عهد معاوية وسع البقيع وأدخل فيه 

1 - أخرجه الحاكم في المستدرك وقال حديث صحيح الإسناد ووافقه الذهبي ورواه أحمد في فضائل

الصحابة بإسناد حسن ورواه البزار وأبو يعلى و ابن سعد في الطبقات 

2 - انظر تاريخ خليفة بن خياط.

 

المكان فصار قبر عثمان داخل البقيع. (1) 

في البداية والنهاية لابن كثير قال: (( من أن الخوارج نادي بعضهم بعضا بعد مقتل عثمان بالسطو على بيت المال، فسمعهم خزنة بيت المال فقالوا يا قوم النجا! النجا فإن هؤلاء القوم لم يصدقوا فيما قالوا من أن قصدهم قيام الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك مما ادعوا أنهم قاموا لأجله، وكذبوا إنها قصدهم الدنيا. فأخذوا ما به من أموال ثم سطوا على دار عثمان وأخذوا ما به حتى إن أحدهم أخذ العباءة التي كانت على نائلة. 

روى البخاري في صحيحه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حائط، فجاء رجل يستأذن فقال: ائذن له وبشره بالجنة، فإذا هو أبو بكر، ثم جاء آخر يستأذن فقال: ائذن له وبشره بالجنة فإذا هو عمر، ثم جاء آخر يستأذن، فسكت هنيهة ثم قال: ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه، فإذا هو عثمان. ويعقب ابن حجر على ذلك بقوله: إن النبي صلى الله عليه وسلم أشار بالبلوى المذكورة إلى ما أصاب عثمان في آخر خلافته من الشهادة يوم الدار. (2) 

قال ابن بطال: إنما خص عثمان بذكر البلاء مع أن عمر قتل أيضا لكون عمر لم يمتحن بمثل ما أمتحن عثمان من تسلط القوم الذين أرادوا منه أن ينخلع من الإمامة بسبب ما نسبوه إليه من الجور والظلم مع تنصله من ذلك، واعتذاره عن كل ما أوردوه عليه، ثم هجومهم عليه في داره و هنكهم ستر أهله، وكل ذلك زيادة على قتله. (3) 

وكان مقتله صباح يوم الجمعة الثاني عشر من شهر ذي الحجة عام 35 ه ودفن ليلا يوم السبت بالبقيع عن عمر يتجاوز اثنين وثمانين عاما رضي الله عنه 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ومن المعلوم بالتواتر أن عشان كان من أكف الناس عن الدماء وأصبر الناس على من نال من عرضه وعلى من سعى في ذمه، فحاصروه وسعوا 

1 - انظر تاريخ الطبري، وفضائل الصحابة لابن حنبل وغيرهما? 2 - متفق عليه. 3 - فتح الباري في شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني.

 

في قتله وقد عرف إرادتهم لقتله، وقد جاءه المسلمون ينصرونه ويشيرون عليه بقتالهم، وهو يأمر الناس بالكف عن القتال، ويأمر من يطيعه أن لا يقاتلهم .. و قيل له تذهب إلى مكة فقال: لا أكون ممن ألحد في الحرم فقيل له تذهب إلى الشام فقال: لا أفارق دار هجرتي، فقيل له: فقاتلهم، فقال: لا أكون أول من خلف محمد في أمته بالسيف. 

فكان صبر عثمان حتى قتل من أعظم فضائله عند المسلمين. (1) . ذکر کلام الإمام الآجري في كتاب الشريعة. 

فإن قال قائل: فقد علموا أنه مظلوم وقد أشرف على القتل فكان ينبغي لهم أن يقاتلوا عنه 

وإن كان قد منعهم. قيل له: ما أحسنت القول، لأنك تكلمت بغير تمييز. فإن قال: ولم؟ قيل: لأن القوم كانوا أصحاب طاعة، وفقهم الله تعالى للصواب من القول والعمل، فقد فعلوا ما يجب عليهم من الإنكار بقولهم وألسنتهم وعرضوا أنفسهم لنصرته على حسب طاقتهم، فلما منعهم عثمان رضي الله عنه من نصرته علموا أن الواجب عليهم السمع والطاعة له، وإنهم إن خالفوه لم يسعهم ذلك، وكان الحق عندهم فيما رآه عثمان رضي الله عنه وعنهم. فإن قال: فلم منعهم عثان من نصرته وهو مظلوم، وقد علم أن قتالهم عنه نهي عن منكر، وإقامة حق يقيمونه؟ قيل له: وهذا أيضا غفلة منك. فإن قال: وكيف؟ قيل له: منعه إياهم عن نصرته يحتمل وجوها كلها محمودة منها علمه بأنه مقتول مظلوم، لا شك فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أعلمه: إنك تقتل مظلومة فاصبر، فقال: أصبر. فلما أحاطوا به علم أنه مقتول وأن الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم له حق کہا قال لا بد من أن يكون، ثم علم أنه قد وعده من نفسه الصبر فصبر کيا وعد، وكان عنده أن من طلب الانتصار لنفسه والذب عنها فليس هذا بصابر إذ وعد من نفسه الصبر. | 

ومنها أنه قد علم أن في الصحابة رضي الله عنهم قلة عدد، وأن الذين يريدون قتله 

1 - انظر منهاج السنة لابن تيمية

62 

 

كثير عددهم، فلو أذن لهم بالحرب لم يأمن أن يتلف من صحابة نبيه بسببه، فوقاهم بنفسه إشفاق منه عليهم؛ لأنه راع والراعي واجب عليه أن يحوط رعيته بكل ما أمكنه، ومع ذلك فقد علم أنه مقتول فصانهم بنفسه، وهذا وجه. 

ومنها أنه لما علم أنها فتنة وأن الفتنة إذا سل فيها السيف لم يؤمن أن يقتل فيها من لا يستحق، فلم يختر لأصحابه أن يسلوا في الفتنة السيف، وهذا إنها إشفاقا منه عليهم هم، فصانهم عن جميع هذا. 

ويحتمل أن يصبر عن الانتصار ليكون الصحابة رضي الله عنهم شهود على من ظلمه وخالف أمره وسفك دمه بغير حق، لأن المؤمنين شهداء الله عز وجل في أرضه، ومع ذلك فلم يجب أن يهرق بسيه دم مسلم ولا يخلف النبي صلى الله عليه وسلم في أمته بأهراقه دم مسلم، وكذا قال رضي الله عنه، فكان عثمان رضي الله عنه بهذا الفعل موفقة معذورة رشيدة، وكان الصحابة رضي الله عنهم في عذر، وشفي قاتله 

عن مسلم أبو سعيد مولى عثمان رضي الله عنه أن عثمان بن عفان أعتق عشرين مملوكة، ودعا سراويل فشدها عليه - حتى لا تظهر عورته عند قتله - ولم يلبسها في جاهلية ولا في إسلام، قال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم البارحة في النوم ورأيت أبا بكر وعمر وأنهم قالوا لي: اصبر فإنك تفطر عندنا القابلة، ثم دعا بمصحف فنشره بين يديه، فقتل وهو بين يديه. 

وقد اعتبرت فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه من أخطر الأحداث التي مرت بها الدولة الإسلامية في عصر الخلافة الراشدة، وقد تركت من الاختلاف والانقسام في صفوف الأمة ما كاد يودي بها، وقد أعقبها فتن داخلية أخرى تتصل بها و تفرع عنها وهي موقعة الجمل وصفين و النهروان، کا استمرت آثارها متمثلة في الخوارج و المعارضين للدولة الأموية والعصر الأول من الدولة العباسية خاصة، بل يمكن أن نعتبر الانقسامات الكبرى الناجمة عن الفتنة مؤثرة في الأمة حتى عصرنا الحاضر وإلى ظهور المهدي المنتظر آخر الزمان. 

 

السعودية 

عمان 

العيص 

صنعاء 

صنعاء 

الخفية الجديدة 

سبوت 

و الحامد 

مير 

سونطرة 

برقربا 

جيبوني 

الصومال 

أنبوب 

موقع اليمن السعيد على الخريطة جنوب الجزيرة العربية 

صورة لطبيعة اليمن السعيد الذي خرج منه عبدالله بن سبأ الشقي 

 
 

يعترض لهم تارة ويختفي عنهم أخرى، فقالوا مالك؟ فأخبرهم أنه رسول أمير المؤمنين إلى عامله بمصر، وفتشوه فإذا معه كتاب، وإذا في الكتاب الأمر بقتل هؤلاء، فرجعوا إلى المدينة، وأتوا عليا وأطلعوه على كتاب عثمان، وأمروه بالقيام معهم إلى عثمان فابي، فقالوا: فلم كتبت إلينا؟ 

فقال: والله ما كتبت إليكم كتابة قط. 

وجاؤوا إلى عثمان، واستنكروا عليه الكتاب، فأنكره، وطلب منهم البينة عليه، أو يقبلوا يمينه، فقالوا: هذا خانمك، فأشار إلى أن من الممكن أن ينقش على الخاتم!، كما أن الكتاب يكتب على لسان الرجل! ثم حصروه. (1) 

وجاء في رواية الأزدي ما يكشف بعض ما ورد في الرواية السابقة .. فيقول عن وفد مصر: جاء ركب الشقا من أهل مصر، ومحمد بن أبي بكر - وإن كان مع الوفد القادم - مخرج من عند عثمان، بعد أن ذكره فاستحى، ولم يكن من قتلة عثمان، ثم دخل عليه رومان 

اين وردان، فقتله. (2) 

وعند الطبري أيضا رواية الأحنف أن طلحة والزبير، وعلي يؤكدون لعشان ما وعده به الرسول صلى الله عليه وسلم من الأجر لقاء أعمال قام بها، بعد أن سألهم والناس مجتمعون في المسجد حولهم. 

وباستعراض الروايات الصحيحة الإسناد، يوضح أن هناك مؤامرة تحاك، وأن أبطالها غير بارزين، فإذا ما عدنا إلى روايات الإخباريين الثلاث (أبي مخنف، سيف، الواقدي) 

1 - انظر تاريخ الطبري وسند الرواية ويعقوب بن إبراهيم (وهو ثقة، وكان من الحفاظ تقريب التهذيب ج 2/ 374) عن معتمر بن سليمان و هر ثقة (التهذيب) ، (التقريب) ، عن أبيه (سليمان بن طرخان التميمي) وهو ثقة عابد، كما في التقريب، عن أبي نضرة (المنذر بن مالك) وهو ثقة أيضاء (التهذيب) ، أما أبو سعيد، فقد ذكره الذهبي في الميزان، في أكثر الرواية عنه أبو نظره، كما ذكره ابن حجر في التهذيب (ج 302/ 10) کا ترجم له الحاكم في الأمامي والكتي) 2 - تاريخ دمشق وفي إسناده: ثور بن يزيد الي مبني بر اثر ثقة (التهذيب ج 2/ 33) . وإن كان ب مي بالقدر فهو صحيح الحديث (الميزان ج 1 374) ، وإسماعيل بن عياش وهو عام أهل الناد، نمد مات ولم يخلف ده في الميزان، ج 20/ 1) و مو حربية في حابه من الشاميين (التهذيب ج 3241) .

 

وجدنا أن أبي مخنف والواقدي يؤكدان أن الصحابة هم من كانوا وراء الفتنة والمؤامرة وهم محرکوها وهذا كلام باطل لأن أبا محتف مطعون في روايته فهو لا يتورع أن يتهم عثمان بأنه الخليفة الذي كثرت سقطاته، فاستحق ما استحقه ويظهر طلحة كواحد من الثائرين على عثمان، والمؤليين ضده. (1) 

ولا تختلف روايات الواقدي كثيرا عن روايات أبي مخنف فعمرو بن العاص رضي الله عنه، يقدم المدينة، ويأخذ في الطعن على عثمان و حينها جاءه الخبر بقتل عثمان قال: (( أنا أبو عبدالله، إذا حككت فرحة نكأنها، إن كنت لأحرض عليه، حتى إني لأحرض عليه الراعي في غنمه في رأس الجبل (2) 

أما طلحة، فالمؤامرة بأمره، وهو حامل الثوار ومؤليهما 

كما يظهر في رواية الواقدي (علي) كواحد من الذين أسهموا في نهاية عثمان، وبنو أمية يذكرون ذلك له ويخوفونه عاقبة إقبال الدنيا عليه: (( يا علي أهلكتنا، وصنعت هذا الصنيع بأمير المؤمنين، أما والله لئن بلغت الذي تريد لتمرن عليك الدنيا ... )) . (3) 

وروايات الواقدي أيضا لا تصح ومنها ما أعرض الطبري عنها لبشاعتها وكراهيته لها فلم يذكرها وهذا يدل على أنها كانا مع عبدالله بن سبأ في محاولة إخفاء دوره في الأحداث وقد حاولوا إظهار كبار الصحابة كعلي وطلحة والزبير وغيرهم أنهم من المحرضين على عثمان، والمسؤولين عن قتله، في حين أنهم دافعوا عنه وخرجوا للمطالبة بدمه من قتلته. 

وأما رواية سيف بن عمر في الطبري تقول: (( كان عبدالله بن سبأ يهوديا من أهل صنعاء، أمه سوداء، فأسلم زمن عثمان، ثم تنقل في بلدان المسلمين يحاول ضلالتهم، فبدأ بالحجاز، ثم البصرة، ثم الكوفة، ثم الشام، فلم يقدر على ما يريد عند أحد من أهل الشام، فأخرجوه حتى أتى مصر، فاعتمر فيهم فقال لهم فيها يقول: لعجب ممن يزعم 

- انظر البلاذري في أنساب الأشراف وفي سند الرواية مقال لضعف أبي محلف نفسه.

2 - تاريخ الطبري

3 - المصدر السابق?

 

أن عيسى يرجع، ويكذب بأن محمدا يرجع، وقد قال الله عز وجل هو الذي فرض عليك الان لاك إلى معاه (القصص: 85) إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ، قال: فقبل ذلك عنه ووضع لهم الرجعة فتكلموا فيها، ثم قال لهم بعد ذلك: أنه كان ألف نبي ولكل نبي وصي، وكان علي وصي محمد، ثم قال: محمد خاتم الأنبياء وعلي خاتم الأوصياء، ثم قال بعد ذلك: من أظلم ممن لم يجز وصية رسول الله * ووثب على وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتناول أمر الأمة ثم قال لهم بعد ذلك: إن عثمان أخذها بغير حق، وهذا وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم فانهضوا في هذا الأمر فحرکوه، ابدأوا بالطعن على أمرائكم وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تستميلوا الناس، وادعوهم إلى هذا الأمر، فبث دعائه، وكاتب من كان استفسد في الأمصار وكاتبوه، ودعوا في السر إلى ما عليه رأيهم، وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجعلوا يكتبون إلى الأمصار بكتب يضعونها في عيوب ولاتهم، ويکاتبهم إخوانهم يمثل ذلك! ويكتب أهل كل مصر منهم إلى مصر آخر با يصنعون فيقرؤه أولئك في أمصارهم وهؤلاء في أمصارهم، حتى تناولوا بذلك المدينة، وأوسعوا الأرض إذاعة، وهم يريدون غير ما يظهرون، ويسرون غير ما يبدون فيقول أهل كل مصر، أنا لفي عافية مما ابتلي به هؤلاء إلا أهل المدينة فإنهم جاءهم ذلك عن جميع الأمصار، فقالوا: إنا لفي عافية بما فيه الناس. (1) 

و جامعه محمد و طلحة (2) من هذا المكان، قالوا: فأتوا عثمان فقالوا: يا أمير المؤمنين، أيأتيك عن الناس الذي يأتينا؟ قال: لا والله، ما جاءني إلا السلامة، قالوا: فأنا قد أتانا، وأخبروه بالذي أسقطوا إليهم، قال: فأنتم شرکائي وشهود المؤمنين فأشيروا علي قالوا: تشير عليك أن تبعث رجالا ممن تثق بهم إلى الأمصار حتى يرجعوا إليك بأخبارهم. 

فدعا محمد بن مسلمة فأرسله إلى الكوفة، وأرسل أسامة بن زيد إلى البصرة، وأرسل عمار بن ياسر إلى مصر وأرسل عبدالله بن عمر إلى الشام، وفرق رجالا سواهم، فرجعوا 

- تاريخ الطبري.

2 - محمد بن عبدالله بن سواد بن نويرة، أما طلحة بن الأعلم الحنفي، وعطية هو ابن الحارث الهمداني،

والثلاثة شيوخ سيف بن عمر الضبي. 

 

جميعا قبل عمار، فقالوا، أيها الناس ما أنكرنا شيئا ولا أنكره أعلام المسلمين ولا عوامهم وقالوا جميعا: الأمر أمر المسلمين، إلا أن أمراءهم يقسطون بينهم ويقومون عليهم، واستبطأ الناس عارة حتى ظنوا أنه قد اغتيل، فلم يفجأهم إلا كتاب من عبدالله بن سعد بن أبي سرح يخبرهم أن عبارة قد استحاله قوم بمصر، وقد انقطعوا إليه، فيهم عبدالله ابن السوداء، وخالد بن ملجم وسودان بن حمران، وكنانة بن بشر (1) 

يريدونه على أن يقول بقولهم، يزعمون أن محمدا راجع، ويدعونه إلى خلع عثمان، ويخبرونه أن رأي أهل المدينة على مثل رأيهم، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن في قتله وقتلهم قبل أن يبايعهم، فكتب إليه عثمان: لعمري أنك لجريء، يا ابن أم عبدالله، لا والله لا أقتله و لا أنكأه، ولا إياهم حتى يكون الله عز وجل ينتقم منهم ومنه بمن أحب، فدعهم ما لم يخلعوا يدا من طاعة يخوضوا ويلعبوا ... (2) 

وهكذا أكبر الطبري وابن عساكر الدور الذي قام به اين سبأ في الفتنة وأنه اليد الخفية المحركة للفتنة. 

فابن عساكر يؤكد الدور الذي قام به ابن سبأ في الفتنة ويقول: (( ... وطاف بلاد المسلمين ليلفتهم عن طاعة الأئمة، ويدخل بينهم الشر، وقد دخل دمشق لذلك في زمن عثمان بن عفان ... )) . (3) 

وكذلك أشار المقريزي إلى أن ابن سبأ هو الذي أثار الفتنة ضد عثمان حتي قتل. (4) 

وأيضا نرى ذلك في حديث السيوطي عن مصر ما يفيد إنكار أهلها على ابن سبأ في البداية ثم افتتن به بشر كثير منهم، وكان ذلك مبدأ تأليبهم على عثمان. (5) 

وذكر ابن كثير أن من أسباب قتل عثمان عزله عمرو بن العاص عن مصر، وتوليته 

1 - تاريخ الطبري 2 - تاريخ ابن عساکر،

2 - 3 - تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر.

3 - 4 - انظر المواعظ والاعتبار للمقريزي ج

4 - 2? - حسن المحاضرة للسيوطي ج 2

 

ابن أبي سرح مكانه، وذلك لشدة عمرو وتضييقه على الخوارج المصريين، ولين ابن سعد وانشغاله بالفتوح. (1) 

وقد أشار ابن كثير إلى دور ابن سبأ في إحداث الفتنة التي أدت لمقتل الخليفة عثمان ثم فتنة الصحابة وموقعة الجمل وصفين والتي انتهت بمقتل الإمام علي رضي الله عنه 

جاء في رواية لأبي حارثة وأبي عثمان أن ابن السوداء لما قدم مصر عرض لأهلها بالكفر فأبعدوه ثم عرض لهم بالشقاق فأطمعوه، وبدأ فطعن على عمرو بن العاص، حتى حرك بعضا من أهل مصر، فسألوا الخليفة أن يعفيهم منه، ويولي قرشا يسوي بينهم! فأجاب عثمان، وجعل ابن سعد على الخراج، وأبقى عمرة على الحرب ولم يعزله، ثم سعوا بين الرجلين، وكتب كل واحد منها إلى عثمان بالذي بلغه عن صاحبه، وركبوا هم ليستعفوا من عمرو ويسألوا سعدة، فأعفاهم، وكأنه مدرك أن وراء الأكمة ما وراءها!. (2) 

وذكر الذهبي: أن ابن السوداء لما خرج إلى مصر نزل على كنانة بن بشر مرة وعلى سودان بن حمران مرة وانقطع إلى الغافقي فكلمة وأطاف به خالد بن ملجم وعبدالله اين رزين وأشباه لهم، فصرف لهم القول فلم يجدهم يجيبون إلى الوصية، فقال: عليکم بباب العرب و حجرهم ولسنا من رجاله، فأروا أنكم تزرعون ولا تزرعوا العام شيئا، حتى تنكسر مصر فنشكوه إلى عنان فيعزله عنكم، ونسأل من هو أضعف منه، ونخلوا بيا نريد، تظهر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، - وكأن أسرعهم لذلك محمد بن أبي حذيفة - وفعلوا ما أمرهم به، وخرجوا شاكين إلى عثمان عمران و مستعفينه منهم، ومطالبين بابن أبي سرح مكانه، فأقره على الخراج، وترك عمرا على الصلاة، فمشى بينها سودان، وكنانة، وخارجة، وأغروا بينها، حتى كتب كل واحد منهما ما بلغه إلى عثمان، فجمع مصر كلها لابن أبي سرح. (3) 

1 - البداية والنهاية لابن كثير،

2 - تاريخ دمشق لابن عساکر،

3 - يؤكد هذا الحوار الذي جرى بينه وبين اعمرو بن العاصا بعد أن قدم عليه المدينة، قال عثمان: ما

شانك يا أبا عبد الله؟ قال: والله يا أمير المؤمنين ما كنت منذ وليتهم أجمع أمرأ ولا رأي منتي منذ كرهوني وما أدري من أين أتيت؟ فقال عثمان: ولكن أدري، لقد دنا أمر هو الذي كنت أحذره، ولقد جاءني = 

 

والباحث في أسباب تلك الفتنة وأسباب وقوعها يرى لها عوامل أدت لها نجلت استخلاصها من كتب التاريخ وآراء المؤرخين فقد قالوا إن مجيء عثمان رضي الله عنه مباشرة بعد عمر رضي الله عنه واختلاف الطبع بينهما، أدى إلى تغير أسلوبها في معاملة الرعية، فعلى حين كان عمر رضي الله عنه قوي الشكيمة، شديد المحاسية لنفسه، ولمن تحت يده، كان عثمان رضي الله عنه ألين طبعة وأرق في المعاملة، ولم يكن يأخذ نفسه أو يأخذ الناس بما أخذهم به عمر، فعظم صغير عثان في أعينهم ويقول عثمان نفسه: (( إن عمر رضي الله أتعب والله من اتبع أثره، حتى وإن كان الناس رغبوا فيه في الشطر الأول من خلافته لأنه لان معهم، وكان عمر شديدة عليهم، فقد أنكروا عليه بعد ذلك وقد قال عثان لأقوام سجنهم: (( أتدرون ما جرأكم علي؟ ما جرأكم علي إلا حلمي، و (1) 

أما الشهرستاني، فإنه يحمل بني أمية مسؤولية ما وقع من أحداث في أواخر عهد عثمان (2) 

لكن ابن تيمية وابن حجر العسقلاني يقصران الأمر على مروان بن الحكم من بني أمية (3) . 

ومنهم من يرى أن من عوامل الفتنة ساح عثمان رضي الله عنه لكبار الصحابة بالانتشار في البلاد المفتوحة، وكان عمر قد حجر عليهم قبله، ويستدلوا بأن أول الفتنة كانت من عوام المسلمين وليس من الصحابة وإلى هذا ذهب ابن تيمية في كتابه الفتاوي حيث قال إن من عوامل الفتنة اختلاف الناس في أواخر خلافة عثمان، و خلافة علي عنهم في زمن أبي بكر وعمر، ولذلك لقرب عهد هؤلاء بالرسالة، وعظيم إيمانهم وصلاحهم، وكون أئمتهم أقوم بالواجب، وأثبت في الطمأنينة. 

نفرمن ركب تردد عنهم عمر وكرههم ألا وأنه لابد لما هو كائن أن يكون .. (تاريخ دمشق) وهذه الروية - التي يشكل الحوار جزء منها - نطلعنا على حقيقة المؤامرة، كما تبين عن طبيعة العلاقة وأسلوب المعاملة بين الصحابية وهو أمر نشتط الروايات الأخرى في تأويله!!. - انظر تاريخ الطبري والصواعق المحرقة لابن حجر الهيثمي 

2 - الجلال و النحل للشهرستاني

3 - انقر هنا و السنة - ابن تيمية - والإصابة في معرفة الصحابة لابن حجر.

 

نهاية قتلة عثمان رضي الله عنه ذكرت كتب التاريخ والسير أن جميع الذين اشتركوا في قتل عثمان رضي الله عنه أو أعانوا على قتله قد قتل أو أصابه الله بعقاب من عنده، وإن الله عز وجل لم يهمل الظالمين بل أذلهم وأخزاهم وانتقم منهم فلم ينج منهم أحد. 

عن عمرة بنت أرطأة العدوية قالت: خرجت مع عائشة سنة قتل عثمان إلى مكة، فمررنا بالمدينة ورأينا المصحف الذي قتل وهو في حجره، فكانت أول قطرة من دمه على هذه الآية فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ3 [البقرة: 137] قالت عمرة: في مات منهم رجل سويا. (1) 

عن ابن سرين قال: كنت أطوف بالكعبة فإذا رجل يقول: اللهم اغفر لي وما أظن أن تغفر لي! قلت يا عبدالله! ما سمعت أحدا يقول ما تقول!! 

قال: كنت أعطيت الله عهدا إن قدرت أن ألطم وجه عثمان إلا لطمته، فلما قتل ووضع على سريره في البيت، والناس يجيئون فيصلون عليه فدخلت كأني أصلي عليه، فوجدت خلوة فرفعت الثوب عن وجهه فلطمت وجهه وسجيته وقد يبست يميني. 

قال محمد بن سرين: رأيتها يابسة كأنها عود. (2) 

وعن قتادة أن رجلا من بني سدوس قال: كنت فيمن قتل عثمان فيا منهم رجل إلا أصابته عقوبة غيري، قال قتادة: فيا مات حتى عمي. (3) 

1 - أخرجه أحمد في المسند بإسناد صحيح وأخرجه أيضا في الزهد و في فضائل الصحابة -

2 - 2 - رواه ابن عساكر في تاريخه

3 - 3 - انظر أنساب الأشراف للبلاذري.

 

المدينة المنورة والمسجد النبوي 

قبر الخليفة الراشد عثمان بن عفان بالبقيع في المدينة المنورة 

 

دار عثمان) موضعها الآن ضمن الرحية الشرقية للمسجد النبوي، مقابل باب جبريل، وتمتد حتى دار أبي أيوب الأنصاري، وكان الفاصل بينهما عند قيامها زقاق ضيق وقد انقسمت هذه الدار في القرون المتأخرة إلى ثلاثة أقسام. قسم كان فيه رباط للمغاربة و كانت به مكتبة تحوي كتب الفقه المالكي وغيره، وذكر بعض نظار الرياض بأنها أخرجت من الحجرة النبوية وأنها من العصر العباسي. وكان العثمان رضي الله عنه دار أخرى صغري متصلة بالدار الكبرى من الجهة الشرقية ومن هذه الدار تسور قتلة عثمان علي داره الكبرى فقتلوه وقد أزيلت الدارين أثناء التوسعة السعودية للمسجد النبوي 

 

 

تتابع الأحداث

 

مبايعة الإمام علي رضي الله عنه بالإمامة 

استمرار الفتنة واستثمار الاختلاف بين الصحابة 

موقعة الجمل ودور عبدالله بن سبأ وأعوانه فيها 

السيدة عائشة والجمل. 

 

 

مبايعة الإمام علي رضي الله عنه بالإمامة

 

كان استشهاد عثمان رضي الله عنه حدثا عظير جدلا أصاب المسلمين وفتح باب الفتنة على مصراعيه، ولكن هذا الحدث لم يكن آخر العهد بالمؤامرات التي دبرها ابن سبأ وأعوانه، وإنما كان الحدث هو البداية. 

المهم أن المسلمين من الصحابة وغيرهم من الوافدين على المدينة المنورة ومنهم المتمردون على عثمان رضي الله عنه قد اختاروا الإمام علي رضي الله عنه لتولي الخلافة. 

قال محمد ابن الحنفية: كنت مع أبي حين قتل عثمان رضي الله عنه فقام فدخل منزله، فأتاه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن هذا الرجل قد قتل ولا بد للناس من إمام ولا نجد اليوم أحد أحق بهذا الأمر منك، ولا أقدم سابقة ولا أقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم 

فقال: لا تفعلوا، فإني أكون وزير خير من أن أكون أميرة. فقالوا: لا والله! ما نحن بفاعلين حتى نبايعك. 

قال: ففي المسجد فإن بيعتي لا تكون خفية ولا تكون إلا عن رضا المسلمين، قال سالم بن أبي الجعد: فقال عبد الله بن عباس رضي الله عنها فلقد كرهت أن يأتي المسجد مخافة أن يشغب عليه، وأبي هو إلا المسجد، فلما دخل المهاجرون والأنصار فبايعوه ثم بايعه الناس. 

وهناك رواية عن أبي بشير العابدي يقول فيها: إن المهاجرين والأنصار وفيهم طلحة والزبير أتوا علينا فقالوا له: إنه لا يصلح الناس إلا بإمرة، وقد طال الأمر. 

فقال لهم: إنكم اختلفتم إلي وأتيتم وإني قائل لكم قولا إن قبلتموه قبلت أمركم، وإلا فلا حاجة لي فيه، فقالوا: ما قلت من شيء قبلناه إن شاء الله. 

فبايعوه في المسجد 

وهناك رواية أخرى تفيد أن طلحة والزبير قالا: يا على ابسط يدك، فبايعه طلحة والزبير وهذا بعد مقتل عثمان الثاني عشرة ليلة خلت من ذي الحجة. وهناك رواية أخرى 

17 

 

عن عوف بن أبي جميلة العيدي قال: أما أنا فأشهد أني سمعت محمد بن سيرين يقول: إن عليا جاء فقال لطلحة: ابسط يدك با طلحة لأبايعك فقال طلحة: أنت أحق وأنت أمير المؤمنين فابسط يدك فبسط علي يده فبايعه. (1) - 

وقد ذكر مبايعة الزبير وطلحة للإمام علي رضي الله عنه ابن سعد في الطبقات والمسعودي في مروج الذهب والذهبي في دول الإسلام، واليعقوبي في تاريخه. (2) 

ونقل ابن سعد في الطبقات أن البيعة لعلي كانت في اليوم الثاني من قتل عثمان وقد بايعه طلحة و الزبير وسعد بن أبي وقاص وجميع الصحابة بالمدينة وغيرهم. (3) 

و أما الروايات المخالفة التي نقلها الإمام الطبري في تاريخه، منها من يقول بأن طلحة 

1 - انظر تاريخ الطبري و فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل

2 - 2 - انظر تاريخ اليعقوبي، الذي ذكر أن الصحابة في المدينة و منهم طلحة والزبير قد بايعوا الإمام علي ول

بستني سوي مروان بن الحكم وسعيد بن العاص و الوليد بن عقبة, | 

3 - وفي تاريخ الطبري أن المدينة بقيت بعد قتل عثمان خمسة أيام بايدي المتمردين وعرضوا الخلافة على

كل من علي وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاصي و عبدالله بن عمر فرفضوها ثم اجتمع المهاجرون والأنصار وناشدوا عليا رضي الله عنه أن يقبل البيعة فوافق. وذكر الطبري في تاريخه أن الناس جاؤوا عليا وهو في سوق المدينة ليبايعوه، فيطلب منهم المهلة حتى 

يجتمع الناس ويتشاوروا، فيشتدون عليه فتبايعه العامة والذي يتضح أن عليا لم يطلب من الناس البيعة، ولم يكن حريصا على الخلافة - مع أحقيته لها - وذلك أنه كان يدرك ظروف الأمة إذ يقول: (( دعوتي والتمسوا غيري، فإنا مستقبلون أمر له وجوه، وله ألوان 

لا تقوم به القلوب، ولا تثبت عليه العقول،، ويروى أنه كان يقول: وليت وأنا كاره، ولولا خشية على الدين لم أجبهم ولكن المسلمين كانوا يدركون خطورة الوضع، والحاجة إلى تعيين خليفة بتولي أمر المسلمين فيجتمع إليه وجوه المهاجرين والأنصار، ويقسمون عليه، ويناشدونه في حفظ بقية الأمة وصيانة دار الهجرة، فيدخل في ذلك بعد شدة مغلبة المصلحة ويقدر ما كان علي رضي الله عنه يتوخى بيعة الناس له في تلك الظروف فقد رغب بعد ذلك إلى أن تكون بيعته عن رضا وإجماع من المسلمين ولا سيما أهل السابقة فيهم وأصحاب الحل والعقد. فقد ذكر ابن حبان أن الناس هرعوا إلى علي بعد مقتل عثمان لمبايعته، فقال ليس ذلك إليكم، وإنما هو الأهل بدر فمن رضي به أهل بدر فهو الخليفة، فلم يبق أحد من أولئك إلا أني عليه، فطلب أن تكون 

على ملا من الناس فخرج إلى المسجد فبايعوه. 

 

والزبير بايعا کرها، حيث روى من طريق الزهري قال: بايع الناس علي بن أبي طالب فأرسل إلى الزبير وطلحة فدعاهم إلى البيعة فتلك طلحة فقام الأشتر وسل سيفه وقال: والله لتبايعن أو لأضربن بها بين عينيك فقال طلحة: وأين المهرب عنه! فبايعه وبايعه الزبير والناس، وهناك روايات أخرى تبين أنها بايعا والسيف فوق عنقها، كلها لا تصح لأنها من روايات الواقدي وأبي مخنف الكذاب. 

ويقول ابن العربي في العواصم من القواصم عنها: فإن قال طلحة: بايعته واللج على عنقي، قلنا اخترع هذا الحديث من أراد أن يجعل في القفا لغة قفي، كما يجعل في الهوى هوي، وتلك لغة هذيل لا قريش فكانت كذبة لم تدبر 

وفي رواية ابن شبة كما رواها الطبري في تاريخه عن محمد ابن الحنفية قال: بايعت الأنصار عليا إلا نفير يسير. وذكر منهم: سعد بن أبي وقاص وابن عمر وأسامة بن زيد ومحمد بن مسلمة وغيرهم، ولا يصح وغير صحيح لأن حضورهم لعلي واعتذارهم عن الوقوف معه في حرب أهل الشام أو فيما يدور بينه وبين المسلمين من القتال في العراق، الدليل على أن في أعناقهم بيعة تلزمهم بطاعته حين اعتذروا، ولو كان الأمر خلاف ذلك التركوه يخرج دون أن يذهبوا إليه ويعتذروا له، فهم حينئذ غير ملزمين بطاعته. 

و يبرر الباقلاني في التمهيد في الرد على الملحدة موقف الصحابة الذين تأخروا عن نصرة علي فيقول في هذا الصدد: فإن قال قائل: فإن كانت إمامة علي من الصحة و الثبوت بحيث وصفتم، فيا تقولون في تأخر سعد وابن عمر وابن مسلمة وأسامة وغيرهم عن نصرته والدخول في طاعته؟ قيل له: ليس في جميع القاعدين ممن أسمينا أو ضربنا عن ذكره من طعن في إمامته واعتقد فسادها، وإنما قعدوا عن نصرته على حرب المسلمين التخوفهم من ذلك وتجنب الإثم فيه. | 

ذكر ابن العربي في العواصم: أن قوما قالوا تخلف عنه من الصحابة جماعة منهم سعد و اين مسلمة وابن عمر وأسامة، وهذا الكلام مردود عليه بأنهم حضروا إليه واعتذروا عن الحرب معه كا ذكرنا وهذا دليل على أنهم بايعوه. 

 

ويروي عن ابن عباس رضي الله عنه قوله: إني لمنتخوف أن يتكلم بعض السفهاء، أو بعض من قتل أباه أو أخاه في مغازي رسول الله؟ فيقول: لا حاجة لنا في علي فيمتنع عن البيعة، قال: فلم يتكلم أحد إلا بالتسليم والرضا. (1) 

وقد نقل ابن كثير مبايعة الأنصار كلهم، وعدم تخلف أحد منهم عن البيعة. (2) 

أما ابن خلدون فيقول: إن الناس كانوا عند مقتل عثمان مفترفين في الأمصار، فلم يشهدوا بيعة علي، والذين شهدوا فمنهم من بايع ومنهم من توقف حتى يجتمع الناس ويتفقوا على إمام کسعد وسعيد وابن عمر .. إلخ ما ذكر. (3) 

فعن محمد بن سرين أنه كان يقول: أن عليا جاء فقال لطلحة: أبسط يدك با طلحة الأبايعك، فقال طلحة: أنت أحق وأنت أمير المؤمنين فأبسط يدك، قال: فبسط بده فبايعه. | 

وفي رواية أخرى أن عليا بعد مقتل عثمان، دخل حائط وأمر بإغلاق الباب عليه فجاء الناس فقرعوا الباب فدخلوا - وفيهم طلحة والزبير - فقالا يا علي: أبسط يدك، فبايعه طلحة والزبير. (4) 

وذكر ابن العربي، أيضا أن يكون طلحة والزبير قد اشترطا على على أن يقتل قتلة عثمان، بأن ذلك لا يصح في شرط البيعة. (5) 

وذكر الطبري في تاريخه أنه بعد أن استتب الأمر لعلي في البيعة، وذلك في يوم الجمعة الخمس بقين من ذي الحجة خطب في الناس، وكان من بين الأشياء التي أبان عنها: حرمات الله التي حرمها، ولاسيما حرمة المسلم، وأن المسلم من سلم الناس من لسانه 

1 - انظر (( المغني في أبواب التوحيد و العدل، عبدالجبار الهمداني.

2 - 2 - البداية والنهاية لابن كثير

3 - 3 - انظر مقدمة ابن خلدون، ويرى الموردي في الأحكام السلطانية قول أكثر الفقهاء والمتكلمين من أهل

البصرة بانعقاد البيعة بالإمامة ووجبرها على أقل عدد وهو خمسة مستدلين بيعة أبي بكر وكذلك 

اختيار عمر ليعقد أحدهم برضا خمسة. 

4 - تاريخ الطبري - العواصم من القواصم لابن عربي

 

ويده إلا بالحق، وأن أذى المسلم لا يحل إلا بما يحب. 

وكان رضي الله عنه يشير إلى قتل عثمان، وأن قتلته استحلوا دمه بغير حق 

وكانت أول قراراته بعد ذلك عزل بعض الولاة وتعيين آخرين بدلا عنهم، فعزل والي مكة خالد بن العاص، وعين بدله أبا قتادة الأنصاري مدة شهرين، ثم عزله وعين قثم بن العباس، ويبدو أن الرأي العام بمكة كان غاضبة لعنان وتصاعد الغضب لكثرة النازحين من المدينة إلى مكة على إثر سيطرة الثوار على المدينة. 

وأرسل عثمان بن حنيف الأنصاري إلى البصرة واليا عليها بدلا من عبدالله بن عامر واليها لعثمان، وكان قد ترك البصرة متجهة إلى مكة، وقد انقسمت البصرة على الوالي الجديد، فمنهم من بايع و منهم من اعتزل ومنهم من رفض البيعة حتى يقتل قتلة • عثمان (1) 

وأما مصر فكان واليها عبدالله بن سعد بن أبي السرح قد تركها متجها إلى عسقلان، فاستولى عليها محمد بن أبي حذيفة مدة عام كامل وواجه معارضة تطالب بالقصاص من قتلة عثمان، فلما قتل ولي عليها قيس بن سعد بن عبادة فتمكن من أخذ البيعة لعلي وهادن أهلها. 

وأرسل علي إلى معاوية يطلب منه البيعة فرد عليه قائلا: فإن كنت صادقة فأمكنا من قتلة عثمان نقتلهم به ونحن أسرع 

الناس إليك. (2) 

1 - سير أعلام النبلاء للذهبي.

2 - 2 - انظر الأخبار الطوال للديوري

 

 

استمرار الفتنة واستثمار الاختلاف بين الصحابة

 

إن استثمار الاختلاف أهم من إحداث الفتنة وإثارة الخلاف بين الجماعات، وهذا ما تفعله قوى الظلام على مر العصور، فبعد أن حدثت الفتنة وسال دم الخليفة الراشد لم تته الفتنة وإنها بدأت بعد أربعة شهور من تولي الإمام علي رضي الله عنه أمر الخلافة 

فقد رفض أعوان ابن سبأ الذين عرفوا بالسبئية مغادرة المدينة حين طلب منهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه من الأعراب والمتمردين على عثمان رضي الله عنه مغادرة المدينة ليلحق كل منهم ببلده وأرضه، فقال لهم يا معشر الأعراب الحقوا بمياهكم. فأبت السبئية وأطاعه الأعراب. 

أما أمعاوية، رضي الله عنه، ومن كان حوله من أهل الشام فكانوا معارضين من البداية لعلي كرم الله وجهه في الخلافة، وكان رأيهم أن يقتص من قتلة عثمان أولا، ثم يكون اختيار الخليفة بعد ذلك. 

وقد بدأت معارضتهم له منذ اللحظة التي حمل فيها النعمان بن بشير رضي الله عنه، قميص عثمان. وهو ملطخ بدمائه، ومعه أصابع نائلة (زوج عثمان) التي قطعت وهي تدافع عن عثمان ووضع القميص على المنبر في الشام، ليراه الناس والأصابع معلقة في كم القميص وندب معاوية الناس للأخذ بالثأر والقصاص من قتلة عثمان، وقام مع معاوية جماعة من الصحابة في هذا الشأن. (1) 

وحين جاء رسول معاوية إلى علي، وأبلغه حال أهل الشام قاطبة وتأكيدهم على الانتقام من قتلة عثمان صاحت السبئية: (( هذا الكلب رسول الكلاب!! اقتلوه! )) . (2) 

وما زاد الأمر تعقيدة أو كما يقولون زاد الطين بلة أن طلحة والزبير رضي الله عنها قد 

1 - انظر البداية والنهاية لابن كثير، وقد كان النعمان بن بشير بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي، له ولأبويه

صحبة، ولد قبل وفاة الرسول و بيان سنتين وسبعة أشهر، وهو أول مولود للأنصار بعد الهجرة في 

قول، شهد صفين مع معاوية، وولي قضاء دمشق .. وغيرها، كانت وفاته سنة 59 ه .. 

2 - انظر الكامل في التاريخ لابن الأثير

 

أراد أيضأ قيام الإمام علي بالقصاص أولا وقتل من اشترك في قتل عثمان رضي الله عنه وقد ذكر الطبري في تاريخه ذلك فقال: 

المجتمع إلى علي بعد ما دخل بيته طلحة والزبير في عدة من الصحابة، فقالوا: يا علي إنا قد اشترطنا إقامة الحدود، وإن هؤلاء القوم (1) قد اشتركوا في دم هذا الرجل وأحلوا بأنفسهم. 

فقال علي: يا إخوتاه: إني لست أجهل ما تعلمون، ولكن كيف أصنع بقوم يملكوننا ولا نملكهم! ها هم هؤلاء قد ثارت معهم عبدانكم، وثابت إليهم أعرابكم: وهم خلالكم يسومونكم ما شاؤوا فهل ترون موضعا لقدرة على شيء مما تريدون؟ | 

قالوا: لا. 

قال: فلا والله لا أرى رأيا ترونه إن شاء الله، أن هذا الأمر أمر جاهلية، وإن هؤلاء القوم مادة، وذلك أن الشيطان لم يشرع شريعة قط فيبرح الأرض من أخذ بها أبدأ، إن الناس من هذا الأمر (القصاص من قتلة عثمان) أن حرك على أمور: فرقة ترى ما ترون وفرقة ترى ما لاترون، وفرقة لا ترى هذا ولا هذا حتى يهدأ الناس وتقع القلوب مواقعها وتؤخذ الحقوق، فأهدأوا عني وانظروا ماذا يأتيكم ثم عودوا 

لقد أراد الإمام علي رضي الله عنه معالجة الأمور بالحكمة وانتظار الوقت المناسب لأخذ القصاص، لكن معارضيه قالوا: 

انقضي الذي علينا ولا نؤخره، والله إن عليا المستغن برأيه عنا .. )) ثم يسمع علي بمقالتهم، ويرغب أن يتنزل لرأيهم، ليريهم أنه هو وإياهم لا يستطيعون - في ظل تلك الظروف - أن يصنعوا شيئا، فينادي: برئت الذمة من عبد لم يرجع إلى مواليه فتذامرت السبئية والأعراب وقالوا: لنا غدا مثلها ولا نستطيع نحتج فيهم بشيء. (2) 

وفي اليوم الثالث خرج علي رضي الله عنه على الناس وقال لهم: أخرجوا عنكم 

1 - يقصدون المتمردون قتلة عثمان رضي الله عنه و هم السبتيون.

2 - 2 - تاريخ الطبري

 

الأعراب، وقال يا معشر الأعراب: الحقوا بمياهكم، فأبت السبئية وأطاعهم الأعراب، ثم دخل بيته، ودخل عليه طلحة والزبير في عدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: دونكم ثأركم فاقتلوه، فقالوا: عشوا عن ذلك (أعرضوا عنه) فقال لهم علي: هم والله بعد اليوم أعضي و آبي ثم قال: 

لو أن قومي طاوعتني سراتهم أمرتهم أمرا پديخ الأعاديا وعلى الرغم من بوادر الاقتناع التي بدت من طلحة والزبير إلا أنها كان يريان وسيلة أخرى يمكن عن طريقها ضرب هؤلاء الثوار، فيطلب طلحة من علي أن يأذن له بالذهاب إلى البصرة ليجمع له من هناك الجنود، ويقول الزبير: دعني آتي الكوفة فلا يفجؤك إلا وأنا في خيل. 

ولكن علي يقول لهما: حتى أنظر في ذلك. (1) 

فقد كان رضي الله عنه يخشى الفتنة، وتحول الأمر إلى حرب أهلية داخل المدينة، ولهذا طلب التفكير في الأمر، فقد كانت قوة المتمردين الذي أطلق عليهم الثوار قوة لا يستهان بها. 

فقد كان الإمام علي رضي الله عنه يريد القصاص لدم عثمان رضي الله عنه، ويري أن الوقت غير مناسب والتريث حتى تستقر أمور الدولة وكان يكره هؤلاء المتمردين الخارجين على عثمان رضي الله عنه ولهذا قال: 

اللهم العن قتلة عثمان في البر والبحرا وكان يقسم: والله ما قتلت عثان ولا مالأت 

على قتلهه (2) 

ومع تفاقم الأمر واختلاف الآراء في الوسيلة التي يمكن القضاء على هؤلاء السبئيين استأذن طلحة والزبير في الذهاب للعمرة، فأذن لهما 

فلحقا بمكة وهناك التقيا بأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها التي كانت تقيم في مكة 

1 - تاريخ الطبري

2 - 2 - البداية والنهاية لابن كثير.

 

مع بقية أزواج النبي * قبل مقتل عثمان رضي الله عنه، واجتمع رأيهم على الأخذ بثأر عثمان من قتلته. 

عن عاصم بن کليب عن أبيه قال: جاءنا الخبر وتحن راجعون من غزاة لنا، فلما انتهينا إلى البصرة لم تلبث إلا قليلا حتى قيل: هذا طلحة والزبير معها أم المؤمنين، فراع الناس ذلك، وسألوهم عن سبب مسيرهم، فذكروا أنهم خرجوا غضبا لعثمان وتوبة مما صنعوا من خذلانه (1) 

وفي مكة كانت المشورة في جهة الخروج، فالزبير يقول: عليكم بالشام فإن بها الأموال والرجال، وقال عبدالله بن عامر (2) عليكم بالبصرة فإن لي بها صنائع، ولأهلها في (( طلحة )) هوى، أما الشام فقد كفاكم معاوية أمرها، أما عائشة فكانت ترى الخروج إلى المدينة، إلا أنه قيل لها: إن من معك لا يقرنون لتلك الغوغاء، وأخيرا استقر أمرهم على الذهاب إلى البصرة. 

ونادي منادي القوم: إن أم المؤمنين، وطلحة والزبير شاخصون إلى البصرة، فمن كان يريد إعزاز الإسلام وقتال المحلين، والطلب بثأر عثمان، ومن لم يكن عنده مرکب أو جهاز فهذا جهاز وهذه نفقة، فحملوا ستمائة رجل على ستمائة ناقة، سوى من كان له 

مرکب. (3) 

وكانوا يقصدون بالمحلين السبئيين قتلة عثمان 

وقدم طلحة و الزبير وعائشة البصرة بأعلى المريد وبها عثمان بن حنيف الأنصاري، واليا لعلي عليها. 

1 - تاريخ الطبري

2 - انظر سير أعلام النبلاء للذهبي حيث قال عنه هو ابن كريز الأموي، ولد بمكة وولي البصرة في أيام

عثمان سنة 29 ه فتح سجستان، ومرو وغيرهما، توفي عنان وهو على البصرة وشهد الجمل مع عائشة ولم يحضر صفين، ولاه معاوية البصرة ثلاث سنين ثم صرفه عنها، ثم أقام بالمدينة ومات بمكة سنة 

59 ه 

3 - تاريخ الطبري

 

ثم سار طلحة والزبير ومن معهم حتى أتوا (( الزابوقة )) (والزابوقة موضع قريب من الفالوجا العراقية) فخرج إليهم والي البصرة عثمان بن حنيف الأنصاري رضي الله عنه (1) الصدهم عن مسيرتهم. (2) 

1 - هو أنصاري من الأوس، استعمله عمر على سواد الكوفة ثم ولاه علي على البصرة قبل وقعة

الجمل، وحضر الجمل مع علي، ثم سكن الكوفة وتوفي في خلافة معاوية (التقريب ج 2/ 7، الأعلام ج 4/ 395) . 

2 - هناك من يرى أن خروج طلحة و الزبير والسيدة عائشة رضي الله عنهم لم يكن للأخذ بثار عثمان وإنا

من أجل الإصلاح بين الناس حين اضطرب أمرهم بعد مقتل عثمان رضي الله عنه، وليس من أجل المطالبة بدم عثمان، ودليل ذلك حديث الحوأب، - هو موضع قريب من البصرة، وهو من مياه العرب في الجاهلية ويقع على طريق القادم من مكة إلى البصرة، وسمي بالحواب؛ نسبة لأبي بكر بن کلاب الحوأب، أو نسبة للحواب بنت كلب بن وبرة القضاعية (انظر: معجم البلدان) . وفي أثناء الطريق إلى البصرة مر الجيش على منطقة يقال لها الحوأب، فنبحت كلامها فلما سمعت عائشة هذا النباح، طرأ عليها حديث فقالت ما هذه المنطقة؟ قالوا هذه الحواب، فتذكرت حديث الرسول 

صلى الله عليه وسلم، حيث روى أحمد وابن حبان والحاكم عن قيس بن حازم أن عائشة لما أنت على الحواب سمعت نباح الكلاب، فقالت: ما أظنتي إلا راجعة، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال النا: أيتكن تنبح عليها كلاب الحواب فقال لها الزبير: ترجعين؟! - أي لا ترجعي لأنهم يحترمونك - عسى الله أن يصلح بك بين الناس. هذا لفظ شعبة، أما لفظ يحيى فقال: لما أقبلت عائشة بلغت مياه بني عامر لي، فنبحت الكلاب فقالت: أي ماء هذا؟ قالوا: ماء الحوأب، قالت: ما أظني إلا راجعة فقال بعض من كان معها، بل تقدمين فيراك المسلمون فيصلح الله ذات بينهم. قالت: إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لها ذات يوم: کيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب. (السلسلة الصحيحة للالباني) . وقد أشكل حديث الجواب على بعض الناس فردوه ومنهم ابن العربي في كتابه العواصم من القواصم، وتابعه الشيخ محب الدين الخطيب في حاشيته على هذا الكتاب القيم، وهو حديث صحيح ولسان حالهم يقول: كان على عائشة رضي الله عنها لما علمت بالحوأب أن ترجع، والحديث يدل على أنها لم ترجع وهذا ما لا يليق أن ينسب لأم المؤمنين ورد الألباني على هذا بقوله: ليس كل ما يقع من الحمل يكون لائقة لهم، إذا المعصوم من عصم الله والسن لا ينبغي له أن يغالي فيمن يحترمه حتى يرفعه إلى مصاف الأئمة المعصومين ولاشك أن خروج أم المؤمنين كان خطأ من أصله ولذا همت بالرجوع حين علمت بتحقق نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم عند الحوأب، لكن الزبير أقنعها يترك الرجوع بقوله: عسى الله أن يصلح بك بين الناس ولاشك أنه كان مخطئا في ذلك أيضا، والعصمة للرسل صلى الله عليهم وسلم. 

 

فتواقفوا حتى زالت الشمس، ثم اصطلحوا، وكتبوا بينهم کتابا بالكف عن القتال، ولعثمان دار الإمارة والمسجد، وبيت الملأ والكلأ، وأن ينزل طلحة والزبير من البصرة حيث شاؤوا ولا يعرض بعضهم لبعض حتى يقوم علي .. 

وحينها أراد الزبير أن يرزق أصحابه من مدينة الرزق، (الزابوقة) جاءهم احكيم اين جبلة العبدي في سبعمائة من عبدالقيس، وبكر بن وائل، فاقتلوا، فقتل حكيم فيمن قتل. (1) 

ولما علم علي رضي الله عنه يمسير طلحة والزبير وأم المؤمنين عائشة إلى البصرة، بعث عمار بن ياسر وابنه الحسن إلى الكوفة ليستنفروا أهلها، فصعدا منبرها وقال عمار: إن عائشة قد سارت إلى البصرة، ووالله إنها لزوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم 

في الدنيا والآخرة، ولكن الله ايتلاكم ليعلم إياه تطيعون أم هي. (2) 

ثم خرج علي من المدينة بعد أن استعمل عليها سهل بن حنيف رضي الله عنه (3) 

وفي ذي قاره (4) التقي علي مع عمار والحسن ومن قدم معها من الكوفة وكانوا ما بين الستة آلاف إلى السبعة آلاف، فسار علي بمن قدم من المدينة و من أهل الكوفة إلى البصرة وهم زهاء عشرة آلاف.5 

وفي البصرة كانت موقعة الجمل حيث قتل فيها الآلاف من الصحابة بفعل مؤامرات السبئية. 

ذكرت بعض الروايات أن عليا رضي الله عنه حين خرج من المدينة أقام في - الربذة - عدة أيام، وهذا الصنيع من علي رضي الله عنه لا يشبه صنيع من خرج يطلب قومة. هذا 

1 - تاريخ خليفة بن خياط.

2 - 2 - رواه البخاري في صحيحه |

3 - 3 - سهل بن حنيف أحد الصحابة، شهد بدرة، ومن ثبت يوم أحد استخلفه علي على البصرة، بعد وقعة

الجمل، وشهد معه صفين، توفي في الكوفة سنة 38 ه .. 

4 - ماء لبكر بن وائل، قريب من الكوفة، بينها وبين واسط (معجم البلدان) .

5 - تاريخ ابن خياط

 

فضلا عن أن - الربذة - تقع على طريق الكوفة بين أصحاب الجمل كانوا يسلكون طريق البصرة 

كذلك ذكرت بعض الروايات أن عليا رضي الله عنه حين خرج من - الربذة - توجه إلى ايده وهذه الأماكن من منازل طريق الكوفة، وهذا يعني أن عليا لم يكن يتعقب أصحاب الجمل، وإلا لترك طريق الكوفة وقصد طريق البصرة، لأن من أراد البصرة وكان خارج من المدينة فإنه يتجه إلى - النقرة - التي تقع على طريق الكوفة، ومنها يتيامن حتى يصل - الباج، التي تقع على طريق البصرة 

وبعد أن عسكر علي رضي الله عنه في الربذة، أرسل رسولين لاستنفار الكوفيين، وهما محمد بن أبي بكر ومحمد بن جعفر، فأخفقا في مهمتها لأن أباموسى الأشعري والي الكوفة لعلي التزم موقف أعتزال الفتنة وحذر الناس من المشاركة فيها. 

: روى البخاري في صحيحه بسنده عن أبي وائل قال: دخل أبو موسى وأبو مسعود على عمار حيث بعثه علي إلى أهل الكوفة يستنفر هم، فقالا: ما رأيناك أتيت أمرأ أكره عندنا من إسراعك في هذا الأمر منذ أسلمت، فقال عمار: ما رأيت منکا منذ أسلمت أمرا أكره عندي من إبطانکا عن هذا الأمر، وكساهما حلة ثم راحوا إلى المسجد. 

فاتجه علي إلى (ذي قار: ماء لبكر بن وائل قريب من الكوفة) قرب الكوفة وعسکر بها، ومنها أرسل عبد الله بن عباس وأتبعه ابنه الحسن وعمار بن ياسر لاستنفار الكوفيين. 

وكان السبب في تغير وجهة السير، هو أن عليا رضي الله عنه سمع بأنباء القلاقل التي حدثت في البصرة وأدت إلى خروج عامله عنها. 

وروى البخاري في صحيحه عن أبي وائل قال: لما بعث علي عمارة والحسن إلى الكوفة ليستنفر هم خطب عمار فقال: إني لأعلم أنها زوجته في الدنيا والآخرة، ولكن الله ابتلاكم التتبعوه أو إياها. وروي كذلك عن أبي مريم قال: لما سار طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة بعث علي عمار بن ياسر والحسن بن علي، فقدما علينا الكوفة فصعدا المنبر فكان الحسين بن علي فوق المتبر في أعلاه وقام عمار أسفل الحسن. 

 

فاجتمعنا إليه فسمعت عبارة يقول: إن عائشة قد سارت إلى البصرة، والله إنها لزوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، ولكن الله تبارك وتعالى ابتلاكم ليعلم إياه تطيعون أم هي? 

قال الحافظ في الفتح: و مراد عيار بذلك أن الصواب في تلك القصة كان مع علي، وأن عائشة مع ذلك لم تخرج عن الإسلام ولا أن تكون زوجة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، فكان ذلك يعد من إنصاف عمار وشدة تحريه قول الحق. 

وقال أيضا: قال ابن هبيرة: في هذا الحديث أن عمارة كان صادق اللهجة وكان لا تستخفه الخصوصية إلى أن ينتقص خصمه، فإنه شهد لعائشة بالفضل التام مع ما بينهما 

فقدم على علي وقد الكوفه بذي قار فقال لهم: يا أهل الكوفة أنتم لقيتم ملوك العجم فعضضتم جموعهم. 

و قد دعوتكم لتشهدوا معنا إخواننا من أهل البصرة فإن رجعوا فذاك الذي نريده، وإن أبو داويناهم بالرفق حتى يبدأونا بالظلم، ولن ندع أمر فيه الإصلاح إلا آثرناه على ما فيه الفساد إن شاء الله تعالى. (2) 

ويقول عمر بن شبه (3) : (( إن أحدا لم ينقل أن عائشة ومن معها نازعوا عليا في الخلافة، ولا دعوا أحدا ليولوه الخلافة، وإنما أنكروا على علي منعه من قتال قتلة عثمان وترك الاقتصاص منهما. (4) 

ومن مجموع الروايات نجد أن خروج الزبير وطلحة والسيدة عائشة رضي الله عنهم 

1 - انظر فتح الباري في شرح صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني.

2 - 2 - البداية والنهاية لابن كثير

3 - 3 - هو أبو زيد عمر بن شبه بن عبيدة البصري، النميري، أديب تحوي، لغوي إخباري، نشأ في البصرة،

وتوفي بسر من رأى منة 292 ه نقل الذهبي توثيقه، وقال ابن حجر إنه ذو تصانيف، نزل بغداد، 

وهو صدوقي 

4 - انظر أخبار البصرة، لعمر بن شبه ونقله عنه صاحب فتح الباري.

وي 

 

للبصرة لم يكن الخروج على الإمام علي رضي الله عنه وإنها رأوا أنهم قد قصروا في حق عثمان رضي الله عنه، فخرجوا يطلبون دمه، بغير أمر علي. 

ولا سيما وأنهم قد رأوا قتلة عثمان في جيش علي، وصاروا من رؤوس الملأ. 

ويصدق عليهم هذا حتى آخر لحظة من حياتهم، فمثلا طلحة كان يقول والسهام تتناوشه: اللهم خذ لعثمان من اليوم حتى ترضى ويقول: لقد كان مني في أمر عشان ما لا أرى كفارته إلا سفك دمي، وتطلب دمه) 

وعائشة تقول بعد قتل عثمان: إن هذا حدث عظيم، وأمر منكر، فانهضوا فيه إلى إخوانكم من أهل البصرة فأنكروه، فقد كفاكم أهل الشام ما عندهم، لعل الله عز وجل يدرك لعثمان وللمسلمين بثأرهم. (2) 

أما الزبير، في رواية عند الطبري أن ركب عائشة وطلحة والزبير مر في طريقه على مذبح ابن عوف السلمي فسلم على الزبير وقال: يا أبا عبدالله ما هذا؟ قال عدي على أمير المؤمنين رضي الله عنه، فقتل بلا تره ولا عذر، قال ومن؟ قال الغوغاء .. 

قال فتريدون ماذا؟ 

قال: ننهض الناس فيدرك بهذا الدم، لئلا يبطل فإن في إبطاله توهين سلطان الله بيتنا أبدأ، إذا لم يفطم الناس عن أمثاله لم يبق إمام إلا قتله هذا الضرب .. 

وكذلك كان خروجهم يقصد (( الصلح، وتهدئة ثائرة الناس كما جاءت بذلك الأخبار، فبعد أن استقر أمر طلحة والزبير ومن معهما على الشخوص إلى البصرة، جاءوا إلى عائشة، وقالوا لها: يا أم المؤمنين، دعى المدينة - وكانت تريد الشخوص لها- فإن من معنا لا يقرون لتلك الغوغاء التي بها، وأشخصي معنا إلى البصرة، فإن أصلح الله الأمر كان الذي تريدين 

1 - انظر العبر للذهبي والمغازي النبوية لابن شهاب الزهري ودول الإسلام للذهبي و تاريخ الإسلام

حذيفة بن خياط 2 - تاريخ الطبري 3 - تاريخ الطبري 

 

ونقل ابن شهاب الزهري عن عائشة قولها: إنها أريد أن يحجز بين الناس مکاني، ولم أحسب أن يكون بين الناس قتال، ولو علمت ذلك لم أقف ذلك الموقف أبدا (1) 

ويؤكد ابن العربي على هذا المعنى فيقول: وأما خروجها إلى حرب الجمل فيا خرجت لحرب، ولكن تعلق الناس بها، وشكوا إليها ما صاروا إليه من عظيم الفتنة، ونهارج الناس، ورجوا بركتها في الإصلاح، وطمعوا في الاستحياء منها إذا وقفت إلى الخلق، وظنت هي ذلك فخرجت مقتدية بالله في قوله: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًاالنساء: 114] وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا [الحجرات: 4] . (2) 

وحينما وصل على إلى البصرة، جاء إلى عائشة فقال لها: غفر الله لك!، قالت: ولك! ما أردت إلا الإصلاح!! (3) 

ولما انتدب علي القعقاع بن عمرو للإصلاح مع أصحاب الجمل، بدأ بعائشة، فسألها عن سبب خروجها؟ فأجابت: الإصلاح بين الناس. (4) 

ولما قدمت البصرة، وبلغ عثمان بن حنيف - والي البصرة - قدومها ومن معها، أرسل إليها من يأتيه بخبرها، وسبب خروجها، فكان من جوابها، إن الغوغاء من أهل الأمصار، وتراع القبائل غزوا حرم رسول الله صلى عليه وسلم، وأحدثوا فيه الأحداث، وآووا فيه المحدثين، واستوجبوا فيه لعنة الله ولعنة رسوله، مع ما نالوه من قتل المسلمين بلا ترة، ولا عذر، فخرجت في المسلمين أعلمهم ما أتي هؤلاء القوم، وما فيه الناس وراءنا، وما ينبغي لهم أن يأتوا في إصلاح هذا، وقرأت: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ننهض في الإصلاح ممن أمر الله عز وجل، 

1 - انظر المغازي النبوية لابن شهاب الزهري.

2 - 2 - انظر أحكام القرآن لاين العربي

3 - 3 - شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي. - تاريخ الطبري

 

وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم و الصغير والكبير، والذكر والأنثى، فهذا شأننا إلى معروف نأمركم به ونحضكم عليه، ومنکر نهاكم عنه ونحثكم على تغييره. (1) 

وكذلك كان الإصلاح من أهداف من خرج معها كما روى الحافظ البيهقي، أن عليا لما دنا هو وأصحابه من طلحة والزبير، نادي بالزبير إليه، فذكره حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم التقاتلنه وأنت ظالم له! فذكره الزبير وقال: لقد أنسيته، ثم عزم على الرجوع فعرض له ابنه عبدالله فقال مالك؟ قال ذكرني علي حديث سمعته من رسول الله رسوله صلى الله عليه وسلم وإني راجع، فقال له ابنه 

وهل جثت للقتال؟ إنما جئت تصلح بين الناس، ويصلح الله هذا الأمر .. ) 

المهم إن تلك الأحداث السابقة كانت مقدمة لفتنة كبرى هي موقعة الجمل کما سيأتي إن شاء الله. 

1 - تاريخ الطبري ولم يثبت من طريق صحيح أنهم ضربوا عثمان بن حنيف ونتفوا شعر لحيته، وما رواه

في ذلك أبو مخنف ما هو إلا كذب وافتراء على الصحابة، وقد خرج عثمان بن حنيف رضي الله عنه من 

البصرة ولحق بالإمام علي رضي الله عنه وجيشه. 

2 - البداية والنهاية لابن كثير

 

 

موقعة الجمل ودور عبدالله بن سبأ وأعوانه فيها

 

كانت الأحداث السابقة من قدوم طلحة والزبير بن العوام والسيدة عائشة رضي الله عنهم ومن سار على رأيهم إلى البصرة سوى مقدمة لمعركة قاتلة لم يسع أحد إليها وإنا سيقوا إليها بواسطة دسائس ابن سبأ، فقد لحق الإمام علي رضي الله عنه بهم بعد أن كان قصده الخروج لمواجهة معاوية والي الشام الذي رفض الانصياع لأوامره وتصميمه على أخذ ثار عثمان أولا قبل البيعة وكان لحوق الإمام علي بهم للإصلاح أيضا ودرأ الفتن التي قد تحدث. 

فقد جاء في تاريخ الإمام الطبري أن عليا لما أراد الخروج إلى البصرة قام إليه أبن. الرفاعة بن رافع فقال: 

يا أمير المؤمنين أي شيء تريد؟ وإلى أين تذهب بنا؟ فقال علي: أما الذي تريد ونتوي فإصلاح إن قبلوا منا وأجابونا إليه!! 

وروي أن آخر قام إليه في هذا المسير فقال له: ما أنت صانع يا أمير المؤمنين إذا لقيت هؤلاء القوم؟ قال: قد بان لنا ولهم أن الإصلاح والكف أحوط، فإن تابعوا فذلك وإن أبوا إلا القتال فصدع لا يلتئم .... (1) 

ولما قدم علي علي عامر بن مطر الشيباني قادما من الكوفة سأله عما وراءه؟ فأخبره، ثم سأله عن أبي موسى الأشعري؟ فقال إن أردت الصلح فأبو موسي صاحب ذلك، وإن أردت القتال فهو ليس بصاحب ذلك، فقال علي عند ذلك: والله ما أريد إلا الإصلاح حتى يرد علينا. (2) 

وحين قدم عليه وفد الكوفة - بذي قار - قال لهم: يا أهل الكوفة أنتم لقيتم ملوك العجم فعضضتم جموعهم، وقد دعوتكم لتشهدوا معنا إخواننا من أهل البصرة فإن يرجعوا فذاك الذي نريده، وإن أبو داويناهم بالرفق حتى يبدأونا بالظلم ولن ندع أمرا 

1 - التمهيد للباقلاني.

2 - 2 - تاريخ الطبري

 

فيه الإصلاح إلا آثرناه على ما فيه الفساد إن شاء الله تعالى!! (1) 

وقال الذهبي أيضا: إنه لما علم بخروج الصحابة خشي أن ينتفض الناس فسار على أثرهم إلى البصرة. (3) 

وأيضا في (( شذرات الذهب )) أن أهل البصرة اجتمعوا على علي بعد وصوله إليها فحاول صلحهم، واجتماع الكلمة، فسعى الساعون بذلك. (3) 

وفي تاريخ الطبري أيضا روي عن الحسن بن علي رضي الله عنها أنه كان يقسم: والله ما أردنا إلا الإصلاح. (4) 

هكذا كانت النوايا التي تحولت بعقل ابن السوداء على الواقع إلى معركة دامية عرفت باسم الجمل. 

وكانت غالبية الناس من الجيشين كانت ترغب الإصلاح، وما كانت تشك فيه فقبائل ربيعة ومضر، وأهل اليمن وكانوا موزعين بين الطائفتين (2) 

لم يكن أحد منهم يشك في الصلح، ولقد ردوا احكيم بن جبلة، و الأشتر النخعي إلى علي، وقالوا: إنا على ما فارقنا عليه القعقاع من الصلح فأقدم، ثم يقدم على فتنزل القبائل على بعض، مضر إلى مصر وربيعة إلى ربيعة، واليمن إلى اليمن، ويكون بعضهم بحيال بعض وبعضهم يخرج إلى بعض وهم جميعا لا يشكون في الصلح، ولا يذكرون ولا ينوون إلا إياه 

(1) وقد جاء في تاريخ الطبري:

ولما كان علي بذي قار، واجتمع عنده أهل الكوفة، كان من رؤسائهم (( القعقاع بن 

1 - البداية والنهاية مصدر سابق.

2 - 2 - دول الإسلام، مصدر سابق

3 - 3 - شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي

4 - 4 - تاريخ الطبري.

5 - 5 - تاريخ الطبري و تاريخ خليفة بن خياط، - تاريخ الطبري

 

عمرو التميمي، وهو الذي بعثه علي رسولا إلى طلحة والزبير بالبصرة يدعوهما إلى الألفة والجماعة، ويعظم عليهم الفرقة والاختلاف، فذهب القعقاع إلى البصرة، فبدا بعائشة، فقال: أي أماه ما أقدم هذا البلد؟ | 

فقالت: أي بني الإصلاح بين الناس، فسألها أن تبعث إلى طلحة والزبير ليحضروا عندها، فحضروا فقال القعقاع: إني سالت أم المؤمنين ما أقدمها، فقالت: الإصلاح، فقالا: ونحن كذلك 

قال فأخبراني ما وجه هذا الإصلاح؟ وعلى أي شيء يكون؟ فوالله لئن عرفناه النصطلحن، ولئن أنكرناه لا نصطلحن، قالا: قتلة عثمان فإن هذا إن ترك كان تركا 

للقرآن. 

فقال: قتلتا قتلته من أهل البصرة) وأنتما قبل قتلهم أقرب منكم إلى الاستقامة منكم اليوم، وإنما أخر علي قتلة عثان ليتمكن منهم، فإن الكلمة في جميع الأمصار مختلفة. 

فقالت عائشة: فإذا تقول أنت؟ 

قال أقول: إن هذا الأمر الذي وقع داوئره التسكين، فآثروا العافية ترزقوها وكونوا مفاتيح خير کا کنتم أولآ، ولا تعرضونا للبلاء، ولا تعرضوا له فيصرعنا الله وإياكم .. 

وبعد أن فرغ القعقاع من كلامه قالوا: قد أصبت وأحسنت فارجع فإن قدم علي وهو على مثل رأيك صلح الأمر، فرجع إلى علي فأخبره فأعجبه ذلك، وأشرف القوم على الصلح کره ذلك من كرهه ورضيه من رضيه!! 

أما الذين كانوا يكرهون الصلح هم عبد الله بن سبأ وجماعته، وهؤلاء كانوا في جيش علي رضي الله عنه بدليل اعتراضهم على علي حين عزم على الرحيل قائلا: (( ألا وإني راحل غدا فارتحلوا، ألا ولا يرتحلن غدا أحد أعان على عثمان بشيء في شيء من أمور الناس، وليغن السفهاء عن أنفسهم. (2) 

1 - يقصد قتل حکيم بن جبله و دم معه، فحكيم من أهل البصر .. أحد العناصر المثيرة للفتنة فيها.

2 - تاريخ الطبري

 

وكان عبدالله بن سبأ أحد الرؤساء في ابني عبدالقيس، الذين خرجوا مع علي كما ذكر ذلك الطبري. وقال الطحاوي عن سبب وجود السبئية في جيش الإمام علي رضي الله عنه | 

وكان في عسكر علي رضي الله عنه من أولئك الطغاة الخوارج الذين قتلوا عثمان من لم يعرف بعينه، ومن تنتصر له قبيلته، ومن لم تقم عليه حجة بما فعله، ومن في قلبه نفاق لم يتمكن من إظهاره كله .. (1) 

اجتمع زعماء الفتنة الذين كرهوا الصلح وهم جماعة (( ابن سبأ، وهو الزعيم فيهم، وأستغربوا رأي على في قبول الصلح، ورفضه مشاركة الذين أسهموا في قتل عثمان للرحيل معهم، وقالوا: فيما بينهم غدا يجتمع الناس عليكم، وإنما يريد القوم كلهم أنتم، فكيف بكم وعددكم قليل في كثرتهم؟ 

وهنا قال أحدهم: 

إن القوم إن اصطلحوا فإنها يصطلحون على دمائنا، وإذا كان الأمر كذلك فليس لنا إلا أن نلحق عليها بعثان ويرضى القوم منا بالسكوت!! 

لكن ابن سبأ اعترض على هذا الرأي وقال: بئس ما رأيت، لو قتلناه قتلنا، وهم إنها يريدوننا? 

فقام آخر وقال: بل دعوهم وارجعوا بنا حتى نتعلق بعض البلاد، فنمتنع بها، فرد عليه أبن سبأ، إذا يتخطفكم الناس. 

وأخيرا كان الرأي لابن سبأ حيث قال: يا قوم إن عزكم في خلطة الناس فصانعوهم وإذا التقى الناس غدا فأنشبوا القتال، ولا تفرغوهم للنظر فإذا من أنتم معه لا يجد ب ا من أن يمتنع، ويشغل الله علينا وطلحة والزبير ومن رأى رأيهم عما تكرهون فأبصروا 

1 - انظر شرح العقيدة الطحاوية -

 

الرأي و تفرقوا عليه، والناس لا يشعرون!! (1) 

وفي إطار السعي للصلح بعث إلى طلحة والزبير يقول: إن کنتم على ما فارقتم عليه القعقاع فكفوا حتى ننزل فنظر في هذا الأمر، فأرسلا إليه في جواب رسالته: إنا على ما فراقنا القعقاع من الصلح بين الناس، فاطمأنت النفوس وسكنت واجتمع كل فريق بأصحابه من الجيشين فلما أمسوا بعث علي عبدالله بن عباس إليهم، وبعثوا إليه محمد ابن طلحة السجاد، وبات الناس بخير ليلة. (2) 

لكن جماعة ابن سبأ قاموا بتنفيذ مخططهم الذي رسمه أبن سبأ. 

يقول الطبري في تاريخه: .. وبات الذين أثاروا أمر عثمان بشر ليلة باتوها قط، قد أشرفوا على الهلكة، وجعلوا يتشاورون ليلتهم كلها، حتى اجتمعوا على إنشاب الحرب في السر، واستسروا بذلك خشية أن يفطن لهم، فغدوا مع الغلس، وما يشعر بهم جيرانهم انسلوا إلى ذلك الأمر انسلا" وعليهم ظلمة، فخرج مضريهم إلى مضرهم، وربعيهم إلى ربعيهم، ويانيهم إلى بانيهم، فوضعوا فيهم السلاح، فثار أهل البصرة، 

1 - تاريخ الطبري والبداية والنهاية لابن كثير

و على كل حال كان موقف علي رضي الله عنه، موقف المحتاط متهم، المتيري من فعلهم، وهو وإن كان لم يخرجهم من عسكره فقد كان يعاملهم بحذر وينظر إليهم بشر، حتى قال الإمام الطبري في تاريخه: بأنه لم يول أحد منهم أثناء استعداده للمسير إلى الشام - يقصد مسيره لحرب صفين -، حيث دعا ولده محمد ابن الحنفية وسلمه اللواء وجعل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قائد الميمنة وعمر بن أبي سلمة رضي الله عنه على الميسرة وجعل على مقدمة الجيش أبا ليلى بن عمر بن الجراح واستخلف على المدينة قلم بن العباس رضي الله عنهم وهذه بادرة منه رضي الله عنه ليعلن تبرؤه من أولئك المارقين، ويثبت قدرته على السيطرة على أمر المسلمين من غير عون منهم، فقد كان له في المسلمين الموالين له والمؤيدين لخلافته ما يغنيه عن الاستعانة بهم والتودد إليهم؛ وهذا أقصى ما يمكنه فعله بتلك الطائفة إذ ذاك، وهو كافي في عذره 

لأنهم مئات وهم قرابة وعشائر في جيشه، فيا يأمن لو عاملهم بأكثر من هذا من الشدة أن يمتد حبل الفتنة في الأمة، كما حصل ذلك لطلحة و الزبير وعائشة بالبصرة حين قتلوا بعضا منهم، فغضب لهم 

قبائلهم واعتزلوهم. 

2 - البداية والنهاية مصدر مسابق.

 

وثار کل قوم في وجوه أصحابهم الذين بهتوهم، وخرج الزبير وطلحة في وجوه الناس من مصر فبعثا إلى الميمنة .... وثبتنا في القلب، وقالا: ما هذا؟ قالوا: طرقنا أهل الكوفة ليلا. 

فقالا: قد علمنا أن عليا غير منته حتى يسفك الدماء، ويستحل الحرمة، وإنه لن يطاوعنا، ثم رجعا بأهل البصرة، وقصف أهل البصرة أولئك حتى ردوهم إلى عسکر هم، فسمع علي وأهل الكوفة الصوت وقد وضعوا رجلا قريبا من علي ليخبروه بها يريدون، فلما قال ما هذا؟ قال ذاك الرجل: ما فجئنا إلا وقوم منهم بيتونا فرددناهم من حيث جاؤوا فوجدنا القوم على جل فركبونا وثار الناس وقال علي لصاحب ميمنته انت الميمنة، وقال لصاحب ميسرته: انت الميسرة، ولقد علمت أن طلحة والزبير غير منتهين حتى يسفك الدماء ويستحلا الحرمة، وإنها لن يطاوعاناه. 

وعلى الرغم من تلك البداية للمعركة، إلا أن الطرفين ما لبثا يملكان الروية حتى تتضح الحقيقة، فعلي ومن معه يتفقون على ألا يبدأوا بالقتال حتى يبدأوا طلبا للحجة واستحقاقة على الآخرين بها، وهم مع ذلك لا يقتلون مديرة، ولا يجهزون على جريح، ولكن السبئية لا تفتر انشابة. (1) 

وعلى الجانب الآخر ينادي طلحة وهو على دابته وقد غشيه الناس فيقول: يا أيها الناس أتنصتون؟ فجعلوا يركبونه ولا ينصتونه، فيا زاد أن قال: أف أف فراش نار وذبان طمع! (2) 

ويفضل السبئية ضاعت محاولات الصلح التي جرت حتى آخر لحظة من لحظات المعركة، وتتولى عائشة رضي الله عنها دفع الأمر بقدر ما تستطيع، وهي في أثناء ذلك تكشف لنا بشكل أوضح دور السبئية في الوقيعة فحينما اشتد الحرب، وحي القتال، وقتل طلحة، ورجع الزبير، ناولت کعب بن سور مصحفا وقالت أدعهم إليه، فتقدم به، وأستقبله مقدمة جيش الكوفين وفيه ابن سبأ وأعوانه يرشقونه بالنبال حتى قتلوه، 

1 - المصدر السابق

2 - 2 - تاريخ خليفة بن خياط

 

ووصلت البال إلى هودج عائشة نفسها، فرفعت يديها بالدعاء على أولئك النفر من قئلة عثمان!! فصاح الناس معها حتى قال على: اللهم العن قتلة عثمان. (1) 

ولم يلبث السبئية إلا أن قتلوا کعب بن سور حتى يستمر القتال. (2) 

وأما حال الإمام علي رضي الله عنه في تلك المعركة فيلخصه ابنه الحسين رضي الله عنه في ذلك الخبر فيقول: القد رأيته حين اشتد القتال يلوذ بي ويقول: يا حسن لوددت أني من قبل هذا بعشرين حجة - أو سنة - فقال له الحسن: يا أبت قد كنت أنهاك عن هذا، قال: يا بني لم أر الأمر يبلغ هذا. 

وروى ابن أبي شيبة في مصنفه أن عليا قال يومها: (( اللهم ليس هذا أردت، اللهم ليس هذا أردت )) . (3) 

وأما طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه فقد جاءه سهم غرب فقتله بعد أن تراجع إلى الصفوف الخلفية خلف الجيش، فجاءه سهم غرب لا يعرف من أين أتي فنزل في المفصل من ركبته فصادف جرحا في ساقه كان أصابه يوم أحد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيدأ ينزف فحمله غلامه إلى البصرة والجاه إلى دار خربة لا أحد فيها ومات هناك رضي الله عنه (4) 

وأما ما قيل إن قاتله مروان بن الحكم فلا دليل عليه ولم يثبت، فمروان بن الحكم قد شكك في اتهامه بقتل طلحة لاتهامه بقتل عثمان. (9) 

وروى ابن عساكر في تاريخه وابن كثير في البداية أن الزبير رضي الله عنه لما عزم على الرجوع إلى المدينة عرض له ابنه عبد الله فقال: مالك؟ قال: ذكرني علي حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإني راجع، فقال له ابنه: وهل جئت للقتال؟ إنها جئت 

1 - البداية والنهاية مصدر سابق،

2 - 2 - ذكروا أنه قتل حول جمل السيدة عائشة رضي الله عنها سبعون رجلا

3 - 3 - رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح.

4 - 4 - تاريخ الطبري -

5 - 5 البداية والنهاية، مش مادر مسابق،

 

تصلح بين الناس، ويصلح الله هذا الأمر. " 

وبالفعل فإن موقف الزبير رضي الله عنه كان السعي في الإصلاح حتى آخر لحظة، وهذا ما أخرجه الحاكم في المستدرك من طريق أبي حرب بن أبي الأسود الديلي، وفيه أن الزبير رضي الله عنه سعي في الصلح بين الناس ولكن لما قامت المعركة واختلف أمر الناس مضى الزبير وترك القتال. 

وأثناء انسحابه رضي الله عنه رآه اين جرموز فتبعه فأدركه وهو نائم في القائلة، بوادي السباع، فهجم عليه فقتله رضي الله عنه، ثم سلب سيفه و درعه. الفصل في المال والأهواء والنحل لابن حزم. وقال ابن كثير إن هذا القول هو الأشهر. (1) 

وذكر ابن حجر العسقلاني في فتح الباري: أن ابن جرموز جاء إلى علي متقرب إليه بذلك، فأمسك على السيف بيده وقال: طالما جلى به الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: بشر قاتل اين صفية بالنار. (2) 

1 - البداية والنهاية، مصدر مسابق.

2 - 2 - رواه أحمد وصححه الحاكم في المستدرك

 

 

السيدة عائشة والجمل

 

سميت المعركة باسم الجمل الذي كان يحمل السيدة عائشة في المعركة، وقد التف حوله المسلمون ولم تنته المعركة إلا بمصرعه، فقد ذهب کعب بن سور إلى أم المؤمنين فقال لها: أدركي الناس قد تقاتلوا. 

وكانت حضرت أرض المعركة قريبة من البصرة، فوضع لها الهودج فوق البعير فجلست فيه وغطي بالدروع، وذهبت إلى أرض المعركة لعل أن يوقف الناس القتال عندما يشاهدونها، فلما وصلت، أعطت عائشة المصحف لكعب وقالت له: خل البعير وتقدم وارفع کتاب الله وادعهم إليه، فشعر أهل الفتنة بأن القتال سيتوقف إذا تركوا کعب يفعل ما طلب منه، فلما قام کعب ورفع المصحف وأخذ ينادي تناولته التنبال فقتلوه. (1) 

ثم أخذوا بالضرب نحو الجمل، بغية قتل عائشة لكن الله تجاها، فأخذت تنادي: أوقفوا القتال، وأخذ علي ينادي وهو من خلف الجيش: أن أوقفوا القتال، وقادة الفتنة مستمرين، فقامت أم المؤمنين بالدعاء على قتلة عثمان قائلة: اللهم العن قتلة عثمان، قبدأ الجيش ينادي معها، وحين سمع علي رضي الله عنه أثناء المعركة أهل البصرة يضجون بالدعاء، قال: ما هذه الضجة؟ فقالوا: عائشة تدعو ويدعون معا على قتلة عثمان وأشياعهم، فأقبل علي يدعو ويقول: اللهم العن قتلة عثمان وأشياعهم. (2) 

وعند البيهقي وابن أبي شيبة أن عليا سمع يوم الجمل صوت تلقاء أم المؤمنين فقال: انظروا ما يقولون، فرجعوا فقالوا: يهتفون بقتلة عثمان، فقال: اللهم أحلل بقتلة عثمان خزية. 

وعن محمد ابن الحنفية قال: بلغ عليا أن عائشة تلعن قتلة عثمان في المربد، قال: فرفع يديه حتى بلغ بها وجهه فقال: وأنا ألعن قتلة عثمان، لعنهم الله في السهل والجيل، قال مرتين أو ثلاثا. وارتفعت أصوات الدعاء في المعسكرين. (3) 

1 - تاريخ الطبري و تاريخ دمشق لابن عساکر

2 - 2 - تاريخ الطبري |

3 - 3 - فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل

 

ثم إن أهل الفتنة أخذوا يرشقون جمل أم المؤمنين بالتبال وعلي يصرخ فيهم أن كفوا عن الجمل، لكنهم لا يطيعونه فصار الجمل كالقنفذ من كثرة النبال التي علقت به. (1) 

وتقاتل الزبير بن العوام والأشتر في أرض المعركة فقال ابن الزبير: فيا ضربته ضربة حتى ضربني خمسة أو سا، ثم قال: فألقاني برجلي ثم قال: والله لولا قرابتك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما تركت منك عضوا مع صاحبه. 

قال: وقالت عائشة: واثكل أسماء، قال: فلما كان بعد أعطت الذي بشرها به أنه حي عشرة آلاف. (2) 

عن علقمة أن الأشتر لقي ابن الزبير في الجمل فقال: فيا رضيت بشدة ساعدي أن قمت في الركاب فضربته على رأسه فصرعته. قلنا فهو القائل اقتلوني ومالك؟ 

قال: لا، ما تركته وفي نفسي منه شيء، ذاك عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد، لقيني فاختلفنا ضربتين، فصرعني وصرعته، فجعل يقول اقتلوني ومالكة، ولا يعلمون من مالك قلو يعلمون لقتلوني. (3) 

وصل القعقاع إلى الجمل فخاف على أم المؤمنين أن تصاب فبدأ ينادي بالانسحاب فأخذ الجمل محمد بن طلحة بن عبيد الله فقتل رضي الله عنه فأخذ القعقاع الجمل وسحبه خارج المعركة. 

قال عبد الله بن بديل لعائشة: يا أم المؤمنين أتعلمين أني أتيتك عندما قتل عثمان فقلت ما تأمريني، فقلت الزم عليا؟ فسكتت فقال: أعقروا الجمل فعقروه 

قال: فنزلت أنا وأخوها محمد واحتملنا الهودج حتى وضعناه بين يدي علي، فأمر به علي فأدخل في بيت عبد الله بن بديل. (4) 

وبمقتل الجمل انتهت المعركة وكأن الشيطان قد انصرف وفر هاربا وحينها أصدر 

1 - تاريخ الطبري

2 - 2 - أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف.

3 - 3 - تاريخ الطبري

4 - 4 - رواه ابن أبي شيبة في المصنف و ابن حجر في الفتح

 

الإمام علي رضي الله عنه الأوامر بأن لا تلحقوا هاربة ولا تأخذوا سييا فثار اهل الفتنة وقالوا: تحل لنا دمائهم ولا تحل لنا نساؤهم وأموالهم؟ فقال علي: أيكم يريد عائشة في سهمه، فسكتوا، فنادى لا تقتلوا جريحا ولا تقتلوا مدبرة، ومن أغلق بابه وألقى سلاحه فهو آمن (1) 

عن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب قال: دخلت على مروان بن الحكم، فقال: ما رأيت أحدا أكرم من أبيك، ما هو إلا أن ولينا يوم الجمل فنادى مناديه لا يقتل مدبرة ولا يذفف على جريح. (3) 

وكان علي رضي الله عنه يطوف على القتلى وهم يدفنون، ثم سار حتى دخل البصرة فمر على طلحة ورآه مقتولا فجعل يمسح التراب عن وجهه ويقول: عزيز علي أبا محمد أن أراك مجند تحت نجوم السماء، ثم قال: إلى الله أشكو عجري ويجري - أي همومي وأحزاني - ويکي عليه وعلى أصحابه. (3) 

بعدها ذهب إلى بيت عبد الله بن بديل الخزاعي لزيارة عائشة والاطمئنان عليها فقال لها: غفر الله لك، قالت: ولك ما أردت إلا الإصلاح بين الناس. (4) وفي رواية أخرى قالت: إنا أريد أن يحجز بين الناس مکاني، ولم أحسب أن يكون بين الناس قتال، ولو علمت ذلك لم أقف ذلك الموقف أبدا. (5) 

وقام الإمام علي رضي الله عنه بتجهيز السيدة عائشة رضي الله عنها كي تسافر إلى مكة معززة مكرمة، وهذا الفعل من علي رضي الله عنه يعد امتثالا لما أوصاه به النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال له: إنه سيكون بينك وبين عائشة أمر، قال: فأنا أشقاهم يا رسول الله؟ | 

1 - رواه البيهقي في السنن الكبرى و ابن أبي شيبة في المصنف وإسناده صحيح.

2 - 2 - أخرجه الإمام الشافعي في الأم

3 - 3 - انظر تاريخ دمشق وأسد الغابة لابن الأثير.

4 - 4 - شذرات الذهب، مصدر سابق. د- المغازي للزهري

103 

 

قال: لا، ولكن إذا كان ذلك فارددها إلى مأمنها. (1) 

عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: ذکر رسول الله صلى الله عليه وسلم خروج بعض أمهات المؤمنين، فضحكت عائشة رضي الله عنها فقال: انظري يا حميراء أن لا تكوني أنت، ثم التفت إلى علي فقال: إن وليت من أمرها شيئا فارفق بها (2) 

وكانت رضي الله عنها إذا قرأت وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب: 33) بكت حتى يبتل خمارها، وكانت حينها تذكر الجمل تقول: وددت أني كنت جلست کا جلس أصحابي، وفي رواية ابن أبي شيبة: وددت أني كنت غصنة رطبة ولم أسر مسيري هذا (3) 

فهي أم المؤمنين وزوجة رسولنا صلى الله عليه وسلم في الدنيا وفي الجنة كما ورد وثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة. (4) 

1 - رواه أحمد في المستد

2 - . 2 - أخرجه الحاكم في المستدرك

3 - 3 - رواه ابن أبي شيبة في المصنف والذهبي في سير أعلام النبلاء

4 - 4 - فقال الذهبي في السير: عن قيس قال: قالت عائشة، وكانت تحدث نفسها أن تدفن في بيتها فقالت: إني

قد أحدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثا، أدفنوني مع أزواجه، فدفنت بالبقيع رضي الله عنها قلت أي الذهبي: تعني بالحدث مسيرها يوم الجمل، فإنها ندمت ندامة كلية وتابت من ذلك، على أنها ما فعلت ذلك إلا مناولة، قاصدة للخير، کا اجتهد طلحة والزبير وجماعة من كبار الصحابة رضي الله عن الجميع ويقول شيخ الإسلام في منهاج السنة: إن عائشة لم تخرج للقتال، وإنما خرجت بقصد الإصلاح بين الناس وظنت أن في خروجها مصلحة للمسلمين، ثم تبين لها فيما بعد أن ترك الخروج كان أولى، فكانت إذا ذكرت خروجها تبكي حتى نبل خمارها، وهكذا عامة السابقين ندموا على ما دخلوا فيه من القتال فندم طلحة والزبير رضي الله عنهم أجمعين ويقول الإمام القرطبي في تفسيره في تفسير سورة الحجرات ما نصه: لا يجوز أن ينسب إلى أحد من الصحابية خطأ مقطوع به، إذ كانوا كلهم اجتهدوا فيها فعلوه وأرادوا الله عز وجل .. هذا مع ما قد ورد من الأخبار من طرق مختلفة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن طلحة شهيد يمشي على وجه الأرض - يشير إلى حديث أبي هريرة عند مسلم ونصه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة و الزبير، فتحركت الصخرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اهدة فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد، والترمذي وكتاب فضائل الصحابة للنسائي، وابن ماجه في فضائل طلحة والأصفهاني في الإمامة. | 

 

ولم يكن علي رضي الله عنه بأحسن حالا من عائشة يقول الشعبي: 

لما قتل طلحة، ورآه على مقتولا، جعل يمسح التراب عن وجهه ويقول: عزيز علي أبا محمد أن أراك مجند تحت نجوم السماء، ثم قال: إلى الله أشكو عجري ويجري، ويکي عليه هو وأصحابه، وقال ليتني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة. (1) 

ولذلك كان الحسن وجماعة إذا ذكروا يوم الجمل قالوا: هلكت الأتباع ونجت القادة. (2) 

وأما عن قتلى يوم الجمل فقد اختلف فيهم فجاء في تاريخ ابن خياط أنهم عشرون ألفا وأيضا قبل سبعة آلاف وعند الطبري في تاريخه أنهم عشرة آلاف وهذه الأرقام مبالغ فيها، فشهداء المسلمين يوم اليرموك ثلاثة آلاف وكانت موقعة مشهودة ومعركة القادسية ثانية آلاف وخمسمائة شهيد وهذه المعارك استمرت أياما، وقد ذكر خليفة بن خياط في تاريخه بيان بأسماء ما حفظ من قتلى يوم الجمل فحفظ وذكر منهم مائة ولهذا فإن ما ذكر أن العدد قد وصل إلى عشرة أو عشرين أو سبعة آلاف فتلك أرقام مبالغ فيها والله أعلم 

1 - أسد الغابة، مصدر سابق

2 - 2 - العثمانية للجاحظ

 

ساحة أسد بابل وسط البصرة 

مدينة البصرة تشتهر بالنخيل 

 

لسنة 

الكويت 

خريطة توضح موقع مدينة البصرة 

الجمل العربي بطل موقعة الجمل 

 

 

السيئية والخلاف بين علي ومعاوية رضي الله عنهم?

 

- استمرار السبئية في إشعال الفتنة في معركة صفين.

- معركة النهروان بين علي رضي الله عنه والخوارج.

- السبئية وقتل الإمام علي رضي الله عنه

 

استمرار السبئية في إشعال الفتنة 

في معركة صفين 

کا حدث في موقعة الجمل من تلاقي سيوف المسلمين في مواجهة بعضها البعض تكرر الأمر في مواجهة الإمام علي رضي الله عنه ومعاوية بن أبي سفيان والي الشام فقد توجه أمير المؤمنين علي رضي الله عنه إلى صفين ليحمل معاوية على البيعة وكان معاوية رفض أن يبايع عليا قبل تسليم قتلة عثمان رضي الله عنه، أضف إلى ذلك أن الإمام علي رضي الله عنه قد عزل معاوية من ولايه للشام فور توليه أمر الخلافة، وكان يرى أنه أحق الناس بدم عثمان رضي الله عنه بوصفه ولي الدم، فكان خروجه على أمير المؤمنين علي هو طلبه لدم عثمان 

وقد ورد من غير وجه أن أبا مسلم الخولاني وجماعة معه دخلوا على معاوية فقالوا له: أنت تنازع علينا أم أنت مثله؟ فقال: والله إني لأعلم أنه خير مني وأفضل، وأحق بالأمر مني، ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوما، وأنا ابن عمه، وأنا أطلب بدمه وأمره إلى؟ فقولوا له: فليسلم إلي قتلة عثمان وأنا أسلم له أمره. (1) 

وكان البعض من قتلة عثمان رضي الله عنه قد انضموا إلى جيش الإمام علي رضي الله 

و 

دارت الحرب بين الفريقين سنة 37 ه وقد استشهد فيها عدد كبير من المسلمين إلى أن رفع جيش معاوية المصاحف طلب التحكيم وبهذا توقفت الحرب بين الجانبين 

كان رأي الإمام علي رضي الله عنه يرى أن يبايع معاوية أولا ثم يتم القصاص بعد ذلك، لكن معاوية أصر عن رأيه ورفض البيعة. 

قال الله تعالى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا 

1 - البداية والنهاية لابن كثير

111 

 

إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ( 

و (الحجرات: 9، 10) . 

في الآية لم يخرج الله الفئة الباغية من الإيمان فهم ليسوا معصومين وكلا الطرفين مؤمنان. 

فإن كان الأمر كما يزعم الرافضة فهل ترك الحسن أمور المسلمين بيد إمام يدعو إلى النار؟!! 

قال علي رضي الله عنه وكان بدء أمرنا أنا التقينا والقوم من أهل الشام، والظاهر أن ربنا واحد ونبينا واحد، ودعوتنا في الإسلام وأحدة. لا نستزيدهم في الإيمان بالله والتصديق برسوله صلى الله عليه و آله ولا يستزيدوننا، الأمر واحد إلا ما اختلفنا فيه من دم عثمان ونحن منه براء. (1) 

وذكر المجلسي: عن جعفر عن أبيه أن عليا رضي الله عنه كان يقول لأهل حربه: إنا الم نقاتلهم على التكفير لهم ولم نقاتلهم على التكفير لنا ولكنا رأينا أنا على حق ورأوا أنهم على حق .. بالإسناد قال: إن عليا لم يكن ينسب أحدا من أهل حربه إلى الشرك ولا إلى النفاق ولكنه كان يقول: هم إخواننا بغوا علينا. (2) 

المهم أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه خرج من الكوفة، وعسكر في منطقة النخيلة خارج الكوفة، واستخلف على الكوفة عقبة بن عامر الأنصاري أحد البدريين من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرسل علي رضي الله عنه مقدمة جيشه نحو الشام، وتقدمت هذه المقدمة، حتى تجاوزت نهر الفرات، ووصلت إلى منطقة تسمى (صفين) (3) ، وتتبع علي بن أبي طالب رضي الله عنه المقدمة بجيشه. 

ووصلت الأخبار إلى معاوية رضي الله عنه أن علي بن أبي طالب قد خرج بجيشه من العراق متوجها إلى الشام؛ لإجبار أهلها على البيعة، فاستشار معاوية رضي الله عنه 

1 - انظر نهج البلاغة ج 3.

2 - 2 - بحار الأنوار ج 32

3 - . 3 - صفين موضع قرب الرقة شمالي سوريا على شاطى الفرات.

دن 

 

رءوس القوم، فأشاروا عليه بأن يخرج لجيش علي رضي الله عنه، وألا ينتظر في أرض الشام حتى يأتوه، كما أشاروا عليه أن يخرج بنفسه مع الجيش کا خرج علي بن أبي طالب رضي الله عنه مع جيشه، ووافق رضي الله عنه على هذا الرأي، وخرج بنفسه على رأس الجيش. 

وقد كان من مؤيدي الخروج عمرو بن العاص رضي الله عنه، والذي قام وخطب الناس قائلا: إن صناديد أهل الكوفة والبصرة - أي عظماءهم وشجعانهم - قد تفانوا يوم الجمل، ولم يبق مع علي إلا شرذمة قليلة من الناس، وقد قتل الخليفة عثمان بن عفان أمير المؤمنين، فالله الله في حقكم أن تضيعوه، وفي دمكم أن تتركوه - أي دم عثمان رضي الله عنه، و حس عمرو بن العاص الناس على القتال، وعقدت الألوية، وخرج معاوية رضي الله عنه بالجيش، وأرسل مقدمة جيشه تجاه جيش علي بن أبي طالب رضي الله عنه 

كان على مقدمة جيش علي بن أبي طالب رضي الله عنه زياد بن النضر، وعلى مقدمة جيش معاوية رضي الله عنه أبو الأعور السلمي، وتلتقي المقدمتان في منطقة صفين. 

وأرسل علي بن أبي طالب رضي الله عنه أوامره إلى مقدمته يقول لهم: ادعوهم إلى البيعة مرة بعد مرة، فإن امتنعوا، فلا تقاتلوهم حتى يقاتلوكم، ولا يقرب منهم أحد قرب من يريد الحرب، ولا يبتعد عنهم أحد بعد من مهاب الرجال. 

وعرضت مقدمة علي بن أبي طالب رضي الله عنه البيعة على مقدمة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه مرة بعد مرة، لكنهم رفضوا البيعة، وبدأ الأعور السلمي من مقدمة معاوية القتال، ودار بينهم القتال ساعة، وسقط بعض القتلى، ثم تحاجزوا، كان ذلك في أوائل شهر ذي الحجة سنة 36 ه، أي بعد حوالي سبعة شهور، أو ثمانية من موقعة الجمل، وفي اليوم التالي تناوشت المقدمتان ساعة، ثم تحاجزوا، بعد أن سقط بعض القتلى من الفريقين. 

في اليوم الثالث جاء علي بن أبي طالب رضي الله عنه بجيشه، وجاء معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه بجيشه. 

 

وعندما وصل معاوية رضي الله عنه إلى أرض صفين وجد نهرا يغذي تلك المنطقة كلها، فسيطر على النهر، وقطع الماء عن جيش علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ويكاد جيش على رضي الله عنه أن يموت عطشا بعد أن قطع عنه الماء أكثر من يوم، وينقاتل الفريقان على الماء، وفي آخر هذا اليوم أرسل علي بن أبي طالب رضي الله عنه صعصعة اين صوحان إلى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه يقول له: إنا جتنا کافين عن قتالكم، حتى نقيم عليكم الحجة، فبعثت إلينا مقدمتك، فقاتلتنا قبل أن نبدأكم، ثم هذه أخرى تمتعوننا الماء 

واستشار معاوية رضي الله عنه رءوس قومه في الأمر، فقال عمرو بن العاص رضي الله عنه ?ل بينهم، وبين الماء، فليس من الإنصاف أن نشرب، ويعطشون، فقال الوليد، وهو أحد من استشارهم معاوية رضي الله عنه دعهم يذوقون من العطش ما أذاقوا أمير المؤمنين عثمان بن عفان حين حاصروه في الدار. 

وقال عبد الله بن سعد بن أبي سرح: امنعهم الماء إلى الليل، فلعلهم يرجعون إلى 

بلادهم 

وبعد تشاور، وتباحث بين الفريقين اتفقوا على أن يشرب الجميع من الماء دون قتال. 

فكان ديدنهم أن يقاتلوا حتى إذا كف القتال، ذهبوا جميعا، فشربوا من الماء دون أن يتقاتلوا عند الماء، ثم يأخذ كل فريق قتلاه من ساحة المعركة، فيدفنوهم، ويصلون عليهم، وهكذا كل يوم. 

في اليوم الثالث من هذه الحرب أرسل علي بن أبي طالب رضي الله عنه مجموعة أخرى المعاوية رضي الله عنه، فأرسل له بشير بن عمرو الأنصاري، وسعيد بن قيس، وشييس اين ربعي، وقال لهم: إيتوا هذا الرجل - يعني معاوية - فادعوه إلى الطاعة، والجماعة، واسمعوا ما يقول لكم. 

فلما دخلوا على معاوية، بدأ بشير بن عمرو الأنصاري، فقال: يا معاوية، إن الدنيا 

 

عنك زائلة، وإنك راجع إلى الآخرة، والله محاسبك بعملك، ومجازيك با قدمت يداك وإني أنشدك الله ألا تفرق جماعة هذه الأمة، وألا تسفك دماءها بينها. 

فقال له معاوية رضي الله عنه هلا أوصيت بذلك صاحبكم - يعني عليا رضى الله 

فقال له: إن صاحبي أحق هذه البرية بهذا الأمر؛ لفضله، وديته، وسابقته، وقرابته، وإنه يدعوك إلى مبايعته، فإنه أسلم لك في دنياك، وخير لك في آخرتك. | 

وبعد مفاوضات لم تصل إلى نتيجة مرضية لأحد الطرفين يستمر القتال دون تحقيق نصر حاسم لأحد. 

وفي اليوم السابع الثلاثاء 7 صفر 37 ه خرج للمرة الثانية كل من الأشتر النخعي على مجموعة من جيش العراق، وحبيب بن مسلمة على جيش الشام فكلاهما قائدا الجيشين خلال اليوم الأول كذلك. 

وفي مساء هذا اليوم، تبين أن استمرار هذا الأمر، من إخراج فرقة نتقاتل مع الفرقة الأخرى دون أن يكون النصر لأحد سيأتي على المسلمين بالهلاك، ولن يحقق المقصود، وهو إنهاء هذه الفتنة، وكان علي بن أبي طالب يفعل ذلك ليجنب المسلمين خطر التقاء الجيشين الكبيرين، ولئلا تراق دماء كثيرة، فكان يخرج مجموعة من الجيش لعلها أن تهزم المجموعة الأخرى، فيعتبروا ويرجعوا عن ما هم عليه من الخروج على أمير المؤمنين. 

وكذلك كان معاوية بن أبي سفيان يخرج مجموعة من جيشه فقط دون الجيش كله ليمنع بذلك إراقة دماء المسلمين. فقرر علي بن أبي طالب أن يخرج بجيشه كله لقتال جيش الشام، وكذلك قرر معاوية بن أبي سفيان، وبقي الجيشان طوال هذه الليلة يقرؤون القرآن ويصلون ويدعون الله أن يمكنهم من رقاب الفريق الآخر جهادا في سبيل الله، ويدوي القرآن في أنحاء المعسكرين، وبايع جيش الشام معاوية على الموت، فليس عندهم تردد فيما وصلوا إليه باجتهادهم، ويستعدون للقاء الله تعالى على الموت في سبيله، ومع أنهم يعلمون أنهم يقاتلون فريقا فيه كبار الصحابة: علي بن أبي طالب، 

 

وسلمان الفارسي، وعبد الله بن عباس، وغيرهم. 

إلا أنه كان معهم أيضا الكثير من الصحابة: معاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وهو من أفقه الصحابة، ولم يكن يرغب على الإطلاق أن يقاتل في صف معاوية ولا في صف علي ولم يشترك في هذه المعركة إلا لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان قد أوصاه بألا يخالف أباه، وقد أمره أبوه عمرو بن العاص أن يشارك في القتال، فاشترك في الحرب، غير أنه لم يقاتل ولم يرفع سيقا في وجه أحد من المسلمين. فقال معاوية رضي الله عنه وينك دم عثمان، لا والله لا أفعل ذلك أبدا. 

فالقضية عند كل من الطرفين واضحة تماما، ولا يرى أي خطأ فيما يراه، ويقاتل كل منهما على رأيه حتى النهاية. 

وتفشل المفاوضات، وتبدأ المناوشات مرة أخرى بين الفريقين، وفي كل يوم تخرج من كل جيش مجموعة تقاتل مجموعة من الجيش الآخر، وفي آخر اليوم يتحاجز الفريقان، ثم يعودان للقتال من جديد في اليوم التالي، وهكذا طوال شهر ذي الحجة، وفي تلك السنة أمر علي رضي الله عنه على الحج عبد الله بن عباس، فأتم مهمته، ورجع بعد حجه إلى جيش علي بن أبي طالب رضي الله عنه 

وفي شهر المحرم نهادن الفريقان، وحاولا الإصلاح، ولكن دون جدوى، وأرسل علي بن أبي طالب رضي الله عنه عدي بن حاتم الطائي أحد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، ومع عدي يزيد بن قيس، وشييس اين ربعي، فقام عدي بن حاتم رضي الله عنه، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: 

أما بعد يا معاوية، إنا جئنا ندعوك إلى أمر يجمع الله به کلمتنا، وأمرنا، وتحقن به الدماء، وتأمن به السبل، ويصلح ذات البين، إن ابن عمك سيد المسلمين، أفضلها سابقة، وأحسنها في الإسلام أثرا، وقد استجمع له الناس، وقد أرشدهم الله بالذي رأوا، فلم يبق أحد غيرك، ومن معك من شيعتك. ثم قال له فانته با معاوية، لا يصبك 

 

مثل ما أصاب أصحاب يوم الجمل 

فقال له معاوية: كأنك إنما جئت مهددا، ولم تأت مصلخا، هيهات، والله يا عدي، إني لابن حرب لا يقعقع لي بالشنئان. 

فقال له يس بن ربعي: اتق الله يا معاوية، ولا تخالفه، فإنا والله ما رأينا رجلا قط أعمل بالتقوى، ولا أزهد في الدنيا، ولا أجمع لخصال الخير كلها منه. 

فتكلم معاوية، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإنكم دعوتموني إلى الجماعة والطاعة، فأما الجماعة فمعنا هي، وأما الطاعة، فكيف أطيع رجلا أعان على قتل عثمان، وهو يزعم أنه لم يقتله، ونحن لا نرد ذلك عليه، ولا نتهمه به، ولكنه آوي قتلته، فيدفعهم إلينا حتى نقتلهم ثم نحن نجيبكم إلى الطاعة، والجماعة. 

فيقول شبيس بن ربعي: أنشدك الله يا معاوية لو تمكنت من عمار بن ياسر أكنت قاتله بعثان؟ | 

فقال معاوية: لو تمكنت منه ما قتلته بعثيان، ولكني أقتله بغلام عثمان. 

ومعاوية رضي الله عنه لا يقول هذا الكلام حمية لعثمان رضي الله عنه، ولا عصبية، ولكنه يرى أنه لا تعطيل الحدود الله مهما صغر المقتول، غلام عثمان مقارنة بعثمان رضي الله عنهما، ومهما كان القاتل أو من أعان على إيوائه. 

وأرسل معاوية رضي الله عنه بعض الرسل إلى علي رضي الله عنه فيهم شرحبيل بن عمرو، و حبيب بن مسلمة، ولكن لم يتم الصلح طوال شهر المحرم. 

في آخر يوم من أيام المحترم استدعى علي بن أبي طالب رضي الله عنه مناديه يزيد بن الحارث، وأمره أن يخرج إلى أهل الشام ويقول لهم: ألا إن أمير المؤمنين يقول لكم: إني قد استأنيتكم لتراجعوا الحق، وأقمت عليكم الحجة، فلم تجيبوا، وإني قد نبذت إليكم على سواء، إن الله لا يحب الخائنين. 

وبهذا القول يتضح لنا أنه رضي الله عنه قد قرر أن يستأنف القتال مرة أخرى، ولكنه في هذه المرة سيكون أشد وأعنف، ويخطب علي بن أبي طالب رضي الله عنه خطبة عصاء 

17 

 

في قومه يحمسهم على الجهاد في سبيل الله، ثم يقول لهم: ولا نجهزوا على جريح، ولا تتبعوا مدبرا، ولا تكشفوا ستر امرأة، ولا مهان، وإن شتمت أمراء الناس وصلحاءهم. 

وقام معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أيضا في جيشه، وخطب في قومه خطبة تسهم فيها على الجهاد وقال لهم: اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ و [الأعراف: 128). 

ويلتقي الجيشان في أول يوم في شهر صفر، وأخرج كل من الفريقين مجموعة تقاتل الأخرى 

في اليوم الأول أخرج علي بن أبي طالب فرقة كبيرة من جيشه، وعلى رأسها الأشتر النخعي لمقابلة مجموعة مثلها من جيش معاوية. 

والأشتر النخعي هذا كان أحد كبار رجال الفتنة، ولكنه كان صاحب بأس شديد، وله كلمة مسموعة في قومه، وكثير ممن خرجوا معه له عليهم الكلمة ورأي، ومن ثم استعان به علي بن أبي طالب رضي الله عنه ليقمع هذه الفتنة سريعا لباسه الشديد في الحرب، ولكلمته المسموعة في قومه، وقد كان النخعي قبل أحداث الفتنة من أشد الناس تقوي، ولكنه كان محبا للرئاسة (1) 

1 - رأى علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن مصلحة المسلمين العامة تقتفي مقاتلة هذه الفئة التي خرجت

على أمير المؤمنين، وخرجت على جماعة المسلمين، ورأى أن من المصلحة أيضا أن يستعين على قتالهم هؤلاء القوم من أهل الفتنة بيا لهم من العدد والعدة | وإذا ذكرنا حروب الرسول صلى الله عليه وسلم وجدنا أنه صلى الله عليه وسلم كان يعلم المنافقين بأسمائهم وأشخاصهم، والمنافقون أشد خطرا من الكفار إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا3 [النساء: 145)، ومع هذا كانوا يشتركون مع الرسول صلى الله عليه وسلم في غزواته، ولم ينكر أحد هذا الأمر. وقد أجمع الفقهاء على جواز الاستعانة في الحرب بالفساق من المسلمين، وإنها الخلاف في الاستعانة بالكفار، فيرى الإمام مالك، والإمام أحمد أنه لا يجوز الاستعانة بالكفار في الحروب، ويرى الإمام أبو حنيفة جواز الاستعانة بهم على الإطلاق، واشترط الشافعي بعض الشروط لجواز الاستعانة بهم، مع العلم أن أحدا لم يكفر قتلة عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه، وعبد الله بن سبأنفسه كان يظهر الإسلام، وإن كان يبطن الكفر، وهذا هو عين النفاق، والمجموعة التي حاصرت عثمان رضي الله عنه، = 

 

ويستمر القتال يوما بعد يوم دون حسم، ففي اليوم الرابع يخرج على فريق علي بن أبي طالب محمد بن علي بن أبي طالب المسمى محمد ابن الحنفية، وعلى الناحية الأخرى عبيد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، ويدور القتال من الصباح إلى المساء، ويسقط القتلى من الفريقين ثم يتحاجزان، ولا تم الغلبة لأحد الفريقين على الأخر. 

في اليوم الخامس يخرج على فريق علي بن أبي طالب رضي الله عنه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وعلى الفريق الآخر الوليد بن عقبة فاتح بلاد أذربيجان وجزء كبير من بلاد فارس في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقد ولاه عثمان رضي الله عنه، وهو ابن خمس وعشرين وستة، وكانت له جهود كبيرة في الجهاد في سبيل الله، وتقاتل الفريقان طوال اليوم دون أن يحرز أحدهما النصر على صاحبه. 

في اليوم السادس يخرج على فريق العراق قيس بن سعد، وعلى جيش الشام ابن ذي القلاع الحميري، وكان هو وأبوه ذو القلاع في جيش معاوية رضي الله عنه، وقد استشهد والده في هذه المعركة، ويدور القتال الشديد بين الفريقين من الصباح إلى المساء، ويتساقط القتلى ويكثر الجرحى دون أن تكون الغلبة لأحد الفريقين 

في اليوم السابع يخرج للمرة الثانية الأشتر النخعي على مجموعة من جيش العراق، ويخرج على جيش الشام حبيب بن مسلمة الذي قد خرج له في المرة الأولى. 

وفي مساء هذا اليوم تبين أن استمرار هذا الأمر، من إخراج فرقة تتقاتل مع الفرقة الأخرى دون أن يكون النصر لأحد سيأتي على المسلمين بالهلاك، ولن يحقق المقصود، 

= كانت تنقسم إلى مجموعتين كبيرنين: مجموعة تظن أنها تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر، وذهبت لأجل هذا الخلع عثمان بن عفان، أو قتله، وكذلك قال محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه لعثمان بن عفان رضي الله عنه إنا لا نريد أن نكون يوم القيامة ممن يقول: وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا3 [الأحزاب: 97). فكان رضي الله عنه يعتقد ابتداء، ولديه قناعة تامة أن عزله لعثمان رضي الله عنه، أو قتله قربة إلى الله، وكان الكثيرون منهم قد شلل من قبل رءوس الفتنة أما المجموعة الأخرى، فكانت تظهر الإسلام، وتبطن الكفر والكبد والحقد على الإسلام، فكانوا من المنافقين وهم السبئية أتباع ابن سبأ | 

119 

 

وهو إنهاء هذه الفتنة، وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يفعل ذلك ليجنب المسلمين خطر التقاء الجيشين الكبيرين، والثلاثراق الدماء الكثيرة، فكان يخرج مجموعة من الجيش لعلها أن تهزم المجموعة الأخرى، فيعتبروا ويرجعوا عما هم عليه من الخروج على أمير المؤمنين، وكذلك كان معاوية رضي الله عنه يخرج مجموعة من جيشه فقط دون الجيش كله ليمنع بذلك إراقة دماء المسلمين. 

فقرر علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يخرج بجيشه كله لقتال جيش الشام، وكذلك قرر معاوية رضي الله عنه، ويبقى الجيشان طوال هذه الليلة يقرءون القرآن، ويصلون، ويدعون الله أن يمكنهم من رقاب الفريق الآخر جهدا في سبيل الله، ويدوي القرآن في أنحاء المعسكرين، ويبايع جيش معاوية رضي الله عنه على الموت، فليس عندهم تردد فيما وصلوا إليه باجتهادهم، ويستعدون للقاء الله تعالى على الموت في سبيله، ومع أنهم يعلمون أنهم يقاتلون فريقا فيه كبار الصحابة؛ علي بن أبي طالب، وسلمان الفارسي، وعبد الله بن عباس، وغيرهم. 

إلا أنه كان معهم أيضا الكثيرون من الصحابة معاوية بن أبي سفيان، وعمرو ابن العاص، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وهو من أفقه الصحابة، ولم يكن يرغب على الإطلاق أن يقاتل في صف معاوية، أو علي رضي الله عنها ولم يشترك رضي الله عنه في هذه المعركة إلا لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان قد أوصاه بألا يخالف أباه، وقد أمره أبوه عمرو بن العاص رضي الله عنه أن يشارك في القتال، قاشترك رضي الله عنه في الحرب، ولكنه لم يقاتل ولم يرفع سيفا في وجه أحد من المسلمين. 

وفي اليوم الثامن مخرج علي بن أبي طالب رضي الله عنه بنفسه على رأس جيشه، كما يخرج معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه على رأس جيشه، ويدور بين المسلمين من الطرفين قتال عنيف، وشرس لم يحدث مثله من قبل، فهؤلاء هم الأسود الشجعان الذين قهروا دولة الروم ودولة الفرس، وثبت الفريقان لبعضهما ولم يفز أحد، ودار هذا القتال من الصباح حتى عشاء هذا اليوم، و تحاجز الفريقان بعد سقوط الكثير من القتلى والجرحى. 

وفي اليوم التاسع يصلي علي بن أبي طالب رضي الله عنه الصبح، ويخرج مباشرة لساحة 

 

القتال مستأنفا من جديد، وفي هذا اليوم كان على ميمنة علي بن أبي طالب رضي الله عنه عبد الله بن بديل، وعلى ميسرته عبد الله بن عباس، ويهجم عبد الله بن بديل بالميمنة التي هو عليها على ميسرة معاوية رضي الله عنه التي كان عليها في ذلك الوقت حبيب بن مسلمة، ويجبرهم عبد الله بن بديل على التوجه إلى القلب، ويبدأ جيش علي رضي الله عنه في إحراز بعض من التصر، ويرى ذلك معاوية رضي الله عنه، فيوجه جيشه لسد هذه الثغرة، وينجح جيشه بالفعل في سد الثغرة ويردون عبد الله بن بديل عن ميسرتهم، وقتل في هذا اليوم خلق كثير. 

وانكشف جيش علي بن أبي طالب رضي الله عنه حتى وصل الشاميون إلى علي رضي الله عنه، فقاتل رضي الله عنه بنفسه قتالا شديدا، وتقول بعض الروايات إنه قتل وحده في هذه الأيام خمسمائة من الفريق الآخر، وقد يكون مبالغا في هذه الرقم، وخاصة أنه في أحداث الفتن تكثر الروايات الموضوعة، والكاذبة التي تشمئز منها النفوس، ويتهمون فيها بسوء ظنهم، وقبح قصدهم، يتهمون معاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص رضي الله عنهما بأنهما يريدان الإمارة والملك ويخدعان الناس بمكرهما الشديد، ويقذفان في جيش علي بن أبي طالب وعمار بن ياسر رضي الله عنهما، وروايات أخرى مختلقة في إظهار تقوى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والفريق الذي معه لينتقصوا بذلك من معاوية رضي الله عنه وجيشه، وكلها روايات مغرضة ليس لها أساس من الصحة، وكلها تأتي من أبي مخنف لوط بن يحب أحد الوضاعين الذي قال عنه الإمام ابن حجر العسقلاني: إخباري تالف لا يوثق به. وقال عنه الدارقطني: ضعيف، وقال عنه يحيي بن معين: ليس بثقة. وقال عنه مرة: ليس بشيء 

بدأ جيش علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الانكسار بعد الهجمة التي هجمها عليها جيش معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، فيأمر علي بن أبي طالب رضي الله عنه الأشتر النخعي لينقذ الجانب الأيمن من الجيش، واستطاع بقوة بأسه، وكلمته على قومه أن ينقذ الموقف، وظهر بأسه، وقوته وشجاعته في هذا الموقف، ورد الأمر إلى نصابه، واستطاعت ميمنة الجيش من السيطرة مرة أخرى على أماكنها التي كانت قد انسحبت منها. 

ويقتل في هذا الوقت عبد الله بن بديل وتكاد الكرة تكون على جيش علي رضي الله 

121 

 

عنه، لولا أن ولي علي رضي الله عنه على الميمنة الأشتر النخعي. 

وقرب العشاء يقتل عمار بن ياسر رضي الله عنها وأرضاهها، وكان في جيش علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، ويقتل معه في نفس الوقت هاشم بن عتبة بن أبي وقاص في لحظة واحدة. 

يقول أبو عبد الرحمن السلمي: رأيت عارا لا يأخذ واديا من أودية صفين إلا اتبعه من كان معه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأيته جاء إلى هاشم بن عتبة وهو صاحب راية، فقال: يا هاشم تقدم، الجنة تحت ظلال السيوف والموت في أطراف الأسنة وقد فتحت أبواب الجنة و تزينت الحور العين اليوم، ألقى الأحبة محمدا وحزبه. ثم حمل هو وهاشم بن عتبة حملة واحدة فقتلا جميعا. 

فكان لهذا الأمر الأثر الشديد على كلا الطرفين وحدثت هزة شديدة في الفريقين، وزادت حية جيش علي بن أبي طالب رضي الله عنه بشدة، وزاد حماسهم، وذلك لأنهم تأكدوا أنهم على الحق، وذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: اويح عار، تقتله البيئة الباغية، وتيقن الناس أنهم على الحق البين، وأنهم الجماعة. | 

وعلى الناحية الأخرى خاف الناس، لأنهم إذن البغاة الخارجون على إمامهم، واجتمع رءوساء جيش معاوية رضي الله عنه، عمرو بن العاص رضي الله عنه، وأبو الأعور السلمي، وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، ومعهم معاوية بن أبي سفيان، وأخذوا يتشاورون في الأمر ويتدارسونه 

مع استمرار القتال دون حسم رفع جيش معاوية المصاحف على أسنة الرماح طلبا التحكيم كتاب الله، وكان النصر حينها أقرب لجيش علي رضي الله عنه إلا أن بعض الصحابة طلبوا منه النزول على الصلح فوافق وجرى ما يعرف بالتحكيم الذي انتهى إلى تأزم الموقف وتعقيده و خروج جماعة من جيش علي رضي الله عنه عرفوا بالخوارج رافضين التحكيم فقالتهم علي رضي الله عنه في معركة النهروان کا سيأتي ذكره بعد. 

وكان دور السبئية في خلاف علي ومعاوية هو إثارة الفتن وإفساد کل خولات الصلح بين الطرفين واشتراكهم في القتال مع جيش علي رضي الله عنه 

 

 

معركة النهروان بين علي رضي الله عنه والخوارج

 

معركة النهروان أو وقعة النهروان، هي معركة وقعت بين علي بن أبي طالب رضي الله عنه و الخوارج في موقع يقال له النهروان غربي دجلة سنة (37 ه) . 

كانت وقعة النهروان ثالثة المعارك في خلافة علي أمير المؤمنين بعد وقعة الجمل وصفين، لها أهميتها في تاريخ الصدر الأول كانت تلك الوقعة بين علي أمير المؤمنين وبين الخوارج أو المارقة. تلك الطائفة التي تعصبت بعصابة الجهل والغرور. حتى صارت تعتقد أنها هي الطائفة المسلمة. والمسلمون كلهم كفار مشرکون. وصاروا إلى النهروان. فمشى إليهم علي رضي الله عنه بجيشه حينذاك فوعظهم وحذرهم سوء المصير، في رجعوا ولا ارتدعوا بل شرعوا الرماح وسلوا السيوف في وجهه وقالوا الحرب الحرب. يا علي لا نريد إلا قتلك كما قتلنا عثمان، فجادلهم بالحجج والأدلة من الكتاب والسنة فا ازدادوا إلا غنيا، فعند ذلك زحف إليهم بجيشه حتى أتي على آخرهم فملأ النهر من 

دمائهم. 

وكان الخوارج قد شاركوا في جيش أمير المؤمنين علي وحاربوا معه في معركة صفين وطالبوه بقبول الهدنة ثم رفضوا التحكيم وكفروا الإمام علي. 

وسار الخوارج وراء السبئية وكان بعض قادتهم منهم فأحدثوا الشقاق في صفوف جيش علي رضي الله عنه | 

وترجع الأسباب التي أدت إلى هذه المعركة إلى أحداث معركة صفين التي كانت تدور رحاها بين جيش علي رضي الله عنه و جيش معاوية رضي الله عنه وذلك عندما بدأت كفة المعركة تميل لصالح جيش علي، حينها قام جيش معاوية برفع المصاحف على رؤوس الرماح في إشارة إلى طلب التحاكم إلى القرآن وقد قبل علي رضي الله عنه ذلك الطلب غير أن بعض أصحابه لاموه على قبول مبدأ التحكيم وعدوا ذلك بدعة واعتزلوا جيشه و خرجوا عنه إلى مكان يقال له حروراء ولذلك سمو بالخوارج أو الحرورية، 

123 

 

وكان عددهم زهاء اثني عشر ألفا، وكان من رؤساؤهم عبد الله بن اليشكري ويزيد الأرحبي وشبث بن ربعي 

وعندما أدرك علي رضي الله عنه ضعف موقفه أمام خصمه معاوية حاول استرضاء من خرج من جيشه وطلب منهم الانضمام إليه مجددا ليستأنفوا القتال من جديد ضد معاوية و جيشه، إلا أن الخوارج اتهموه أنه لم يغضب لله وإنا غضب لنفسه ورموه بالكفر وطالبوه بالتوبة والرجوع إلى الإسلام - وهو من هو على جلالة قدره وعلو مكانته رضي الله عنه - ونادوا بمقولتهم المشهورة (إن الحكم إلا لله) والتي قال عنها علي رضي الله عنه كلمة حق أريد بها باطل، عند ذلك أدرك خطرهم لا سيما وأنهم تمادوا في تكفير الصحابة واستحلوا دماء المسلمين بتكفيرهم لمجرد ارتكاب الذنوب، وقتلوا بعضا من جيشه وأصحابه. 

وقامت الخوارج بأفعال تدل على كونهم لا ينتمون إلى الإسلام وأنهم أتباع اين سيا اليهودي حين قاموا بقتل المسلمين وعدم التعرض لليهود، فقد قاموا وذبحوا حاکم النهروان عبد الله بن خباب بن الأرت و جاريته وجنين في رحمها، كما قتلوا ثلاث نساء من بني طيء وأم سنان الصيداوية، فأرسل لهم علي الحارث بن مرة العبدي للتحقيق الا أنهم قتلوه هو أيضا. 

وعندما وصل تمردهم إلى هذه الدرجة توجب مواجهتهم. فقد كان هناك خطر أن يهاجم الخوارج الكوفة بينا علي بن أبي طالب وقواته في طريقهم لقتال معاوية، ولذلك قرر علي بن أبي طالب أن يوقفهم. فغير مسار جيشه إلى الشرق، وعبر دجلة في طريقه إلى النهروان. 

كان هناك تردد في جيش علي بن أبي طالب في قتال الخوارج، لأنهم كانوا رفاق السلاح في حربهم ضد معاوية في معركة صفين. بل إن علي بن أبي طالب نفسه لم يرغب في إراقة دماء هؤلاء المتعصبين الضالين، ولذلك فقد أرسل إليهم أبا أيوب الأنصاري برسالة سلام. فنادى فيهم، من انضوى منكم تحت هذه الراية أو انفصل عن هذا 

 

الحزب وذهب إلى الكوفة أو المدائن فسينال العفو ولن يسأل. 

نتيجة لذلك، قال فروة بن بن نوفل الأشجعي إنه لا يعرف لماذا هم في حرب مع علي ابن أبي طالب، ثم انفصل بخمسمائة رجل عن الخوارج. 

كما انتدب علي لهم عبد الله بن عباس رضي الله عنه ليحاورهم ويناقشهم في المسائل التي احتجوا بها عليه فرجع منهم خلق كثير. وبالمثل بدأت مجموعة تلو الأخرى في الانفصال، بل وقد انضم بعضهم لجيش علي بن أبي طالب. 

وفي النهاية، لم يبق سوى عدد من الخوارج بقيادة عبد الله بن وهب. أقسم هؤلاء الخوارج أن يقاتلوا عليا بن أبي طالب بأي ثمن. وبقيت تلك المجموعة من الخوارج على عنادها و تعنتها وتكفيرها للمسلمين فقاتلهم علي رضي الله عنه في النهروان (1) وأبادهم واستأصل شأفتهم ولم ينج منهم إلا بضعة أشخاص هربوا و تفرقوا في الأرض ومنهم تجددت هجماتهم ومصائبهم على الأمة فيما بعد. 

1 - نهر النهروان بين واسط وبغداد قرب المدائن، وكانت الواقعة في التاسع من شهر صفر سنة ثان وثلاثين. قتل فيها أكثر من ألفين من الخوارج و نجا منهم القليل

125 

 

 

السبئية وقتل الإمام علي رضي الله عنه

 

كان من نتائج موقعة النهروان أن اجتمعت كلمة السبئية أعوان الدجال على قتل زعماء الأمة وقتها الثلاثة في وقت واحد: الإمام علي رضي الله عنه أمير المؤمنين ومعاوية وعمر بن العاص 

اجتمع ثلاثة من الخوارج وتذاكروا أمر الناس وذكروا أهل النهر وقالوا: ما نصنع بالبقاء بعدهم، فلو شرينا أنفسنا وقتلنا أئمة الضلال وأرحنا منهم البلاد. (والخوارج هم الضالون) 

وكان هؤلاء الثلاثة: عبدالرحمن بن ملجم المرادي، والبراك بن عبدالله التميمي الصريمي، وعمرو بن بكر التميمي السعدي 

فقال ابن ملجم: أنا أكفيكم عليا. وقال البراك: أنا أكفيكم معاوية. وقال عمرو بن بكر: أنا أكفيكم عمرو بن العاص 

فتعاهدوا وتواثقوا بالله أن لا ينكص أحدهم عن صاحبه الذي توجه إليه حتى يقتله أو يموت دونه، وأخذوا سيوفهم فسقوها السم الزعاف، وقصد كل منهم مقصده حيث هدفه المراد في ثلاثة أماكن في الكوفة والشام ومصر واتفقوا على يوم واحد في شهر رمضان. 

فأتى ابن ملجم الكوفة فلقى أصحابه هناك وكتمهم أمره و استعال أحد أصحابه من الخوارج، ولقي مع أصحابه من الخوارج امرأة تدعى قطام قد قتل أبوها وأخوها يوم النهر فأحبها و خطبها فقالت له: لا أتزوجك حتى تشفي لي، فقال: وما تريدين. فقالت: ثلاثة آلاف وعبدة وقيئة وقتل علي. (1) 

فقال: أما قتل علي في أر اللي ذكرتيه وأنت تريدنني. 

قالت بل ألتمس غرئت فإن أصبت شفت نفسك و نفسي ونفعك العيش معي وإن 

1 - انظر البداية والنهاية والتأمل في التاريخ وتاريخ الطبري -

 

قتلت فيا عند الله خير وتزوجته على تلك الشروط حتى جاء وقت تنفيذ الخطة ذهب إلى المسجد في صلاة الفجر، واستطاع ضرب الإمام علي رضي الله عنه بسيفه فيات شهيدا إثر إصابته، ونجا معاوية من محاولة اغتياله بعد أن أصيب بضرية بالسيف وشفي منها وتجي عمرو بن العاص من الاغتيال حيث أصاب القاتل نائب عمرو بدلا منه وكان ذلك عام 40 ه 

وبايع أهل العراق الحسن بن علي بالخلافة واستمرت الفتنة ستة أشهر حتى تنازل الحسن لمعاوية وتصالحا عام 41 ه. ونجت الأمة من أخطر مؤامرة ماسونية قام بها السبئية في القرن الأول الميلادي. 

وعادت الفتوحات الإسلامية بعد أن توقفت أكثر من خمس سنوات انشغلت فيها الأمة بالفتن والتقاتل فيما بينها 

وبعد وفاة معاوية رضي الله عنه وولاية ابنه يزيد عادت الصراعات والفتن مرة أخرى من صراع على الخلافة، وكان أهم تلك الأحداث هي استشهاد الحسين بن علي رضي الله عنها واستمرت الفتن والمؤامرات السيئية حتى الآن. 

 

انتقال داد. 

داستان 

در نطق با 

موقع معركة صفين 

معركة موقعة صفين و الخوارج 

موقع مكان موقعة صفين و الخوارج 

 

مرقد الصحابي الجليل عمار بن ياسر رضي الله عنهما 

مكان البشر الذي شهد موقعة صفين وشرب عنه الطرفان 

20 

 

الكوفة 

الفلزم البحر الاح 

المدينة الوراء ما الجزيرة العربية 

خريطة لموقع الكوفة والبصرة وموقعة النهروان على نهر دجلة 

النهر الذي شهد من قيمة النهروان 

 

مسجد الكوفي القديم 

منظر عام المسجد الكوفة الذي شهد مقتل الإمام علي رضي الله عنه 

 

تخطيط الكوفة في القرنين السابع والثامن الميلادي 

ضريح الإمام علي رضي الله عنه بالنجف 

 

المسجد الذي فيه ضريح الإمام علي رضي الله عنه 

ضريح الإمام الحسين بن علي رضي الله عنه في كربلاء العراقي 

 

المسجد الذي به مرقد الإمام الحسين بكربلاء 

خريطة توضح موقع كربلاء 

 

منظر عام لمدينة كربلاء التي شهدت استشهاد الحسين بن علي رضي الله عنهما وأصحابه. 

 

 

حقيقة السبئيةوعقيدتهم الفاسدة

 

تغيرات المجتمع الإسلامي في العصر الأول للاسلام 

من أسباب ظهور السبئية. 

عقيدة السبئية 

عقيدة السبئيةهي عقيدة المسيح الدجال 

 

 

تغيرات المجتمع المسلم في العصر الأول للإسلام

 

 

من أسباب ظهور السبئية

 

كان انفتاح المسلمين على المجتمعات الأخرى التي كانت تعاصر الدولة الإسلامية الأولى منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم الخليفة الأول له أبو بكر الصديق ثم الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنها الأثر البالغ في ظهور طائفة السبئية الأولى في عهد عثمان رضي الله عنه 

كانت بداية التغيرات في أواخر عهد عمر رضي الله عنه الذي شهد عصر فتوحات إسلامية وانتصارات كبرى ونهاية إمبراطورية الفرس واندحار إمبراطورية الروم وهما أقوى قوتين على الأرض حينها، أدت تلك الانتصارات والفتوحات إلى حدوث الرضاء وشيوعه في بلاد الإسلام، وكان عمر رضي الله عنه يحجر على المسلمين أن يتوسعوا في فتوحاتهم في بلاد العجم خوف عليهم من العجم والاختلاط بهم حتى أشار عليه الأحنف بن قيس بأن مصلحة الإسلام تقضي توسعهم في الفتوحات والانفتاح على العالم كله، فاستحسن عمر رضي الله عنه ذلك الرأي، ولكنه قصر حظره على المهاجرين الأوائل فأصدر أوامره ألا يغادر أي من أعلام قريش من المهاجرين المدينة المنورة إلا بإذن وأجل محدد. (1) 

وكان الصحابي من المهاجرين يأتيه يستأذن في الخروج من المدينة إلى أي بلد يقول له: القد كان لك من غزوك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يبلغك، وخير لك من الغزو اليوم ألا ترى الدنيا ولا تراك )) . (2) 

ثم جاء عثمان رضي الله عنه بعد عمر رضي الله عنه ليلغي هذا الحظر العمري ويسمح 

1 - تاريخ الطبري يقول الحسن البصري رحمه الله "كان عمر قد حجر على أعلام قريش من المهاجرين

الخروج في البلدان إلا بإذن وأجل 

2 - تاريخ الطبري

139 

 

للصحابة القدامى (المهاجرين من قريش) بالسفر والخروج إلى بلاد العالم الإسلامي الجديد. 

وتعود إلى عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه الخليفة الأول الراشد الذي تولى أمر الأمة الإسلامية بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وقد ارتدت قبائل العرب في بداية 

عهده فحاربهم وقاتلهم حتى استطاع فرض هيبة الدولة الوليدة وإعادتهم إلى حظيرة الإسلام، فأهل الردة هم قوم لم يتمكن الإسلام من قلوبهم وآثروا العصبية الجاهلية على الإسلام وظنوا أن الإسلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أصبح قد أزال سلطان قريش فلا رابط يحكمهم ولهم أن يفعلوا بتعاليم الإسلام كما يشاؤون ويحلو لهم، فأسقط بعضهم أركانه وفرائضه فقال بعضهم لا ندفع الزكاة لأنها بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ليس إلا جزية وقد أمرنا الله بدفع الزكاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [التوبة: 103) وهذا تأويل باطل للآية وفهم خاطئ، ومنهم من قال الانصلي فأسقطوا ركن الصلاة، ومنهم بايعوا نبيا کاذب مثل مسيلمة الكذاب (1) ، المهم أن تلك الفوضى التي عمت أرجاء الدولة الإسلامية بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم واجهها الخليفة الأول أبو بكر الصديق رضي الله عنه بكل حزم وشدة وقاتلهم جميع باعتبارهم مرتدين و استطاع إعادتهم إلى رشدهم وإلى الإسلام الصحيح، ووضع الخليفة الأول قاعدة سياسية هامة هي عزل هؤلاء المرتدين العائدين للإسلام من المناصب الحيوية والهامة في الدولة، وهو أمر طبيعي تتخذه كل الثورات الحديثة في العالم 

1 - ادعي البعض النبوة مثل مسيلمة الكذاب و طليحة بن خويلد الأسدي وسجاح وغيرهم وذلك في

أولي عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ووجدوا لهم أتباعا من عشرينهم الذين اتبعوهم عصبية وقال أحد المرتدين: او الله لنبي من بني أسد أحب إلي من نبي من بني هاشم وقد مات محمد وهذا طليحة فاتبعوه وقالوا: 

أطعنا رسول الله ما كان وسطنا 
... 
فيالعباد الله ما لأبي بكر
أيورثها بكرة إذا مات بعده 
... 
وتلك لعمر الله قاصمة الظهر

انظر: البداية والنهاية لابن كثير 

 

من عزل رموز أي نظام قديم بائد فاسد، وهو ما تعرفه اليوم بقانون عزل الفلول. 

وكان أبو بكر رضي الله عنه لا يستعين بأحد من أصحاب الردة في حروبه أيضا حتى مات. (1) 

ثم جاء عمر رضي الله عنه بعده فتخلى عن سياسة الحذر التي انتهجها أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وسمح لأصحاب الردة بالمشاركة في نواحي الحياة السياسية والعسكرية للدولة الإسلامية فاستعمل أصحاب الردة في المناصب ولكن لا يطمعهم في الرياسة أي يستعملهم موظفين وليسوا رؤساء أو قادة. 

ونرى الأمر يتكرر الآن في البلاد العربية التي تشهد ثورات شعبية أو ما يعرف بالربيع العربي، دعوات البعض بالسماح لرجال الأنظمة البائدة التي ثار الشعب عليها بالبقاء في مناصبها وهم يعرفون إعلاميا با (( الفلول )) ، وذلك في مقابل دعوات أخرى للثوار بعزل هؤلاء الفلول لفترات زمنية قد تصل إلى عشر سنوات من العزل السياسي وعزلهم من مناصبهم الحالية وعدم تمتعهم بالحقوق السياسية جراء ما فعلوه في بلدانهم من فساد سياسي و اقتصادي وشعبي وهذا هو الرأي الأرجح والصواب. 

المهم أن عمر رضي الله عنه بعد سنوات من العزل السياسي والعسكري لأصحاب الردة سمح لهم بالمشاركة عن حذر دون تولي المناصب القيادية، ثم جاء الخليفة الثالث عثمان رضي الله عنه وقد مضت سنوات طويلة من الحظر لهم، فألغاه وسمح لهم بالمشاركة الكاملة في نواحي الحياة السياسية والعسكرية في الدولة وهذا أمر طبيعي، فلكل خليفة أو رئيس سياسته وزمانه ومنهجه. 

ولكن من يدرس الفتنة الكبرى التي حدثت في أواخر عهد عثمان رضي الله عنه يشاهد أن عناصر من القبائل التي ارتدت عن الإسلام أيام الردة في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه قد شاركت بفاعلية في إحداث الفتنة الكبرى التي أدت إلى مقتل عثمان رضي الله عنه نفسه، ومن أمثلة ذلك قبيلة السكون، كانت في البداية مع زياد بن لبيد البياضي على 

1 - تاريخ الطبري

 

بني عمرو بن معاوية وهم من مرتدة حضرموت ثم ينضمون إلى بني عمرو ضد زياد، وكذلك نجد سودان بن حمران السكوني وقتير بن خلان السكوني وهم من القوم الذين خرجوا من مصر وشاركوا في قتل عثمان رضي الله عنه (1) 

ومن أصحاب الردة الذين شاركوا في الفتنة الكبرى قبيلة المذحج، (2) ومنها خرج مالك بن الحارث الأشتر النخعي أحد قادة الفتنة. (3) 

 

ومن أسباب ظهور السبئية كعقيدة

 

ومذهب في المجتمع المسلم هو حقد اليهود على الإسلام ونبي الإسلام صلوات ربي وسلامه عليه و كذلك انتهاء ممالك كبري كالفرس والروم على يد الدولة الإسلامية الأولى، وهذا ما دعي بعض الفرس بزعامة أبي لؤلؤة المجوسي من تدبير مؤامرة قتل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه ظنا منه أنه بقتل عمر رضي الله عنه سيقضي أو ينتقم من الإسلام والمسلمين، وكان مقتل عمر واستشهاده هو كسر باب الفتنة الذي كان مغلقا ومنذ كسر عنوة لم يغلق حتى الآن. 

نعود لليهود الحاقدين على الإسلام وأهله بعد أن تحقق للمسلمين في سنوات قليلة فتوحات وانتصارات باهرة وظهورهم كأمة جديدة أزاحت آمال اليهود في استعادة مجدهم الزائل وهم ينتظرون مسيحهم الموعود آخر الزمان ويريدون السيطرة على العالم وحكمه بأي وسيلة. 

ظهر عذاء اليهود للإسلام منذ البعثة النبوية في مكة ثم تطور العداء بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم للمدينة المنورة التي كان يسكنها مع قبيلتي الأوس والخزرج الأنصارا ثلاث قبائل من اليهود هم بنو قينقاع وبنو النضير وبنو قريظة، وقد عقد الرسول صلى الله عليه وسلم معهم تحالف وعهدا عرف بدستور المدينة إلا أنهم نقضوا العهود، وهذا من خصالهم على مر العهود وحتى اليوم وهم أشد الناس عداء للإسلام والمسلمين، قال تعالى: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا 

1 - تاريخ الطبري

2 - . 2 - قبيلة مذحج كان عليها أيام الردة مدعي النبوة (( الأسود العنسي،

3 - 3 - انظر العواصم من القواصم، أبو بكر ابن العربي. |

142 

 

وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ [المائدة: 82] . 

وأدى نقضهم للعهود مع رسول صلى الله عليه وسلم إلى طردهم من المدينة المنورة وقتلهم أيضا إلى ازدياد الحقد على الإسلام فأحد زعماء اليهود وقادة الفتنة والتأليپ والمؤامرات على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن خذل الله قومه والمشركين في غزوة الأحزاب وقد حكم عليه بالقتل ينظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقدم للقتل مع قبيلة بني قريظة اليهودية الناقضة للعهد يقول: (( أما والله ما لمت نفسي العدواتك ولكن من يخذل الله يخذل )) . (1) 

في العهد النبوي اتبع اليهود المقيمون في المدينة سياسة إثارة الفتن بين المسلمين وخاصة الأوس والخزرج الى (( الأنصار، وأشاعوا سياسة النفاق في المدينة حتى ظهرت طائفة المنافقين الذين هم أشد خطرا على المسلمين والإسلام من المشركين. 

ودعا أحبار اليهود أتباعهم إلى اتباع تلك السياسة مع المسلمين من النفاق الذي هو إظهار الإسلام وإخفاء الكفر أو الإيمان بالإسلام زمنا ثم الردة قال تعالى: وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ [البقرة: 14] . 

قال ابن إسحاق في السيرة: ونصبت عند ذلك أحبار اليهود لرسول الله صلى الله عليه وسلم العداوة بغية وحسدة، وأضاف إليهم رجال من الأوس والخزرج فكانوا أهل نفاق، و كان هواهم مع يهود ... 

وهم المعنيون بقوله تعالى في الآية السابقة شَيَاطِينِهِمْ 4 وكبراؤهم ورؤساؤهم من أحبار اليهود ورؤوس المشركين والمنافقين. 

واتبع اليهود في المدينة سياسة التشكيك حيث أمروا أتابعهم من المنافقين وغيرهم أن يدخلوا في الإسلام بالنهار ثم الكفر به في المساء وقد فضح الله أمرهم في كتابه العزيز حيث قال: 

1 - السيرة النبوية لابن هشام.

143 

 

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ عمران: 72]. 

فكانوا يصلون صلاة الصبح خلف النبي صلى الله عليه وسلم ثم يعلنون ردتهم عن الإسلام آخر النهار كي يظن أهل الإسلام أنه قد تبين لهم الحق من کون الإسلام ليس دين الحق فيرتد البعض من المسلمين. 

كل هذه الأسباب وغيرها دعت اليهود إلى اتباع سياسة أخرى بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم من معاداة الإسلام باختراقه بطائفة السبئية. 

وقد زاد تأثيرهم ووجودهم في زمن عثمان رضي الله عنه وأدى ذلك إلى تغولهم في مفاصل الدولة الإسلامية وعدم تمكن الإمام علي رضي الله عنه من القضاء عليهم ثم ادعاؤهم أنهم أنصاره واشتراكهم معه في قتال أهل الشام ومعاوية وكذلك قتال طلحة والزبير ومن معهم في موقعة الجمل. 

ولم تنته مؤامرة اليهود على الإسلام فيازالت السبئية تعمل حسب السياسية التي رسمها مؤسسها ابن السوداء عبدالله الله بن سبأ حتى اليوم. 

144 

 

 

1 - الوصية والرجعة

 

لكل طائفة أو جماعة عقيدة تعتقدها وتؤمن بها والسبئية هم أتباع عبدالله بن سبأ الذي أحدث القول برجعة الإمام علي بن أبي طالب إلى الدنيا بعد موته وبرجعة النبي صلى الله عليه وسلم، وأول مكان أظهر فيه ابن سبأ مقالته بالرجعة كان في مصر، فكان يقول العجب ممن يزعم أن عيسى يرجع ويكذب برجوع محمد، وقد قال الله عز وجل وإن الذي فرض عليك القران اذك إلى معاد )) [القصص: 85] . . 

فمحمد أحق بالرجوع من عيسي. فقبل ذلك القول عنه الناس وتكلموا فيه (1) | 

ومن ضلالات ابن سبأ القول بالوصية فهو أول من قال بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي وأنه خليفة على أمته من بعده بالنص. (2) 

وكان ابن سبا أول من أظهر البراءة من أعداء علي رضي الله عنه وحكم على مخالفيه بالكفر. وفي هذا يقول النوبختي وهو من مؤرخي الشيعة في كتابه فرق الشيعة: 

وحكى جماعة من أهل العلم من أصحاب علي عليه السلام أن عبدالله بن سبأ كان يهوديا فأسلم ووالى عليا عليه السلام وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون وصى بعد موسى على نبينا وآله وعليه السلام بالغلو، فقال في إسلامه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في علي عليه السلام بمثل ذلك وهو أول من شهر القول بفرض إمامة علي عليه السلام، وأظهر البراءة من أعدائه، وكاشف مخالفيه. 

وأضاف: (( فمن هنا قال من خالف الشيعة إن أصل الرفض مأخوذ من اليهود، (3) . 

1 - انظر تاريخ دمشق لابن عساکر، و تاريخ الطبري.

2 تنقيح المقال والاقاني) 

3 - انظر فرق الشيعة للنوبختي ص 44، ورجال الكشي و تنقيح المقال في أحوال الرجال للامقاني

 

وفكرة الوصية التي اعتمد عليها عبدالله سبا قد ذكرت في العهد القديم في إصحاح رقم 18 من سفر التثنية، حيث فيه أنه لم يخل الزمان أبدأ من نبي بخلف موسى ومن تو عه ولكل نبي خليفة إلى جانبه بعيش أثناء حياته. 

وذكر النوبختي أن عبدالله بن سبا كان من أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم وقال: إن عليا عليه السلام أمر بذلك. 

وذكر الكشي أن عبدالله بن سبا أول من ادعى النبوة من فرق الشيعة الغلاة فقال في كتابه فرق الشيعة 

احدثني أبي عن أبي جعفر أن عبدالله بن سبا كان يدعي النبوة وزعم أن أمير المؤمنين علي عليه السلام هو الله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرة. 

فبلغ ذلك أمير المؤمنين فدعاه وسأله، فأقر بذلك وقال: نعم أنت هو، وقد كان ألقي في روعي أنك أنت الله وأني نبي. 

فقال له أمير المؤمنين: ويلك قد سخر منك الشيطان فارجع عن هذا ثكلتك أمك، وتب. 

فابي -اي ابن سبا فحبسه واستابه ثلاثة أيام فلم يتب فأحرقه بالنار، والصواب أنه نفاه إلى المدائن بعد أن شفع له البعض، قال الإمام علي: إن الشيطان استهواه. 

فكان يأتيه ويلقي في روعه ذلك. وروى الكشي بسنده أيضا عن محمد بن قولويه قال حدثني سعد بن عبد الله قال حدثني يعقوب بن يزيد و محمد بن عيسي عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم قال سمعت أبا عبد الله يقول وهو يحدث أصحابه بحديث عبد الله ابن سبا وما ادعي من الربوبية في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فقال: (( إنه لما ادعى ذلك استابه أمير المؤمنين فأبى أن يتوب واحرقه بالناره 

وقد رفض ابن سبا خبر موت الإمام علي رضي الله عنه فقال لمن جاءه بالنعي: 

اكذبت يا عدو الله لو جئتنا - والله - بدماغه ضربة فأقمت على قتله سبعين عدلا ما صدقناك ولعلمنا أنه لم يمت ولم يقتل وأنه لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه ويملك 

 
الأرض 
... 
الخ)، ونقل النوبختي في فرق الشيعة مقالة السبئية وهي: (( أن عليا لم

يقتل ولم يمت ولا يقتل ولا يموت حتى يسوق العرب بعصاه ويملأ الأرض عدلا , وقسطا كما ملئت ظلما وجوراه. 

كذلك ذكر ابن سبأ اليهودي أن عليا رضي الله عنه هو دابة الأرض وأنه هو الذي -نستغفر الله - خلق الخلق وبسط الرزق. 

قال ابن عساکر: روى الصادق عن آبائه الطاهرين عن جابر قال: (( لما بويع علي رضي الله عنه خطب الناس فقام إليه عبد الله بن سبأ فقال له: (( أنت دابة الأرض). 

فقال له: اتق الله. فقال له: أنت الملك. فقال له: اتق الله. 

فقال له: (( أنت خلقت الخلق ويسطت الرزق"فأمر بقتله فاجتمعت الرافضة فقالت: ادعه وانفه إلى ساباط المدائن .. (2) 2 - 

 

ادعاء السبئية أنهم لا يموتون

 

قالت السبئية: إنهم لا يموتون وإنا يطيرون بعد مماتهم وسموا ب (الطيارة) يقول طاهر المقدسي في كتابه البدء و التاريخ: 

وأما السبئية فإنهم يقال لهم الطيارة يزعمون أنهم لا يموتون وانا موتهم طيران نفوسهم في الغلس، 

يقول الطوسي: وهو أحد الأئمة الأثبات عند الشيعة في ترجمة نصر بن صباح بکني أبا القاسم من أهل بلخ - وبلخ في أفغانستان - لقي جلة من كان في عصره من المشايخ والعلماء، وروى عنهم إلا أنه قيل كان من الطيارة) غالي. 

1 - انظر المقالات و الفرق سعد بن عبدالله الأشعري القمي وفرق الشيعة - النوبختي - وهو من مؤرخي

الشيعة الإمامية. 2 - تاريخ دمشق لابن عساکر. 

 

وكذلك قال قوم من السبئية بانتقال روح القدس في الأثمة وقالوا بتناسخ الأرواح)، يقول ابن طاهر المقدسي: اومن الطيارة (أي السبئية) قوم يزعمون أن روح القدس كانت في النبي كما كانت في عيسي ثم انتقلت إلى علي ثم إلى الحسن ثم إلى الحسين ثم كذلك في الأئمة، وعامة هؤلاء يقولون بالتناسخ والرجعة. (1) وقالت السبئية: (( هدينا لوحي ضل عنه الناس وعلم خفي عنهم). 

وقالوا: (( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم تسعة أعشار الوحي، ولقد رد على مقالتهم هذه أحد أئمة أهل البيت وهو الحسن بن محمد ابن الحنفية في رسالته التي ساها به (الإرجاء) والتي رواها عنه الرجال الثقات عند الشيعة فيقول: "من قول هذه السبئية: (( هدينا لوحي ضل عنه الناس، وعلم خفي عنهم). 

وزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم تسعة أعشار الوحي، ولو كنتم صلى الله عليه وسلم وآله شيئا ما أنزل الله عليه لكتم شأن امرأة زيد، وقوله تعالى: يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [التحريم: 1] ، وقال الحافظ الجوزجاني (ت 209 ه) عن ابن سبأ: (( زعم أن القرآن جزء من تسعة أجزاء وعلمه عند على فنهاه علي بعدما هم بها. 

ومن ضلالات السبئية أنهم يقولون إن عليا في السحاب، وأن الرعد صوته، والبرق سوطه، و من سمع من هؤلاء صوت الرعد قال: عليك السلام يا أمير المؤمنين. (2) 

وعقب الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد في مقالات الإسلامين على هذا المعتقد بقوله: (( ولا زلت أرى أطفال القاهرة يجرون وقت هطول الأمطار، ويصيحون في جرهم 

يا بركة على وذ)، (3) 

ولقد واجه الإمام علي رضي الله عنه هؤلاء الغلاة الخارجين على الملة من السبئية وغيرهم بعد أن ناظرهم وناقشهم كما سيأتي ذكره حتى إنه أحرق بعضهم. 

1 - انظر البدء والتاريخ، ابن طاهر القدمي

2 - 2 - ميزان الاعتدال. الحوزجاني

3 - 3 - انظر الفرق بين الفرق و شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد.

 

فحين أعلن ابن سبأ إسلامه وأخذ يظهر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويكسب قلوب فريق من الناس إليه أخذ يتقرب من علي بن أبي طالب ويظهر محبته له فلما اطمأن لذلك أخذيكذب ويفتري على علي بن أبي طالب نفسه الكذب، قال عامر الشعبي - وهو أحد كبار التابعين توفي (103 ه) : (( أول من كذب عبد الله بن سبأ وكان ابن السوداء يكذب على الله ورسوله وكان علي يقول: ما لي ولهذا الحميت الأسود، والحميت هو المتين من كل شيء). (1) 

وروى ابن عساكر أيضا أنه لما بلغ علي بن أبي طالب أن ابن السوداء ينتقص أبا بكر وعمر دعا به، ودعا بالسيف وهم بقتله، فشفع فيه أناس فقال: والله لا بساکنني في بلد أنا فيها، فسيره إلى المدائن. 

3 - ادعاء السبئية بالوهية الإمام علي رضي الله عنه

قال ابن عساكر في تاريخه: روى الصادق - وهو أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق ولد سنة 83 ه في المدينة المنورة وتوفي فيها سنة 148 ه وهو الإمام السادس المعصوم عند الشيعة - روي عن آبائه الطاهرين عن جابر قال: لما بويع علي رضي الله عنه خطب الناس فقام إليه عبد الله بن سبأ فقال له: (( أنت دابة الأرض، فقال له: اتق الله، فقال له: (( أنت الملك )) ، فقال: (( اتق الله، فقال له: (( أنت خلقت الخلق وبسطت الرزق، فأمر بقتله فاجتمعت الرافضة فقالت: ادعه وانفه إلى ساباط المدائن فإنك إن قتلته بالمدينة - يعني الكوفة - خرج أصحابه علينا وشيعته. 

فتقاه إلى ساباط المدائن فثم القرامطة والرافضة - أي كانت بعد ذلك ويجهود ابن سبا مركزا يجتمعون فيه قال - أي جابر - ثم قامت إليه طائفة وهم السبئية وكانوا أحد عشر رجلا 

فقال: (( ارجعوا فإني علي بن أبي طالب مشهور وأمي مشهورة وأنا ابن عم محمد صلي 

الله عليه وسلم. 

1 - انظر تاريخ دمشق.

 

فقالوا: الا نرجع دع داعيك،، فأحرقهم في النار وقبورهم في صحراء أحد عشر مشهورة. 

فقال: (( من بقي من الم يكشف راسه منهم علينا أنه إلها، واحتجوا بقول ابن عباس لا يعذب بالنار إلا خالقها. 

وكان من أتباع عبدالله بن سبا رجل يقال له رشيد الهجري صرح بمعتقده أمام عامر الشعبي قال الشعبي: دخلت عليه يوما فقال: خرجت حاجا فقلت: لأعهدن بأمير المؤمنين عهدا فأتيت بيت علي عليه السلام فقلت لإنسان: (( استأذن لي على أمير المؤمنين). | 

قال: (( أوليس قد مات؟ "قلت: (( قد مات فيكم والله إنه ليتنفس الآن تنفس الحي" فقال: (( أما إذ عرفت سر آل محمد فادخل ". 

قال: (( فدخلت على أمير المؤمنين وأنباني بأشياء تكون"  فقال له الشعبي: (( إن كنت كاذبا فلعنك الله"

وبلغ الخبر زيادا فبعث إلى رشيد الهجري فقطع لسانه وصلبه على باب دار عمرو بن حريک (1) . 

وكذلك ذكر الحافظ الذهبي هذا الخبر في تذكرة الحفاظ: (( فقلت لإنسان: (( استأذن لي على سيد المرسلين )) ، فقال: (( هو نائم وهو يظن أني أعني الحسن )) ، فقلت: الست أعني الحسن إنها أعني أمير المؤمنين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين )) ، قال: (( أوليس قد مات؟ فقلت: (( أما والله إنه ليتنفس الآن بنفس حي ويعرف من الدثار الثقيل. 

ولذلك كان عامر الشعبي يقول: (( ما كذب على أحد في هذه الأمة ما كذب على عليه رضي الله عنه 

1 - انظر المجروحين لابن السبتي.

 

ورشيد هذا قال عنه ابن حبان: كان يؤمن بالرجعة. (1) . 

وتصدى أهل بيت النبوة لعبد الله بن سبا کا تصدى له أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فكذبوه وتبرؤوا من مقالاته وضلاله. فقد روى الكشي بسنده عن محمد بن قولويه قال حدثني سعد بن عبد الله قال: حدثنا يعقوب بن يزيد ومحمد بن عيسي عن علي بن مهزيار عن فضالة بن أيوب الأزدي عن أبان بن عثمان قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: العن الله عبد الله بن سبأ إنه ادعى الربوبية في أمير المؤمنين وكان والله أمير المؤمنين عبد الله طائعا، الويل لمن كذب علينا وإن قوما يقولون فينا ما لا نقول في أنفسنا نبرأ إلى الله منهم، (2) 

وروى الكشي بسنده أيضا عن هشام بن سالم عن أبي حمزة الثمالي قال قال علي بن الحسين: (( لعن الله من كذب علينا إني ذكرت عبد الله بن سبأ فقامت كل شعرة في جسدي لقد ادعى أمرا عظيما ماله لعنه الله كان على عبدالله صالحا، أخا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما نال الكرامة من الله إلا بطاعته لله ولرسوله، وما نال رسول الله صلى الله عليه وسلم الكرامة إلا بطاعة اللها. حرق علي رضي الله أتباع ابن سبا 

وقد جاء ذكر حرقه لبعض أتباع ابن سبا لادعائهم أنه إله ففي صحيح البخاري في کتاب الجهاد، باب لا يعذب بعذاب الله بسنده إلى عكرمة أن عليا رضي الله عنه حرف قوما فبلغ ابن عباس فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( لا تعذبوا بعذاب الله، ولقتلتهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (( من بدل دينه فاقتلوها. 

وروى البخاري في صحيحه في كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم بسنده إلى عكرمة نحوه وفيه قال: (( أتي على رضي الله عنه بزنادقة فأحرقهما. 

1 - تذكرة الحفاظ

2 - 2 - انظر رجال الكشي

 

ورواه كذلك أبو داود في سننه في كتاب الحدود / باب الحكم فيمن ارتد الحديث الأول بسنده إلى عكرمة بقلظ آخر وفي آخره فبلغ ذلك عليا فقال: أويح ابن عباس "ورواه كذلك النسائي في سننه نحوه، ورواه الترمذي في الجامع في كتاب الحدود / باب ما جاء في المرتد وفي آخره، فبلغ ذلك عليا فقال: (( صدق ابن عباس، قال أبو عيسى: هذا حديث صحيح حسن، والعمل على هذا عند أهل العلم في المرتد. 

وأيضا روى البخاري أيضا في صحيحه في كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم بسنده إلى عكرمة نحوه، وفيه قال: (( أتي علي رضي الله عنه بزنادقة فأحرقهما. 

وروى الطبراني في المعجم الأوسط من طريق سويد بن غفلة (( أن عليا بلغه أن قوما ارتدوا عن الإسلام فبعث إليهم فأطعمهم ثم دعاهم إلى الإسلام فأبوا، فحفر حفيرة ثم أتي بهم فضرب أعناقهم ورماهم فيها ثم ألقي عليهم الحطب فأحرقهم ثم قال: اصدق الله ورسوله ... 

وجاء في فتح الباري في شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني: 

وفي حديث أبي طاهر المخلص من طريق عبد الله بن شريك العامري عن أبيه قال: قيل لعلي: (( إن هنا قوما على باب المسجد يدعون أنك ريهم" فدعاهم فقال لهم: (( ويلکم ما تقولون؟ قالوا: (( أنت ربنا وخالقنا ورازقنا ))  ، فقال: (( ويلکم إنها أنا عبد مثلكم آكل الطعام کا تاكلون وأشرب کا تشربون، إن أطعت الله أثابني إن شاء وإن عصيته خشيت أن يعذبني فاتقوا الله وارجعواه فأبوا، فلما كان الغد غدوا عليه فجاء قنبر (غلام علي) فقال: (( قد والله رجعوا يقولون ذلك الكلام،، فقال: (( أدخلهم، فقالوا كذلك فلما كان الثالث قال: الئن قلتم ذلك لأقتلنكم بأخبث قتلة، فأبوا إلا ذلك، فقال: (( يا قنبر التني بفعلة معهم مرورهم فخذ لهم أخدودا بين باب المسجد والقصرا، وقال: (( احفروا فأبعدوا في الأرض " وجاء بالحطب فطرحه بالنار في الأخدود وقال: (( إني طارحكم فيها أو ترجعواء، فأبوا أن يرجعوا فقلف بهم حتى إذا احترقوا قال:

إني إذا رأيت أمرا منكرا 
... 
أوقدت نار? ودعوت قنبرا
 

وقال ابن حجر: هذا سند حسن. 

إضافة إلى هذه الروايات، فقد روى الكليني في كتابه الكافي - الذي بمنزلة صحيح البخاري عند الشيعة - روي في كتاب الحدود في باب المرتده من طريقين عن أبي عبد الله أنه قال: أتي قوم أمير المؤمنين عليه السلام قالوا: (( السلام عليك يا ربنا "فاستتابهم فلم يتوبوا فحفر لهم حفيرة وأيت فيها نارا وحفر حفيرة أخرى إلى جانبها وأفضى ما بينهما فلما لم يتوبوا ألتهم في الحفيرة وأوقد في الحفيرة الأخرى نارا حتى ماتواه. 

وأخرج ابن أبي شيبة من طريق قتادة (أن عليا أتي بناس من الزط يعبدون وثنا فأحرقهم) وحكم ابن حجر على هذا الحديث بالانقطاع ثم قال: فإن ثبت حمل على قصة أخرى، قد أخرج ابن أبي شيبة أيضا من طريق أيوب بن النعمان أنه قال: (( شهدت عليا في الرحبة فجاءه رجل فقال: (( إن هنا أهل بيت لهم وثن في دار يعبدونه )) فقام يمشي إلى الدار فأخرجوا بمثال رجل قال فألهب عليهم الدار. 

وروى الكشي في كتابه معرفة أخبار الرجال بعد ترجمة عبد الله بن سبأ تحت عنوان في سبعين رجلا من الزط الذين ادعوا الربوبية في أمير المؤمنين عليه السلام ، بسنده إلى. أبي جعفر أنه قال: (( إن عليا عليه السلام لما فرغ من قتال أهل البصرة أتاه سبعون رجلا من الزط فسلموا عليه وكلموه بلسانهم فرد عليهم بلسانهم، وقال لهم: (( إني لست کا قلتم أنا عبد الله مخلوق )) . 

قال: فأبوا عليه وقالوا له: (( أنت أنت هوه." 

فقال لهم: (( لئن لم ترجعوا عما قلتم في وتتوبوا إلى الله تعالى لأقتلنكم )) ، قال: فأبوا أن يرجعوا أو يتوبوا، فأمر أن يحفر لهم آبار فحفرت ثم خرق بعضها إلى بعض ثم قذفهم فيها ثم طم رؤوسها ثم ألهب النار في بئر منها ليس فيها أحد فدخل الدخان عليهم فماتوا. . 

ذكر ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: (( وروى أبو العباس أحمد بن عبيد بن عمار 

153 

 

الثقفي عن محمد بن سليمان بن حبيب المصيصي المعروف بنوين. 

وروي أيضا عن علي بن محمد النوفلي عن مشيخته (أن عليا عليه السلام مر بقوم وهم يأكلون في شهر رمضان نهارا فقال: (( أسفر أم مرضي )) ، قالوا: (( لا ولا واحدة منه )) .. 

قال: (( فمن أهل الكتاب أنتم فتعصمكم الذمة والجزية )) . 

قالوا: (( لا )) ، قال: فما بال الأكل في نهار رمضان، فقاموا إليه فقالوا: (( أنت أنت يومئون إلى ربوبيته، فنزل عليه السلام عن فرسه فوق خده بالأرض. 

وقال: (( ويلكم إنها أنا عبد من عبيد الله فاتقوا الله والرجعوا إلى الإسلام، فأبوا فدعاهم مرارا فأقاموا على كفرهم، فنهض إليهم وقال: (( شدوهم ثاقا وعلي بالفعلة والنار والحطب )) ثم أمر بحفر بئرين فحفر تا فجعل إحداهما سربا والأخر مكشوفة وألقى الحطب في المكشوفة وفتح بينهما فتحا وألقي النار في الحطب فدخن عليهم وجعل يهتف بهم ويناشدهم ليرجعوا إلى الإسلام، فأبوا، فأمر بالخطب والنار فألقي عليهم فأحرقوا. فقال الشاعر: 

لترم في المنية حيث شاءت 
... 
إذا لم ترمني في الحفرتين
إذا ماحشنا حطبا بنار 
... 
فذاك الموت نقدا غير دين

فلم يبرح عليه السلام حتى صاروا حما. 

قال النوبختي في كتابه الشيعة في ترجمة ابن سبأ: (( وكان ممن أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم، وقال إن عليا عليه السلام أمره بذلك، فأخذه على فسأله عن قوله هذا فأقر به، فأمر بقتله، فصاح الناس عليه يا أمير المؤمنين أتقتل رجلا يدعو إلى حبكم أهل البيت وإلى ولايتك، والبراءة من أعدائك "فصبره إلى المدائن )) . 

ووجد عبد الله بن سبأ بعد نفيه مكانا مناسبا لبث أفكاره وضلالاته بعد أن ابتعد من سيف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فأخذ ينظم أتباعه وينشر أفكاره بين جيش الإمام المرابط في المدائن، ولما جهرم خبر استشهاد علي رضي الله عنه ك به، هو وأصحابه، يقول 

54 

 

زحر: (( بعثني علي على أربعمائة من أهل العراق وأمرنا أن نتزل المدائن رابطة، قال: والله إنا لجلوس عند غروب الشمس على الطريق إذا جاءنا رجل قد أعرق دابته قال فقلنا: امن أين أقبلت؟ )) قال: (( من الكوفة )) . 

فقلنا: امتي خرجت؟ )) قال: (( اليوم )) ، قلنا: (( في الخبر؟. 

قال: اخرج أمير المؤمنين إلى الصلاة صلاة الفجر فابتدره ابن بجرة وابن ملجم فضربه أحدهما ضربة إن الرجل ليعيش مما هو أشد منها، ويموت مما هو أهون منها. 

قال: اثم ذهبا فقال عبد الله بن وهب السبائي ورفع يده إلى السماء: (( الله أكبر، الله أكبر، قال: قلت له: (( ما شأنك؟ )) قال: (( لو أخبرنا هذا أنه نظر إلى دماغه قد خرج عرفت أن أمير المؤمنين لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه، وفي رواية الجاحظ في البيان والتبيين: (( لو جئتمونا بدماغه في مائة صرة لعلمنا أنه لا يموت حتى يذودكم 

بعصاه (1) 

قال عبد الجبار الهمداني المعتزلي في تثبيت دلائل النبوة عند كلامه عن موقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه من ابن سبأ والسبئية: (( و استتابهم أمير المؤمنين فيا تابوا فأحرقهم، وكانوا نفرا يسيرا، ونفى عبد الله بن سبأ عن الكوفة إلى المدائن، فلم قتل أمير المؤمنين عليه السلام قيل لابن سبأ: (( قد قتل ومات و دفن، فأين ما كنت تقول من مصيره إلى الشام؟ )) فقال: اسمعته يقول: لا أموت حتى أركل برجلي من رحاب الكوفة فأستخرج منها السلاح وأصير إلى دمشق فأهدم مسجدها حجرا حجرا، و أفعل وأفعل فلو جئتمونا بدماغه مسرودا لما صدقنا أنه قد مات. | 

ولما افتضح بهت، وادعي على أمير المؤمنين ما لم يقله، والشيعة الذين يقولون بقوله الآن بالكوفة كثير، وفي سوادها والعراق كله يقولون: (( أمير المؤمنين كان راضيا يقوله ويقول الذين حرقهم، وإنما أحرقهم لأنهم أظهروا السر، ثم أحياهم بعد ذلك )) ، قالوا: اوالا فقولوا لنا لم يحرق عبد الله بن سبأ؟ قلنا: عبد الله ما أقر عنده بما أقر أولئك، وإنما اتهمه فنفاه، ولو حرقه لما نقع ذلك معكم شيئا، ولقلتم إنها حرقه لأنه أظهر السره. 

أ- أنظر البيان والتبيان - للحافظ.

155 

 

موقف أتباع عبد الله بن سبأ لما سمعوا بمقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب: 

أما أتباع ابن سبأ فلم يكتفوا بالتكذيب بل ذهبوا إلى الكوفة معلنين ضلالات معلمهم وقائدهم اين سبأ. 

فقد روى سعد بن عبد الله القمي صاحب المقالات و الفرق وهو ثقة عند القوم: (( أن السبئية قالوا للذي نعاه: (( كذيت يا عدو الله لو جئتنا - والله - بدماغه ضربة فأقمت على قتله سبعين عدلا ما صدقناك ولعلمنا أنه لم يمت ولم يقتل وإنه لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه ويملك الأرض )) . 

ثم مضوا من يومهم حتى أناخوا بباب علي فاستأذنوا عليه استئذان الواثق بحياته الطامع في الوصول إليه، فقال لهم من حضره من أهله وأصحابه وولده: اسبحان الله، ما علمتم أن أمير المؤمنين قد استشهد؟ )) قالوا: (( إنا لنعلم أنه لم يقتل ولا يموت حتى يسوق العرب بسيفه كما قادهم بحجته وبرهانه وإنه ليسمع النجوي ويعرف تحت الدثار القيل ويلمع في الظلام کا يلمع السيف الصقيل الحسام). 4 - 

 

ادعاؤهم بنبوة الإمام علي رضي الله عنه

 

وادعى السبئية وزعموا أن عليا شريك النبي صلى الله عليه وسلم في النيوة، فلما مات ورث عليا النبوة فكان الوحي يأتيه بالرسالة ذكر ذلك عنهم الملطي في كتابه التنبيه والرد. 

ونقل البغدادي عن ابن سبأ زعمه أن عليا كان نبيا (1) 

وذكرنا أن عبد الله بن سبأ كان أول من أظهر الطعن في أبي بكر وعمر وعثمان، والصحابة وتبرأ منهم. (2) 

وهذا قالت السبئية من بعده ففي الطبقات لابن سعد أن رجلا كان يأتي إبراهيم النخعي فيتعلم منه، فيسمع قوما يذكرون أمر على وعثمان فقال: أنا أتعلم من هذا 

1 - الفرق بين الفرق للبغدادي

2 - المقالات و الفرق للقمني وفرق الشيعة للنوبختي

 

الرجل وأرى الناس مختلفين في أمر علي وعثمان فسأل إبراهيم النخعي عن ذلك فقال: ما أنا بسباي ولا مرجئ 

وذكر أيضا أن رجلا قال لإبراهيم: علي أحب إلي من أبي بكر وعمر فقال له إبراهيم، أما أن عليا لو سمع كلامك لأوجع ظهرك، إذا كنتم تجالسوننا بهذا فلا تجالسونا 

وذكر ابن حجر أن سويد بن غفلة دخل على علي في إمارته فقال: إني مررت بتفر يذكرون أبا بكر وعمر، يرون أنك تضمر لهما مثل ذلك، منهم عبدالله بن سبا - وهو أول من أظهر ذلك - فقال علي: ما لي ولهذا الخبيث الأسود، ثم قال: معاذ الله أن أضمر لهما إلا الحسن الجميل، ثم أرسل إلى ابن سبا فسيره إلى المدائن، ونهض إلى المنبر حتى إذا اجتمع الناس اثني عليها خيرة، ثم قال: ألا ولا يبلغني عن أحد يفضلني عليها إلا جلدته حد المفتري. (1) 

وقال ابن تيمية في الفتاوى: إنه روى عن علي بأسانيد جيدة أنه قال: لا أوتي بأحد يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حذ المفتري، وقد طلب ابن سبأ لما بلغه عنه ذلك اليقتله فهرب منه 

وفي الصواعق المحرقة لابن حجر الهيتمي أن السبئية كانوا يسبون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قليلا وينسبونهم إلى الكفر والنفاق ويتبرأون منهم، ولذا سموا أيضا بالتبرئية. 

ويروى عن قتادة أنه كان إذا قرأ هذه الآية هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ [آل عمران: 7) 

قال: (( إن لم يكونوا الحرورية والسبئية فلا أدري من هم؟! (2) 

وكان يقول: 1 ... والله إن اليهودية لبدعة، وإن النصرانية لبدعة، وإن الحرورية البدعة، وأن السبئية لبدعة، ما نزل بهن كتاب ولا سنهن نبي )) . (3) 

1 - لسان الميزان لابن حجر

2 - . 2 - تفسير الطبري

3 - . 3 - تفسير الطبري. ويقصد اليهودية والنصرانية المبتدعتين

15 

 

 

5 - ادعاؤهم بالحلول والتناسخ

 

وكانت السبئية نؤمن وتعتقد في الحلول والتناسخ، ففي كتاب الفرق بين الفرق (( أما السيئية فإنها دخلت في جمل الحلولية لقولها بأن عليا صار إلها بحلول روح الإله فيها. 

ولما قتل علي - رضي الله عنه - زعم عبدالله بن سبأ أنه لم يمت، وأن فيه الجزء الإلهي. كما كان يزعم أن روح الله حل فيه. 

وكان فيهم من يزعم أن روح القدس كانت في النبي صلى الله عليه وسلم، كما كانت في عيسى، ثم انتقلت إلى علي ثم الحسن ثم إلى الحسين، ثم كذلك في الأئمة )) . (1) | 

وذكر الشيخ أبو زهرة: من السبئية من كان يقول: إن الإله حل في علي، ومنهم من يقول: إن الإله قد تجسد فيه. (2) 

وذكر ابن سعد في طبقاته أنه بعد موت على قيل لابنه الحسن: إن ناس من شيعة أبي الحسين (علي) يزعمون أنه دابة الأرض، وأنه سيبعث قبل يوم القيامة، فقال: كذبواء ليس أولئك شيعته أولئك أعداؤه، لو علمنا ذلك ما قسمنا ميراثه ولا أنكحنا نساءه. 

جاء في رسالة الإرجاء للحسن بن محمد ابن الحنفية عن عقيدة السبئية: 

او من خصومه هذه السبئية التي أدركنا، إذ يقولون هدينا لوحي ضل عنه الناس وعلم خفي، ويزعمون أن نبي الله كم تسعة أعشار القرآن، ولو كان نبي الله كانما شيئا مما أنزل الله لكتم شأن امرأة زيد (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ3 [الأحزاب: 37) ] ، وقوله تعالى: يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التحريم: 1] . 

1 - مظهر بن طاهر القدسي: البدء و التاريخ

2 - 2 - المذاهب الإسلامية، أبو زهرة

 

- ابن سبا أول من نادي بمبدأ الرفض

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوي: وقد ذكر أهل العلم أن مبدأ الرفض إنا كان من الزنديق عبدالله بن سبأن فإنه أظهر الإسلام وأبطن اليهودية وطلب أن يفسد الإسلام کا فعل بولص النصراني في إفساد دين النصاري. 

وقال أيضا: (( إن الذي ابتدع الرفض كان يهوديا أظهر الإسلام نفاقا، ودس إلى الجهال دسائس يقدح بها من أصل الإيمان، ولهذا كان الرفض أعظم أبواب النفاق والزندقة. 

وقال: وأصل الرفض من المنافقين الزنادقة فإنه ابتدعه ابن سبا الزنديق، وأظهر الغلو في علي رضي الله عنه بدعوى الإمامة والنص عليه، وادعى العصمة له ولهذا لما كان من مبدأه النفاق قال بعض السلف: حب أبي بكر وعمر إيان و بغضها نفاق وحب بني هاشم إيران وبغضهم نفاق. (1) 

وكذلك قال ابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية: إن أصل الرفض إنا أحدثه منافق زنديق قصد دين الإسلام والقدح في رسول الله صلى الله عليه وسلم کا ذکر العلماء، فإن عبدالله بن سبأ لما أظهر الإسلام أراد أن يفسد دين الإسلام يمكره وخبثه، کا فعل بولص بدين النصرانية، فأظهر التنسك ثم أظهر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى سعى في فتنة عشان وقتله. 

ومن المعلوم أن الإمام علي رضي الله عنه علم بغلو اين سبأ وناقشه و نفاه إلى المدائن وهناك اختفى. 

وقد ذكر الشهرستاني في الملل والنحل أن ابن سبأ أول من أظهر القول بالنص في إمامة علي رضي الله عنه ومنه تشعب أصناف الغلاة .. 

ويقول عن السيئية: وهم أول من قال بالتوقف والغيبة والرجعة وقالت بتناسخ جزء الإلهي في الأئمة بعد علي رضي الله عنه 

وكذلك ذكر المقريزي في خطله من أن ابن سبأ أحدث في زمن علي رضي الله عنه 

1 - اغتادي لابن تيمية

 

القول بوصية الرسول صلى الله عليه وسلم لعلي، وأحدث القول برجعته بعد موته إلى الحياة الدنيا 

وکيا دلت كتب السنة والشيعة على أن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية بواسطة عبدالله بن سباء کا ذکرت کتب المستشرقين، فيقول المستشرق الألماني يوليوس فلهاوزن ومنشأ السيلية يرجع إلى زمان علي والحسن وتنسب إلى عبد الله بن سبأ وكما يتضح من اسمه الغريب فإنه كان أيضا يمنيا، والواقع أنه من العاصمة صنعاء، ويقال أيضا إنه كان يهوديا، وهذا يقود إلى القول بأصل يهودي لفرقة السينية، والمسلمون يطلقون اليهودي على ما ليس في الواقع. (1) 

أما المستشرق المجري أجناس جولدتسيهر، فهو يرى أن فكرة المهدي وعقيدة الرجعة عند الرافضة قد تأثرت بالديانة اليهودية والنصرانية، وأن الغلو في علي إنها صاغه عبدالله اين سبأ اليهودي، فيقول: إن الفكرة المهدية التي أدت إلى نظرية الإمامة والتي تجلت معالمها في الاعتقاد بالرجعة ينبغي أن نرجعها كلها - كما رأينا - إلى المؤثرات اليهودية والمسيحية، كما أن الإغراق في تأليه على الذي صاغه في مبدأ الأمر عبد الله بن سيا، حدث ذلك في بيئة سامية عذراء لم تكن قد تسربت إليها بعد الأفكار الآرية. (2) 

1 - انظر الخوارج والشيعة

2 - . 2 - انظر العقيدة والشريعة في الإسلام.

 

 

عقيدة السبئية هي عقيدة المسيح الدجال

 

عبدالله بن سبأ ورجالاته وأتباعه هم أتباع ورجالات الدجال، فأهم من يميز عقيدة الدجال في السرية والخفاء والغموض، فيظل مكان تواجده سا، مختفيا عن الأنظار لا يعرفه ولا يتصل به إلا القليل من البشر من المتنورين، وهو رجل متلون يظهر أول الأمر الإسلام ثم يدعي النبوة ثم الألوهية، فالمسيح الدجال من بني آدم دلت الأحاديث الصحيحة أنه لا يولد له ولد وهو متجول في الأرض، من المنظرين وهو أعور العين وعينه اليمنى عوراء جاحظة لا تخفي كأنها نخامة في حائط مجصص وعينه اليسرى كأنها کوکب دري معه من كل لسان ومعه صورة الجنة و صورة النار، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم صفاته تلك في أحاديث كثيرة. (1) ذكر ابن كثير رحمه الله في تفسير القرآن قول النبي صلى الله عليه وسلم 

إني خاتم ألف نبي أو أكثر وما بعث نبي يتبع إلا وقد حذر أمته منه - أي الدجال - وإني قد بين لي ما لم يبين لأحد وأنه أعور وأن ربكم ليس بأعور وعينه اليمني حوراء جاحظة لا تخفي كأنها نخامة في حائط مجصص وعينه اليسرى كأنها كوكب دري، معه من كل لسان ومعه صورة الجنة خضراء يجري فيها الماء و صورة التار سوداء تدخن. 

ومكان خروجه آخر الزمان من جهة المشرق وتحديد جهة المشرق جاءت بها الأحاديث أيضا وهي أرض الفتن وما زالت تعج بها مثل أرض العراق وأرض أفغانستان، وقد جاءت الأحاديث أنه يخرج من أصفهان و من خلة بين الشام والعراق وأيضا من الكوفة ومن خراسان وهذه الأماكن تعج بأتباع الدجال من السبئية قديمة 

وحديثاء 

والأهم أن الدجال لا يخرج إلا وقد ذهل الناس عنه، كما قال صلى الله عليه وسلم 

1 - يمكن الرجوع إليها في كتابتا عشرة ينتظرها العالم، ففيه المزيد والمفيد عن ذلك، الناشر دار الكتاب

العربي 

 

لايخرج الدجال حتى يذهل الناس عن ذكره، وحتى تترك الأئمة ذكره على المنابر،. (1) 

وقال أيضا: (( إنه يخرج من خلة بين الشام والعراق فيعيث يمينا وشما، يا عباد الله أيها الناس فاثبتواه. (2) 

والأحاديث كثيرة في ذلك وكلها تعني أن خروجات الدجال كثيرة ومتعددة ولهذا ظن البعض أنه يخرج باشكال وشخصيات مختلفة على مر التاريخ البشري. 

ونحن نرى أن عبدالله بن سبأ أحد الدجاجلة الصغار أتباع الدجال، ولهذا سار على نهجه وعقيدته فقد ادعى الإسلام في بداية ظهوره ثم أعلن إيمانه بعقيدة الرجعة والوصية وادعى النبوة واختفى في نهاية الأمر لا يعرف ما مصيره، فهو غامض منذ البداية غموض الدجال ورجالاته المقربون الذين يظهرون على فترات متفاوتة من الزمان. 

فقد أسس ابن سبأ حركة وصياغة فكرية أحدثت انقسامات في الدولة الإسلامية وأسست فرقة ومعتقدات مختلفة هدفها إثارت الفتن وإحداث الاضطرابات وكان هدفها الأول شغل المسلمين عن الجهاد في سبيل الله وإفساد عقيدتهم حيث إن الكثير من زعماء السبئية ادعوا النبوة والألوهية وكان هدفهم الخفي السري هو الدعوة والتمهيد لخروج المسيح الدجال، ولهذا فقد أنكر المحدثون من الكتاب المسلمين والمستشرقين اخفاء أمر عبدالله بن سبأ وإنكار وجوده وقالوا إنه شخصية وهمية. 

والدجال كما هو معروف مخرج عقب فتن متتالية يضعها رجالاته تمهيدا لخروجه آخرها فتنة الدهيماء وهي التي يتمنى الناس فيها خروج الدجال من شدتها. 

عن عمير بن هاني العنسي قال: سمعت عبدالله بن عمر يقول: كنا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم قعود، فذكر الفتن فأكثر ذكرها في ذكر فتنة الأحلام فقال قائل: يا رسول الله، وما فتنة الأحلام؟ 

قال: هي فتنة هرب وحرب، ثم فتنة السراء دخلها أو دخنها من تحت قدمي رجل 

1 - انظر نهاية البداية والنهاية لابن كثير

2 - 2 - صحيح الجامع للألباني -

 

من أهل بيتي يزعم أنه مني وليس مني، إنما أوليائي المتقون، ثم يصطلح الناس على رجل گوزك على ضلع، ثم فتنة الدهيماء لا تدع أحدا من هذه الأمة إلا لطمته لطمة فإذا قيل انقطعت تمادت يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي کافر حتى يصير الناس إلى فسطاطين فسطاط ايمان لانفاق فيه وفسطاط نفاق لا إيران فيه إذا كان ذالکم فانتظروا الدجال من اليوم أو غد. (1) 

وفي تلك الفتنة الدهماء التي هي الغوغاء وهي ثورات بلا قيادة ولا إمام، وفي هذه الحالة يتمنى الناس خروج الدجال لقيادتهم. 

قال صلى الله عليه وسلم (( ليأتين على أمتي زمان ينسون فيه الدجال، قلت: يا رسول الله بأبي وأمي، مم ذاك. 

قال: ما يلقون من العناء أو الغناء )) . (2) 

ولاشك أننا في عالمنا العربي نعيش فتنة الدهيماء وهي تلك الثورات الشعبية التي ليس لها إمام أو قائد وقد ضج الناس بما خلفته من فوضى وأزمات اقتصادية. 

1 مسند الإمام أحمد. 2 - انظر السلسلة الصحيحة للألباني. 

 

 

أهم رجالات السبئية

 

1 - عمير بن ضابي الحارثي.

2 - 2 - المغيرة بن سعيد.

3 - 2 - كنانة بن بشر التجيبي.

4 - 4 - رشيد الهجري.

5 - أبو النصر محمد السائب الكلبي.

5 - جابر بن يزيد الجعفي. .

7 - المختار بن أبي عبيد الثقفي.

8 - بيان بن سمعان وجماعته.

9 عبدالله بن عمرو بن حرب وجماعته. 

10 عبدالله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر وجماعته. 

165 

 

أهم رجالات السبئية الكل طائفة أو جماعة أنصار وأتباع ورجالات، ولأتباع عبدالله بن سبأ الذين عرفوا بالسبئية رجالات حملوا فكره الفاسد الذي ينم عن روح شيطانية قد اقترن به فادعي الإلهية لغير الله وكذب على الله ورسوله إلى غير ذلك من الضلالات الكفرية التي ذكرها المؤرخون من أهل السنة والشيعة كما ذكرنا. 

وكل من يدعو بدعوة السبئية القدامى فهو منهم، وما زالت تظهر منهم جماعات وأفراد على مر الزمان. 

ومن أهم رجالات السبئية في عصر ابن سبأ: 

1 - عمير بن ضابي الحارثي

ذكر المالقي في التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عشان سبب انضمام عمير بن ضابي للسبئية فقال: فكذلك صار عمير بن ضابئ سبئية، والسبئية قوم يسبون عثمان رضي رضي الله عنه وينسبون إلى عبدالله بن سبأ. 

وذكر الزركلي في الأعلام أن عمير بن ضابي البرجمي الحنظلي من نيم ساعر ومن سكان الكوفة. . 

وكان سبب انضمام عمير بن ضابئ إلى السبئية هو أن الخليفة عثمان رضي عنه قد سجن أبيه ضابي بن الحارث حتى مات في السجن، فكان انضمامه إليهم للانتقام من الخليفة. (1) 

وذكر الطبري في تاريخه أن عمير كان أحد النفر الذين أمر الخليفة عثمان رضي الله عنه بتسييرهم من الكوفة وإلحاقهم إلى الشام عند معاوية نتيجة لما أحدثوه مع والي الكوفة سعيد بن العاص من فتنة، أدت إلى أن أهل الكوفة يكتبون إلى الخليفة في أمرهم، ولم يجد عثمان با من تفهم إلى معاوية بن أبي سفيان والي الشام وكتب له: إن أهل الكوفة قد 

1 - انظر تاريخ الطبري والكامل لابن الأثير.

 

أخرجوا إليك نفر خلقوا للفتنة، فرعهم وقم عليهم، فإن آنست منهم رشد فاقبل منهم وإن أعيوك فارددهم عليهم .... 

وقد شارك عمير بن ضايي في قتل الخليفة عثمان رضي الله عنه فقد روى أنه ركب هو وزميله في السينية كميل بن زياد إلى المدينة القتل عثمان لكنه نكل عنه وجسر صاحبه کا ذكر ذلك الطبري في تاريخه. 

وذكر الطبري أيضا في خبر آخر أن عمير أقبل على عثمان بعدما قتل وهو موضوع على باب، فنزا عليه وكسر ضلع من أضلاعه وهو يقول: سجنت ضابئا - بقصد والده - حتى مات في السجن. 

وكان مقتل عمير بن ضابى على يد الحجاج بن يوسف الثقفي والي العراق في عهد الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان، فقد ذكر الطبري أن الحجاج حين قدم الكوفة واليا خطب الناس فهدد وتوعد وأمرهم أن يلحقوا بجيش المهلب، الذي كان قد بعثه لقتال الخوارج، فلما كان اليوم الثالث قام إليه عمير بن ضايع فقال: أصلح الله الأمير أنا في هذا البعث وأنا شيخ كبير عليل، وهذا بني وهو أشب مني. 

قال له الحجاج: ومن أنت؟ قال: عمير بن ضابي التميمي. قال: أسمعت كلامنا بالأمس؟ 

قال: نعم. 

قال: ألست الذي غزا أمير المؤمنين عثمان؟ قال: بلى. . قال الحجاج له: وما حملك على ذلك؟ قال: كان حبس أبي وكأن شيخا كبيرة. قال: أوليس يقول:| 

هممت ولم أفعل وكدت وليتني تركت على عثمان تبک? حلائله 

168 

 

إني لأحسب في قتلك صلاح المصريين، قم إليه يا حرمي فاضرب عنقه. فقام إليه رجل فضرب عنقه و أنهب ماله. وقال إن اين سعيد قال للحجاج الثقفي: أتعرف هذا؟ قال الحجاج: لا. قال: هذا أحد قتلة عثمان. فقال الحجاج: يا عدو الله أفلا إلى أمير المؤمنين بعثت بديلا. ثم أمر بضرب عنقه وكان مقتله عام 85 ه 

2 - المغيرة بن سعيد |

من غلاة السبئية الكبار قال عنه الذهبي في تذكرة الحفاظ: هو عبدالله المغيرة بن سعيد البجلي الكوفي، كان يعتقد بألوهية علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقد سأله الأعمش: أكان علي يحيي الموتى؟ 

فقال: أي والذي نفسي بيده لو شاء أحيا عادا وثمود. وذكر ابن حبان في كتابه المجروحين أن الأعمش قال: 

بلغني عن المغيرة بن سعيد وما يقول، فأتيته فقلت له: أكان علي بن أبي طالب يقدر أن يحي إنسانة. 

فقال: والذي خلق الحبة وبرأ النسمة لقد كان قادرا على أن يحيي ما بينك وبيني إلى آدم. وكان المغيرة مع ادعائه الإلهية لعلي بن أبي طالب كان يسب ويشتم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويلعنهم ويكفرهم. 

فقد ذكر الشهرستاني في الملل والنحل وابن حزم في الفصل في الفرق غلو المغيرة في الإمام علي وادعاءه الإلهية فيه وكذلك سبه للصحابة وأنه إذا مر على أبي بكر وعمر بلعنها. (عياذ بالله) 

وكان المغيرة يضع الحديث النبوي، وقد ذكره ابن حبان في كتابه المجروحين. 

 

ووضعه ضمن الزنادقة الذين يعتقدون الزندقة والكفر ولا يؤمنون بالله واليوم الأخر كانوا يدخلون المدن ويتشبهون بأهل العلم ويضعون الحديث على العلماء 

ومن آثاره خلف فرقة نسبت إليه عرفوا باسم (( المغيرية )) قالوا بنبوته و كان لهم عدد ضخم بالكوفة كما ذكرهم ابن حزم في الفصل بين الفرق.| 

ومن أقوال المغيرة كما جاء في الملل والنحل للشهرستاني أنه قال في قوله تعالى: كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ: 16] إن الآية نزلت في عمر بن الخطاب رضي الله عنه 

وذكر الزركلي في الأعلام أن المغيرة كان يقول بتأليه الإمام علي رضي الله عنه وتكفير أبي بكر وعمر وسائر الصحابة إلا من ثبت مع الإمام علي رضي الله عنه 

وكان يقول في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَتذكرون النحل: 90 نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين، فقال إن الله يأمر بالعدل يقصد: علي، والإحسان يقصد فاطمة وإيتاء ذي القربي: الحسن والحسين. (1) 

وقال عنه ابن عدي: لم يكن بالكوفة ألعن من المغيرة بن سعيد فيما يروى عنه الزور عن علي، هو دائم الكذب على أهل البيت ولا أعرف له حديثة مسندة. (2) 

وكان مهلکه وقتله عام 119 ها على يد الوالي خالد بن عبدالله القسري کا ذکر الطبري في تاريخه، وذكروا أيضا أن خالدة طلب المغيرة وحرقه بالنار. 

وقد ذكر ابن عبد ربه في العقد الفريد أن المغيرة بن سعد من السبئية الذي أحرقهم علي رضي الله عنه تعالى بالنار ... وخرج خالد بن عبدالله القسري فقتله خالد وصلبه بواسط (مدينة بالعراق) . 

والمغيرة بن سعد غير المغيرة بن سعيد فهما شخصان وليسا شخصا واحدا والله أعلم 

1 - انظر کتاب ميزان الاعتدال

2 - 2 - انظر ميزان الاعتدال

170 

 

3 - كنانة بن بشر التجيبي

كان كنانة من مصر أحد رجال ابن سبأ فيها، بل كان أحد الأمراء على الفرق الأربع التي خرجت من مصر في شوال سنة 35 للزحف على المدينة المنورة لمحاصرة عثمان 

وكان كنانة أحد قتلة عثمان رضي الله عنه فقد كان من الذين اقتحموادار عثمان وبيده شعلة نار وتبعه الموتورون بالشعل النارية حتى اشتعل الخشب وعثمان يقول: ما بعد الحريق شيء. (1) 

وهكذا كان كنانة من قتلة عثمان المباشرين حتى قال عبدالرحمن بن الحارث: الذي قتل الخليفة كنانة بن بشر بن عتاب التجيبي. 

وفي عام 34 ه قبض معاوية بن أبي سفيان على كنانة بن بشر في مصر وسجنه مع من سجن بفلسطين فهربوا من السجن فأدركهم والي فلسطين فقتلهم ومعهم كنانة بن 

بشر. 

4 - رشيد الهجري

ممثل الشعبي: أتعرف رشيد الهجري؟ قال: نعم. 

وذكر من خبره أنه حدث عن نفسه فقال: استأذنت على سيد المسلمين - يقصد علا رضي الله عنه - فقيل له هو نائم والمجيب يظن أن السؤال عن الحسن بن علي، فقال رشيد: لست أعني الحسن، إنها أعني أمير المؤمنين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين. 

وكان ذلك بعد موت الإمام علي رضي الله عنه، فقيل له: أو ليس قد مات؟ فقال: أما والله إنه الآن ليتنفس بنفس حي، ويعرف من الدثار الثقيل. فقيل له: أما إذا عرفت سر آل محمد فادخل وسلم عليه واخرج. 

1 - تاريخ الطبري

 

قال: فدخلت على أمير المؤمنين فأنبأني بأشياء تكون. (1) وذكر الذهبي في ميزان الاعتدال قول الجوزجاني في رشيد: إنه كذاب غير ثقة. وقال ابن معين: رشيد الهجري عن أبيه ليس برشيد ولا أبوه وليس بشيء. (2) 

وذكر صاحب مسائل الإمامة أنه روي عن رشيد الهجري أنه دخل على علي رضي الله عنه بعد موته وهو مسجي فسلم وقال لأصحابه: إنه ليفهم الآن الكلام ويرد السلام ويتنفس نفس الحي ويعرق تحت الدار الوثير وأنه الإمام الذي يملأ الأرض عدلا وقسط کا ملئت جور و ظلما. 

وذكر الطبري في تاريخه عن حبيب بن صهبان قال: سمعت عليا على المنبر يقول: دابة الأرض تأكل بفيها وتحدث بإستها. فقال رشيد الهجري: أشهد أنك تلك الدابة. - فقال له علي رضي الله عنه قولا شديدة. | وقال ابن حبان عن رشيد: کان رشيد يؤمن بالرجعة (3) - 

 

أبو النضر محمد بن السائب الكلبي

 

ولد بالكوفة وبها مات عام 146 ه لقبه الكلبي نسبه إلى كلب بن وبرة من قضاعة وقد حضر واقعة دير الجماجم مع ابن الأشعث. 

قال عنه ابن حبان في المجروحين: وكان الكلبي سبئية من أصحاب عبدالله بن سبأ. وقال صاحب وفيات الأعيان: وكان الكلبي المذكور من أصحاب عبدالله بن سبا 

وقد اعترف الكلبي وأقر بأنه سبني وذلك فيما رواه عنه يزيد بن زريع. رأيت الكلبي يضرب صدره ويقول: أنا سبني، أنا سبئي. (4) 

1 - تذكرة الحفاظ - الذهبي

2 - 2 - المجروحين لابن حبان

3 - 3 - انظر المجروحين لابن حبان

4 - 4 - انظر تهذيب التهذيب،

172 

 

قال معتمر بن سلميان عن أبيه: كان بالكوفة كذابان أحداهما الكلبي. (1) 

وقال ابن الجوزي في الموضوعات: وكان من كبار الكذابين وهب بن وهب القاضي ومحمد بن السائب الكلبي. 

وكانت أكاذيب الكلبي و موضوعاته في الحديث وأيضا في تفسيره للقرآن فله تفسير يعرف به (( جامع البيان )) . (2) 

ويستند الأكاذيبه ويبررها لقول الإمام أحمد: ثلاثة كتب ليس لها أصول: المغازي والملاحم والتفسير 

قفسر هذا القول بأنه محمول على كتب مخصوصة في تلك المعاني الثلاثة فملأ كتابه بالأكاذيب. 

وسئل الإمام أحمد بن حنبل: أيحل النظر في تفسير الكلبي؟ قال: لا. وكان يقول: تفسير الكلبي من أوله إلى آخره كذب. 

وكان الكلبي يقول: كان جبريل يملي الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم فلما ذهل النبي صلى الله عليه وسلم يملي على علي. (3) 

وقال أبو إسحاق النظام: لا تسترسلوا إلى كثير من المفسرين وإن نصبوا أنفسهم للعامة، وأجابوا في كل مسألة، فإن كثير منهم يقول بغير رواية على غير أساس، وكلي كان المفسر أقرب عندهم كان أحب إليهم، وليكن عندكم عكرمة والكلبي، والسدي، والضحاك ومقاتل بن سليمان و أبو بكر بن الأصم في سبيل واحدة فكيف أثق بتفسيرهم وأسكن إلى صوابهم. (4) 

1 - انظر التهذيب

2 - . 2 - انظر الفتاوي لابن تيمية ومعجم الأدباء لياقوت الحموي

3 - 3 - ميزان الاعتدال

4 - 4 - انظر حياة الحيوان للجاحظ

 

فأبو إسحاق يشير إلى ضعف الكلبي وأمثاله الذين ذكرهم وأنه لا يثق بتفسيرهم الضعف روايتهم. 

وذكره صاحب تذكرة الموضوعات في الوضاعين الكذابين. 

وذكره محمد طاهر علي في كتابه قانون الموضوعات والضعفاء الكلبي في عداد الواضعين والكذابين. 

وقال الثوري: اتقوا الكلبي، فقيل له: فإنك تروي عنه. قال أنا أعرف صدقه من كذبه. (1) وقال أبو حاتم عن الكلبي: مذهبه في الدين ووضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفه، 

وقد روى البخاري عن سفيان الثوري قال: قال لي الكلبي: كل من حدثتك عن أبي صالح فهو كذب. (2) 

- جابر بن يزيد بن الحارث الجعفي الكوفي

ذكره ابن حبان في عداد السبئية فقال: كان جابر سبيا من أصحاب عبدالله بن سبا وكان يقول: إن عليا يرجع إلى الدنيا 

وروى ابن عيينة أن جابر الجعفي كأن يقول: علي رضي الله عنه داية الأرض. وقد أورد مسلم في صحيحه أكثر من رواية تؤكد عقيدة الرجعة عند جابر الجعفي. 

فالجعفي كان يعتقد بالرجعة والوصية وهي من أهم عقائد السبئية وكان يسب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ويقول عنه الإمام أبو حنيفة: ما لقيت فيمن لقيت أكذب من جابر الجعفي، ما أتيته بشيء قط من رأي إلا جاء فيه بحديث رغم أن عنده كذا وكذا ألف حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينطق بها. (3) 

1 - ميزان الاعتدال

2 - 2 - ميزان الاعتدال

3 - 3 - المجروحين لابن حبان

 

ومما يؤكد عقيدة الرجعة عند الجعفي ما روي أنه سئل عن قوله تعالى: فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ )) [يوسف: 80] ، قال لم يجيء تأويلها بعد! وهو بهذا يشير إلى عقيدة الرجعة، وأن عليا في السماء لايخرج مع من يخرج من ولده، حتى ينادي مناد من السماء: أخرجوا مع فلان، حتى قال سفيان بن عيينة - وهو يسوق هذا التأويل عن الجعفي - كان يؤمن بالرجعة، لا ترووا عنه كذبا، بل كانوا أخوة يوسف. (1) 

ولهذا ذكره الإمام مسلم - رحمه الله - في مقدمة صحيحه في باب (( الكشف عن معايب رواة الحديث )) ، ثم ساق الخبر بسنده إلى الجراح بن مليح قال: سمعت جابرة يقول عندي سبعون ألف حديث عن جعفر الباقر عن النبي صلى الله عليه وسلم كلها. 

ويقول سلام بن أبي مطيع: جابر الجعفي يقول عندي خمسون ألف حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (شرح النووي لصحيح مسلم) . 

ويقول ابن سعد: كان يدلس وكان ضعيفا في رأيه ورؤيته (2) وهذا كله قال النسائي وغيره: متروك، لا يكتب حديثه ولا كرامة، وقال بعضهم: كنت إذا مررت بجابر الجعفي سألت ربي العافية. (3) 

توفي الجعفي سنة 128 ه على ما ذكره ابن حبان وذكر الذهبي أنه مات سنة 197 ه أما ابن حجر فقال أن وفاته سنة 127 ه. وقيل سنة 132 ه. والله أعلم، فهكذا أصحاب ابن سبأ المخلصون أتباع الدجال حياتهم ووفاتهم الغامضة غموض الدجال. 

7 - المختار بن أبي عبيد الثقفي الكذاب مدعي النبوة (1 ه - 97ھ)

ولد المختار الثقفي في السنة الأولى للهجرة النبوية، وقد أسلم أبوه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وانتقل معه للعيش في المدينة المنورة في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب 

1 - ميزان الاعتدال ج 382/ 1، التهذيب ج 49

2 2 - تهذيب التهذيب لابن حجر 

3 - ميزان الاعتدال، مصدر سابق?

175 

 

رضي الله عنه، وكان المختار يبلغ من العمر ثلاث عشرة سنة. 

عرف عنه منذ الصغر حبه للفروسية والقتال وقد ورث ذلك عن أبيه الذي كان شارك في معركة الجسر وكان أحد قوادها وكان المختار متغلبا سياسيا، في إحداث الفتنة بين علي رضي الله عنه ومعارضيه كان معارضة لعلي رضي الله عنه في الكوفة ثم بعد مقتل الحسين رضي الله عنه أصبح من محبي آل البيت ورفع شعار يالثارات الحسين )) وخطط الإقامة دولة علوية في العراق. 

بايع المختار الثقفي الحسن بن علي بالخلافة بعد مقتل أمير المؤمنين علي رضي الله عنه عام 40 ه کا فعل أهل العراق. ثم خرج بالناس حتى نزل المدائن، ثم نفر الناس عن الحسن، وانقلبوا عليه ونهبوا سرادقه حتى نازعوه بساطا كان تحته وخرج الحسن حتى نزل المقصورة البيضاء بالمدائن. 

وكان عم المختار عاملا على المدائن واسمه سعد بن مسعود، ويروى أن المختار قال العمه اهل لك في الغني والشرف؟ )) قال: (( وما ذاك؟ )) قال: (( توثق الحسن، وتستأمن به إلى معاوية، فقال له سعد: (( عليك لعنة الله، أثب على ابن بنت رسول الله فأوثقه! بئس الرجل أنت. 

في عام 60 ه، وقعت معركة كربلاء التي قتل فيها الحسين بن علي وجمع من أصحابه وأهل بيته رضي الله عنهم وكان الحسين قد أرسل ابن عمه مسلم بن عقيل إلى الكوفة قبل أن يتوجه إليها لأخذ البيعة من أهلها، فأسكنه المختار داره وأكرمه. كان والي الكوفة حينئذ النعمان بن بشير الأنصاري أبو زوجة المختار عمرة، فعزله يزيد بن معاوية وولى عبيد الله بن زياد على الكوفة، فقتل مسلم بن عقيل، وكان يلاحق محيي علي بن أبي طالب، ومن بايع مسلم بن عقيل. وعندما بلغه أن المختار يقول لأقومن بنصرة مسلم ولأخذن بثاره، قبض عليه وضرب عينه بقضيب کان بيده فشترها و أمر بسجنه، وحبسه حتى مقتل الحسين بن علي. ثم بعث المختار إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب يسأله أن يشفع فيه، وقد كان ابن عمر زوج أخت المختار صفيه بنت أبي عبيد، فكتب ابن عمر إلى 

 

يزيد بن معاوية يشفع فيه، فأرسل يزيد إلى ابن زياد يأمره بإطلاقه فأطلقه. وقال له إن وجدتك بعد ثلاثة أيام بالكوفة ضربت عنقك. 

 

رفع المختار لواء الثأر من قتلة الحسين رضي الله عنه

 

توجه المختار إلى الحجاز وهو يتوعد بقطع أنامل عبيد الله بن زياد، وأن يقتل بالحسين ابن علي بعدد من قتل بدم بحيي بن زکريا، فبايع عبد الله بن الزبير وأصبح من كبار الأمراء عنده، ولما حاصره الحصين بن نمير مع أهل الشام، دافع المختار عن ابن الزبير بأشد القتال وأبلي أحسن بلاء، وكان أشد الناس على أهل الشام. 

وكان أهل الكوفة قد اجتمعوا على طاعة ابن الزبير، وكان المختار قد اشترط في بيعته لابن الزبير أن يوليه العراق، ولكنه ما لبث أن نكث بيعته لابن الزبير، وعاد إلى الكوفة. وفي الطريق كان لا يمر على مجلس إلا وسلم على أهله، وقال أبشروا بالنصرة والفلج أتاكم ما تحبون، وبايعه عبيدة بن عمرو البدئي من كندة وإسماعيل بن كثير والتف حول شيعته آل البيت. 

وهكذا تحول المختار من معارضي الإمام علي رضي الله عنه إلى المطالب بأخذ الثأر من قتلة الحسين بن علي رضي الله عنها، وتلك من سمات شخصيات أتباع المسيح الدجال مثل بولس الذي كان من ألد أعداء المسيح ثم تزعم المؤمنين بالمسيح عليه السلام 

ولي عبد الله بن الزبير إبراهيم بن محمد بن طلحة وعبد الله بن يزيد الخطمي على الكوفة، فقاما بسجن المختار، حتى لا يشارك جيش التوابين الذي كانوا تحت قيادة سليمان بن صرد الخزاعي، وكان المختار يقول في السجن (( أما ورب البحار والنخيل والأشجار والمهامة و القفار والملائكة الأبرار والمصطفين الأخيار، لأقتلن كل جبار بكل الدن خطار ومهند بتار بجموع الأنصار ليس بمثل أغار ولا بعزل أشرار حتى إذا أقمت 

عمود الدين، وزايلت شعب صدع المسلمين، وشفيت غليل صدور المؤمنين و أدرکت ثار النبيين، لم يكبر على زوال الدنيا، ولم أحفل بالموت إذا أنتيه. 

وبعد مقتل سليمان بن د وجمع من جيش التوابين عاد من بقي منهم إلى الكوفة، 

177 

 

كتب إليهم المختار من الحبس يثني عليهم ويمنيهم الظفر، ويعرفهم أنه هو الذي أمره ابن الحنفية بطلب ثأر الحسين بن علي، فقرأ كتابه رفاعة بن شداد والمثني بن خربة العبدي ومعد بن حذيفة بن اليمان ويزيد بن أنس وأحمر بن شميط الأحمسي وعبد الله بن شداد البجلي وعبد الله بن کامل، فلما قرأوا كتابه بعثوا إليه ابن كامل يقولون له: (( إنا بحيث يسرك، فإن شئت أن نأتيك ونخرجك من الحيس فعلنا )) . فأتاه فأخبره فسر بذلك وقال لهم إني أخرج في أيامي هذه. 

وكتب المختار إلى عبد الله بن عمر ليشفع له عند عبد الله بن الزبير، ويخرجه من السجن ففعل فأمر ابن الزبير بإخراج المختار من سجن الكوفة، ثم ولى ابن الزبير عبدالله اين المطيع على الكوفة، وجعل الأخير على شرطته إياس بن أبي مضارب العجلي 

وأراد ابن مطيع أن يودع المختار في السجن، فأرسل زائدة بن قدامة ليأتي به، وكان زائدة ابن عم المختار وبين للمختار ما يريده اين مطيع، فتظاهر المختار بالمرض، ولم يذهب إلى ابن مطيع. وفيما بعد توجه عبد الرحمن بن شريح وسعيد بن منقذ الثوري وسعر بن أبي الحنفي والأسود بن جراد الكندي و قدامة بن مالك الجشمي إلى محمد اين الحنفية، ليعلموه أن المختار قد أدعى أنه موکل من قبله بالثأر لدماء أخيه الحسين ابن علي. 

وعندما وصلوا اليه أعلموه حال المختار وما دعاهم إليه واستأذنوه في اتباعه، فقال لهم (( وأما ما ذكرتم ممن دعاكم إلى الطلب بدمائنا، فوالله لوددت أن الله انتصر لنا من عدونا بمن شاء من خلقه، ولو كره لقال لا تفعلوا. 

وبعد هذه الحادثة بايع المختار جمع كبير من الشيعة، ثم بايعه إبراهيم بن الأشتر النخعي، وكان معروفا بالشجاعة. وبعدها اجتمع رأي أصحاب المختار على أن يخرجوا ليلة الخميس لأربع عشرة من ربيع الأول سنة ست وستين للهجرة، فكان ذلك، وارتفع شعار المختار (( يالثارات الحسين في أنحاء الكوفة، وأخرج عامل ابن الزبير عبد الله ابن مطيع من الكوفة، وتولى الحكم فيها. | 

 

كان المختار يطالب بدم الحسين بن علي ورفع شعار يالثارات الحسين وكان موكلا من محمد بن علي بن أبي طالب المعروف بابن الحنفية فقتل أغلبية من شارك في قتال الحسين ابن علي بن أبي طالب، وعلى رأسهم عمر بن سعد وشمر بن ذي الجوشن وعبيد الله بن زياد و حرملة بن كاهل الأسدي وعبد الرحمن بن سعيد بن قيس الكندي وسنان بن أبي أنس و خولي بن يزيد الأصبحي والحصين بن نمير، فقد تتبعهم المختار وانتقم منهم شر انتقام وقتلهم وأشفي غليل المؤمنين الذين حزنوا على قتل الحسين رضي الله عنه 

 

نهاية المختار

 

بعد مبايعة عبدالله بن الزبير بالخلافة عام 17 هولى عبدالله بن الزبير أخوه مصعب ابن الزبير على العراق، بعد أن عزل الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي عن ولايتها، وطلب منه أن لا يبقى للمختار وأصحابه باقية في العراق. وقد كان كل من كان المختار بطلبه قد فر من الكوفة إلى البصرة، وأرسل مصعب بن الزبير في طلب المهلب ابن أبي صفرة، فاستجاب المهلب لذلك، وجاء إلى البصرة في جيش كبير لمساندة جيش مصعب المتوجه لقتال المختار في الكوفة. 

أما المختار فقد أرسل جيشا بقيادة أحمر بن شميط، وجعل على ميمنته عبد الله بن کامل الشاكري وعلى ميسرته عبد الله بن وهب الجشمي وعلى الخيل وزير بن عبد الله السلولي وعلى الموالي كيان أبو عمرة وعلى الرجالة كثير بن إسماعيل الكندي. 

وسار جيش أحمر بن شميط حتى ورد المذار قرب الكوفة، وعسکر جيش مصعب ابن الزبير بالقرب منها، فالتقى الجيشان فيها. وفي اليوم الأول من القتال، قتل کيان أبو عمرة ومعه جمع كبير من الموالي، بعدما أمرهم أحمر بن شميط بالترجل عن جيادهم، والنزول إلى ساحة المعركة راجلين. فهجمت عليهم خيل جيش مصعب بن الزبير بقيادة عباد بن الحصين، فقتلوا منهم جمعا كبيرا، ثم أمر مصعب بن الزبير بالهجوم على جيش المختار، فهجم جيش مصعب وقتل أحمر بن شميط وعبد الله بن كامل الشاكري. 

وبعد ذلك، سار جيش مصعب بن الزبير إلى الكوفة لقتال المختار، فحوصر المختار 

199 

 

في قصره لأربعة أشهر، ثم أراد من أصحابه أن يخرجوا للقتال معه خارج أسوار القصر، فرفضوا. لم يعد أمام المختار من خيار سوى الخروج من القصر المقاتلة محاصريه، فاغتسل وتحنط ثم وضع الطيب على رأسه ولحيته وخرج في تسعة عشر رجلا للقتال، كان منهم السائب بن مالك الأشعري، فقاتل حتى قتل، وقد قتله أخوان يدعى أحدهما طرفة والآخر طراقا ابنا عبد الله بن دجاجة من بني حنيفة، ثم قطعت كفه وسمرت بمسار إلى جانب المسجد، وقطع رأسه، وقد كان مقتله في 14 رمضان سنة 97 ه 

عقيدة المختار الثقفي 

عن رفاعة القتباني قال: دخلت على المختار فألقى لي وسادة وقال: لولا أن أخي جبريل، قام عن هذه لألقيتها لك، وحينما قيل لابن عمر رضي الله عنه أن المختار يزعم أن الوحي يأتيه قال: صدق، قال تعالى: وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ [الأنعام: 121). (1) 

وكان عكرمة رضي الله عنه، يعرض بدعوى المختار للوحي فيقول: قدمت على المختار فأكرمني وأنزلني عنده وكان يتعاهد مبيتي بالليل، قال: فقال لي: اخرج فحدث الناس، قال: فخرجت فجاء رجل فقال: ما تقول في الوحي؟ فقلت الوحي وحيان قال الله تعالى: بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ [يوسف: 3]  وقال تعالى: (كَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا الأنعام: 112]، قال: فهموا أن يأخذوني فقلت: ما لكم وذاك! إني مفتيکم و ضيفكم فتركوني؟)

فادعاء المختار الثقفي للنبوة نابع من شخصيته المتقلبة واعتقاده معتقد السبئية التي هي عقيدة المسيح الدجال وكانت طائفة السبئية وراء ادعائه النبوة حينما قالوا له: (( أنت حج هذا الزمان، وحملوه على دعوى النبوة فادعاها عند خواصه، وزعم أن الوحي يتزل 

عليه (3) | 

1 - البداية والنهاية لابن كثير.

2 - البداية والنهاية لابن كثير

3 - الفرق بين الفرق للبغدادي

180 

 

أضف إلى ذلك كونه تبنى عقيدة البداءة التي ترجع في أصولها إلى (( ابن سبأ و السيئية. (1) 

وقد قال المختار بالبداء حينها انهزم أمام جيش امصعب بن الزبير، فقال له أتباعه ألم تكن قد وعدتنا بالنصر؟ فقال: إن الله وعدني بالنصر لكنه بدا له!! وقرأ قوله تعالى: 

يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد: 39) (2) حتى قال ابن الأثير: افقيل إن المختار أول من قال بالبداء )) . (3) 

وللمختار أتباع يقال لهم: (( الكيسانية، وعنهم قال ابن قتيبة: الكيسانية من الرافضة هم أصحاب المختار بن أبي عبيد. (4) وهذه الفرقة وإن كانت تقول بإمامة محمد ابن الحنفية الذي كان يدعو له المختار والقول بجواز البداء على الله. (5) 

ونظر لعقيدة المختار وافتراءاته وأباطيله أمر الخليفة عبدالله بن الزبير أخاه مصعب بقتاله كما ذكرنا. ومن أباطيل المختار وافتراءاته قوله: 

إنه لم يكن في الأمم الخالية أمر إلا وهو كائن في هذه الأمة مثله، وإنه كان في بني إسرائيل التابوت فيه بقية مما ترك آل موسى وآل هارون، وإن هذا يعني الكرسي) فينا مثل التابوت، اکشفوا عنه فكشفوا عنه أثوابه، وقامت السبئية فرفعوا أيديهم وكبروا ثلاثا، فقام شبث بن ربعي وقال: يا معشر مضر لا تكفر، فنحوه فذبوه وصدوه وأخرجوه ... وفي ذلك قال الشاعر: 

شهدت عليكم أنكم سبئية 
... 
وأني بكم يا شرطة الشرك عارف

1 - التنبية و الرد، الملطي

2 - 2 - انظر الفرق بين الفرق، الكامل في التاريخ لابن الأثير

3 - . 3 - الكامل، مصدر سابق

4 - ? 4 - انظر المعارف لابن قتيبة. - الفرق بن الفرق، مصدر سابق

 
وأقسم ماکر سيکم بسكينة 
... 
وإن كان قد لقت عليه اللفائف (1)

المختار الثقفي وأتباعه وجيشه كانوا من السبئية بلا شك و أنهم أتباع المسيح الدجال في الأمة الإسلامية. 

قال أبو حاتم الرازي في كتابه الزينة في الكليات الإسلامية: ا ... ومن السبئية اتشعبت أصناف الغلاة وتفرقوا في المقالات ومنهم أصناف الكيسانية، ومن الغلاة البيانية والنهدية .... 

وقال ابن حزم في الفصل في الملل والنحل: 

وهو يتحدث عن ابن سبأ والسبئية: أو من هذه الأصول الملعونة حدثت الإسماعيلية والقرامطة ... 

والمختار الثقفي هو الكذاب المشار إليه في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، کا روى مسلم في صحيحه بسنده عن أبي نوفل قال رأيت عبد الله بن الزبير على عقبة المدينة قال فجعلت قريش تمر عليه والناس حتى مر عليه عبد الله بن عمر فوقف عليه فقال السلام عليك أبا خبيب السلام عليك أبا خبيب السلام عليك أبا خيب أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا أما والله إن كنت ما علمت صواما قواما وصولا للرحم أما والله لأمة أنت أشرها الأمة خير ثم نفذ عبد الله بن عمر فبلغ الحجاج موقف عبد الله وقوله فأرسل إليه فأنزل عن جذعه فألقي في قبور اليهود. 

ثم أرسل إلى أمه أسماء بنت أبي بكر فأبت أن تأتيه فأعاد عليها الرسول لتأتيني أو 

1 - تاريخ الطبري: وقد نقل الطبري عن طفيل بن جعدة بن هبيرة )) قوله: (( أعدمت مرة من الورق فإني

الكذلك إذ خرجت يوما فإذا زيات جاز لي، له کرسي قد ركبه وسخ شديد فخطر على بالي أن لو قلت للمختار في هذا! فرجعت فأرسلت إلى الزيات: أرسل إلي بالكرسي، فأرسل إلي به، فأتيت المختار فقلت: إني كنت أكتمك شيئا لم استحل ذلك، فقد بدا لي أن أذكره لك، قال: وما هو؟ قلت: كرسي كان جعدة بن هبيرة يجلس عليه كأنه يرى أن فيه أثرة من علم، قال: سبحان الله فأخرت هذا إلى اليوم أبعث إليه، قال: وقد غسل و خرج عود نصار وقد تشرب الزيت، فخرج يبيض، فجيء به وقد غشي، فأمر في باثني عشر ألفا، ثم دعا الصلاة جامعةا. 

182 

 

الأبعثن إليك من يسحبك بقرونك قال فأبت وقالت والله لا آتيك حتى نبعث إلي من يسحبني بقروني قال: فقال: أروني سبتي فأخذ نعليه ثم انطلق يتوذف حتى دخل عليها فقال گيف رايتني صنعت بعدو الله قالت رأيتك أفسدت عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك بلغني أنك تقول له يا ابن ذات النطاقين أنا والله ذات النطاقين أما أحدهما فكنت أرفع به طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعام أبي بكر من الدواب وأما الآخر فنطاق المرأة التي لا تستغني عنه أما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن في ثقيف كذابا ومبيرا فأما الكذاب فرأيناه وأما المبير فلا إخالك إلا إياه قال فقام. وقال النووي في شرحه للحديث: 

قولها للحجاج: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن في ثقيف كذابا ومبيرا، فأما الكذاب فرأيناه، وأما المبير فلا إخالك إلا إياه) أما (إخالك) فبفتح الهمزة وكسرها، وهو أشهر، ومعناه أظنك. والمبير المهلك. وقولها في الكذاب: (فرأيناه) تعني به المختار ابن أبي عبيد الثقفي، كان شديد الكذب، ومن أقبحه ادعى أن جبريل صلى الله عليه وسلم يأتيه. واتفق العلماء على أن المراد بالكذاب هنا المختار بن أبي عبيد، وبالمبير الحجاج بن يوسف. والله أعلم. 8 - بيان بن سمعان التميمي وجماعته 

ظهر في العراق في أوائل القرن الثاني الهجري وادعى أول الأمر أن جزءا من الألوهية حل في علي رضي الله عنه ثم في محمد ابن الحنفية ابن الإمام علي من امرأة أخرى غير السيدة فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم ثم انتقل الجزء الإلهي في هاشم بن محمد ابن الحنفية ثم انتقل في (( بيان )) نفسه. 

ثم ادعي بيان بني سمعان النبوة، وقد صار له أتباع و عظم شأن فتنته فقام والي العراق خالد القسري بقتله وصلبه. 

وفرقته تسمى بالبيانية وهم الغلاة الخارجون على الإسلام وقد نهجوا نهج ابن سبأ وجماعته حتى إنهم قالوا في بيان بن سمعان إنه كان نبيا و أنه نسخ شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ومنهم من زعم أنه إله ومنهم من قال إن روح الإله تناسخت في الأنبياء 

183 

 

والأئمة حتى صارت إلى أبي هاشم بن محمد ابن الحنفية ثم انتقلت إلى بيان تفسه فادعي الربوبية على مذهب الحلولية. 

ومن مساخر بيان زعمه أن قوله تعالى: (هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ )) [آل عمران: 138] هو المقصود بقوله هذا ابيانه. وقال: أنا البيان وأنا الهدى والموعظة (1) 

ثم أنه زعم أن الإله الأزلي رجل من نور وأنه يفني کله غير وجهه وتأول على زعمه قوله تعالى: 

كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [القصص:88). وقوله: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ3 [الرحمن: 29 - 

(27 

وكان يدعي أنه يعرف الاسم الأعظم وأنه يهزم به الجيوش، وحين ظفر خالد بن عبدالله القسري حاكم العراق به قال له: إن كنت تهزم الجيوش بالاسم التي تعرفه فاهزم به أعواني عنك!! 

وأمر به فقتل وصلب. 

- عبدالله بن عمرو بن حرب الكندي

وكان على دين البيانية في دعواه أن روح الإله تناسخت في الأنبياء والأئمة إلى أن انتهت إلى أبي هاشم عبدالله بن محمد ابن الحنفية ثم أن تلك الروح انتقلت إلى عبدالله ابن عمرو بن حرب، وتجمع حوله فريق من الغالين آمنوا به وعرفوا بالحربية وهي من الفرق الخارجة عن الإسلام. (2) 10 - عبدالله بن معاوية بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب 

كان قد خرج على الأمويين بالكوفة في عهد مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية 

1 - انظر الفرق بين الفرق، البغدادي،

2 - 2 - المصدر السابق

 

واجتمع حوله خلائق فقاتلهم أمير الكوفة وهزمهم ثم طلبوا الأمان، فساروا إلى المدائن واستولى عبدالله على بلاد العجم وبقى مدة بها حتى قاتله أبو مسلم الخرساني وقتله. 

وأنصار عبدالله بن معاوية هم أتباع المغيرية الذين تبرؤوا من المغيرة بن سعيد بعد قتل محمد بن عبدالله بن الحسن بن علي وخرجوا إلى الكوفة يطلبون إماما فلقيهم عبدالله ابن معاوية فدعاهم إلى نفسه وزعم أنه الإمام ابن علي وأولاده من صلبه فبايعوه على إمامته ورجعوا إلى الكوفة وحكوا لأتباعهم أن عبدالله بن معاوية زعم أنه رب وأن روح الإله كانت في آدم ثم في شيث ابنه ثم دارت في الأنبياء والأئمة حتى انتهت إلى علي ثم أولاده ثم صارت إليه. 

وزعم أن قال لهم: إن العلم ينبت في قلبه كما تنبت الكمأة في العشب. 

وكفرت طائفته بالجنة والنار واستحلوا الخمر والميتة والزنا واللواط وسائر المحرمات وأسقطوا العبادات وقالوا المحرمات المذكورة في القرآن ما هي إلا کنايات عن قوم يجب بعضهم كأبي بكر وعمر وطلحة والزبير وعائشة. (1) نستغفر الله تعالى من قولهم. اور 

ابن قتيبة في المعارف أن عبدالله بن معاوية قد ظهر في فارس وأصفهان في جنده وحين قتله أبو مسلم الخراساني قائد جيوش العباسين أنكر أتباعه قتله وزعموا أنه حي وهذه الفرقة امتداد للسبئية. 

والفرق والجماعات التي انبثقت وخرجت من فكر عبدالله بن سبأ كثيرة جدا قد ذكرها الكثيرون من المؤلفين القدامى أمثال البغدادي والشهرستاني وكل هذه الفرق تدعي النبوة لأصحابها وزعمائها وتدعي الألوهية لهم وللأئمة كما ذكرنا أمثلة منهم ولهذا نكتفي بها سلف ففيه الإفادة 

1 - الصدر السابق

 

، ابن سبا. مؤسس الماسونية في الإسلام 

ضريح المختار بن أبي عبيدة الثقفي بالكوفة 

 

نهاية ابن سبأ الغامضة 

كلمة أخيرة 

 

نهاية ابن سبأ الغامضة كما كانت بدايته و المعلومات عن مولده ونشأته غامضة كانت نهايته غامضة أيضا، فقد قيل إنه أحرق مع من أمر الإمام علي رضي الله عنه بحرقهم من السبئية التي ادعت الألوهية للإمام علي رضي الله عنه ورفضوا أن يعودوا إلى العقيدة الإسلامية الصحيحة، وهذا الرأي لم يلق قبولا ولم يأت بدليل على صحته حتى إن ابن سبأ ظهر في المدائن بعد مقتل الإمام علي رضي الله عنه وادعى أنه لم يمت وإنه سيعود مرة أخرى. 

وخبر إحراق علي رضي الله عنه لطائفة من السبئية ثابت في كتب الصحاح والسنن عند البخاري في صحيحه وأبو داود في سننه والنسائي والترمذي والحاكم وصححه الألباني في صحيح أبي داود 

فقد ذكر الإمام البخاري عن عكرمة مولى ابن عباس قال أتي علي رضي الله عنه بزنادقة فأحرقهم فبلغ ذلك ابن عباس فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم لنهي النبي صلى الله عليه وسلم لا تعذبوا بعذاب الله) ولقتلتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدل دينه فاقتلوه). 

وذكر الجوراني في أحوال الرجال، وابن حجر في الفتح بإسناد حسن: أن السبئية غلت في الكفر، فزعمت أن عليا إله، حتى حرقهم بالنار إنكار عليهم، واستبصارة في أمرهم حين يقول: 

لما رأيت الأمر أمر منكرة 
... 
أججت ناري ودعوت قنبرا (1)

ويقول ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث، وفي المعارف: إن عبد الله بن سبأ ادعي الربوبية لعلي، فأحرق على أصحابه بالنار. 

قال ابن حجر في لسان الميزان: عبد الله بن سبأ من غلاة الزنادقة، ويقول عن طائفته: وله أتباع يقال لهم السبئية، معتقدون الألوهية في علي بن أبي طالب، وقد أحرقهم علي بالنار في خلافته. 

1 - قنبر: غلام علي كرم الله وجهه.

 

ويقول ابن حزم في الفصل في الملل والأهواء والحل: والقسم الثاني من الفرق الغالية الذين يقولون بالإلهية لغير الله عز وجل فأولهم قوم من أصحاب عبد الله بن سبا ... إلى أن قال: فقالوا مشافهة أنت هو، فقال لهم ومن هو؟ قال: أنت الله، فاستعظم الأمر وأمر بنار فأججت وأحرقهم بالنار. 

وأكد الفخر الرازي كغيره من أصحاب المقالات و الفرق خبر إحراق علي لطائفة من السبئية. 

لكن البعض ذكر أن عبدالله بن سبأ قد لاقى نفس مصير أتباعه الذين حرقهم علي رضي الله عنه، فقد فذكر المامقاني في تنقيح المقال: أن عليا حرق عبد الله بن سبأ في جملة سبعين رجلا ادعوا فيه الإلهية والنبوة. 

وقال الذهبي في ميزان الاعتدال: أحسب أن عليها حرقه - يقصد عبد الله بن سبأ - بالنار. وهو هنا لا يجزم بذلك بل وضعه موضع الشك. 

أما الكشي فقد جزم بأن عليا رضي الله عنه قد أحرق عبد الله بن سبأ مع جملة أصحابه، وقد نقل أكثر من رواية تنص على أن عليا حينها بلغه غلو ابن سبأ ودعواه الألوهية فيه، دعاه وسأله فأقر بذلك، وطلب إليه أن يرجع عن ذلك، فأبي فحبسه و استابه ثلاثة أيام فلم يتب فأحرقه بالنار. ذكر الأدلة على كون علي أحرق جماعته، ونفى ابن سبأ إلى سباط بالمدائن: 

ذكر الكثيرون من الذين كتبوا عن ابن سبأ وتاريخ القرن الأول الهجري خبر نفي ابن سبأ فقد ذكر ابن تيمية في منهاج السنة وابن عساكر في تاريخ دمشق والملطي في التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع للملطي: أن عليا حرق جماعة من غلاة الشيعة ونفي بعضهم، ومن المنفيين عبد الله بن سبا 

وذكر البغدادي في الفرق بين الفرق: أن السبئية أظهروا بدعتهم في زمان علي رضي الله عنه فأحر و قوم دهم وتتي ابن سبأ إلى سباط المدائن إذ تهاه ابن عباس رضي الله عنه عن قتله حنينها با يوه غاده فيه و أشار عب )) ينفيه إلى المدائن حتى لا تختلف عليه أصحابه، 

19 

 
 

وجاء في الفرق الإسلامية للكرماني: أن عليا رضي الله عنه لما قتل زعم عبد الله بن سبأ أنه لم يمت وأن فيه الجزء الإلهي. 

ويذكر أبو الحسن الأشعري في مقالات الإسلاميين، عبد الله بن سبأ وطائفته من ضمن أصناف الغلاة، إذ يزعمون أن عليا لم يمت وأنه سيرجع إلى الدنيا فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورة 

وهكذا يظل ابن سبا لغزا مح مختلفة فيه، وهذا ما دعى البعض أنه المسيح الدجال، ولكنه كما نرى أنه أحد أتباع الدجال المقربين مثل ابن صياد اليهودي الذي كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكان من الكهان وقد أسلم بعد ذلك ولكنه اختفى أيضا في بلاد فارس في إحدى الغزوات واختلف الناس حوله فمنهم قال إنه مات ودفن في البقيع ومن قال إنه اختفى في فتوحات المسلمين لبلاد فارس وهو أيضا من أتباع الدجال المخلصين وقد ذكر ابن صياد للصاجبي أبي سعيد الخدري أنه يعلم مكان تواجد المسيح الدجال. 

والسبئية تزعم أن عليا رضي الله عنه هو المهدي المنتظر، وخلاصة القول إن ابن السوداء كان على هذي دين اليهود وأراد أن يفسد على المسلمين دينهم بتأويلاته في علي وأولاده لكي يعتقدوا فيهم ما اعتقدت النصارى في عيسي عليه السلام (1) 

المرفقات

التصنيفات العلمية

أضف تعليقا