تواصل معنا

الرد على زعم اللادينيين أن الإيمان بالله ليس سببا للأخلاق الحميدة (مقالة)

الوصف

فيقول الملاحدة هداهم الله قول المؤمنين أن الناس لا يمكن أن يكونوا خلوقين إلا إن آمنوا بالله و اعتقدوا بوجوده هو اعتقاد سببه الجهل بطبيعة الأخلاق النسبية و تفاوتها بين مجتمع لاخر . و قالوا أيضا أن الأخلاق ليست ثابتة بل هي متحركة و متبدلة متأثرة بمتغيرات الوقت و المكان و المجتمع فلو أن إنسان ما تصرف تصرفا محمودا في شرق الأرض، لا يمكن ضمان هذه المحمودية والأفضلية لنفس العمل فيما لو قام بها الإنسان في غربها، والسبب يعود إلى أن الحكم على الفعل يتغير تبعا للظروف المحيطة بالإنسان

مقالة

إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .
و أشهد أن لا إله إلى الله ، و أن محمدا عبده ورسوله بلغ الرسالة ونصح الأمة و كشف الله به الغمة و جاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين
أما بعد :
فيقول الملاحدة هداهم الله قول المؤمنين أن الناس لا يمكن أن يكونوا خلوقين إلا إن آمنوا بالله و اعتقدوا بوجوده هو اعتقاد سببه الجهل بطبيعة الأخلاق النسبية و تفاوتها بين مجتمع لاخر .
و قالوا أيضا أن الأخلاق ليست ثابتة بل هي متحركة و متبدلة متأثرة بمتغيرات الوقت و المكان و المجتمع فلو أن إنسان ما تصرف تصرفا محمودا في شرق الأرض، لا يمكن ضمان هذه المحمودية والأفضلية لنفس العمل فيما لو قام بها الإنسان في غربها، والسبب يعود إلى أن الحكم على الفعل يتغير تبعا للظروف المحيطة بالإنسان
و يقول بعضهم أن مواجهة شخص ما بأن أخلاقياته غير صحيحة دليل على عدم التسامح .
و يقول بعضهم إذا كانت الغاية من معرفة الدين والتحلي به، التمسك بالأخلاق المثلى، فلتكن دعوتنا إلى هذه الأخلاق مباشرة دون الدعوة إلى الدين و لا حاجة إلى الدين .
و الجواب إن كان هذا الكلام يبدو للبعض مستساغا و مقبولا إلا أنه ضعيف و لا يصمد فإن كانت القيم الأخلاقية التي يحصل عليها المجتمع تحدد قيمتها تبعا للوقت والمكان والمربين الذين ترعرع على أيديهم هذا المجتمع أو الإنسان فهذا ليس دليلا على وجوب أن تكون الأخلاق مختلفة باختلاف الناس و الأزمنة .
و ما يقوم به الناس في الخارج شيء، وما يجب فعله والإلتزام به من قيم ومبادئ يعد شيئا آخر تماما كقيام الناس بالكذب وإجعاله كعرف يمارسه أبناء المجتمع، فلا يمكن تبني الكذب كحقيقة مسلمة لدى هذا المجتمع لنتوصل إلى نتيجة أخلاقية مفادها بأن الكذب صواب .
و المبادئ العامة من قبيل "عدم إيذاء الناس" أو "عليك باحترام الآخرين" أو "كن شجاعا"، كلها مبادئ عامة لا يختلف عليها أحد، ولكن تختلف الأمم في كيفية التعبير عنها ،و اختلاف الأمم بعضها عن البعض الآخر في فهمها و أسلوب التعبير عن هذه المبادئ لا يُخرج المبادئ العامة عن إطلاقها فهذه العموميات تظل تتبناها الإنسانية مهما اختلفت مشاربها، ولكنها تظل تختلف في أساليب العمل فقط مما يجعلنا أن نتوقف عن التصديق بأن الأخلاق نسبية .
و البشر برغم أنهم يختلفون في الجنس و العِرق و اللَّون و الثقافة و اللغة و العقيدة إلا أنهم يتفقون على القيم الخلقية ، فالتصرفات و التعاملات التي تنمُّ عن الصدق و الصراحة أو الكرم والجود أو الأمانة والعدل، أو الرحمة والرأفة أو الشهامة و غير ذلك تُثِير في نفوس مَن يشاهدها أو يسمعُ عنها الإعجابَ بها والتقديرَ والاحترامَ لأصحابها، وهكذا يكون الحال مع سائر الأخلاق الإنسانية .
و رغم أن العديد من الناس لديهم ممارسات أخلاقية مختلفة، إلا أنهم يتشاركون في مباديء أخلاقية عامة مثلا، يتفق مناصري الإجهاض ومعارضيه أن القتل أمر خاطيء، و لكنهم يختلفون حول ما إذا كان الإجهاض يعتبر قتلاً أم لا. لهذا، حتى في هذه الحالة تثبت حقيقة وجود الأخلاقيات العامة المطلقة ، و لا يوجد مجتمع بكامله يمكن أن يرى أن زنا المحارم مسألة عادية و ليس أمرا مشينا ، نعم قد يوجد بعض الأفراد الشواذ الذي يرون أن زنا المحارم مسألة عادية فالعيب في هؤلاء الافراد الشاذين وليس في المجتمع .
و لا يوجد مجتمع في أي وقت و أي زمان يجعل السرقة عملا بطوليا و لا يوجد مجتمع في أي وقت و أي زمان يمتدح الكذب و لا يوجد مجتمع في أي وقت و أي زمان يعظم الخيانة ،و لا يوجد مجتمع في أي وقت و أي زمان يجعل الشاذ الجنسي إنسانا طبيعيا و المشكلة أن الملاحدة يرون جماعة لا أخلاقية في مجتمع فيتوهمون أنها مجتمع أو أنها هي المجتمع و يعممون الحكم على الكل و هذا باطل .و بجعل الأخلاق نسبية يسقط المثل الاعلى و الخير الأقصى و يعتبر الخير ليس من الضرورات العقلية .
و من يدعي أن مواجهة شخص ما بأن أخلاقياته غير صحيحة دليل على عدم التسامح ، و الواجب هو التسامح فالجواب لا يجب التسامح مع الشر مطلقا فهل يمكن أن نتسامح مع وجهة نظر المغتصب بأن النساء ما هي إلا أدوات للإشباع الجنسي ؟
و وجوب التسامح بين الناس يقوم على قانون أخلاقي أننا يجب أن نتعامل دائماً بإنصاف مع الناس ، و ليس من الإنصاف التسامح مع الشر .
و رسوخ القيم الإنسانية و الأخلاق الإنسانية لا يتأتى ما لم تكن مطلقة المعايير فنحن لا نستطيع أن نتصور القيم الأخلاقية متبدلة بتطور حياة الناس و تغيرها فذلك يؤدي الى اهتزاز في سلوك الناس و أخلاقياتهم و كدلك يؤدي الى اهتزاز في منهج الناس التربوي و واقعهم الاجتماعي.
و الخلاصة أن هناك أخلاق إنسانية ، و نسبية الاخلاق التي طرحها الملاحدة مرفوضة لأنها تناقض العقل و الفطرة الإنسانية , فلا يمكن أن يأتي يوم نتصور فيه أن الكذب جميل .
و يتميَّز الإسلام بجملة أخلاق خاصة به ولا تُعرَفُ في غيره، كالإخلاص والورع والتوكل والخشوع والخشية، وما ذاك إلا لأن مثل هذه الأخلاق تنبُع من الإيمان الحق بالله تعالى وتوحيده .
و الإيمان بالله يزيد الأخلاق الإنسانية عمقًا ورسوخًا في الفرد المسلم؛ لأنه إنما يتحلى بها ابتغاءَ وجه الله وطمعًا في مثوبته ورضاه،و اقتداء بالنبي صلى الله عليه و سلم الذي بعث ليتمم مكارم الأخلاق فلا يتساهل المسلم فيها، ولا يتنازل عنها، مهما طال الزمن، ومهما كان الإغراء أو الابتلاء، أما من حُرِمَ هذا الإيمان فإنه يتمسك بالخلق طالما يجني من ورائه ما هو أهمُّ منه في نظره كَكَسْبِ المال أو الشهرة أو الاحترام، فإذا لم يتحقق هذا فإنه لا يتورَّع عن التفريط فيه أو حتى التنكُّر له، وهكذا يظهر الارتباط الوثيق بين الإيمان والأخلاق .
و من يقول إذا كانت الغاية من معرفة الدين و التحلي به ، التمسك بالأخلاق المثل ى، فلتكن دعوتنا إلى هذه الأخلاق مباشرة، ولنختصر الطريق إلى الغاية دون أن نقيم المسافات الطويلة بيننا وبينها. و اختصار الطريق يعني نبذ الدين و عدم الحاجة إليه ، والاستعاضة عن الدين بتدريس الأخلاق مباشرة ، و هذا الكلام دعوة إلى نبذ الأخلاق و القيم الفاضلة ، و إلى التحرر من ضابطها ، و يكذب هذا الكلام تاريخ الإنسانية إذ لم تشهد أمة أو جماعة التزمت القيم الأخلاقية وتقيدت بضوابطها دون الاعتماد على وازع خارجي يقودها إلى ذلك ، و لا يوجد وازع ينجح في حمل الناس على هذا الالتزام ، إلا وازع الإيمان بالله .
و في المجتمعات غير الملتزمة بالدين، يمكن أن يقدم الناس على ارتكاب جميع أنواع الأعمال غير الأخلاقية ، فعلى سبيل المثال، لا يمكن للإنسان المتدين أن يقبل التعامل بالرشوة أو القمار أو أن يحسد أحدا، أو أن يكذب لأنه يعلم أن عليه مراقبة أعماله وتذكر الحساب بعد الموت. ومن جهة أخرى، فإن ّالشخص غير المتدين لا يمنعه شيء عن ارتكاب هذه الأ عمال. إنه ليس كافيا أن يقول الشخص غير المتدين: "أنا لا أؤمن بالله ولكنني لا آخذ رشوة " أو أن يقول :"أنا لا أؤمن بالله ولكنني لا أقامر". والسبب، أنّ الإنسان الملحد الذي لا يخشى الله ولا يستشعر رقابته، ولا يخاف الحساب بعد الموت قد يرتكب أيا من هذه الأفعال عند تغير المواقف أو الأوضاع من حوله . وإذا قال شخص ما : " أنا ملحد ولكنّني لا أزني" فالشخص نفسه قد يرتكب الزنا في مكان يعتبر فيه أمرا عاديا. وممكن للشخص الذي لا يأخذ رشوة أن يقول : "إنّ ابني مريض، وعلى وشك الموت، علي أن أقبل الرشوة " هذا إذا لم يكن في قلبه خوف من الله تعالى. وفي حالة غياب الدين، فإن السرقة نفسها يمكن أن تصبح أمرا مشروعا تحت ظروف معينة. وعلى سبيل المثال، فالناس الذين لا دين لهم يمكن أن لا يعتبروا-حسب رأيهم- أن أخذ المناشف وأدوات الزينة من الفنادق سرقة. ومن ناحية أخرى فإن الشخص المتدين لا يظهر مثل هذا العمل لأنه يخشى الله ولا ينسى أن الله يعلم سره وعلانيته، فالمؤمن يعمل بإخلاص ويتجنب المعاصي، ويمكن لشخص بعيد عن الدين أن يقول : " أنا ملحد ولكنّني أتسامح مع الناس، فأنا لا أشعر برغبة في الانتقام ولا أكره أحدا "، ولكن في يوم ما يمكن أن يحدث شيء ما يجعله يظهر تصرفا غير متوقع منه، كأن يحاول قتل شخص ما أو إيذائه لأنّ الأخلاق التي لديه تتغير بحسب البيئة والظروف التي يوجد فيها. أما الإنسان المؤمن بالله واليوم الآخر فلا يحيد أبدا عن الأخلاق الفاضلة مهما كانت المؤثرات، فأخلاقه غير متقلبة و الخلاصة أن لا أخلاق بغير دين ، و لا دين بغير أخلاق .
هذا والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
كتبه
د/ربيع أحمد

المرفقات

التصنيفات العلمية

أضف تعليقا