تأليف
الوصف
العلمُ مركَّبٌ منَ الحسِّ والعقلِ، فالإنسانُ ليسَ آلةً صماءَ أو آلة تصوير نلتقطُ بها صورًا ثمَّ ننظرُ في شاشتِها، هلْ نرى اللهَ فيها؟ بلِ الإنسانُ يحلِّلُ مدخلاتِ الحِسِّ بعقلِهِ، ويخرجُ بنتائجَ وهذهِ العمليَّةُ تبدأُ منَ اللَّحظاتِ الأولى مِن طفولتِهِ وتَترقّى معَ كِبَرهِ بلْ حتَّى الحيواناتُ تستنتجُ منَ المحسوساتِ وتربِطُ الأثرَ بالمؤثِّرِ فتعلمُ منْ رائحةِ الطَّعامِ أنَّ هناكَ طعامًا وراءَهُ؛ فتبحثُ عنهُ، ومنها ما يقصُّ الأثرَ كالكلبِ؛ فيبحثُ عنْ صاحبِ هذا الأثرِ. إذا رأيتَ تفَّاحةً مَقضومةً عليها آثارُ أسنانِ إنسانٍ علمْتَ أنَّ هناكَ إنسانًا قضمَها، هذا علمٌ، معَ أنَّكَ لم ترَ هذا الإنسانَ. إذا سمعْتَ أُنشودةً بصوتٍ جميلٍ علمْتَ أنَّ هناكَ منْ يُنشدُها، هذا علمٌ، معَ أنَّكَ لم ترَ الَّذي أنشدَها. بلْ هذهِ علومٌ بديهيَّةٌ، ولشدَّةِ بَداهتِها لا يسمّيها النّاسُ علمًا؛ لأنَّ كلمةَ (عِلم) يتبادرُ منها إعمالُ التَّأمُّلِ والتَّحليلِ، وهوَ ما لا تحتاجُهُ في مثلِ هذهِ الأمورِ. (لكلِّ حادثٍ سببٌ): هذا مبدأٌ عقليٌّ فِطريٌّ بَدهِيٌّ، لا يحتاجُ تعليمًا ولا ذكاءً، ونحنُ نعملُ بقانونِ السَّبَبيَّةِ في كلِّ حركاتِنا؛ فنأكلُ لأنَّ الطَّعامَ سببٌ في سدِّ الجوعِ، ونشربُ لأنَّ الماءَ سببٌ في سدِّ العطشِ، ونلجأُ للنَّومِ كسببٍ للرَّاحةِ، ونعملُ كسببٍ لتحصيلِ العَيشِ. بمبدأِ السَّببيَّةِ هذا تعلمُ أنَّ لنفسِكَ، وللكونِ منْ حولِكَ خالقًا مدبِّرًا، أوجدَ الكونَ، هيَّأهُ للحياةِ، أحكمَ تفاصيلَه، ضبطَ قوانينَه، تظهرُ آثارُ قدرتِه في نفسِك، وحركاتِ الموجودات حولك