تأليف
الوصف
لنفرض أن لدينا كرة بينغ بونغ (كرة تنس طاولة) نرميها لتضرب بسطح طاولة خشبية. نحن نعرف من حياتنا أن هذه الكرة لن تعبر إلى الطرف الآخر من الطاولة إلّا إذا كسرت الطاولة واخترقتها إلى الطرف الآخر، وستبقى فوق الطاولة ترتد إلى الأعلى. هذا المشهد مختلف إذا كانت كرة تنس الطاولة التي نتكلم عنها هي جسيم أولي أو ذري كالإلكترون، فالإلكترون يملك ما يسمى تابع كثافة احتمالية يسمح له بالعبور عبر أي حاجز صلب أو حاجز طاقة أو أي نوع آخر.
مقالة
الشبهة :
لنفرض أن لدينا كرة بينغ بونغ (كرة تنس طاولة) نرميها لتضرب بسطح طاولة خشبية. نحن نعرف من حياتنا أن هذه الكرة لن تعبر إلى الطرف الآخر من الطاولة إلّا إذا كسرت الطاولة واخترقتها إلى الطرف الآخر، وستبقى فوق الطاولة ترتد إلى الأعلى. هذا المشهد مختلف إذا كانت كرة تنس الطاولة التي نتكلم عنها هي جسيم أولي أو ذري كالإلكترون، فالإلكترون يملك ما يسمى تابع كثافة احتمالية يسمح له بالعبور عبر أي حاجز صلب أو حاجز طاقة أو أي نوع آخر.
فمع أن الإلكترون موضوع فوق الحاجز، فهناك احتمال صغير أن يصبح الإلكترون في الطرف الآخر من الحاجز دون أي سبب على الإطلاق، والسبب الوحيد هو العشوائية التي تعيش فيها الجسيمات الأولية والتي هي نتيجة للطبيعة الموجية للجسيمات الذرية، أي أن الإلكترون يعبر الحاجز وكأن الحاجز غير موجود.
وليس فقط ذلك، فتخيل أنك وضعت تفاحة في علبة زجاجية مغلقة، فهذه التفاحة سبتقى في العلبة ولن تخرج منها إلا إذا أخرجها شخص ما وهذا ما نعرفه نحن بمبدأ السببية، فلكل فعل مسبب، لكن في حالة الجسيمات الأولية هذا غير صحيح، فهناك دوماً احتمال أن يخرج هذا الجسيم من العلبة دون أي سبب على الإطلاق.
هذا الكلام تم إثباته تجريبياً، فقد تم حبس إلكترون فيما يسمى “نقطة كوانتية” أو Quantum Dot، وفيها تمت دراسة خروج الإلكترون من “العلبة” المحبوس بها، وذلك يحدث دون أي سبب!نعم عزيزي القارئ، مبدأ السببية غير مطلق وغير صحيح دوماً، فهناك أشياء في عالمنا تحدث دون أي سبب.,نشوء هذا الكون أيضاً قد يكون قد حدث بدون سبب، فنشوء الكون تتم دراسته في ميكانيك الكم، والذي يدعم ظاهرة النفق والكثير من الظواهر التي تحدث دون سبب. ولذلك نشوء الكون من العدم فكرة مقبولة علمياً.
الرد:
في نهاية القرن التاسع عشر مطلع القرن العشرين أصبح لدى علماء الفيزياء قناعة بأنهم قد توصلوا إلى كل شيء في الفيزياء وأنهم قد أجابوا على كل الأسئلة والظواهر الطبيعية ولم يتبقى في الفيزياء شيء ، وأصبح لدى علماء الفيزياء اعتقاد بأنهم قد توصلوا إلى كل قوانين الفيزياء ، وأنه لم يعد هناك شيء جديد ليكتشفوه بعد ، إذ أن قوانين نيوتن أصبحت تجعلنا نتنبأ بالظواهر الطبيعية وحدوثها كالكسوف والخسوف ونحو ذلك بدقة عالية ، وبدأ شعور لدى الكثير من العلماء بأن الفيزياء بلغت منتهاها تقريبا ، وأنهم وصولوا إلى ما يشبه نظرية كل شيء ، حتى إن لورد كلفن Kelvin قال في محاضرة ألقاها عام 1900 أمام الجمعية البريطانية لتقدم العلوم : ” لم يبق أمامنا الآن شيء جديد نكتشفه في الفيزياء . بقي علينا فقط أن نزيد في دقة القياسات ” (1)
وصار الاعتقاد بحتمية القوانين وأنها واجبة لدى الكثير من العلماء ، وأصبحت فكرة أزلية الكون ووجوده الحتمي تقوى يوما بعد آخر ، فالحتمية = الوجوب وهي تعني وجوب وقوع الشيء كما تم التنبؤ به طبقا للمعطيات المسبقة لدينا ، وعلى هذا فإن عالمنا هو عالم حتمي وجوبي وقد عبرت عن هذه الرؤية إجابة (بيير لابلاس) لـ(نابليون بونابرت) حين سأله عن سبب غياب ذكر الله من كتابه (الميكانيك السماوي) حيث قال (لابلاس): (يا سيدي إنني لم أجد لهذه الفرضية ضرورة لفهم نظام السماوات) (2)
وكان تتويجا لهذا حتمية لابلاس واختراع عفريته الحاسب المشهور حيث: إن الكائن الذكي إذا عرف في أي لحظة ما كل القوى العاملة في الطبيعة وكل مواقع الأشياء التي صُنع منها فإنه يستطيع أن يُلمً بحركات أضخم الأجسام في العالم وأصغر الذرات في صيغة واحدة شرط أن يكون لديه ما يكفي من القدرة على وضع هذه المعلومات في موضع التحليل ، فلا شيء مشكوك فيه بالنسبة له بل إن المستقبل والماضي كليهما يصبحان حاضرين أمام عينيه. (3)
لقد بقيت هنا وهناك بعض المسائل النظرية التجريبية التي كان الفيزيائيون يحاولون جاهدين لمعالجتها وتفسيرها ومن أهم هذه المسائل:
مشكلة إشعاع الجسم الأسود .
ظاهرة التأثير الكهروضوئي
وكذلك مشكلة الأثير .
وكان ذلك سببا في ظهور فرع جديد في الفيزياء وإن شئت فقل فيزياء جديدة في بداية القرن العشرين 1900 على يد العالم ماكس بلانك ، لقد غيرت الكوانتم نظرتنا للعالم من حولنا وقلبت مفاهيمنا للأشياء وجعلت العلماء يعيدون النظر فيما كان من قبل ، فيزياء الكوانتم لا تعطينا تنبؤاً دقيقاً بنتيجة رصد أو قياس جملة كمية أو جسيم كمي إنما تكتفي بإعطاء مجموعة من النتائج الممكنة والمختلفة لكل منها إحتمال وجود معين ، وكانت فيزياء الكوانتم تثبت وجودها يوما بعد يوم وتجربة تتلوها أخرى لتصبح أهم نظرية في علم الفيزياء الحديث.
وبعد خمس سنوات فقط اكتملت الثورة العلمية على الفيزياء الكلاسيكية بظهور نظرية أخرى تطيح بنظرتنا المطلقة للكون –الزمكان- وتأتي بثورة على عالم المألوف وأن مكاننا وزماننا نسبيين جوازيين وهي النظرية النسبية على يد آينشتاين 1905، فتحول عالمنا من الحتمي الوجوبي إلى الاحتمالي الجوازي وأصبحت نظرتنا لكوننا هي نظرية نسبية جوزاية ممكونة الوجود.
وهذا الطابع الاحتمالي للحقيقة العلمية برز جليا في فيزياء الكوانتم فالحقيقة في إطار هذا العالم لم تعد تقوم على الحتمية كما هوالشأن في الفيزياء الكلاسيكية وإنما الحقيقة أصبحت احتمالية احصائية تقريبية . وهذا الأمر لا يشكك في العلم ذاته وإنما هو انتقال من نموذج –حتمي – إلى آخر – احتمالي – . لقد قامت نظرية الكم بتقديم تصور غير مألوف عن العالم الميكروسكوبي (الذرة وما دونها ) يخالف ما اعتدنا عليه وما ألفناه في حياتنا اليومية خلال الفيزياء الكلاسيكية (تصف العالم الماكروسكوبي) ، ومن أهم ميزات فيزياء الكوانتم أنها تقدم تفسيرات جيدة عن عالم الميكرو وتنجح بشكل جيد في تقديم تنبؤات عالية تؤكدها التجربة تلو الأخرى وهو ما يثبت صحتها ويجعلها نظرية مقبولة لدينا نتعامل بها مع العالم دون الذري.
تقول د.يُمنى الخولي في كتاب فلسفة العلم في القرن العشرين بعد أن قامت بسرد لأهم الإخفاقات في الفيزياء الكلاسيكية وظهور فيزياء الكوانتم وحل هذه المشاكل والعقبات ،وإثبات التجارب لصحتها وحلولها فتقول : (وبهذا فقد أصبحت الكوانتم نظرية شاملة تحكم قبضتها على علم الإشعاع والذرة ، العلم المتناهي في الصغر ، الذي تعجز الفيزياء الكلاسيكية عن التعامل معه ، ولن تجد أي همزة وصل بينه وبين حتمية ميكانيكيتها البائدة )….ثم تتابع الكلام قائلة (( إن عالم الكوانتم والذرة والإشعاع عالم لاحتمي ، وهذا انقلاب جذري في إبستمولوجيا العلم من النقيض إلى النقيض من الحتمية إلى اللاحتمية )). (4)
وتقول في موضع آخر: (إن الفوتون هو الكوانتا وهو الجسيم في الإشعاع كمتميز عن المجموعة ، وإذا كان كل جسيم له كتلة ، فإن الفوتون كتلته صفر. وكان الفوتون من الكيانات التي أدت إلى الانقلابة الجذرية في إبستمولوجيا العلم، وإلى أقوى وأرسخ تصور للاحتمية ، وهو الميكانيكا الموجية ) (5).
لكن العجيب في الأمر أن الملحد انتقل يبرهن على إلحاده بواسطة الكوانتم بعد أن كان يبرر ذلك من خلال الكلاسيكية ، فتبدل قوله من أن الكون حتمي وجوبي أزلي إلى أن الكون منخرط في العشوائية وبالتالي فلا وجود للسببية أو لكل سبب مسبب كما يقول المؤمنون حتى استدل أحدهم على ذلك من خلال النفق الكمومي كما رأينا ، وهذا هو حال الملحد دائما يبحث عن أي شيء يبرر به إلحاده ويتمسح دائما في العلم ، وكأننا انتقلنا من حال إله الفجوات عند متديني القرون الوسطى إلى علم الفجوات عند ملحدي اليوم ! لكن ما حقيقة ذلك ؟ وهل حقا سقطت السببية في عالم الكوانتم؟
لقد أشرنا آنفا إلى مفهوم الحتمية = الوجوب و الإلزام ، ثم انتقلنا عبر الكوانتم إلى الاحتمالية = الجوزاية ، والآن ما هي السببية ؟ السببية هي علاقة بين سبب ونتيجة يحكمها القانون ، فالسببية مرهونة بوجود قانون يحكم الشيء وليس لها علاقة بطبيعة هذا القانون أو الشكل الذي يكون عليه ، ولذا يمكننا أن نظلق عليها القانونية ، فكل شيء يخضع لقانون وتحكمه حدود معينة فهو يخضع للسببية حتى وإن كنا لا نعلم السبب، إذ عدم العلم بالشيء لا يعني عدم وجوده. كما أن انهيار السببية = هدم لكل استدلال وبرهان وهو هدم للعقل والمنطق لأن السببية ليست بقانون فيزيائي بقدر ما هي بديهة عقلية وضرورة منطقية بسقوطها ينهار ارتباط الأشياء بعضها ببعض وما استطعنا بناء علم معرفي عبارة عن مقدمة واستنتاج أو سبب ونتيجة.
لو نظرنا إلى كل ما في الكون سواء على الصعيد الماكرو سكوبي – ما هو أكبر بكثير من الذرة – أو الصعيد الميكروسكوبي- عالم الذرة وما دونها – نجده محكوم بقوانين محددة وثابتة لا تتغير ولا تتبدل ويستحيل عليه مخالفتها، وذلك لأن كل ما في الكون يحتاج إلى شروط في وجوده ويفتقر إلى موجِده، إذ أن من يقول بسقوط السببية في عالم الكوانتم ربما يقصد الحتمية وليست السببية، ولم أجد عالما من علماء الكوانتم قال بذلك من قبل لكننا نجد الملحد العربي يتفوق على كل هؤلاء ليأتي إلينا بشيء جديد لم يكتشفه علماء الفيزياء وبالأخص أصحاب النظرية، وكأن الملحد العربي أكثر علما من العالم الفيزيائي ماكس بورن Max Born أحد آباء الكوانتم الذي قام بتوضيح الفرق بين السببية والحتمية بالعديد من الأمثلة وذلك فى كتابه Natural Philosophy Of Cause And Chance بل قام بوضع تعريف كل من السببية والحتمية كل على حدى، فالحتمية كما يعرفها: “تفترض ان الأحداث ذات الأزمنة المختلفة مرتبطة بقوانين بطريقة تجعل التنبؤ بالمواقف المجهولة سواء من الماضى او المستقبل ممكنا، وبهذا الشكل فان القضاء والقدر الدينى مرفوض لأنه يفترض أن معرفة القدر هى ممكنة فقط لله . بينما السببية تسلم بأن هناك قوانين يمكن بواسطتها حدوث كيان ب من فئة معينة بالاعتماد على كيان أ من فئة اخرى .. حيث تعنى كلمة كيان أى جسم مادى أو ظاهرة أو موقف أو حدث .. أ تسمى السبب و ب تسمى التأثير “النتيجة” ” ولم ينفي السببية في عالم الكوانتم مع أنه أحد مؤسسيها وأكبر رموزها!(6)
فعالم الكوانتم الذي يظن البعض أنه عالم مخترق تحكمه العشوائية هو عالم محكوم منضبط بضوابط ومحكوم بقوانين يستحيل عليه مخالفتها ، وهذا ما أكده العالم روجر بنروز الرياضياتي الشهير واصفا العالم الكمومي قائلا : ” مما يقوله الناس عن ميكانيكا الكم أنها غامضة وغير محددة ولا يمكن التنبؤ بها ، لكن ذلك ليس صحيحا ، ومادام الأمر متعلقا بالمستوى الكمي ، نقول إن ميكانيكا الكم محددة ودقيقة والجدير بالذكر أنني استخدمت حرف U في هذا الشكل لوصف نشاط المستوى الكمي وتتضمن ميكانيكا الكم – في صورتها الأكثر شيوعا – استخدام معادلة تسمى معادلة شرودنجرالتي تحكم سلوك الحالة الفيزيائية لمنظومة كمية – تسمى حالتها الكمية – وهذه معادلة محددة.” (7)
هذا شكل رسمه روجر بنروز يوضح خلاله الفيزياء التي لدينا على الصعيدين واسع النطاق وضيق النطاق.
والآن هل حقا النفق الكمومي ينفي السببية كما يقول صاحب الشبهة؟!
- دعنا نعرف أولا ما هي ظاهرة النفق الكمومي ؟!
النفق الكمومي: هو ظاهرة تحدث على مستوى الكوانتم – الجسيمات دون الذرية – حيث لا يمتلك الجسيم طاقة كافية لعبور حاجز الجهد مما يجعله يخترق هذا الحاجز فيصير حرا . وذلك بسبب الطبيعة الموجية فعلى مستوى الكوانتم يمكن للجسيمات أن تتصرف كأمواج بدل أن تتصرف كجسيمات. وهو ما يعني عدم وجود الجسيم – الإلكترون – في مكان وزمان محددين ولن يمتلك قدر محدد من الطاقة ولكن يعتمد تواجده وفق موجة من الاحتمالات التي تخضع للدوال الموجية .فوجود الالكترون خارج الذرة هو احتمال وارد دوماً، وبالتالي يمكن أن يتواجد الإلكترون على الجهة المعاكسة من الحاجز وكأنه شكل نفقاً استطاع العبور من خلاله كما أن الجسيم الذي لا يملك طاقة ملائمة لإجتياز حاجز يستطيع عملياً استعارة قدر من الطاقة من وسطه المحيط فيجتاز الحاجز – قوة جذب النواة للإلكترون -.(8) (9)
- كيف تتم هذه الظاهرة؟
على مستوى الكمومي فإن الجسيم ذو طبيعتين -الازدواجية- فهو يتعامل كموجة وجسيم ومن الخطأ أن نتعامل معه على أنه موجة فقط أو جسيم فقط ولكن لابد من الأخذ في الاعتبار الطبيعة الازدواجية له، فمثلا الإلكترونات، تمتلك موجة كنوع من الخواص التي تتميز بها، و هذا يعني أنه باستطاعتها أحياناً التسلل عبر حواجز منيعة ، وهي ما يعرف بظاهرة النفق الكمومي.
عالم الكوانتم هو عالم احتمالي لا نستطيع فيه أن نتأكد من حدوث شيء معين بنسبة مائة بالمئة لكن نحن نتنبأ باحتمالات فالأمر ليس عشوائيا بل مدروس ومحسوب من خلال المعادلات وهو يخضع لمبدأ عدم الدقة لهايزنبرج وهذا ليس في ظاهرة النفق الكمومي فحسب لكنه موجود في جميع الظواهر التي تقع خلال عالم الكوانتم. وهذا ما أكده العالم روجر بنروز الرياضياتي كما أشارنا آنفا .
لو تأملنا الصورة التي أمامنا سنجد بها ثلاث مناطق، حيث تسقط الجسيمات من المنطقة الأولى 1 على السطح الحاجز (المنطقة الثانية 2 ) بعضها ينعكس على سطح الحاجز والبعض الآخر يتخلل الحاجز لمسافة ثم يرتد والبعض الآخر يستمر حتى ينفذ من خلال السطح الحاجز إلى المنطقة الثالثة 3 بشرط أن تكون المنطقة الثانية لها سمك رقيق يستطيع التغلب عليه. يتم تمثيل الجسيمات في كل منطقة من الثلاث بمعادلة موجية تحكم احتمالية وجودها ومسارها.
يشير الرمز E إلى طاقة الجسيم بينما يشير الرمز V إلى جهد الحاجز- قوة جذب النواة الموجبة للألكترون السالب تشبه حاجز يمنعه من الابتعاد-، فنجد في المنطقة الأولى أن طاقة الجسيم أكبر من جهد الحاجز وذلك لأنه ليس في مجاله بعد، بينما في المنطقة الثانية 2 نجد أن جهد الحاجز أكبر من طاقة الجسيم وهو ما يتسبب في ما يُعرف بظاهرة النفق الكمومي حيث يقوم الجسيم باختراق الحاجز(المنطقة2) ليصل إلى المنطقة الثالثة 3 فيصبح حرا.
الآن لدينا نتيجتان : أ- النفق الكمومي محكوم بشروط حدودية، هذه الشروط نتعامل بها مع هذه الظاهرة ويمكننا من خلالها تحديد عدد الجسيمات التي تمر من المنطقة الأولى إلى الثالثة ولا ترتد ثانية. كما يمكننا تحديد عدد الجسيمات المحتمل مرورها للمنطقة الثانية ثم ترتد مرة أخرى فلا تعبر. وأخيرا نستطيع تحديد عدد الجسيمات المحتمل عدم قدرتها على المرور مطلقا ويتم وصف كل حالة بدالة موجية تحكم سلوك واحتمالية مسار الجسيمات بدقة عالية. ب- النفق الكمومي ظاهرة تخضع لقوانين الكوانتم مثلها كمثل ظاهرة سقوط الأجسام – الجاذبية – في عالم الكلاسيكية والتي تخضع لقوانين الفيزياء الكلاسيكية. وهو ما يعني أن لظاهرة النفق الكمومي علاقة يحكمها القانون، بعكس ما يظن البعض أنها تتم بشكل عشوائي.
بتقدم العلم وتطور إمكانياتنا خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين فقد تم نشر ورقة بحثية (10) خلال شهر مايو 2015 في مجلة ناتشر العالمية تشير إلى أنه قد توصل فريقٌ دولي من علماء الفيزياء، الذين يدرسون الفيزياء فائقة السرعة – عند مستوى attosecond (أي 10أس-18 ثانية) – ، لحل لغز النفق الكمومي (quantum tunneling) ووجدوا أنه عبارة عن عملية لحظية.
يقول العالم أناتولي كايفيتس Anatoli Kheifets أحد أعضاء الفريق الدولي : ( فبهذا المدى -المعيار- الزمنى .. كان يُعتقد أن الزمن الذى يستغرقه الالكترون لعبور النفق الكمومي لذرة ما أمر “معتبر” ولكن الرياضيات تقول أن زمن الخروج لا يمكن تخيله .. فهو رقم معقد “بإدراكنا” .. مما يعنى أنه لابد أن تكون عملية لحظية “فورية” … وأوضح كايفيتس أنه لم يتم استكشاف الجداول الزمنية لمثل هذه العملية في السابق. و يضيف : “لقد قُمنا بمحاكاة أكثر عمليات الطبيعة دقة، بدقة عالية جداً “. إنها عملية طبيعية بل هي أحد أدق العمليات الطبيعية..
كما أشار الدكتور إيفانوف Ivanov الذي يعمل حالياً في مركز علم الليزر النسبي في كوريا : إلى ظهور معضلة هامة فى الظاهر .. لأن سرعة الالكترون خلال حدوث ظاهرة النفق الكمومي قد تفوق سرعة الضوء .. ومع ذلك فهذا لا يتعارض مع نظرية النسبية الخاصة .. لأن سرعة عبور النفق هى ايضا تخيلية (11).
عكس ما يظن بعض الملحدين أن ظاهرة النفق الكمومي عبارة عن حدث شاذ، يحدث ليخرق النظام، وهذا خطأ فهي طبيعة وظاهرة متكررة تحدث باستمرار للجسيمات دون الذرية، بل هي ظاهرة ضرورية لحدوث الأشياء، ولذا فلها فوائد كثيرة ومتعددة، منها:
اختراع المجهر الماسح النفقي STM من طرف جيرد بينيج وهاينريخ روهرير بغرض تصوير الذرات المنفردة على سطح معدن(12).
وكان عام 1981 قفزة كبيرة للتمكن من تصوير ذرة بمفردها لمواد مختلفة. ويستخدم المجهر الماسح النفقي ظاهرة الحساسية الكبيرة للتخلل النفقي الكمومي للمسافة، حيث يتزايد احتمال حدوث التخلل النفقي طبقا للدالة الأسية الطبيعية كلما صغرت المسافة. فعندما يقترب سن المجهر بالقرب من السطح الموصل بجهد كهربي فمن الممكن قياس المسافة بين السن وسطح العينة عن طريق قياس تيار الإلكترونات بين السن والسطح.
باستخدام قضيب له خاصية الانضغاطية الكهربائية لتشكيل سن المجهر الماسح النفقي، يمكن ضبط المسافة بين السن والسطح بحيث يصبح تيار الإلكترونات النفقي بينهما ثابتا. وبذلك يمكن تسجيل تغير الجهد الكهربي الموصل بالقضيب الانضغاطي الكهربائي واستخدامه لتصوير السطح الموصل. وصلت دقة المجهرات الماسحة النفقية الحديثة حاليا إلى دقة تصل إلى 0.001 نانو متر، أي نحو 1% من قطر الذرة. (13)
من الأشياء التي تعتمد بشكل رئيسي على ظاهرة النفق الكمومي هي عملية إنتاج طاقة النجوم، فحتى تتمكن ذرتَي هيدروجين من الاندماج لإنتاج طاقة يجب أن تكون حرارة النجم تقترب من المليار كلفن وذلك للتغلب على قوة التنافر الكهربائية بين نواتي الهيدروجين ، لكننا لو نظرنا إلى نجم كالشمس حيث تبلغ درجة حرارة مركزها 13.6 مليون كلفن وهو ما يعني أن عملية الاندماج لن تتم نظرياً ! ولكن بسبب وجود ظاهرة النفق الكمومي تتوافر فرصة ضئيلة لحدوثه دون أن تتوفر درجة الحرارة المطلوبة، وبما أن الشمس تمتلك كمية هائلة من ذرات الهيدروجين فإن تلك الفرصة الضئيلة سوف تُخضع حوالي 4 مليون طن من الهيدروجين في كل ثانية لعملية اندماج نووي. وهو ما يعني أن ظاهرة النفق الكمومي هي شيء أساسي في استمرار طاقة الشمس إلى الآن رغم ضآلة درجة حرارتها مقارنة بما هو مطلوب. وبالتالي فلولا ظاهرة النفق الكمومي كيف سيتم تحلل العناصر؟ وكيف ستحافظ الشمس على استمرار طاقتها إلى الآن رغم ضئالة درجة حرارتها مقارنة بما هو مطلوب، والتي تعد أحد أهم أسباب الحياة على الأرض. (14) وهذا سبب كافي لشكر الخالق على أن هيّأ وجود هذه الظاهرة لتحفظ لنا وجودنا، لا أن نكفره وجحده ..!