تواصل معنا

لماذا لم يُرسَلْ نبيٌّ في زمانِنا؟ (مقالة)

الوصف

يظهرُ في كلِّ زمانٍ أسئلةٌ تنتشرُ بينَ النَّاسِ، ويكونُ مصدرُها إمَّا داخليًّا -من النَّفسِ الإنسانيَّةِ-، وإمَّا من مؤثِّرٍ خارجيٍّ -كسؤالٍ يُطرحُ في جلساتٍ عامَّةٍ-، وبعضُ هذه الأسئلةِ يبحثُ الإنسانُ في نفسِه عن جوابٍ شافٍ لها فلا يجدُ ذلك، ومِن أجْلِ هذا وُجدَ هذا المقالُ، ونناقشُ في هذا المقالِ سؤالَ: “لماذا لم يرسلِ اللهُ تعالى نبيًّا في زمانِنا؟”.

مقالة

يظهرُ في كلِّ زمانٍ أسئلةٌ تنتشرُ بينَ النَّاسِ، ويكونُ مصدرُها إمَّا داخليًّا -من النَّفسِ الإنسانيَّةِ-، وإمَّا من مؤثِّرٍ خارجيٍّ -كسؤالٍ يُطرحُ في جلساتٍ عامَّةٍ-، وبعضُ هذه الأسئلةِ يبحثُ الإنسانُ في نفسِه عن جوابٍ شافٍ لها فلا يجدُ ذلك، ومِن أجْلِ هذا وُجدَ هذا المقالُ، ونناقشُ في هذا المقالِ سؤالَ: “لماذا لم يرسلِ اللهُ تعالى نبيًّا في زمانِنا؟”.

لا بدَّ من التَّنبيهِ أوَّلًا أنَّه عندما يصلُ الإنسانُ إلى هذا السؤالِ فيكونُ قد بنى ذلك -في الأصلِ- على أمورٍ متعدِّدةٍ؛ مثلَ أن يكونَ مؤمنًا بأنَّه مخلوقٌ من مخلوقاتِ اللهِ تعالى أوَّلًا، وأنَّ اللهَ تعالى متَّصفٌ بالحكمةِ والعدلِ ثانيًا، وأنَّه مِنَ الحكمةِ والعدلِ أن يرسِلَ لنا رسالةً نتَّبعُها ونعملُ بها، فيصلُ إلى نتيجةٍ مفادُها أنَّنا نحتاجُ إلى تلكَ الرِّسالةِ الَّتي بعثَها اللهُ تعالى معَ الأنبياءِ، وهذا القدرُ متفَقٌ عليه؛ فإنَّ حاجةَ الإنسانِ إلى الرِّسالةِ الصَّحيحةِ أمرٌ مشاهَدٌ وثابتٌ، وهنا نشيرُ إلى أنَّ الرِّسالةَ الصَّحيحةَ لم تنقطعْ عنِ الإنسانِ المعاصرِ أبدًا؛ فالرِّسالةُ الحقُّ مازالتْ موجودةً إلى يومِنا هذا، ومِنْ هنا نسأل: ما هيَ الطَّريقةُ الَّتي ارتضاها الخالقُ لإرسالِ الرُّسلِ؟.

إنَّ الطُّرقَ الَّتي قد يتصوَّرُها العقلُ لإرسالِ الرِّسالةِ كثيرةٌ، ولكن ومِنْ خلالِ الاستقراءِ وغيرِه؛ نجدُ أنَّ الطَّريقةَ الَّتي ارتضاها اللهُ تعالى لإرسالِ الرِّسالاتِ لعامَّةِ النَّاسِ هي إرسالُ الرُّسُلِ إلى النَّاسِ، أي إرسالُ رسلٍ منْ جنسِ البشرِ يوصلون للنَّاسِ الحقَّ. ومنْ هنا ننتقلُ إلى نقطةٍ مهمَّةٍ: لماذا يرسلُ اللهُ تعالى أكثرَ مِنْ نبيٍّ في أوقاتٍ مختلفةٍ؟.

يبعثُ اللهُ تعالى الرُّسلَ لعدَّةِ أسبابٍ؛ أهمُّها: ضياعُ العقيدةِ الحقِّ، وذهابُ مَنْ يدعو لها بينَ النَّاسِ، أي ضياعُ عقيدةِ التَّوحيدِ؛ لأنَّ الأصلَ في  البشرِ أنْ يكونوا موحِّدين للهِ تعالى، فإنْ زاغَ النَّاسُ عن هذا بعثَ اللهُ تعالى الرُّسلَ، يقول اللهُ تعالى:
(كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ۚ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۖ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ۗ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)

وعنِ ابنِ عبَّاسٍ -رضيَ اللهُ عنهما- في قولِ اللهِ تعالى: (وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا)، قال: “هذه أسماءُ رجالٍ صالحينَ مِنْ قومِ نوحٍ، فلمَّا هَلَكوا أَوحى الشَّيطانُ إلى قَومِهِم أنِ انْصِبُوا إلى مَجَالِسِهِم الَّتي كانوا يَجْلِسون فيها أنصَابًا، وسَمُّوها بأسمَائِهِم، فَفَعَلُوا، ولم تُعْبَد، حتَّى إِذَا هَلَك أُولئك ونُسِيَ العلمُ عُبِدت.
الخبرُ مصدرٌ من مصادرِ المعرفةِ:
مصادرُ المعرفةِ للإنسانِ كثيرةٌ، وأصولُها تعودُ لثلاثةِ مصادر:
الحس.
العقل.
الخبر.
فمِنْ خلالِ الحسِّ يستطيعُ الإنسانُ أنْ يرى الشَّمسَ فيعلمَ وجودَها، ومِنْ خلالِ العقلِ مِنَ الممكنِ أنْ يستدلَّ بآثارِ قدمٍ تمشي على الرِّمالِ وجودَ رجلٍ قد مشى في هذا المكانِ، والَّذي يهمُّنا هنا المصدرُ الثَّالث: الخبرُ؛ والخبرُ مِنْ أكثرِ المصادرِ استخدامًا في حياةِ الإنسانِ، فالإنسانُ يعرفُ رؤساءَ الدُّولِ، ووقتَ دوامِ العملِ، وإجازاتِ العملِ، وغذاءَ اليومِ، ونتيجةَ تحاليلِه الطِّبيَّةِ، ونتيجةَ مباراةِ كرةِ القدمِ، كلُّ هذا عن طريقِ الخبرِ، ولو أنَّ الإنسانَ راقبَ نفسَه في كلِّ يومٍ على كم خبرٍ يعتمدُ في حياتِه؛ لوجدَ نفسَه لا تكادُ تمرُّ ساعةٌ إلَّا ويعتمدُ فيها في حياتِه على خبرٍ، سواءٌ كانَ هذا الخبرُ من رجلٍ واحدٍ أو من عدَّةِ رجالٍ أو مِنْ عددٍ كبيرٍ جدًّا من الرِّجالِ، وكثيرٌ مِنْ هذه الأخبارِ يستطيعُ الإنسانُ الجزمَ بصحَّتِها، وبناءَ تصرفاتِه عليها بمجرَّدِ سماعِها.

وهكذا الحالُ معَ النُّبوَّةِ والرِّسالةِ، فالرِّسالةُ إنَّما وصلَتْنا عن طريقِ الخبرِ الصَّادقِ، والخبرُ الصَّادقُ هو الخبرُ اليقينيُّ من جهةِ العقلِ؛ أي: الخبرُ الَّذي نستطيعُ إثباتَ حدوثِه معَ النَّبيِّ عليهِ السَّلامُ قبلَ إثباتِ نبوَّةِ النَّبيِّ عليهِ السَّلامُ، وليسَ مجرَّدَ أيِّ خبرٍ وصلَ عنِ النَّبيِّ عليهِ السَّلامُ يكون خبرًا معتمدًا لإثباتِ النُّبوَّةِ، فمثلًا لا يُستدلُّ بخبرٍ واحدٍ خالٍ مِنَ القرائنِ لإثباتِ النُّبوَّةِ ابتداءً، وإن كانَ الخبرُ عندَنا صحيحًا من طرقٍ أخرى مبنيَّةٍ على الإسلامِ، فالخبرُ الصَّادقُ إذًا طريقٌ لمعرفةِ رسالةِ النَّبيِّ.

 فمِنْ هنا نقولُ: لا يقتصرُ الأمرُ في معرفةِ الرِّسالةِ على مقابلةِ مدَّعي النُّبوَّةِ شخصيًّا، بما أنَّ هناك طريقًا آخرَ صحيحًا لمعرفةِ رسالتِه.

وبالعودةِ إلى واقعِنا وهدفِ الرِّسالةِ؛ يمكنُنا أن نقولَ أنَّ الهدفَ الأساسيَّ منَ النُّبوَّةِ ما زالَ متحقِّقًا إلى اليومِ -دونَ الحاجةِ إلى إرسالِ الأنبياءِ-، فنحنُ نحتاجُ إلى النُّبوَّةِ حتَّى نعرفَ ماذا يريدُ اللهُ تعالى منَّا نحن، وحتَّى نعلمَ أكثرَ عنِ اللهِ تعالى؛ فيخبرَنا اللهُ تعالى عن نفسِه ونعلمَ غايةَ وجودِنا ومصيرِنا، وهذه الأمورُ-الَّتي مِنْ أجلِها أُرسلَ الأنبياءُ- مازالتْ معلومةً لدينا حتَّى اليومِ، بصورةٍ أخرى يمكنُ أن نقولَ أنَّ النُّبوَّةَ مازالتْ موجودةً في كلِّ زمانٍ من مبعثِ النَّبيِّ عليهِ السَّلامُ إلى يومِنا هذا، أي نعم شخصُ النَّبيِّ ليسَ موجودًا بذاتِه؛ لكنْ وصلَنا ما يجعلُ رسالتَه –وهيَ الغايةُ من النُّبوَّةِ- موجودةً، وإمكانيَّةُ التَّحقُّقِ من صحَّتِها موجودةٌ أيضًا، وبالتَّالي يكونُ وجودُ  نبيٍّ اليومَ بشخْصِه ليسَ أمرًا لازمًا ما دامَ أنَّ الرِّسالةَ الخاتمةَ موجودةٌ بين يديِ النَّاسِ.

وبما أنَّ الخبرَ الصَّادقَ موجودٌ عندَنا عنِ النَّبيِّ عليه السَّلامُ؛ بالتَّالي نحنُ نستطيعُ أن نعرفَ الرِّسالةَ ونعرفَ صدقَه عليهِ السَّلامُ، بالتَّالي نؤمنُ به ونعملُ ما يريدُه اللهُ تعالى منَّا، ونعلمُ غايتَنا منَ الوجودِ، وبذلك يتحقَّقُ المطلوبُ، ولو كان الخبرُ ليسَ طريقًا صحيحًا للمعرفةِ؛ فلازمُ هذا أن يبعثَ نبيًّا لا فقط في كلِّ زمانٍ؛ بل في كلِّ زمانٍ ومكانٍ متجدِّد، وأن لا ينقطعَ الأنبياءُ عنِ العالَمِ ألبتَّةَ، فيكون وجودُهم في كلِّ مكانٍ، ولقاءُ كلِّ إنسانٍ في هذا العالَمِ للنَّبيِّ المرسَلِ هو أمرٌ أساسيٌّ، أي أنَّ كلَّ إنسانٍ يجبُ أن يقابِلَ نبيًّا منَ الأنبياءِ لأنَّه إنْ لم يقابلْه وجهًا لوجهٍ حتَّى لو كانَ النَّبيُّ في نفسِ زمانِه؛ فسيصلُه خبرُ النَّبيِّ ودعوتُه عن طريقِ أتباعِه، وبالتَّالي عن طريقِ “الخبرِ”، وهذا الأمرُ -وجودُ نبيٍّ يقابلُه كلُّ إنسانٍ- أمرٌ لم يحدثْ قطعًا، ونحن في حاجةٍ إلى الأنبياءِ، وزمانُ انقطاعِهم طويلٌ جدًّا، بالتَّالي فإنَّ اللهَ تعالى المتَّصفَ بالحكمةِ والعدلِ أوجدَ طريقًا آخرَ للنَّاسِ ليتمكَّنوا منَ الوصولِ للرِّسالةِ الحقِّ؛ وهي الخبرُ الصادقُ.

واللهُ سبحانَه لمَّا اختارَ نبيَّه ليكونَ خاتمَ الأنبياءِ؛ ميَّزَه وخصَّصَه بأدلَّةِ نبوَّةٍ تفوقُ مَن سبقَه ظهورًا وضخامةً وانتشارًا، وتكفَّلَ اللهُ بحفظِ هذه الأدلَّةِ وكلِّ ما يوصلُها، هذا الأمرُ كفيل بإيصالِ العلم وتحقُّقِ البلاغِ، وآثارُ هذا كانتْ مهمَّةً؛ وأهمُّها: الانتشارُ الواسعُ للإسلامِ مما يوسِّعُ وصولَ الرِّسالةِ لعددٍ كبيرٍ منَ النَّاس.

وهنا نجدُ أنَّ الإسلامَ ألزمَ المسلمينَ بنشرِ دينِهم في كلِّ زمانٍ، فهم يقومون بمهمَّةِ النُّبوَّةِ من جهةِ إيصالِ الرِّسالةِ.
وفي هذا رُوي عنِ النَّبيِّ عليهِ السَّلامُ قولُه: “إنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياءِ”

فالعلماءُ يقومون بدورِ الأنبياءِ من جهةِ الدَّعوةِ إلى اللهِ تعالى وتعليمِ النَّاسِ أحكامَ الدِّينِ، فرسالةُ الأنبياءِ محفوظةٌ، والدَّعوةُ إليها موجودةٌ؛ بالتَّالي معرفةُ النَّاسِ بالدِّينِ الحقِّ ممكنةٌ وهذا المطلوبُ.

 

أخيرًا: يتكلَّمُ البعضُ عنِ الحاجةِ إلى الأنبياءِ حتَّى يقطعوا الخلافَ فيما اختَلفَ فيه المسلمون عمومًا، وهنا نقولُ: أنَّ هذا الأمرَ من إرادةِ اللهِ تعالى وحكمتِه –وجود الاجتهادِ في أحكامِ الدِّينِ-، إذ لو لم يُرِدِ اللهُ تعالى للنَّاسِ أن يجتهدوا في أمورٍ محدَّدةٍ  من الدِّين؛ لأنزلَ على نبيِّه كتابًا فيه ذكرُ كلِّ أمرٍ سيحدثُ من وفاةِ النَّبيِّ عليهِ السَّلامُ إلى يومِنا هذا، ولكنَّ اللهَ تعالى شاءَ أن يتركَ مجالًا للاجتهادِ في أمورٍ محدَّدةٍ ليستْ منْ أصولِ الدِّين، فإنِ اجتهدَ وأصابَ فله أجرانِ، وإنِ اجتهدَ وأخطأَ فله أجرٌ، وعامَّةُ المسلمينَ يجتهدونَ في البحثِ عنِ العالِمِ الثِّقةِ الَّذي يستفتونَه.

المرفقات

المصدر

أضف تعليقا