الوصف
من حِكمة جعل ميراث الذكر ضعف الأنثى أن عليه النفقة، لكن في واقعنا وعرفنا لم يعد هذا موجودًا تقريبا، فالأخ الذي يأخذ ضعف نصيب أخته لا يتحمل من مسؤوليتها شيئا، وقد تكون بلا زوج، فليس بالضرورة أن كل امراة ستتزوج! فما الحل إذًا؟ وهل يجوز جعل نصيبها كنصيبه لزوال الحِكمة، وبناء على فقه المقاصد والمصالح كما فعل سيدنا عمر رضي الله عنه في عدم تطبيق حد السرقة عام الرمادة؟
مقالة
-
السؤال:
من حِكمة جعل ميراث الذكر ضعف الأنثى أن عليه النفقة، لكن في واقعنا وعرفنا لم يعد هذا موجودًا تقريبا، فالأخ الذي يأخذ ضعف نصيب أخته لا يتحمل من مسؤوليتها شيئا، وقد تكون بلا زوج، فليس بالضرورة أن كل امراة ستتزوج! فما الحل إذًا؟
وهل يجوز جعل نصيبها كنصيبه لزوال الحِكمة، وبناء على فقه المقاصد والمصالح كما فعل سيدنا عمر رضي الله عنه في عدم تطبيق حد السرقة عام الرمادة؟
-
الجواب:
لا يجوز مطلقًا تغيير شيء من الفرائض والمواريث التي شرعها الله عزوجل وفرضها في كتابه، وذلك لعددٍ من الأمور، منها:
- الأمر الأول : أن الحُكم الشرعيّ لا يتغير إذا لم تتحقق الحِكمة الاجتهادية الملتمسة منه.
فالقول بأن (إرث الأخ ضعف أخته راجع لكون الرجل يُنفق) هو مجرد التماس للحِكمة وليس من قبيل العلّة التي يدور معها الحكم وجودًا وعدمًا، وهنا لا بد أن نُشير إلى الفرق الكبير بين الحِكمة والعلّة، فالعلّة هي الوصف الظاهر المنضبط الذي بُني عليه الحُكم الشرعيّ، ولمعرفتها طرق تُسمى مسالك العلّة, منها النص والإجماع والمناسبة وغير ذلك، أمّا الحِكمة فهي المصلحة التي قصد الشارع من تشريع الحُكم تحقيقها، وغالبا ما تكون اجتهادية مستنبطة، والحُكم الشرعيّ يُبنى على العلّة الظاهرة المنضبطة وليس الحِكمة، ولا يتغير إذا لم تتحقق الحِكمة.
وحتى تقترب الصورة أكثر في التفريق بين العلّة والحِكمة, تأمّل ما يلي:
– أرأيت علبة الماء ( قنينة الماء ) عندما تشتريها فأنت لا تريد ذات العلبة وإنما تريد ما بداخلها من ماء، هنا تقريبًا نقول بأن الماء هو الحِكمة أو الغرض والمصلحة من شرائك، لكن هذا الماء لا ينضبط إطلاقًا إلا بما يحتويه ويجعله في مادة ليُمسَك, وهي هذه العلبة التي هي بمثابة العلّة الظاهرة المنضبطة, وبغض النظر عن غرضك من الماء أكان الشرب أو الغسيل أو غير ذلك, فلا يمكنك أن تمسك الماء ذاته إلا إن كان في علبة وزجاجة، لذلك قالوا بأن الأحكام تبنى على العلّل لا على الحِكم، لأن العلّل ظاهرة منضبطة .
وبناء الحُكم على العلّة – الظاهرة المنضبطة – وليس على الحِكمة له مميزات كثيرة، منها :
- أن فيه استقرارًا للحُكم وعدم اضطرابه؛ لأن العلّة ظاهرة منضبطة لا تختلف باختلاف الأشخاص ولا الأزمان.
- أن فيه بناء الحُكم على الأغلب لا على الحالات النادرة، فبما أن العلّة ظاهرة، والظاهر لا يكون إلا إذا غلب واشتهر، فبناء الحُكم على العلّة فيه مراعاة للأغلبية التي رعاها الشارع.
- أن في ذلك تحقيقًا للتسليم والعبودية، لأن الأصل في المسلم أن يسلم أمره لله ويخضع لأوامره {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِم}، مع التيقن أن أمر الله حتما فيه المصلحة والخير؛ لأن الله هو الخالق وهو أعلم سبحانه بما يصلح خلقه، ولذا قال صحابي جليل: “نهانا رسول الله عن أمر كان نافعا لنا – أي فيما يظهر له – وطواعية الله ورسوله أنفع لنا”.
وبهذا يتضح أنه على فرض عدم تتحقق هذه الحِكمة الملتمسة، لا يجوز تغيير الحُكم الشرعيّ لأجل ذلك، لأن الحُكم لا يرتبط بتلك الحِكمة وجودًا وعدمًا, بل يرتبط بالعلة, وهي في هذا الحُكم نفس موجبات الإرث كالنسب والزوجية.
- الأمر الثاني : أن المواريث فيها جانب تعبدي تخفى فيه الحكمة ويجب أن يقابل بالطاعة والتسليم.
فنحن نتفق بشكل عام أنه ما مِن حُكم شرعيّ إلا وقد شرعه الله عز وجل لحِكمة، علمها مَن علم وجهلها مَن جهل، وهناك عدد من الأحكام الشرعيّة تظهر فيها الحِكم والعلّل بوضوح مثل المعاملات المالية، ولكن هناك أحكام لا يظهر في كثير من جوانبها الحِكم مثل عدد الصلوات وتفاصيل مناسك الحج وغيرها، ولكن نمتثل بها تعبدًا لله عزوجل وتسليمًا لأمره.
وأحكام المواريث والفرائض لا شك أن تشريعها مبني على الحِكم، ونستطيع التماس عدد منها وفهمه بوضوح، ولكن يبقى فيها الجانب التعبدي حاضرًا، ولذا قال الله عزوجل عنها: {فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ}، فالأصل التسليم لأحكامها والعمل بها مع التيقن أن في تشريعها حِكمًا لا نحيط بها علمًا لأنها تشريع الله العليم الحكيم، ومما يؤكد هذا أن الإنسان لو تأمل هذه الأنصبة من ربع وثمن وسدس وثلث وغير ذلك، يجد أن العقل لن يهتدي لتفاصيلها ووجه هذا التحديد الدقيق فيها، وهذا يدل على أن فيها جانبا تعبديا لن نهتدي لتفصيل حِكمته، والشرع أراد الوقف على ما شرع، وعدم مجاوزة ما قدّر من فرائض وعدم التعدي عليها، ولذا جاء في آيات المواريث قوله تعالى {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} .
قال الإمام ابن كثير – رحمه الله – في تفسيرها :
« هذه الفرائض والمقادير التي جعلها الله للورثة بحسب قربهم من الميت واحتياجهم إليه وفقدهم له عند عدمه هي حدود الله، فلا تعتدوها ولا تجاوزوها; ولهذا قال : ( ومن يطع الله ورسوله ) أي : فيها ، فلم يزد بعض الورثة ولم ينقص بعضا بحيلة ووسيلة ، بل تركهم على حكم الله وفريضته وقسمته »
ومن هنا يظهر جليّا عدم جواز تغيير أي فرض من المواريث لأنها أحكام تعبديّة قدّرها المولى عزوجل العليم الحكيم، وحذر من التعدي عليها, ولن نُحيط بها علمًا ولابد من التسليم لله فيها والتعبد له بامتثالها – عافنا الله من التجرؤ على شريعته.
- الأمر الثالث: أن المصلحة المدعاة هنا لا مجال للأخذ بها, وهي مصلحة مُلغاة لا يُعتدّ بها .
– فالقول بأن ( المساواة بينهما في الإرث فيه مصلحة لأن المرأة الآن تنفق، ويمكن تغيير الحكم لأجلها ) غير صحيح، لأن العمل بالمصلحة يكون في خلو المسألة من نص يبين حكمها, كما يحصل في ما يسمى بالمصالح المرسلة أو عند تعارض المصالح في حالات الضرورة ونحوها من الأحوال الاستثنائية, أما إذا وجد النص على عين المسألة أو وجدت مسألة منصوصة شبيهة يتعين القياس عليها, فالمصلحة في ذلك لا في غيره, وكل مصلحة تفرض في مقابلة ذلك فهي موهومة غير حقيقية, وتسمى المصلحة المخالفة للشرع بالمصلحة الملغاة لأنها لا اعتبار لها, والله فرض المواريث في كتابه, فليست قابلة للاجتهاد لا بالنظر في المصالح ولا بغيره, وقد قال المولى في نهايتها {فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ}.
وليس لكل أحد يرى مصلحة أن يبني عليها حُكمًا وفق رأيه، ولو كان ذلك لكانت الشريعة تبعا لأهواء الناس، والشريعة ربانية منزهة عن ذلك، ولذا وضع العلماء ضوابط للمصلحة تجعلها منضبطة معتبرة ومن هذه الضوابط :
ضوابط المصلحة :
- خلو الواقعة من نص يبين حكمها بلفظه أو بالقياس عليه.
- عدم معارضتها للكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس.
- اندراجها في قواعد الشريعة الكلية ومقاصدها العامة.
- عدم تفويتها لمصلحة أهم منها أو مساوية لها.
بهذه الضوابط تكون المصلحة منضبطة، حتى لا تتجاوز المنصوص – وهو الأصل في العمل – , وهذه الضوابط غير متوفرة في المصلحة المُدّعاة بتساوي الأنثى بالذكر في الفرائض, ومن ثم فهي مصلحة مُلغاة لا يُعتدّ بها.
أما الاستشهاد بقضية عمر – رضي الله عنه – وأنه أوقف حد السرقة في عام الرمادة للمصلحة ولمقاصد النص!
فهذا غير صحيح، ولا يُفهم من فعله – إن صح ذلك عنه – أنه اجتهد وفقًا للمصلحة وأن المصلحة تُوقف الحدود وتتجاوز الأحكام المنصوصة!
ولكن لكل حدٍ شروطٌ وموانع، ومن تلك الموانع الشبهات، فكل ما في الأمر أن عمر – رضي الله عنه – اجتهد في تحقيق المناط (تنزيلا لحكم على الواقعة) بعد جمع النصوص، فالسرقة لا تثبت إلا بانتفاء شبهة الحق في المال المسروق، وشبهة تثبوت الحق للمضطر في المال في شدة المجاعة شبهة قائمة، ومن القواعد المتفق عليها درء الحد بالشبهات، فلم يطبق عمر – رضي الله عنه – الحد في عام الرمادة هو من هذا الباب, وليس للمقاصد والمصلحة ومجرد تغير الزمان, بدليل تطبيقه الحد قبل هذا وبعده، فالأمر يختلف تماما عن المسألة المذكورة .
وهذا يؤكد أن أحكام المواريث القطعية لا يجوز تغييرها بادّعاء أن في هذا مصالح أو أنه عملا بالمقاصد .
ويمكن مراجعة هذا الرابط للتفصيل في بطلان الاحتجاج بالمقاصد لتغيير الأحكام الشرعيّة القطعية
وهذا الرابط للتفصيل في تعطيل حد السرقة عام الرمادة
- الأمر الرابع : أن العُرف إذا تعارض مع الحُكم الشرعيّ فهو الذي يجب أن يتغير وليس الحُكم .
فالمرأة في الشرع لا تجب عليها النفقة بل على الرجل، وإن لم تتزوج -وإن كان هذا نادرا والشريعة تبني الأحكام على الأغلب لا النادر – فالأب مُلزم بنفقتها، وإن عدم الأب فالأخ وهكذا، وإن تزوجت فزوجها ملزمٌ بالنفقة، وعدم نفقته عليها أمر لا تقره الشريعة ولا توافق عليه وتراه ظلما، والحل أن ترفع أمره للقاضي وتجبره على النفقة، وإن لم يوجد القضاء الذي يقضي بالشريعة في ذلك فالواجب أن يوجد لا أن يغير الشرع لأجل ما يخالفه, فالشرع هو الأساس وهو الذي جاء ليُغير الواقع والأعراف، وإن كان شيئا لابد أن يتغير فليكن العرف الذي ظلم المرأة وألزمها بأمور ليست مُكلفة بها، وليكن السعي في سقوط هذه الأعباء من عليها والرجوع للشرع الحنيف وليس العكس.
كما أننا لا نُسلم لقول ” المرأة الآن هي التي تنفق ” ونرى أن فيه إشكالا،
فمن قال ذلك؟ ووفق بيئة من؟وعرف من؟ ففي البلد الواحد أعراف وتقاليد، فكيف في البلدان والجهات من بلاد المشرق والمغرب، لا شك أن الجواب سيختلف، وهذا مثال لما ذكرناه من أنه لا يصح البناء على ما يخفى أو لا ينضبط، ومع ذلك لو أمكن أن تنضبط بعض الأعراف لم يجز اعتبارها إذا خالفت الشريعة كما في مسألتنا، بل نُغير الواقع ونطبق الشريعة فيه كما هي.
فإن قيل إن الفقهاء أقروا تغيُّر الحُكم الشرعيّ إذا تغيّر العرف، بناء على قاعدة لا يُنكر تغير الأحكام بتغير الزمان :
فنقول ادّعاء إطلاق الفقهاء لهذا غير صحيح، فهذا التقرير محصور فقط في الأحكام الشرعيّة المرتبطة علّتها بالعُرف والعادة، والمواريث ليست من هذا القبيل, وهذه القاعدة أقرها الفقهاء على اختلاف صياغتها, ولكن التغير المُراد منها لا يشمل مطلق الأحكام الشرعيّة، ذلك لأن الأحكام التي يمكن وقوع التغير فيها هي الأحكام الشرعيّة الاجتهادية المنوطة بالعرف المتغيّر، أو المنوطة بعلّل مؤقتة غير دائمة، لا مطلق الأحكام الشرعيّة، فإذا تغير العرف الذي بُني الحكم الاجتهادي عليه، جاز تغير الحّكم بما يناسب العرف المتغير لكن على شرط ألا يخالف نصّا، وإذا كان الحُكم منوطا بعلّة وقتية زال موجبها، جاز كذلك تغير الحُكم الاجتهادي الذي أُنيط بها ، وألحق بالعلة المناسبة.
وهذا التغير في الحقيقة قد تحفظ بعض العلماء من تسميته تغيرا في الحكم؛ خشية أن يظن أنه من تبديل الشريعة، وقالوا : إن الحكم الشرعيّ في الحقيقة لم يتغير، وإنما المتغير هو الصور والأوصاف، فالله شرع ذلك الحُكم مرتبطا بصورة معينة وصفة معينة وحال معينة، ولم يشرعه مطلقا، فإذا تغيرت الصورة والصفة، كان لله فيها حُكم آخر يناسبها، وليس ذلك من قبيل تغير الحُكم على الحقيقة، وإنما هو تغير للصور والأوصاف والعلّل، ولله في كل صورة من تلك الصور حُكم معين مختلف، فلا تغير، وهو خلاف لفظي على كل حال، وهو بعيد عن مسألتنا القطعية المنصوص عليها التي لم يوقفها الشارع على أي من هذه الأمور.
ولتوضيح هذا يقول الإمام الشاطبي – رحمه الله – :
«واعلم أن ما جرى ذكره هنا من اختلاف الأحكام عند اختلاف العوائد، فليس في الحقيقة باختلاف في أصل الخطاب؛ لأن الشرع موضوع على أنه دائم أبدي لو فرض بقاء الدنيا من غير نهاية والتكليف كذلك, لم يحتج في الشرع إلى مزيد، وإنما معنى الاختلاف أن العوائد إذا اختلفت رجعت كل عادة إلى أصل شرعيّ يُحكم به عليها، كما في البلوغ مثلا ، فإن الخطاب التكليفي مرتفع عن الصبي ما كان قبل البلوغ، فإذا بلغ وقع عليه التكليف، فسقوط التكليف قبل البلوغ ثم ثبوته بعده ليس باختلاف في الخطاب ، وإنما وقع الاختلاف في العوائد ، أو في الشواهد ، وكذلك الحُكم بعد الدخول بأن القول قول الزوج في دفع الصداق بناء على العادة ، وأن القول قول الزوجة بعد الدخول أيضا، بناء على نسخ تلك العادة ليس باختلاف في حكم ، بل الحكم أن الذي ترجح جانبه بمعهود أو أصل، فالقول قوله بإطلاق لأنه مدعى عليه، وهكذا سائر الأمثلة، فالأحكام ثابتة تتبع أسبابها حيث كانت بإطلاق ».
وبهذا يتأكد أن أحكام الفرائض والمواريث لا يجوز تغييرها بدعوى تغير العرف، أو الزمان والعوائد الإجتماعية، لأنها عامة قطعية منصوص عليها غير مرتبطة بعلّة وعرف أو مجتمع، وما جاء الإسلام بتحديد هذه الفرائض بهذه الدقة إلا لتتغير الأعراف وعادات الناس فيها تبعا لتحديد الشرع، ولا تكون اجتهادية أو ترجع للناس وعرفهم فيحصل من هذا الظلم والعداوة والبغي ، وإنما جاءت قطعية منصوص عليها مُحكمة .
- وأخيرًا، ننبه على عددٍ من الأمور تساعد في توضيح الصورة أكثر وزوال الإشكال بالكامل.
- هذه الأمور التي يريدون تغيير الحُكم الشرعيّ لأجلها، ورد مثلها في زمن التنزيل، فبالتأكيد كان هناك من النساء من لم يتزوجن، وحدثت حالات فيها قصور من الزوج في الإنفاق، فلم يقل أحد بأن العلاج يكون بالمساواة، وهذا الأمر تكرر على مر العصور من مشرقها إلى مغربها وباختلاف الأعراق في تاريخ الإسلام، فليس هو حكرًا على هذا الزمن فقط، وليس حله تغيير الحُكم الشرعيّ, بل إلزام من تجب عليه النفقة.
- أن مسؤولية الرجل – الذي ورث ضعف نصيب أخته – تتعدى مسألة الإنفاق الواجب على زوجته، فليس الأمر بهذه المقابلة، بل عليه أعباء مالية أخرى تخص أقاربه ودياتهم والمهر ونفقة الأبناء وغيرذلك، فلا مقارنة بين أعباء الرجل المالية وأعباء المرأة -شرعا- حتى وإن أنفقت الزوجة على نفسها.
- أن تقسيم الفرائض لا يرجع فقط لمسألة النفقة بل الأمر أبعد من ذلك، والشريعة راعت فيه كل المصالح، ومما ذكر العلماء أنه من حِكم التمييز في الميراث:
- درجة القرابة بين الوارث والمتوفى، فكلما اقتربت زاد الميراث، ولو كانت امرأة.
- موقع الجيل الوارث بحسب الأجيال، فمن يستقبل الحياة عادة نصيبه أكبر، فالبنت قد ترث أكثر من الأم والأب، والابن يرث أكثر من أبيه.
- العبء المالي الذي يوجب المسؤوليات.
لذا ليس كل الحالات ترث فيها المرأة نصف الرجل، بل هناك حالات يرثون بالتساوي، وحالات ترث ولا يرث الرجل، وهناك حالات ترث المرأة أكثر من الرجل، ولا يجوز للرجل حينها أن يقول أنه ينفق أكثر من المرأة وهي ترث أكثر مني ويدعي المظلومية، بل حينها سنجيب عليه بكل ما سبق من عدم جواز تغيير الفرائض، ونضيف عليه توضيح أن الأمر ليس متعلقا بالنفقة فقط، بل لأمور أخرى معها، أصبح بها نظام الميراث في الإسلام متكاملًا لا يحتاج إلى إضافة أو تعدي؛ كيف لا وهو الشريعة الربانية الكاملة, التي لايعتريها نقص ولا ظلم، وصدق الله القائل في كتابه العزيز {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ}.
بهذا الجواب يزول الإشكال بإذن الله تعالى والله أعلم ..