الوصف
والإِجَابَةُ عَلَى السُّؤَالِ الْوَارِدِ فِي عُنْوَانِ المقَالَةِ تَطْبِيقٌ عَلَى هَذَا، فَاَلبِدايَةُ بِسُؤَالٍ يُثِيرُهُ مَنْ لَا دِرَايَةَ لَهُ بأسلُوبِ الإِمَامِ البُخَارِيِّ رحمهُ اللَّهُ فِي صَحِيحِهِ فيَقُولُ: (كيفَ يُحَاوِلُ النَّبِيُّ مُحَمَّدٌ ﷺ الانتحارَ لمَّا فَتَرَ عنهُ الوَحيُ، أليسَ ذلكَ دليلٌ عَلَى تَشَكُّكِهِ فِي الوَحيِ الذِي جاءهُ وأنَّهُ ليسَ نَبِيًّا حَقًّا؟، وَقَدْ جَاءَ الخَبَرُ بذَلِكَ فِي أَصَحَّ كُتُبِ الحَدِيثِ وَهُوَ صَحِيحُ الْبُخَارِيِّ).
مقالة
الحمدُ للَّهِ وكفى والصَّلاةُ والسَّلامُ علَى النَّبيِّ المصطفى وبعدُ:
لمّا كانتْ أدلَّةُ نبوَّةِ محمَّدٍ ﷺ براهينَ واضحاتٍ -لا ينكرهَا إلَّا مكابرٌ أوْ معاندٌ- استحالَ علَى المشككينَ إبطالُها؛ فَنَبَشَتِ الأقلامُ المَوْتُورَةُ بدلًا منْ ذلكَ فِي الأخبارِ بحثًا عنْ أيِّ روايةٍ يُتَوَهَّمُ منهَا النَّقضُ لنبوَّتِهِ ﷺ ليُشكِّكوا بهِ النَّاسَ، وقدْ أُتُوا غالبًا منْ قِبَلِ أحدِ أمرَينِ:
الْأَوَّلُ: عَدَمُ التَّحَقُّقِ مِنْ صِحَّةِ أَخْبَارٍ، فَأَخَذُوا يَحْتَجُّونَ بِكُلِّ مَا تَلَقَّفَتْهُ أَيْديهِم دُونَ نَظَرٍ وَتَحْقِيقٍ.
الثَّانِي: عَدَمُ التَّحَقُّقِ مِنْ وُجُودِ التَّلَازُمِ بَيْنَ الدَّلِيلِ وَاَلْمَدْلولِ، فِيأتُوا بِخَبَرٍ سَنَدُهُ صَحِيحٌ لِيَسْتَدِلُّوا بِهِ عَلَى أَمْرٍ لَا تُوجَدُ عَلَيْهِ دَلَالَةٌ فِي الْخَبَرِ.
وَالْأَمْثِلَةُ عَلَى ذَلِكَ كَثِيرَةٌ لَا يَتَّسِعُ الْمَقَامُ بِسَرْدِها وَلَكِنْ أَشَرْنَا لِأُصُولِ خطئهِمْ حَتَّى يَتَنَبَّهَ كُلُّ طَالِبٍ لِلْحَقِّ وَيَفْحَصَ بِنَفْسِهِ كُلَّ مَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ يُنَاقِضُ نُبُوَّةَ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَذَلِكَ بِالتَّأَكُّدِ مِنْ صِحَّةِ الْخَبَرِ أَوَّلاً ثُمَّ التَّأَكُّدِ أَنَّ فِي الْخَبَرِ نَاقِضٌ صَحِيحٌ لِلنُّبُوَّةِ وَلَيْسَ أَمْرَاً تَخَيَّلَهُ مُثِيرِي الشُّبُهَاتِ، وَليسْتصْحِبِ الْإِنْسَانُ دَائِمًا أَنَّ الحَقَّ وَاحِدٌ لَا يَتَعَدَّدُ، فَمَنْ قَامَتْ عَلَى نُبُوَّتِهِ الْأَدِلَّةُ اليَقينيَّةُ المُتَوَاتِرَةُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَجْتَمِعَ فِيه ضِدَّ ذَلِكَ فِي نَفْسِ الوَقْتِ.
والإِجَابَةُ عَلَى السُّؤَالِ الْوَارِدِ فِي عُنْوَانِ المقَالَةِ تَطْبِيقٌ عَلَى هَذَا، فَاَلبِدايَةُ بِسُؤَالٍ يُثِيرُهُ مَنْ لَا دِرَايَةَ لَهُ بأسلُوبِ الإِمَامِ البُخَارِيِّ رحمهُ اللَّهُ فِي صَحِيحِهِ فيَقُولُ: (كيفَ يُحَاوِلُ النَّبِيُّ مُحَمَّدٌ ﷺ الانتحارَ لمَّا فَتَرَ عنهُ الوَحيُ، أليسَ ذلكَ دليلٌ عَلَى تَشَكُّكِهِ فِي الوَحيِ الذِي جاءهُ وأنَّهُ ليسَ نَبِيًّا حَقًّا؟، وَقَدْ جَاءَ الخَبَرُ بذَلِكَ فِي أَصَحَّ كُتُبِ الحَدِيثِ وَهُوَ صَحِيحُ الْبُخَارِيِّ).
فنقُولُ: نعمْ؛ الخَبَرُ جَاءَ فِي أَحَدِ رِوَايَاتِ حَدِيثِ بَدْءِ الوَحْيِ فِي كِتَابِ التَّعبيرِ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وفِيه:
وحدَّثَنِي عبدُ اللَّهِ بنُ محمَّدٍ، حدَّثنَا عبدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، قالَ الزُّهْرِيُّ: فأخبرَني عُرْوَةٌ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالْتْ: أوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ الوَحيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّومِ، فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ …… وفَتَرَ الوَحيُ فَتْرَةً حَتَّى حَزْنَ النَّبِيِّ ﷺ -فِيمَا بَلَغَنَا- حُزْنًا غَدا مِنْهُ مِرَارًا كَيْ يَتَرَدَّى مِنْ رُؤُوسِ شَّواهِقِ الْجِبَالِ، فَكُلَّمَا أَوْفَى بذروةِ جَبَلٍ لكيْ يلقِيَ مِنْهُ نَفْسَهُ تَبَدَّى لهُ جِبرِيلُ، فقالَ: يا مُحَمَّدُ إِنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا. فِيسْكُنُ لِذَلِكَ جأشهُ، وَتَقَرُّ نفسَهُ فِيرجِعُ، فَإِذَا طَالتْ عليهِ فَتْرَةُ الوَحيِ غَدا لمثلِ ذَلِكَ، فَإِذَا أَوْفَى بذروةِ جبَلٍ تَبَدَّى لَهُ جِبرِيلُ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ).
لَكِنَّ الادعاءَ المذكُورَ فِي آخرِ هذَا الخبَرِ ليسَ منْ كلامِ عائشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهَا بلْ هوَ بلاغٌ منْ بلاغاتِ الزُّهْرِيِّ، ومعنَى البلاغِ: أنْ يرويَ الرَّاوِي حِكَايَةً بِلَا إِسْنَادٍ، فيقُولَ مَثَلًا: بلغَنِي أنَّ رسُولَ اللَّهِ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا، فيكُونُ السُّؤَالُ البديهِيُّ: “منْ أبلغكَ؟” وتزدَادُ البلاغَاتُ ضعفاً كلمَا بَعُدَ المُبَلِّغُ عنْ رسولِ اللَّهِ ﷺ، والزُّهريُّ مِنْ صغارِ التَّابعينَ لمْ يُدْرِكْ حَيَاةَ النَّبِيِّ ﷺ، وَلَمْ يَذْكُرْ هُوَ أَنَّ أَحَداً مِنْ الصَّحَابَةِ حَدَّثَهُ بِذَلِكَ، بَلْ نَصَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ بَلَاغًا وَلَيْسَ كَلَاماً مُسْنَدًا مِنْ أَصْلِ الحَدِيثِ، فَنَجِدُ فِي هَذَا الخَبَرِ (وَفَتَرَ الوَحيَ فَتْرَةً حَتَّى حزِنَ النَّبِيُّ ﷺ -فِيمَا بَلَغَنَا- حُزْناً …) فَقَدْ صَرَّحَ الزُّهْرِيُّ بِكَلِمَةِ (فِيمَا بَلَغَنَا)، فَهَذَا الجُزْءُ لَيْسَ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ بَلْ هُوَ أَمْرٌ بَلَغَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ سَنَدَهُ.
إِنَّ شُرُوطَ قَبُولِ الحَدِيثِ أَنْ يَكونَ إِسْنَادُهُ مُتَّصِلاً بِرِوَايَةِ العُدُولِ الضابِطينَ وَلَا يَكونَ شَاذَّاً وَلَا مُعَلَّلاً، وَالبَلَاغَاتُ خَلَتْ مِنْ تِلْكَ الشُّرُوطِ فَلَمْ يَتَّصِلْ إِسْنَادُهَا وَلَمْ يُعْرَفْ حَالَ رُوَاتِهَا مِنْ العَدَالَةِ وَالضَّبْطِ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ البَارِي شَرْحُ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ: “القَائِلُ: (فِيمَا بَلَغْنَا) هُوَ الزُّهْرِيُّ، وَمَعْنَى الْكَلَامِ: أَنَّ فِي جُمْلَةِ مَا وَصَلَ إِلَيْنَا مِنْ خَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ، وَهُوَ مِنْ بَلَاغَاتِ الزُّهْرِيِّ، وَلَيْسَ مَوْصُولًا”. وَقَالَ أَبُو شَامَةَ المَقْدِسِيُّ فِي شَرْحِ الحَدِيثِ المُقْتَفَى فِي مَبْعَثِ النَّبِيِّ المُصْطَفَى: (هَذَا مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ أَوْ غَيْرِهِ، غَيْرُ عَائِشَةَ، واللَّهُ أَعْلَمُ؛ لِقَوْلِهِ: “فِيمَا بَلَغْنَا”، وَلَمْ تَقُلْ عَائِشَةُ فِي شَيءٍ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ ذَلِكَ).
وَقَدْ اتَّفَقَ عُلَمَاءُ الحَدِيثِ عَلَى جَلَالَةِ قَدْرِ الإِمَامِ الزُّهْرِيِّ وَلَكِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَمْنَعْهُمْ مِنْ رَدِّ بَلاغاتِهِ لِأَنَّهَا خَلْتْ مِنْ شَرْطِ اتِّصَالِ الإِسْنَادِ وَلَمْ يُقِيمُوا لَهَا أَيَّ اعْتِبَارٍ. يَقُولُ الإِمَامُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ القَطَّانُ (تُوُفِّيَ ١٩٨ هـ): (مُرْسَلُ الزُّهْرِيِّ شَرٌّ مِنْ مُرْسَلِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ حَافِظٌ كُلَّمَا قدرَ أَنْ يُسَمِّيَ سَمَّى، وَإِنَّمَا يَتْرُكُ منْ لَا يَسْتَجِيزُ أَنْ يُسَمِّيَهُ)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: (إِرْسَالُ الزُّهْرِيِّ -عِنْدَنَا- لَيْسَ بِشَيْءٍ)، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ معَينٍ: (مَرَاسِيلُ الزُّهْرِيِّ ليستْ بِشَيْءٍ).
فَهَذَا الجُزْءُ مِنَ الرِّوَايَةِ لَيْسَ مُسْنَداً فَلَا يَكونُ مِنْ شَرْطِ البُخَارِيِّ، وَصَحِيحُ البُخَارِيِّ بِهِ الكَثِيرُ مِنَ الأَحَادِيثِ المُعَلّقَةِ التِي ليستْ عَلَى شَرْطِهِ وَهَذَا أَمْرٌ لَا يَخْفَى عَلَى منْ قَرَأَ صَحِيحَ البُخَارِيِّ فَالمَقْصُودُ بِالأَحَادِيثِ التِي خَرَّجَهَا البُخَارِيُّ هِيَ الأَحَادِيثُ المُسْنَدَةُ لَا غَيْرُ، فَالأَحَادِيثُ التِي تَلَقَّتْهَا الأُمَّةُ بِالقَبُولِ هِيَ المَوصُولَةُ التِي عَلَى شَرْطِهِ.
قَالَ الإِمَامُ السَّخاويُّ: “تأييدُ حَمْلِ قَوْلِ البُخَارِيِّ: مَا أَدْخَلْتَ فِي كِتابي إِلَّا مَا صَحَّ، عَلَى مَقْصُودِهِ بِهِ وَهُوَ الأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ المُسْنَدَةُ، دُونَ اَلتَعاليقِ وَالآثَارِ المَوْقُوفَةِ عَلَى الصَّحَابَةِ فَمَن بَعْدَهُمْ، وَالأَحَادِيثِ المُتَرْجَمِ بِهَا، وَنَحْوِ ذَلِكَ”.
وَقَدْ رَوَى البُخَارِيُّ أصلَ هَذَا الحَدِيثِ -حَدِيثِ بَدْءِ الْوَحْيِ- عَنِ الزُّهْرِيِّ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى لحُفَّاظٍ غَيْرِ مَعْمَرِ (رَاوِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ) وَهُمْ: عَقِيلٌ وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدٍ الأَيْلِيُّ وَهُمَا مِنْ كِبَارِ الحُفَّاظِ المُكْثرينَ لِلرِّوَايَةِ عَنِ الإِمَامِ الزُّهْرِيِّ وَلَا نَجِدُ وَاحِداً مِنْهُمْ رَوَى تِلْكَ الزِّيَادَةَ، وَاجْتِمَاعُهُمَا مُقَدَّمٌ عَلَى رِوَايَةِ مَعْمَرٍ مُنْفَرِدًا، فَكَيْفَ تُقْبَلُ وَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّهَا بَلَاغٌ وَلَيستْ مِنْ أَصْلِ الحَدِيث؟!.
وَكَذَلِكَ أَخْرَجَ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ حَدِيثاً عَنْ بَدْءِ الوَحيِ غَيْرَ حَدِيثِ عَائِشَةَ هَذَا وَهُوَ حَدِيثٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَقَدْ تَحَدَّثَ فِيه النَّبِيُّ ﷺ بِنَفْسِهِ عَنْ فَتْرَةِ الوَحيِ وَفِيهِ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عَقِيْلٍ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: سَمِعُتْ أَبَا سَلَمَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الوَحيِ: فَبَيْنا أَنَا أَمْشي سَمِعُتُ صَوْتاً مِنَ السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ بَصَري قِبَلَ السَّمَاءِ، فَإِذَا المَلَكُ الذِي جَاءَنِي بِحِراءٍ قَاعِدٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ، فَجَئِثْتُ مِنْهُ، حَتَّى هَوَيْتُ إِلَى الأَرضِ، فَجِئْتُ أهلِي فَقُلُتُ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي، فَزْمَّلُونِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَاهْجُرْ}، قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: {وَالرُّجْزَ} الأَوْثَانُ، ثُمَّ حَمِيَ الوَحيُ وَتَتَابَعَ .
فَنَجِدُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ فِي كَلَامِهِ ﷺ كَلِمَةً وَاحِدَةً تُشْعِرُ بِمَا جَاءَ فِي هَذَا البَلَاغِ الضَّعِيفِ مِنْ مُحَاوَلَةِ التَّرَدِّي مِنْ رُؤُوسِ الجِبَالِ، وَلَوْ حَتَّى مُجَرَّدَ حُزْنٍ لَحِقَ بِهِ تَأَسُّفاً في هَذِهِ الفَتْرَةِ.
نَجِدُ مِمَّا سَبَقَ أَنَّ لِهَذِهِ الزِّيَادَةِ عِلَّتَيْنِ: الأُولَى: أَنَّهَا مُرْسَلَةٌ مُعْضَلَةٌ؛ فَإِنَّ القَائِلَ: (فِيمَا بَلَغَنَا) إِنَّمَا هُوَ الزُّهْرِيُّ، كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنَ السِّيَاقِ، وَالأُخْرَى: تَفَرَّدُ مَعْمَرٍ بِهَا دُونَ يُونُسَ وَعَقِيلٍ؛ فَهِيَ شَاذَّةٌ.
الآنَ وَبَعْدَ أَنْ بَيَّنَّا بِمَا لَا يَدَعُ مَجَالاً لِلشَّكِّ أَنَّ هَذِهِ القِصَّةَ لَيستْ عَلَى شَرْطِ البُخَارِيِّ، فَعَلَيْنَا أَنْ نُجِيبَ عَنْ سُؤَالٍ: هَلْ وَرَدْتْ هَذِهِ القِصَّةُ فِي أَيِّ كِتَابٍ آخَرَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ مُتَّصِلٍ؟
وَالإِجَابَةُ هِيَ لَا، القِصَّةُ وَرَدتْ بِأَسَانِيدَ أُخْرَى وَلَكِنْ كُلهَا أَسَانِيدُ وَاهِيَةٌ لَا يُحْتَجُّ بِهَا، فَقَدْ أَخْرَجَهَا الإِمَامُ الطَّبَرِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
أَمَّا رِوَايَةُ الإِمَامِ الطَّبَرِيِّ فِي تَارِيخِهِ فَعَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ وَهُوَ لَيسَ صَحَابِيَّاً، إِنَّمَا هُوَ مِنْ التَّابِعِينَ فَهِيَ مُنْقَطِعَةُ الإِسنَادِ، كَمَا أَنَّ فِي السَّنَدِ رَاوِيَانِ مُتَكَلَّمٌ فِيهما: سَلَمَةُ بْنُ فَضْلٍ الأَبْرَشُ؛ قَالَ عَنْهُ البُخَارِيُّ: فِي حَدِيثِهِ بَعْضُ المنَاكِيرِ، وَقَالَ عَنْهُ ابْنُ حَجَرٍ: (صَدُوقُ كَثِيرُ الخَطَأِ)، وابْنُ حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ؛ قَالَ عَنْهُ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ السَّدوسِيُّ: مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ كَثِيرُ المَنَاكِيرِ، وَفِيه أَيْضاً قَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ .
وَأَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَقَدْ جَاءَتْ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الوَاقِدِي، وَمَعْلُومٌ عِنْدَ عُلَمَاءِ الجرحِ وَالتَّعْدِيلِ أَنَّ الوَاقِدِيَّ مَترُوكُ الحَدِيثِ، فَقَدْ قَالَ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْهُ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ: (مَتْرُوكُ الحَدِيثِ)، وَقَالَ عَنْهُ يَحْيَى ابْنُ مَعِينٍ: (لَيْسَ بِشَيْءٍ)، وَقَالَ النَّسَائِيُّ: (مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الوَاقِدِيُّ مَتْرُوكُ الحَدِيثِ)، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الأَسْلَمِيِّ وَهُوَ مَتْرُوكٌ أَيْضاً مِثْلَ الوَاقِدِيِّ أَوْ أَشَدُّ؛ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ القَطَّانُ: “سَأَلُتُ مَالِكاً عَنْهُ أَكَانَ ثِقَةً؟ قَالَ: لَا وَلَا ثِقَةَ فِي دِينِهِ”، قَالَ عَنْهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: “كَذَّابٌ”.
يَتَّضِحُ بِذَلِكَ أَنَّ رِوَايَةَ هَمِّ النَّبِيِّ ﷺ بِالانتحارِ لَمْ تَصِحّ، وَالزِّيَادَةُ اَلَّتِي فِي البُخَارِيِّ لَيستْ عَلَى شَرْطِهِ فَلَا تُنْسَبُ لِلصَّحِيحِ، وَقَدْ أَثْبَتَهَا البُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ لَا غَيْرِهِ، فَهِيَ بَلَاغٌ مَقْطُوعُ الإِسْنَادِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا حَالَ رِوَايَاتِ الحَدِيثِ الأُخْرَى، وَكُلُّهَا يُؤَكِّدُ عَدَمَ صِحَّةِ سَنَدِ هَذِهِ القِصَّةِ.
أَمَّا إِذَا تَفَحَّصْنَا مَتْنَهَا فَنَجِدُ فِيه أُمُورًا تَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِهَا، يَقُولُ الدُّكْتُورُ أَبُو شَهْبَةٍ: (وَلَيْسَ أَدَلُّ عَلَى ضَعْفِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَتَهافُتِها مِنْ أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يَقُولُ لِلنَّبِيِّ كُلَّمَا أَوْفَى بِذُرْوَةِ جَبَلٍ: «يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ حَقَّاَ»، وَأَنَّهُ كَرَّرَ ذَلِكَ مِرَاراً، وَلَوْ صَحَّ هَذَا لَكَانَتْ مَرَّةً وَاحِدَةً تَكْفِي فِي تَثْبِيتِ النَّبِيِّ وَصَرْفِهُ عَمَّا حَدَّثَتْهُ بِهِ نَفْسُهُ كَمَا زَعَمُوا)، وَيَقُولُ الدُّكْتُورُ عِمَادُ الشربِينِي: (إِذَا تَفَحَّصْنَا مَتْنَ الرِّوَايَةِ فَنَجِدُ أَنَّهُ يَتَعَارَضُ مَعَ مَا يَجِبُ أَنْ يَكونَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ مِنْ رُسُوخِ اَلْإِيمَانِ بِنُبوَّتِهِ، وَكَمَالِ الْيَقِينِ بِرِسَالَتِهِ، فَالنَّبيُّ ﷺ -كَمَا تُصَرِّحُ بِهِ عِبَارَةُ هَذَا الْبَلَاغِ– لَمْ يَكَدْ يَسْكُنُ جَأْشُهُ لِتَبَدِّي جِبْرِيلَ لَهُ وَإِخْبَارِهِ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا حَتَّى يَعُودَ إِلَى عَزِيمَتِهِ فِي إِلْقَاءِ نَفْسِهِ، فِيتَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ مَرَّةً أُخْرَى، وَيَقُولُ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا، فَأَيْنَ سُكُونُ جَأْشِهِ الذِي أَحْدَثَهُ فِي نَفْسِهِ تَبَدِّي جِبْرِيلَ لَهُ وَإِخْبَارِهِ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ حَقَّاً؟ .
وَقَدْ تَضَمَّنَ هَذَا البَلَاغُ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: ظَاهِرُ مَحْسُوسٌ، يُمْكِنُ مُشَاهَدَتُهُ، ثانيهمَا: بَاطِنٌ مَحْجُوبٌ فِي دَاخِلِ النَّفْسِ، لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ إِلَّا بِإِخْبَارِ صَاحِبِهِ الذِي دَارَ في نَفْسِهِ بِنَقْلٍ ثَابِتٍ عَنْهُ.
فَذَهابُ النَّبيِّ ﷺ إِلَى أَعَالِي الجِبَالِ وَشَواهِقِها التِي أَلِفَ الصُّعُودَ إِلَيْهَا فِي خَلَوَاتِهِ لِلتَّفَكُّرِ فِي عَجَائِبِ آيَاتِ اللَّهِ الكَوْنِيَّةِ، وَبَدائِعِ مَلَكُوتِهِ، أَمْرٌ مَحْسُوسٌ، يُمْكِنُ الحُكْمُ عَلَيْهِ بِرُؤْيَتِهِ وَمُشَاهَدَتِهِ، وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكونَ النَّبيِّ ﷺ قَدْ حَزِنَ فِي فَتْرَةِ الوَحْيِ، فَكَانَ يَغْدو مِنْهُ إِلَى ذرَا الجِبَالِ التِي كَانتْ مَأْنَسَ رُوحِهُ، تَطَلُّعاً لِلِقَاءِ أَمِينِ الوَحْيِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الذَّى سَبَقَ لَهُ أَنْ تَجَلَّى فِي آفَاقِهَا .
أَمَّا كَوْنُ هَذَا الذَّهَابِ إِلَى ذُرَا شَواهِقِ الجِبَالِ لِقَصْدِ اَلتَرَدِّي مِنْهَا لِيَقتُلَ نَفْسَهُ –كَمَا هُوَ نَصُّ عِبَارَةِ البَلَاغِ الضَّعِيفِ– أَمْرٌ بَاطِنٌ مَحْجُوبٌ، لَا يَعْلَمُهُ وَلَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إِلَّا اللَّهُ عَلَامَ الْغُيُوبِ وَإِلَّا صَاحِبُهِ الذِي دَارَ فِي نَفْسِهِ وَعَزَمَ عَلَى تَحْقِيقِهِ وَإِلَّا مِنْ يُخْبِرُهُ صَاحِبُهِ بِهِ بِإِخْبَارٍ مِنْهُ إِلَيْهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ حَتَّى فِي ذَلِكَ الْأَثَرِ الضَّعِيفِ فَهُوَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ تَصْرِيحُهِ لِأَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ فكرَ أَوْ هَمَّ بِشيءٍ مِنْ ذَلِكَ .
فَالنَّبِيُّ ﷺ لَمْ يَشُكَّ لِلَحْظَةٍ فِي كَوْنِهِ نَبِيّاً، فَقَدْ ثَبَّتَ اللَّهُ تَعَالَى قَلْبَهُ بِالوَحْيِ، وَمَا وَجَدَهُ مِنَ الرَّهْبَةِ -لَا الشَّكِّ- مِنْ نُزُولِ الوَحْيِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَبِسَبَبِ بَشَرِيَّتِهِ وَشِدَّةِ الوَحْيِ.
بَقِيَ أَنْ نُجِيبَ عَنْ سُؤَالِ هَلْ أَخْطَأَ الإِمَامُ البُخَارِيُّ بِإيرادِهِ ذَلِكَ البَلَاغَ عَلَى مَا فِيه مِنِ انْقِطَاعِ السَّنَدِ وَنَكارَةِ المتْنِ؟
لَا لَمْ يُخْطِئ البُخَارِيُّ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ إِيرَادَهُ ذَلِكَ البَلَاغَ كَانَ مِنْ تَمَامِ الرِّوَايَةِ، فَقَدْ رَوَاهَا كَمَا جَاءَتْهُ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَقَدْ صَرَّحَ أَنَّهَا لَيستْ مَوْصُولَةً.
وَقَدْ رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ حَدِيثَ بَدْءِ الوَحْيِ فِي صَحِيحِهِ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ مِنْ طَرِيقِ عَقِيلٍ وَيُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَهُمَا مِنْ كِبَارِ الحُفَّاظِ المُكْثرينَ لِلرِّوَايَةِ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَقَدْ خَلَتْ رِوَايَاتُهُمْ عَنْ هَذَا البَلَاغِ، وَكَذَلِكَ أَخْرَجَ حَدِيثَ جَابِرٍ عَنْ بَدْءِ الوَحْيِ اَلذِي أَشَرْنَا إِلَيْهِ وَقَدْ خَلا أَيْضًا عَنْ أَيِّ إِشَارَةٍ إِلَى هَذَا المَوْضُوعِ، وَقَدْ فَهِمَ العُلَمَاءُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْبُخَارِيَّ يُشِيرُ إِلَى ضَعْفِ هَذَا الْجُزْءِ وَيُثْبِتُ كَوْنَهُ بَلَاغًا حَتَّى لَا يُخْطِئَ أَحَدٌ وَيَجْعَلَهُ مِنْ أَصْلِ الحَدِيثِ كَمَا وَقَعَ لِلبَعْضِ .
قَالَ الدُّكْتُورُ أَبُو شَهْبَةٍ: (لَعَلَّ البُخَارِيَّ ذَكَرَهَا لِيُنَبِّهَنا إِلَى مُخَالَفَتِهَا لَما صَحَّ عِنْدَهُ مِنْ حَدِيثِ بَدْءِ الوَحْيِ الذِي لَمْ تُذْكَرْ فِيه هَذِهِ الزِّيَادَةُ).
فَهَلْ يَقَعُ لَوْمٌ عَلَى الْبُخَارِيِّ لِأَنَّهُ أَرَادَ إِثْبَاتَ عِلَّةِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ؟ وَلَوْ لَمْ يُصَرِّحِ الرَّاوِي بِأَنَّهُ بَلَاغٌ لَبَيَّنَ البُخَارِيُّ كَمَا هِيَ عَادَتُهُ فِي مَوَاضِعَ مِنْ صَحِيحِهِ حَيْثُ يُنَبِّهُ عَلَى أَخْطَاءٍ تَقَعُ أَثْنَاءَ الرِّوَايَةِ.
وَمَا ذَكَرْنَاهُ لَيْسَ خَاصّاً بِهَذَا الخَبَرِ بَلْ يَتَوَافَقُ مَعَ عَادَةِ البُخَارِيِّ فِي التَّعَامُلِ مَعَ الأَحَادِيثِ المُعَلَّقَةِ وَالمُدْرَجَةِ.
وَالحَدِيثُ المُعَلَّقُ هُوَ مَا حُذِفَ مِنْ مُبْتَدَئِ إِسْنَادِهِ رَاوٍ أَوْ أَكْثَرُ، وَقَدْ أَكْثَرَ البُخَارِيُّ مِنْ إِيرَادِ المُعَلَّقَاتِ فِي صَحِيحِهِ، فَكَيْفَ يُعَابُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ إِيرَادُهُ مُعَلَّقَاتِ غَيْرِهِ؛ فَبَلاغُ الزُّهْرِيِّ هُوَ مِنْ نَوْعِ الْحَدِيثِ الْمُعَلَّقِ؛ حَذْفَ الزُّهْرِيِّ مُبْتَدَأَ اسِّنادِهِ وُصُولًا لِلنَّبِيِّ ﷺ.
فَالإِمَامُ البُخَارِيُّ يُخَرِّجُ الصَّحِيحَ المُسْنَدَ بِشَرْطِهِ، فَاسْمُ كِتَابِهِ: (الجَامِعُ المُسْنَدُ الصَّحِيحُ المُخْتَصَرُ مِنْ أُمُورِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَسُنَنِهِ وَأَيَّامِهِ)، فَاَلمُسْنَدُ الصَّحِيحُ هُوَ المَقْصُودُ، وَمَا عَدَاه فَلَيْسَ مَقْصُودًا بِذَاتِهِ، وَلَهُ فِي إِيرَادِهِ مَقَاصِدُ مُخْتَلِفَةٌ.
قَالَ بُرْهَانُ الدِّينِ البِقاعيُّ فِي النُّكَتِ الوَفِيَّةِ بِمَا فِي شَرْحِ الأَلْفِيَّةِ: (أَمَّا البُخَارِيُّ فَلَمْ يُورِدْهَا [يَقْصِدُ: الْبَلَاغَاتِ] مَوْرِدَ المَسَانِيدِ، فَهِيَ عِنْدَهُ لَيستْ مَقْصُودَةً بِالذَّاتِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ سَمَّى كِتَابَهُ: الجَامِعُ المُسْنَدُ الصَّحِيح، فَمَا رَأَيْنَا فِيه مِمَّا لَيْسَ بِمُسْنَدٍ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِذِكْرِهِ كَوْنَهُ صَحِيحاً، بَلْ قَصْدَ أَمْراً آخَرَ، وَمَقَاصِدِهِ فِي ذَلِكَ مُخْتَلِفَةٌ، تُعْرَفُ بِكَثْرَةِ مُمَارَسَةِ كَلَامِهُ، وَشَرْحُ شَيْخِنَا حَافِظِ العَصْرِ وَافٍ بِبَيَانِهَا [يَقْصِدُ: ابْنَ حَجَرٍ فِي فَتْحِ البَارِي]، وَلِأَجْلِ هَذَا لَمْ يَعْتَرِضْ أَحَدٌ مِمَّنِ انْتَقَدَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْهَا) .
فَعُلِمَ بِذَلِكَ ضَعْفُ هَذِهِ القِصَّةِ، فَالعِصْمَةُ ثَابِتَةٌ لَهُ ﷺ، وَقَدْ نَبَّهَ البُخَارِيُّ عَلَى ضَعْفِ هَذِهِ القِصَّةِ بِنَقْلِهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَوْلَهُ: “فِيمَا بَلَغَنَا”، وَبِذَلِكَ نَكُونُ قَدْ بَيَّنَّا حَقِيقَةَ مَا يُرَوِّجُهُ الْبَعْضُ مِنَ التَّشْغيبِ عَلَى عِصْمَةِ النَّبِيِّ ﷺ، أَوِ القَدْحِ فِي الأَئِمَّةِ.
وَالحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.