تواصل معنا

استشكال التفرقة بين المسلمين وغير المسلمين في بعض الأحكام الخاصة (مقالة)

الوصف

يقول سائل : ما موقف الدولة الإسلاميّة من حرية المسلمين في عدم تطبيق بعض الأحكام الشرعيّة كعدم ارتداء الحجاب مثلا ، وهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تعسف وتدخل في حياة الناس ؟  و ما موقف الدولة الإسلاميّة كذلك من حرية أصحاب الأديان الأخرى في المشاركة في الآراء السياسية وتولي الولايات العامة، والاندماج مع المجتمع الإسلامي في مختلف مؤسساته ؟ (حبذا لو يتم الإحالة على مصادر ومراجع ليمكنني التوسع في القراءة حول الموضوع).

مقالة

  • السؤال :

يقول سائل : ما موقف الدولة الإسلاميّة من حرية المسلمين في عدم تطبيق بعض الأحكام الشرعيّة كعدم ارتداء الحجاب مثلا ، وهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تعسف وتدخل في حياة الناس ؟

و ما موقف الدولة الإسلاميّة كذلك من حرية أصحاب الأديان الأخرى في المشاركة في الآراء السياسية وتولي الولايات العامة، والاندماج مع المجتمع الإسلامي في مختلف مؤسساته ؟
(حبذا لو يتم الإحالة على مصادر ومراجع ليمكنني التوسع في القراءة حول الموضوع).

  • الجواب : 

سنورد الجواب ضمن خمس نقاط :
موقف الشرع من حرية المسلمين .
 موقف الشرع من حرية غير المسلمين ، وحكم مشاركتهم في الآراء السياسية والاندماج مع المجتمع الإسلامي في مختلف مؤسساته .
الأصول والمنطلقات التى ترجع لها التفرقة بين المسلم والكافر في بعض الأحكام الخاصة .
المحاسن والحِكم العظيمة في هذه الأحكام .
مراجع للتوسع .

وهذا التفصيل :

  • أولًا ، فيما يتعلق بموقف الدولة من حرية المسلمين  :

سبق لنا جواب في الموقف من حرية المعصية تجدونه على الرابط التالي ، ونرجو الرجوع لها قبل إكمال القراءة لأن فيها ما يهمّ كمقدمة لبقية الجواب.
لمراجعة الجواب ، اضغط هنــــــا

  

  •  ثانيا ،موقف الشرع من حرية غير المسلمين ، وحُكم مشاركتهم في الآراء السياسية والاندماج مع المجتمع الإسلامي في مختلف مؤسساته .

 نقول: أن النظام السياسي الإسلامي فيه عقد الذمّة الذي نلتزم بناء عليه بإقرار الذمّيين على دينهم وعدم إجبارهم على تغييره, ولكن مع قيود منها منع إظهار شعائرهم والدعوة لدينهم, ومنعهم من تولّي الولايات العامة. 

ولا تعنى هذه القيود عدم اندماجهم ، فهم يتمتّعون بالعيش في أمان ، بل وأمرتنا الشريعة بالبر والإحسان لهم ومعاملتهم بالقسط والعدل ، ويحق لهم التعامل فيما بينهم ومع المسلمين بحريّة فى نواحٍ أخرى متعددة مثل التعاملات المالية.

 – وبما سبق يظهر أنّ الشريعة تسامحت معهم وأعطتهم فرصة العيش في مجتمع الإسلام, ولكن في نفس الوقت لم يعطوا بعض امتيازات المسلم, خاصة في المجال المتعلق بالولايات .

  •  ثالثا ، الأصول والمنطلقات التى ترجع لها التفرقة بين المسلم والكافر في بعض الأحكام الخاصة .

 الدولة المسلمة تنطلق في نظامها من أولوية حفظ الدين وإعلاء كلمة الله والتفريق بين الحق والباطل والهدى والضلال, فهي لا تذهب إلى المساواة التامة التي قد تخل بهذه المقاصد, ولا تلغي المساواة تماماً بحيث تلغي إمكان التعايش في ظل البر والقسط مع من لم يقاتلونا في الدين وأرادوا مسالمتنا والعيش تحت حكم الإسلام.


 ومن المهمّ لتفهمّ ما سبق أن ندرك أن الحريّة وفق الشريعة لها رؤيتها التفصيليّة المبنيّة على مرجعيتها المبرهنة القاطعة, والتي تقوم على اعتبار أن الوحي هو الحاكم المطلق, وأنّ الله تعالى هو خالق الإنسان وهو الذي له الحقّ الأعظم عليه, وهو من فطره على معرفة الخير والشر وأنزل عليه من الوحي ما يبيّن الحقوق والواجبات المبنية على الرؤية الصحيحة للوجود.

وفي المقابل نجد أنّ استشكال مسالك الشريعة في التعامل مع الذميين تنطلق من رؤية أخرى للوجود والحقوق والحريّات, وهي رؤية تتنكّر لخالق الكون وحقّه ورسالاته وحكمه, ولا تجعل لذلك أيّ اعتبار, وعلى هذا الأساس يتمّ استشكال أحكام الشريعة وموقفها من الحريّات, وبناء عليه يجب أن ينظر في هذه الاستشكالات من هذا الأساس, فيتميّز الحق من الباطل, وتفهم أساسات الأحكام ومقاصدها بما يتّسق مع ذلك, ويتبيّن أيضاً لمن يقارن فضل المرجعيّة الشرعية وتميزها ووضوحها وثباتها.

وينبغي أيضاً أن نميّز في هذا السياق بين أمرين :

  1. الأمر الأول : التطبيقات الفاسدة التي تنسب للشريعة, وهي في حقيقتها من الظلم والبغي, فتنسب زوراً للشرع وتوظّف بخبث في تشويهه.
  2. الأمر الثاني : الأحكام الشرعية التي تخالف المنظومة الليبرالية, كبعض أحكام أهل الذمة, وبعض أحكام العقوبات, وبعض الأحكام التي تخالف فيها المرأة الرجل, وغير ذلك, فهذه تعتبر مخالفة للحريّات وفق منظومة باطلة يخالفها الإسلام في أساسها, وليست مخالفة للحريّات وفق المنظومة الصحيحة المبرهنة المتّسقة مع غاية الوجود وسببه, بل هي وفق هذه الرؤية الصحيحة تحقّق الحريّات التي تصلح من حال الإنسان وتمنع الفساد عنه.

 

  •  رابعا ، تفرقة الشارع الحكيم بين المسلم والكافر في عدة أمور وراءها حِكم ومحاسن جليلة ، منها :

أ- تحقيق العدل ،
فالعدل حسن في ذاته ، ومن العدل التفرقة بين ما يستحق التفريق ، فليس من الحُسن والعدل أن يتساوى في الامتيازات والحقوق من آمن بالله جل علاه وآمن بالإسلام وامتثل لأوامر مولاه وللغاية التى خلقه من أجلها ، بمن جحد بالإسلام وكفر بالرسل أو بعضهم وجحد بوحدانية الله ولم يدخل فى طاعته بإمتثال شرعه ودينه .

 

ب- الحِكمة في اختيار الشخص المناسب لكل ولاية ،
وفي تولي غير المسلمين إخلال كبير وضياع لمقاصد الولاية الأساسية ، إذ من شروط الولاية الأمانة والنصح للمسلمين والحرص على مصالحهم والحفاظ على دينهم وإعلاءه ، وتطبيق شرع الله جل جلاله فى كل المعاملات ، وهذه الشروط غير متحققة في أهل الكفر من جهتين :
– من جهة أنهم كفار, فكيف يُستأمنون على دين الناس والقيام بمراعاة شؤونهم ومصالحهم والتي على رأسها ما هو متعلق بالدين، وتطبيق الشرع وأحكامه في معاش الناس ومصالحهم .
-ومن جهة أخرى ، ما نبهنا الله عزوجل له من صفاتهم المعارضة لتلك الشروط ، كقوله تعالى : {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنزّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ } ، وقوله تعالى {إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ} ،
وبالتالي منعهم من هذه الولايات والإمتيازات هو عين الصواب والحكمة ، وفي مقابل هذا سمحت لهم الشريعة بالاندماج في التعاملات المالية وغيرها مما ليس فيه ضرر.

ج- أن هذه الأحكام قد تكون دافعا لاعتناقهم الإسلام ،وهذه مصلحة عظيمة،
ومن هنا ينبغي التأكيد على أن قبول عقد الذمة وابقاءهم على دينهم بحرية ، لا يعنى ترك الوسائل والطرق التى قد تعينهم على اعتناق الإسلام وتدفعهم لذلك دفعا ، بل إبقاؤهم بين المسلمين والتعرف على الإسلام بذلك هو نوع رحمة وامهال يُرجى منه إسلامهم ،ومن هذه الطرق عدم التسوية بينهم وبين المسلمين، إذ في التسوية وأخذ كافة الامتيازات نوع إقرار تام لهم على دينهم ، وإشعارهم بعدم وجود فارق بين الدين الحق وغيره يترتب عليه أمور عظيمة ، مما يُسهل عليهم الغفلة و الثبات علي الباطل فى إطمئنان وراحة. ففى عدم التسوية وعلو الحق وأهله على غيرهم ما يدفعهم للتفكر في أسباب هذه التفرقة ، فيُرجى من التفكر إسلامهم ومراجعة اعتقادهم ، إضافة للطرق الأخرى كالدعوة والإحسان لهم وغير ذلك ، فندفعهم لاتباع الحق بكل السبل والطرق ،وفي هذا نجاتهم في الآخرة من عذاب أبدي , وهذه مصلحة عظيمة، تهون في جنباتها ما قد يلحقهم في سبيلها من بعض أمور الدنيا .

هذه بعض من الحِكم وراء هذه التفرقة والأحكام الخاصة بغير المسلمين، وذكرها على سبيل التمثيل لا الحصر، إذ لن يحيط أحد بعلم الله عز وجل وحكمته الكاملة فى أمره وشرعه.

 خامسًا ، بشأن طلب مراجع للتوسع, يمكن الاستفادة في الجملة مما يلي :

  • أحكام أهل الذمة لابن القيم.
  • فضاءات الحرية ، سلطان العميري . فضاءات الحرية

والله أعلم , وصلى الله على نبينا محمد.

المرفقات

المصدر

أضف تعليقا