تواصل معنا

لماذا تمنع الشريعة الإسلامية حرية الدعوة إلى العقائد والأفكار الأخرى بينما نجد المجتمعات الغربية لا تمنع حرية الدعوة إلى الإسلام؟ (مقالة)

الوصف

لماذا تمنع الشريعة الإسلامية حرية الدعوة إلى العقائد والأفكار الأخرى بينما نجد المجتمعات الغربية لا تمنع حرية الدعوة إلى الإسلام، وإذا منعوا ذلك فللدولة الإسلامية الحق في أن تقاتلهم؟

مقالة

السؤال:

لماذا تمنع الشريعة الإسلامية حرية الدعوة إلى العقائد والأفكار الأخرى بينما نجد المجتمعات الغربية لا تمنع حرية الدعوة إلى الإسلام، وإذا منعوا ذلك فللدولة الإسلامية الحق في أن تقاتلهم؟

الجواب:

المستهدف من الجواب لا يخلو من حالين، ومن الأفضل أن نفرق بينهما:

فإذا كان السائل مسلمًا موقنًا أن هذا الدين حق، وعنده تسليم بأحكام الله، ويعلم أن الله عدل وأحكامه كلها حكمة، فهذا نقول له:

  • (١) الإسلام ليس كغيره من الأديان والأفكار، الإسلام حق وما سواه باطل، ، ولا مساواة بين الحق والباطل، فمنعنا للسماح لهم بالدعوة إلى أديانهم لأنها باطلة وتدعو إلى أعظم ذنب وأكبر ظلم وهو الشرك بالله أو إنكار وجوده، وحق الله تعالى هو المقدّم، قال تعالى:{ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}، وقال عليه الصلاة والسلام: ” وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلاَ نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ”.

وهو سبحانه المهيمن، أمرنا أن نحكم بما أنزل، وأخبر أن كلمته هي العليا، فلا يصح في دولة تعلي كلمة الله وتدين بحكمه أن تأذن للدعوة إلى الشرك أو الإلحاد أو تسمح لأصحابها بممارسة شعائر الكفر علنًا، بل يمنع ذلك لحق الله تعالى.

وبيان ذلك: أن الله تعالى هو الذي خلق الخلق ورزقهم وأسبغ عليهم نعمه، ولأجل ذلك فإنه يجب على الإنسان أن يحقق العبودية لله تعالى، وأن يشكره على نعمه التي لا تحصى، {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}، وعليه أن يستحضر أنه لا قيام له ولا صلاح لحاله ولا استقرار لنفسه إلا بالله سبحانه، وأنه مهما عبد الله تعالى فإنه لن يستوفي نعم الله عليه.

ثم إن الله تعالى قد هيأ الأسباب لهذا الإنسان ليقوم بالعبودية له ﷻ، فغرس فيه فطرة ترشده إلى معرفة الله وتوحيده، ثم أرسل له رسلا بالهدى والبينات والبراهين؛ فكان الحق واضحا لما طلبه، جليا لمن نظر إليه بلا غشاوة.

فكيف لنا أن نسمح بنشر عقائد يتنكر فيها المخلوق لخالقه ويتمرد عليه ويكفر به؟

إن عدم السماح بنشر العقائد المخالفة للإسلام هو إعلاء لشأن الحق؛ فقيمة الحق ينبغي أن تكون في مكانها الصحيح في قلب المسلم.

وهذا عين العدل، والسماح بنشر المعتقدات الباطلة عين الظلم للناس، بل وللكفار أنفسهم باعتبار حالهم يوم القيامة وأنهم توسعوا في اتباع الباطل ودعوة الغير إليه فتثقل عليهم أوزارهم يوم القيامة.

وفهم هذا الأمر يصحح نظرة البعض التي تزهد وتستخف باتباع الدين الحق، وترتب على ذلك أنه لا فرق بين دين الإسلام وبين غيره من الأديان الباطلة.

  • (٢) دين الإسلام له مقاصد كبرى جاء لتحقيقها، وشرع كثيرًا من التشريعات لتحفظ هذه المقاصد، لتسلم للناس آخرتهم ويسعدوا في دنياهم، فدين الإسلام هو روح المجتمع الإسلامي وقوامه.

ومن أهم هذه المقاصد: مقصد حفظ الدين، ويدخل فيه المحافظة على تدين الناس بالدين الحق من أن تمسه أي شبهة، أو أن يتعرض الناس لما يزحزح إيمانهم، أو يقلل يقينهم.

والسماح بنشر العقائد الباطلة فيها مفسدة التأثير على تدين المجتمع؛ لأن ذلك يؤثر على الناس بتأثيرات متفاوتة؛ فالمجتمع الإسلامي ليس على درجة واحدة من العلم والإيمان، بل فيه من قد يتأثر ويتخلخل إيمانه إذا سمع تلك الشبهات، والمسلمون في النهاية بشر، يتأثرون بما يتأثر به البشر.

ونشر العقائد والأفكار الباطلة ليس داخلا في حرية التعبير التي يقررها الإسلام.

وبيان هذا أن رد الشبهات وبيان زيفها لا يكفي فيه المعرفة الإجمالية بالشريعة والتي هي موجودة عند كثير من المسلمين؛ فأهل الشبهات لهم طرق عدة في إثارة شبهاتهم؛ فقد يحرفون نصوصا شرعية، وقد يستخدمون مغالطات عقلية، وقد يحاولون التأثير على عواطف الناس وإرهابهم فكريا.

ولا يمكن أن يكون المجتمع المسلم كله متفرغا للدراسة والتعمق في الشريعة وطرق رد الشبهات، كما أن أفهام الناس تتفاوت قوة وضعفا، ونفوسهم ليست واحدة أمام الشبهات.

إذا علمت هذا فإنك سوف تتصور عظم الفتنة التي سوف تحل بالمسلمين إذا فتح هذا الباب، فكان من رحمة الله تعالى بعباده أن منع أهل الباطل من نشر باطلهم، ليسد طريق الشبه على الناس، فيلتفتوا إلى ما ينفعهم في آخرتهم فيعمروها بالعمل الصالح، وفي دنياهم فيعمروها ويتقدموا فيها.

وأما إن كان السائل لديه خلل في التصديق أو التسليم، أو كان غير مسلم أصلًا، فإن الجواب السابق يصلح له مع الأجوبة الآتية:

  1.  كوننا على حق وما سوى ديننا باطل هو قضية مبرهنة لها أدلة، ومن يخالفنا فيها فنحتج عليه بأدلة صحة ديننا وبطلان غيره.
  2.  كما أن لكل مجتمع قيمًا عليا يتحاكم لها ولا يقبل المساس بها، وهذا القدر أنتم تسلّمون به، فتلك المجتمعات الغربية قيمها علمانية، ومنها الحرية وعدم التفريق بين الأديان، ونحن قيمتنا العليا هي الدين وأنه حق ولا يستوي مع غيره، فأنتم إذا احتكمتم لقيمكم يلزمكم أن تسمحوا لنا بالدعوة إلى ديننا وإظهار شعائرنا لكي لا تتناقضوا مع قيمكم التي اخترتموها أنتم، أما نحن فقيمنا تلزمنا بأن لا نسوي الأديان ببعضها، وقد أمرنا بأن نوفي بالعهود ونعدل ولا نظلم، لكن العدل هو التفريق بين ما يستحق التفريق، ولذلك نحن نحفظ العهود ونصون الدماء وفقًا لها، ولكن لا نسمح بظهور الشرك وشعائره والدعوة إليه وتسويته مع الحق.

فإن قلتم نحن قيمنا تتعارض مع قيمكم ويجب أن تكونوا مثلنا تسوون بين الأديان وتجعلون الحرية الدينية مطلقة، فنقول ولماذا لا تتبعون أنتم قيمنا؟ لماذا قيمكم هي التي تتبع وليس قيمنا في حين أن قيمنا مبنية على المصدر الإلهي الرباني، وقيمكم ليس لها أي برهان بل هي مجرد اتفاق علماني اعتباطي لا يستند لحجة عقلية قطعية صحيحة ولا شرعية، فلا يوجد في العقل ما يوجب التسوية بين حق وباطل، بل العكس هو الصحيح.

 

أما بالنسبة للقتال، فإن الغرض منه إعلاء كلمة الله، ونفي فتنة الصد عن سبيله، وبسط عدل الإسلام ونشر نوره ورحمته، وأن يخضع الطرف المحارِب ويلقي السلم ويدخل تحت حكم الإسلام وإن لم يدخل في دين الإسلام، فهو مرتبط بمقاصد سامية وليس مجرد قهر وتسلط دنيوي.

وقد أكدت النصوص هذا الأمر وأن جهاد الطلب لا يقصد منه الإبادة أو الإكراه على الدخول في الدين، فهو يبدأ بالدعوة لخيار الإسلام وبه يحصل حقن الدماء والأموال فلا يتعرضون للقهر، ويعطي خيار الجزية وبه تحفظ كذلك الأموال ويتاح التعايش وفق صيغة تعلي الحق على الباطل، مع إتاحة الانتقال فورًا لجانب الحق بالإسلام.

ثم إذا حصل من الكفار مناقضة ما تقتضيه الغاية التي خلق لأجلها الخلق واعتدوا بالسلاح على من يريد إعلاء الحق، فحينها يباح قهرهم بالحق للحق، أي بأحكام الحق وقيوده التي تمنع الظلم، ولغاية علو الحق ودحر فتنة الصد عن سبيل الله، ليعم النور وتنتشر الرحمة وينال أهل الأرض حقهم في أن يعيشوا تحت ظل ذلك الخير.

والله أعلم

المرفقات

المصدر

أضف تعليقا