الوصف
مع انفتاح العالم وانتشار برامج التواصل الاجتماعي تعالت أصوات النَّسويات بأفكارها الدّخيلة على المجتمعات العربية والإسلامية وقبلًا على المجتمعات الغربية. ومما أطرق الآذان في الآونة الأخيرة من شطحات النسوية “اعتراضهن على النص الاسلاميّ بحجة أن الإسلام فيه تحامُل ضدّ المرأة وإهانتها أو إسقاط حقها!”.
مقالة
مع انفتاح العالم وانتشار برامج التواصل الاجتماعي تعالت أصوات النَّسويات بأفكارها الدّخيلة على المجتمعات العربية والإسلامية وقبلًا على المجتمعات الغربية.
ومما أطرق الآذان في الآونة الأخيرة من شطحات النسوية “اعتراضهن على النص الاسلاميّ بحجة أن الإسلام فيه تحامُل ضدّ المرأة وإهانتها أو إسقاط حقها!”.
ومن ذلك ما كان في قوله جلّ وعلا: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا }(٣٤)النساء.
وتعدى ذلك على العامة من النساء والرجال ليحملن نفس الفكرة من الاعتراض أو التساؤل، ولكن كما سمحت لنفسك سماعَ أقوالهم اسمح لنفسك بسماع أهل العلم، ولكن عليك قبلُ أن تنظف روحك وتنثر عنها كلّ ماهو عالق بها من أفكار وأهواء. اجعلها روحًا مجرّدة وابدأ رحلتك التي رغبت بالوقوف بها على الحق.
بدايةً: ليس من الحكمة اجتزاء بعض القول في شأن النساء دون بعض وإقامة محاكمةٍ وفقَ أهواءٍ وأفكار خارجة عن مبدأ العقل، هذا ما نجده في نقد هذا التشريع في [سورة النساء :الآية٣٤]، واعتباره عنفًا ضد المرأة وإهانةِ مكانتها، ويغضّون الطرف عن عشرات بل مئات النصوص ما بين آيات وأحاديثَ وأخبار وأثر ،يذكر فيها محاسن المرأة أو فضلها وكيفية التعامل معها.
أوّل ما يمكن بسطه أمام القارئ هو الوقوف عند هذه السورة التي سميت بـِ “النساء” والتي تدل على تعظيم مكانة المرأة في الإسلام وكيف سميت سورة كاملة باسمها حوَت على (١٧٦آية) تناولَت آيات في تكريم المرأة وعرضًا لحقوقها وقواعد للأسرة، وقواعد عامة وخاصة وحقوقًا للنساء وللمسلمين، وقضايا في العدل وتضمّنت أعظم قانون للمواريث لم يشهد له مثيل، إلى غير ذلك من عرض ما يهمّ المسلم من إقامةٍ للدين والحياة. كل ذلك ضمن سورة تسمى “النساء” فأي تكريم هذا؟!.
قال الله عز وجل: {وَلَهُنَّ مِثلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ بِالمَعرُوفِ}.[البقرة٢٢٨].
في الآية الكريمة توضيح لمكانة المرأة وحقوقها المساوية والمتكاملة مع الرجل، أي: ولهن على الرجال من الحقّ مثل ما للرجال عليهن، فليؤدّ كل واحد منهما إلى الآخر ما يجبُ عليه بالمعروف.
والمثل أصلُه النظير والمشابه: وقد يكون الشيء مثلًا لشيء في جميع صفاته ، وقد يكون مثلًا له في بعض صفاته، وهو وجه الشبه.
وقال عز من قائل: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[النساء١٩].
فيه إشارة إلى حسن التعامل والمعاشرة، وذلك توفيةُ حقِّها من المهر والنفقة، وألا يعبسَ في وجهها دون أمرٍ اقترفته، وأن يكون منطلِقًا في القول لا فظًّا ولا غليظًا ولا مُظهرًا ميلًا إلى غيرها.
وقد تتضح هذه العلاقة بين زوجين من خلال قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[الروم٢١].
قيل المودة والرحمة عطفُ قلوبهم بعضهم على بعض، وقيل إنّها المحبة والشفقة.[١]
وفي القرآن الكريم ما يوجد فيه من إخبار عن نساء استحقَقنَ تخليد ذكرهنّ وبيان عِظم مكانتهن مثل “مريم ابنة عمران، وآسية امرأة فرعون” وغيرهن.
ولعلنا نجد ما لا نجده في أيّ ثقافةٍ اجتماعية وأسرية ومنه ما وصى به النبي صلى اللّٰه عليه وسلم، من الإحسان إلى الزوجة والقيام على أمورها وشؤنِها. “عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي”. سنن الترمذي وابن ماجه.[٤]
والخير هنا يشمل كل نواحي الحياة التي تجمع الزوجين من خُلق ومعاملة وصحبة .
ومنه ما ذكره الحديث الشريف من قول سيد المرسلين عن عائشة رضي الله عنها أنه قال: (إنما النساء شقائق الرجال) سنن أبي داوود ٢٣٦.
أي: إنَّ النِّساءَ نظائِرُ وأمثالُ الرِّجالِ فِي الأحكامِ المُشتَرَكةِ بينهُما، في بعض التكليف والجزاء من الحقوق أو الواجبات.
(وفيما رواه الشيخان في الصحيحين عن النبي ﷺ من حديث أبي هريرة ، قال ﷺ: استوصوا بالنساء خيرًا فإنهن خلقن من ضِلَع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فاستوصوا بالنساء خيرًا).
هذا يتضمن الأزواج والآباء والإخوة، توجيهٌ نبوي بأن يستوصوا بالنساء خيرًا، وأن يحسنوا إليهن، وأن لا يظلموهن، وأن يعطوهنّ حقوقَهن.
(وفيما أخرجه الإمام أحمد وابن ماجه بإسناد صحيح عن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: من كان له ثلاث بنات فصبر عليهِنّ وأطعمهن وسقاهنّ وكساهن من جدته كن له حجابًا من النار يوم القيامة) حديث صحيح.
وبالعودة إلى الآية الكريمة التي كان الوهم فيها بكلمة {واضربوهن}: لنطرق باب العقل ولنقرأ في كتب التفسير، نبدأُ من أول الجملة فلا يكتمل المعنى باجتزاء كلمة وبناء الحكم عليها، فإنما البعض من الكل، قال تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ}نرى أن مراتب التفاعل مع الزوجة جاء بعد إشكالٍ حاصل وهو “النشوز”
ماهو النشوز؟ النشوز لغة: هو الارتفاع والنهوض، قال الفقهاء: عصيانُ المرأة زوجَها والترفع عليه وإظهار كراهيته والخروج عليه، (وقد يكون هذا إما لكراهية الزوج، أو لسوء خلق المرأة). فمن وجد من زوجته هذا النشوز أوجد له الشارع مراتبَ العلاج تبدأ بالوعظ والنصح، فإن لم تستجب يذهب إلى المرتبة الثانية وهي الهجر (هجر الفراش أو هجر التّحدث إليها) علّها بذلك تعود إلى جادة الصواب وروح المودة والرحمة بينهما فإن أعرضت كانت له المرتبة الثالثة وهي الضرب.
ثلاث خطوات تبدأ بالأقل إلى الأعلى لا يجمع بينها، مراتب من أجل المصلحة الزوجية والأسرية، والضرب هنا إنما جعل للزوجة دون سائر النساء ولا يحق للرجل ضرب المرأة أيًّا كانت أختًا أو أمًا أو بنتًا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “لا تضربوا إماء الله[٣]“بل هي للزوجة الناشز ليس الغرض منه الانتقام أو التشفي أو إظهار قوة الزوج بل لفت نظر الزوجة إلى كبير فعلِها وينبغي على الزوج التوقف برجوعها عن نشوزها.
قال ابن عاشور: (معنى أنّه حصل النشوز عن مخائل قصد العصيان والتصميم عليه، لا مطلق المغاضبة أو عدم الامتثال، فإن ذلك قلَّمَا يخلو منه حال الزوجين لأن المغاضبة والتعاصي يعرضان للنساء وللرجال ولا يزولان) انتهى[٤].
وننوّه هنا إلى عدم جواز الهجر أو الضرب بمجرد التّوقع أو الأهواء النفسية التي تعرض للزوج قبل الحصول اتّفاقًا بين الفقهاء، وقد بينوا -رحمهم الله- أن التعامل وفق هذه المراتب يجب أن يكون بحذر وحسب درجة النشوز، فالوعظ لا حد له، والهجر شرطُه ألا يؤدي إلى الإضرار بالمرأة (كالكمد)، وأما الضرب فهو بما لا يُلحق ضررًا ولا يكون مبرحًا، قال سعيد بن جبير وغيره: (ضربًا غير مبرح) قال الحسن البصري: يعني غير مؤثر.
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ ، أَخْبَرَنَا أَبُو قَزَعَةَ الْبَاهِلِيُّ ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ ؟ قَالَ : ” أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ – أَوِ اكْتَسَبْتَ – وَلَا تَضْرِبِ الْوَجْهَ، وَلَا تُقَبِّحْ، وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ “.حديث حسن صحيح [٥].
وقد أرشد الفقهاء إلى أن الضرب يكون بالسواك أو المنديل. “وقد سُئل ابن عباس: ما الضرب غير المبرح ؟ قال : السواك وشبهه يضربها به”. ابن جرير الطبري (جامع البيان)٩٣٨٦.وعلى هذا أجمع الجمهور.
لنطرح هنا سؤالًا عن واقع المرأة في المجتمات الغربية المدنية والمتدينة الحضارية أو التقليدية هل انتفى الضرب لديهم؟!!
لا تجعلِ الإعلام يأسر عقلك دون علم وتعلم، ونظر وتعقُّل، والنظر في أحوال نساء الغرب وما يَلقونه من أذىً نفسي وجسدي جرّاء “الشتائم والضرب” دون سبب مباشر أو جوهري!
وما يحدثه من أثر عميق يتعدى خطرُه على شخصيّة المرأة المعنفة وعلى أخلاقها ودينها وأولادها ومحيطها، حيث ذكر التقرير الأمريكي “أن في كل ١٢ ثانية امرأة تُضرب إلى درجة القتل أو التحطيم من قِبل زوج أو خليل!. [٦].
إن الضرب في الإسلام له ضوابط، منها الإحسان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء) رواه مسلم. وقال عليه السلام: (ماكان الرّفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه) صحيح الجامع، وقال: (واهجروهنّ في المضاجع واضربوهن ضربًا غير مبرّح) الترمذي.
قال ابن شاس من فقهاء المالكية: فإن غلبَ على ظنه أنها لا تترك النشوز إلا بضرب مخوف لم يجُز تعزيرها أصلًا) عقد الجواهر[٧].
وإن وجدنا ضربًا مبرحًا فهذا نتيجة سوء فهم لتطبيق الإسلام وتعاليمه.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: “خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي” الترمذي.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتيّة: ذهب الفقهاء إلى أن الزوج لو تعدى على زوجته فإن الحاكم أو القاضي يكفُّه عن ذلك، ونص جمهور الفقهاء على أنَّ للقاضي أو الحاكم أن يعزِّر الزوج، ولهم بعد ذلك تفصيل، قال المالكية: لو تعدّى الزوج على الزوجة لغير موجبٍ شرعي بضرب أو سب ونحوه، وثبت ببينة أو إقرارٍ زجرَه الحاكم بوعظ فتهديد، فإن لم ينزجر بالوعظ ضربه إن ظنّ إفادته في زجره ومنعه، وإلا فلا، وهذا إذا اختارت البقاء معه، فإن لم يثبت، وعظَه فقط دون ضرب، وقال الشافعية: لو منع الرجل امرأته حقا لها كقسم ونفقة ألزمه القاضي توفيتَه ذلك.
والمرأة المسلمة في بيتها لا يدعها إسلامها وخلقها إلى الانزلاق إلى النشوز، فلو حصل بسبب هياج نفسيٍّ عارض، ستعود إلى رشدها بالوعظ فقط.
والملاحظ على دعاة الغيرة على المرأة أنهم يحتلّونَ النسبة الأكبر في تهاوي بيوتهم وتعنيف زوجاتهم، وجهلهم بهذا الدين الحنيف.
ولكن انتظر أيها الباحث عن الخطاب، أليس بقاء الهيكل الإجتماعي أو الاقتصادي أو الشّخصي إنما يتحقق بمبدأ الحق والواجب، ومبدأ الثواب والعقاب، وأن هنالك أمور متّبعة تحدّ من ارتكاب الأخطاء أو السماح بتفاقمها، تأخذ أشكالًا مختلفة من التفاعل والتدرج كلٍ حسب مقتضاه؟.
وأنت أيها الباحث على يقين أن هذه الأحكام والقوانين الرادعة (اقتصادية، أو اجتماعية، أو حتى شخصية) فهي لا تنظر إلى هوى ذلك أو رغبةِ تلك، وإلّا لعاشَ المجتمع بغابة ولَعاش الفرد بضيقِ عيشٍ وتخبّط وأمراض نفسية جراء المُضيّ وراء هوى النفس دون منهاج يكبح به أهواءه وأفكاره.
فمن محاسن هذا الدين أنه قام على صلاح الفرد والمجتمع ولكن ليس وفق أهواءٍ ورغبات تضرّ بالشخص وبالأسرة والمجتمع.
ألست ترى أنّ الطفل مهما بلغت منزلته في قلب من حوله، إلا أنه حال صدورِ الخطأ منه نتدرّج في معالجة الخطأ، كي نوجه ونهذب ونرشد هذا الطفل إلى الطريق الأفضل له ولغيره؟!.
وكذلك القوانين الوضعية الدولية والمناطقية والأمميّة تنحو هذا النحو من الإرشاد والتوجيه والعقاب ليتم بها الحفاظ على مصلحة الفرد والمجتمع.
فكيف لنا أن نسلم للحكم إن كان وضعيًا ونستشيط تذرعًا إن كان من عند الله.
إن وضع الأمور في نصابها الصحيح والنّظر بشكل محايدٍ مجردٍ وبإحكام العقل والفطرة، يقودنا إلى التّفهم والتعقل بالتعاطي مع الأفكار التي تأخذنا بعيدًا عن مقاصد الشريعة الغراء.