الوصف
دلائل نبوة محمد ﷺ أولا يجب التنبيه على قضية مهمة وهو أنه يكفي في تحقق صدق النبوة وإبطال الدعوى المنكرة لها إثبات تحقق النبوة في شخص واحد ( قاعدة منطقية : الكلية السالبة تنتقض بجزئية موجبة ).
مقالة
دلائل نبوة محمد ﷺ
أولا يجب التنبيه على قضية مهمة وهو أنه يكفي في تحقق صدق النبوة وإبطال الدعوى المنكرة لها إثبات تحقق النبوة في شخص واحد ( قاعدة منطقية : الكلية السالبة تنتقض بجزئية موجبة ).
س . كيف نثبت نبوة محمد ﷺ ؟
نثبت ذلك بالكشف عن الأدلة العقلية اليقينية الدالة على صدقه وأنه مرسل من عند الله تعالى .
وهذه الأدلة متنوعة وسنذكر منها ٦ أنواع .
النوع الأول : الكمال الشخصي والأخلاقي :
المراد به أن النبي ﷺ بلغ غاية ما يمكن أن يصل إليه النوع الإنساني من الكمال في جميع الأوصاف المتعلقة بالأشخاص، من جهة أنسابهم، أخلاقهم، سلوكهم وحياتهم.
فإن قيل : إن الكمال الإنساني والأخلاقي لا يستلزم النبوة، فقد وجد كثير من الناس يتصفون بصفات عالية، وأخلاق رفيعة جدا، ولم يقل أحد منهم إنه نبي، ولم يجعلهم أحد من الناس من الأنبياء ؟
هذا التساؤل مبني على سوء فهم لحقيقة هذا الدليل
فنحن لا نقول: إن الرسول ﷺ كامل في شخصه وأخلاقه ولأجل هذا فهو نبي .
وإنما نقول : إنه ادعى النبوة وهو كامل في شخصه وأخلاقه، وهو الصادق الأمين كما كان يلقبه قومه.
النوع الثاني : الكمال التشريعي :
المراد به أن التشريع الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وادعى أنه من عند الله بلغ الغاية في الكمال، والنهاية في الصلاح، والذروة في المحاسن والإتقان، بحيث أنه يبعد في العقل أن يكون صادرا من رجل واحد لم يتعلم الكتابة والقراءة ولم يُعرف بكثرة الأسفار والتجارة وإقامة العلاقات مع الثقافات الأخرى المختلفة.
فإذن هو من عند الله المتصف بالعلم الشامل والحكمة البالغة والرحمة الواسعة والعدل العام.
كمال دين الإسلام ومحاسنه الشاملة عامة في جميع مسائله ودلائله وفي أصوله وفروعه وفيما دل عليه الإسلام من العلوم والأحكام وفيما اشتمل عليه من جميع المجالات .
فإن قيل : كيف يتم إثبات كمال الإسلام ومحاسنه ؟
فنقول إن ذلك يتم بالعمل الاستقرائي الواسع وقد قام بذلك علماء الإسلام ومفكروه في القديم والحديث وأثبتوا أن دين الإسلام مبني على العقائد الصحيحة النافعة .
والاعتراض على كثير من التشريعات الإسلامية ونقدها من قبل المخالفين للإسلام لا ننكره، لكن نقول : مجرد الاعتراض لا يضر، لأن العبرة ليست بمجرد الدعوى وإنما العبرة بإقامة الاعتراض الصحيح المستقيم ، وهذا ما لم يفعله أحد حتى الآن .
النوع الثالث : التجرد الإصلاحي :
أي أن النبي ﷺ كان يفعل أفعالا أثناء مسيرته الدعوية الإصلاحية لا يفعلها إلا من يعتقد اعتقادا جازما أن الدعوة التي يقوم بها ليست لذاته ولا لمصلحته، ويتحرك في جميع أحوال دعوته وهو يعتقد بأنه ما هو إلا مبلغ لرسالته وبأنه يأوي إلى ركن شديد قادر على حمايته ونصرته وتأييده لتأديتها على الوجه المطلوب .
وسأذكر هنا بعض الشواهد على ذلك ، منها أنه صلى الله عليه وسلم كان يقدم الأخبار الجازمة عن أحوال المخالفين له في المستقبل، وهذا الموقف لا يُقدم عليه كاذب وخاصة عند قدرة الخصم وحريته الكاملة في اختيار ما يخلف خبره وبالتالي التشكيك في الدعوة .
ومنها تحديه ﷺالجن والإنس على الإتيان بمثل هذا القرآن.
ومنها أنه ﷺ كان ينكر كل ما يعارض أصل دعوته من توحيد الله والعبودية له حتى لو كان في ذلك مصلحته كما حصل في قصة موت إبراهيم ولده ﷺ وما حدث من كسوف للشمس واعتقاد الناس أنها كسفت لأجل موت إبراهيم وكان بإمكانه خداعهم ( وحاشاه صلى الله عليه وسلم أن يفعل ذلك ) ولن يعرف بذلك أحد.
وغيرها من الشواهد ومن أراد تتبعها فليتتبع سيرته ﷺ، ولن يصعب على طالب الحق إيجادها وفهم ما يجب أن يفهمه منها .
النوع الرابع : انخرام السنن الكونية بين يديه :
فإن النبي ﷺ كانت تقع بين يديه أحداث كثيرة خارقة للسنن الكونية، وخارجة عن مقدور الإنس والجن، ولا يستطيع فعلها أحد منهم. وهذا النوع من أشهر البراهين الدالة على نبوته ﷺ وأكثرها انتشارا بين الناس.
فإن قيل : ربما كان حدوثها مصادفة !
فنقول : ليست مصادفة لأنها لم تقع مرتين أو خمس ولكنها وقعت عشرات المرات فيبعد أن يكون ذلك وقع اتفاقا من غير قصد .
هذه الأخبار متواترة تواترا معنويا توصلنا إلى العلم اليقيني بوقوع أصل الانخرام للسنن الكونية، وثبوت هذه الأخبار بالتواتر المعنوي لا يختلف عن جميع الأخبار التاريخية بالطريقة نفسها، والتشكيك في تلك الأخبار بحجة أنها لم تثبت بالتواتر اللفظي مخالف لمسلك العلماء في هذا العلم، ويؤدي إلى إبطال كثير من الأحداث التاريخية التي لا يشك الناس في ثبوتها.
النوع الخامس : الإكثار من الإخبار بالغيوب الصادقة :
النبي ﷺأخبر عن أمور غيبية كثيرة ثم وقعت كما أخبر بصورة مطابقة، وهذا الصدق في الإخبار عن الغيوب خارج عن مقدور الإنس والجن معا، ولا يستطيع أحد أن يخبر بذلك الكم من الأخبار الغيبية ثم تكون كلها صادقة لا ينخرم منها خبر واحد، وهذه الأخبار قد بلغت العشرات بل المئات.
إذن الاطراد في الصدق مع الكثرة يؤكد أنه لم يأت بتلك الأخبار اتفاقا ومصادفة .
وقد عُلم من سيرته ﷺأنه كان عاجزا عن معرفة ما يدور بين الخصوم الذين يختصمون إليه، وأنه كان يخطئ في بعض ظنونه واجتهاده ولكنه لم يخطئ أبدا في المغيبات بل كان يعبر عنها بألفاظ جازمة صريحة، وكان يُقدم عليها من غير طلب ولا سؤال، وكل ذلك يقع من رجل أمي لم يُعرف بكثرة أسفاره أو سعة علاقاته مع الثقافات الأخرى، وكانت على كثرتها تقع كما أخبر بذلك ﷺ
النوع السادس : الإعجاز بالقرآن الكريم :
أي أنه ﷺحين ذكر أنه مرسل من عند الله إلى الناس جميعا جاء بكلام من جنس كلام الناس، وذكر أن الله أنزله إليه وجعله دليلا على صدقه وجعل من علامة ذلك أن لا أحد من الإنس أو الجن يستطيع أن يأت بمثل بلاغته وفصاحته وبيانه وإتقانه ومضمونه.