تأليف
الوصف
يرى البعض أن جذور "الإنسانية" تعود إلى عصر النهضة، وتحديدًا إيطاليا، بينما يوغل آخرون في التاريخ فيصلون إلى الفلاسفة اليونانيين ما قبل أرسطو مثل طاليس Thales of Miletus وصديقه إكسنوفانس Xenophanes of Colophon؛ حيث يرون أنهما أول من حاول أن يشرح مصطلحات العقل البشري بعيدًا عن الأساطير والتقاليد أو المعتقدات؛ ولذا هم يرونهم أول الإنسانيين الإغريق. ويغوص الكثير من الإنسانيين في تاريخ الشعوب ليجدوا دعائم لهم في تاريخ البشرية، فيخرجون بنتائج تقول: إن الديانة الكنفوشية كانت إنسانية، وكذا البوذية، وبعض الديانات الهندية الأخرى.
مقالة
تاريخ "الإنسانية". والركائز التي يقوم عليها "المذهب/ الدين الإنساني".
يرى البعض أن جذور "الإنسانية" تعود إلى عصر النهضة، وتحديدًا إيطاليا، بينما يوغل آخرون في التاريخ فيصلون إلى الفلاسفة اليونانيين ما قبل أرسطو مثل طاليس Thales of Miletus
وصديقه إكسنوفانس Xenophanes of Colophon؛ حيث يرون أنهما أول من حاول أن يشرح مصطلحات العقل البشري بعيدًا عن الأساطير والتقاليد أو المعتقدات؛ ولذا هم يرونهم أول الإنسانيين الإغريق.
ويغوص الكثير من الإنسانيين في تاريخ الشعوب ليجدوا دعائم لهم في تاريخ البشرية، فيخرجون بنتائج تقول: إن الديانة الكنفوشية كانت إنسانية، وكذا البوذية، وبعض الديانات الهندية الأخرى.
إلا أن أكثر تلك المحاولات مكرًا وهشاشة كانت محاولة تأكيدهم على وجود دعائم الإنسانية في العصر الذهبي الإسلامي؛ كالشكوكية والعلمانية، والتحررية..
ويستشهدون على هذا برسالة الهاشمي ابن عم الخليفة المأمون التي يدعو فيها صديقه النصراني إلى الإسلام، فيفسرون بعض التعابير التي وردت فيها على هواهم.
عندما قرأتُ هذا الاستشهاد الذي اقتَبَسته المصادر الأجنبية عن شخص يدعى عماد الدين أحمد، الذي يرى "أن أحد أسباب ازدهار العالم الإسلامي خلال العصور الوسطى كان التركيز المبكر على حرية التعبير، كما لخَّصها الهاشمي ابن عم
الخليفة المأمون في الرسالة التالية إلى "معارض ديني" كان الهاشمي يحاول دعوته بواسطة العقل..."، عدت إلى نص الرسالة وقرأتُها كلها، فلم أقع فيها على أي شيء مما استوحاه هؤلاء، لكن لا عجب، فإن كان القرآن والسنة أصبحا عرضة
لتفاسير الهوى، فلا إشكال في تفسير رسالة وتزوير تاريخ!
والقول الحق في جذور الدين الإنساني يحكيها لنا القرآن الكريم، فيخبرنا أن تأليه الإنسان لنفسه يعود إلى أبعد من الإغريق القدامى، يعود إلى قوم عاد (تقدم الحديث عن ذلك في حلقة سابقة).
في الحقيقة لا يهمنا في بحثنا هذا من تاريخ الحركة إلا بقدر ما يعزز فهمنا للركائز التي قامت عليها هذه الحركة الدينية، والأهداف والنتائج المترتبة عليها، والتي للأسف نراها تنتشر اليوم بين أبناء الأمة انتشار النار في الهشيم بكل معانيها ومفاهيمها مع اختلاف المسميات.
الركائز التي يقوم عليها دين الإنسانية:
عبادة العقل Cult of Reason:
يعود تاريخ ظهور هذا المذهب إلى الثورة الفرنسية، وهو- كما تعرِّفه الويكيبيديا- دين يقوم على تقديس العقل ورفعه إلى درجة إله يُتعبد في محرابه، وضع أسسه خلال الثورة الفرنسية جاك أوبير Jacques Hébert، وبيير غاسبارج
Pierre Gaspard Chaumette وداعموهما.
مع اندلاع الثورة الفرنسية كان الناس متعطشين للخروج من إطار حياة الذل والاضطهاد التي كانت تطوقهم، والتي كانوا يرون أن سببها المَلَكية المدعومة بالكنيسة، ومناخ كهذا كان كفيلًا بتسهيل انتشار المذاهب التحررية اللادينية والتي كان هذا
أحدها، حتى إنه في عام 1793 نجح أتباع هذا المذهب في تحويل كنيسة نوتردام Notre Dame de Paris إلى ما أطلقوا عليه "معبد العقل Temple to Reason"، كما نجحوا في استبدال تماثيل مريم العذراء الموجودة على المذابح
بتماثيل سيدة الحرية Lady Liberty.
لكن هذا "الدين" وجد نهايته عند مقصلة الثورة الفرنسية .. الثورة نفسها التي أمدَّته بالتربة المناسبة لبذر بذوره ورعاية نبتته.. المثل النموذجي للثورات التي تأكل أبناءها.
وهذا هو الحال في كل الثورات التي تقوم على مبادئ "مدنية": الحرية، العدل، المساواة.. لأن كل فريق أو حزب أو طائفة "ثورية" يشترك في هذه الثورة أو تلك، يرى المبادئ من وجهة نظره البشرية الخاصة، ويفهمها حسب توجُّهاته ومنطلقاته
التي يؤمن بها؛ ولذا هو يرى نفسه الوحيد القادر على تطبيق هذه المبادئ "العائمة" التي لا تخضع إلا لمقياس الهوى، وأنه هو فقط الذي يستحق البقاء، ولا حق للمنافسين في هذا "البقاء".
ففي ربيع 1794، واجهت عبادة العقل الرفض الرسمي، عندما أعلن روبسبير Maximilien de Robespierre – سفاح الثورة الفرنسية - الذي كان يقترب من السلطة الدكتاتورية الكاملة في تلك الحقبة، عن تأسيس ديانة دينية جديدة
للجمهورية، وهي "عبادة الكائن الأسمى"؛ فما كان إلا أن أرسل أوبيير، ومومورو، ورونسن، وفينسنت، Hébert, Momoro, Ronsin, Vincent ، وآخرين إلى المقصلة في السنة الثانية (24 مارس 1794)، فكانت ضربة قاصمة
للحركة، توَّجها روبسبير بإعدام القائد الثاني للحركة Pierre Gaspard Chaumette ومن بقي من أتباعهم بعد أيام، فكانت نهاية المذهب، وتوقفت عبادة العقل بشكل فعَّال.
الجدير بالذكر أن روبسبير هذا الذي أرسل معظم قادة الثورة الفرنسية إلى المقصلة، قُتِل في النهاية على يد بعض أبناء الثورة أيضًا برصاصة في جبهته.