تواصل معنا

الحركة النسوية (من المطالب إلى المثالب) (مقالة)

الوصف

المتتبع لسلسلة مطالب الحركة النسوية على اختلاف تياراتها (الليبرالية - الماركسية - الراديكالية)[1]، والأخيرة هي الأكثر خطورةً وتطرُّفًا على المجتمعات، ويمثِّل هذا التيار (منظمة فيمن femen الأوكرانية)، يجد أنها بدأت بالمطالبة بحق التصويت والتعليم المختلط، حتى وصلت إلى حرية الإجهاض والزواج مِن نفس الجنس أو ما يُسمَّى بزواج المثليين، الذي أقرَّتْه بعض الدول الأوربية ووقَّعته أمريكا لاحقًا.

مقالة

ها قد مضى قرنان مِن الزمان، ولا تزال المرأة تَسعى جاهدةً تُنادي بمُساواتها بالرجل وقد تأبَّطت مطالبَها لتُلقي بها على طاولة المؤتَمرات والمنظَّمات والاجتِماعات والاتفاقيات، وهي لم تتعدَّ كونَها دعوات للتحرير أفرزتها الحركات النِّسوية، وتُزايد بها من أجل التغرير بالمرأة وجرِّها لوحل الرذيلة، والتخلِّي عنها لتُواجِه مصيرَها المُظلِم.

وعند النظر إلى تلك الحركات والمنظَّمات النسوية، نجد أنها نابعة من أرضية لا دينيَّة، ووليدة حكومات ومجتمعات غربية لا تَملك أدنى مقوِّمات إنصاف المرأة؛ فالمرأة هناك تُستغلُّ أبشعَ استغلال لتعيش وتعيل نفسها وعائلتها.

أما فكرة تحرير المرأة في العالم العربي، فلم تَبرز إلا من خلال الاستعمار الغربي لدول المنطقة العربية؛ فالمتأمِّل لواقع الشخصيات النسائية اللاتي تبنَّين تلك التوجُّهات، يَجدهنَّ شخصيات تأثَّرت بالمدنية الغربية، فضلاً عن أنهن عِشنَ ظروفًا اجتماعية قاسية، انعكست سلبًا على فكرهنَّ وتوجههنَّ لاحقًا.

والمتتبع لسلسلة مطالب الحركة النسوية على اختلاف تياراتها (الليبرالية - الماركسية - الراديكالية)[1]، والأخيرة هي الأكثر خطورةً وتطرُّفًا على المجتمعات، ويمثِّل هذا التيار (منظمة فيمن femen الأوكرانية)، يجد أنها بدأت بالمطالبة بحق التصويت والتعليم المختلط، حتى وصلت إلى حرية الإجهاض والزواج مِن نفس الجنس أو ما يُسمَّى بزواج المثليين، الذي أقرَّتْه بعض الدول الأوربية ووقَّعته أمريكا لاحقًا.
ولم تقف تلك المطالب عند هذا الحدِّ، فحتى اللغات لم تسلم من محاولة تشويهها والمطالبة بحذف المفردات والضمائر الدالة على الأُنثوية، وتبعتها المنظمات النسوية العربية مُطبَقة الأعين عندما تقدمت هدى شعراوي[2] بطلبها إلى المجمع اللغوي في القاهرة والمجامع العلمية العربية بأن تُحذف نون النسوة من اللغة العربية!

وقد دأبت الحركة على تحقيق مطالبها عبر كافة الوسائل والطرُق الرسمية وغير الرسميَّة، وتوظيف البرامج الإعلامية لتمرير أفكارها إلى جميع شرائح المجتمع، والتظاهُرات العبثية الفوضوية، ورفع الشعارات والصور، وغيره مما يُتعلَّى عن ذكره؛ بُغية تأنيث المجتمعات وتسييد المرأة وتبديل الأدوار، حتى باتت (النسوية) تحت غطاء الديموقراطية فكرًا وفلسفةً يُراد لها أن تمثِّل عقيدة عالمية، ونظامًا اجتماعيًّا لجميع مناحي الحياة.

لقد باتَ الجيل الجديد مِن الشابَّات يَرفض الصورة التقليدية لحياة المرأة، في محاولة يائسة للاستغناء عن الرجل، مما ساهم في انخفاض معدَّلات زواجهنَّ، وبالتالي بدأت المجتمعات تَشيخ شيئًا فشيئًا، وكما هو الحاصل في الاقتصادات التي تتزايد فيها شيخوخة القوى العاملة، تستغل الحكومات الإناث بزيادة مشاركتهنَّ فيها لإعطاء دفعة لنمو اقتصادها، سيما أن الإناث أقلُّ أجورًا[3] وأكبر استهلاكًا مما يتناغم مع مطالب الحركات النسوية ويُحقِّق بعض أهدافها.

ويعلق عالم الاجتماع الأمريكي ديفيد ريسمان قائلاً: "إن المرأة الحديثة المتحرِّرة لا تزال - رغم كل مزاعم هذه الحركة - في حاجة إلى الرجل والعيش في كنفه بالطريقة نفسِها التي كانت جدَّتها تنظر بها إلى تلك العلاقة، وأن الكثير من النساء (النسويات) يتعرَّضْنَ للضغوط النفسية ذاتها التي تتعرَّض لها المرأة التقليدية إذا ظلَّتْ مِن دون زواج وعاشت بمُفرَدها دون تكوين أُسرة".

أما الكاتبة الأمريكية سوزان فالودي، فأعربتْ بقولها: "الرافضون للمطالبة بتحرير المرأة يؤكدون أن هذه المطالب لم تجلب للمرأة - خلال عقود من الزمان - إلا التعاسة والشقاء والأمراض النفسية والفقر وفقدان الخصوبة وانتشار الشذوذ، وأن عودة المرأة للمنزل والتعامل في ضوء طبيعتها هو الكفيل بإنهاء هذه المشكلات". 

وتَزداد المُعارَضة في الغرب للحركات النسوية؛ نتيجةً للتجربة المريرة التي عاشتها المجتمعات الغربية خلال العقود الثلاثة الماضية، والتي أسفرت عن الفساد والعُنْف والانحلال الخُلُقي والجريمة والانتحار، وتفكُّك الأُسَر، وتفشي الطلاق، فعمل المرأة لنفس عدد ساعات الرجل لمدة 10 أو 12 ساعة في اليوم - حسب ما أشارت إليه دراسة بريطانية - تسبَّب في 12 مليون حالة طلاق في العالم، منها 58% في الغرب، التي قلَّل الطلاق وغياب الأب فيها مِن شأن الأبوة، وهكذا فالأطفال الذين عاشوا بلا آباء، أنجَبوا فيما بعد أطفالاً بلا آباء!

وبالفعل بدأت الحركة النسوية في التراجع في بعض الدول؛ فتلك الحركات والمنظمات النسوية نشأت نحوها منظَّمات مناهضة تَحمل تسميات عدَّة، وإن كانت لم تحقِّق إلا القليل مِن النجاح؛ (كمنظَّمة النساء اللاتي ترغبْنَ في أن تكنَّ نساءً في أستراليا، ومنظمة النساء الحقيقيات في كندا، ونساء مِن أجل الحياة في نيوزلندا)[4]، رافضةً للوضع الحالي الذي وصل له تحرير المرأة، ومؤكدةً على ضرورة الاهتمام بالأسرة كنواة لمجتمعات حضارية، بل وبلغ الحال مبلغه إلى أن نشأت منظمات مناهضة تُعنى بحقوق الرجل التي تلاشت خلال الحِقَب الماضية، والتي لم تصل الحركة النسوية إلى مُبتغاها إلا على حساب مكانته وحقوقه، حتى باتت تهدد وجوده وتُحاول إقصاءه بتهميش أدواره.

وقد يغترُّ البعض بمطالب هؤلاء لحقوق المرأة، ولكن عندما يتعلق الأمر بحق المرأة في حريتها في ارتداء الحجاب في الدول الديمقراطية، فإننا نجد هؤلاء ضد هذا النوع من المطالب والوقوف بجانب الحكومات ضدَّهن؛ لتتضح الرؤية أن تلك المطالب هي للتغرير وليس للتحرير، وأن معظم الدعوات - إن لم يكن جميعها - التي يُنادي بها هؤلاء منافية للأخلاق، مُصطدمة بالفِطرة، ومُنسلِخة عن الدين والهُويَّة، وينبغي توعية المجتمعات بها.

 

 

المرفقات

أضف تعليقا