الوصف
أكثر من ١٤٠٠ سنة والأمر قريب؟ كيفية الجمع بين قوله تعالى {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} ومضي أكثر من ١٤٠٠ سنة ولم تقم الساعة ؟!
مقالة
بسم الله الرحمٰن الرحيم
أكثر من ١٤٠٠ سنة والأمر قريب؟
كيفية الجمع بين قوله تعالى {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} ومضي أكثر من ١٤٠٠ سنة ولم تقم الساعة ؟!
التمهيد:
الـحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجًا، والصّلاة والسلام على عبده ورسوله؛ محمد أدى الأمانة، ونصح الأمة.
أما بعد:
ما زال حال المنكرين للبعث في زمن النبي ﷺأنهم كانوا يستفتون عن القيامة؛ ليس لأنهم خائفون منها أو مؤمنون بها، بل كانوا يسألون إنكارًا لها واستهزاءً بها، ولا يزال المنكرون في زمننا هذا على الحال نفسها، تغيّر الأشخاص وتغيرت الأسماء لكن الأسئلة نفسها لم تتغير، يسألونها استهزاء وإنكارًا فانظر إلى قولهم: ” كيف تقولون أن الساعة قريب ومضى أكثر من ١٤٠٠ سنة على هذا الخبر ولم تقع الساعة فأيُّ قربٍ هذا؟”
أصول الخطأ في الشبهة:
وقبل أن نرد على هذه الشبهة نذكر أصل الخطأ في الشبهة وهو:
((بناء النتائج على أدلة لم تُفهم على وجهها الصحيح))
الرد:
ولذلك سنذكر المعنى الصحيح للقريب أو قرب الساعة وفيه أربع نقاط:
١- معنىً قريب ومعنى بعيد:
كل ما هو آت فهو قريب، والبعيد قد يستعمل في معنى استحالة الوقوع، وهذا ما ذكره الـمفسرون في تفسير قول الله تعالى: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا*وَنَرَاهُ قَرِيبًا}[المعارج: ٦ – ٧]
قال ابن كثير: “{إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا} أي: وقوع العذاب وقيام الساعة يراه الكفرة بعيد الوقوع، بمعنى مستحيل الوقوع، {وَنَرَاهُ قَرِيبًا} أي: المؤمنون يعتقدون كونه قريبًا، وإن كان له أمد لا يعلمه إلا الله عز وجل، لكن كل ما هو آت فهو قريب وواقع لا محالة.”[١]
وقال الشوكاني : “{إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً} أي: يرون العذاب الواقع بهم، أو يرون يوم القيامة بعيدًا أي: غير كائن لأنهم لا يؤمنون به، فمعنى {بَعِيدًا} أي: مستبعدًا محالًا، وليس المراد أنهم يرونه بعيدًا غير قريب. قال الأعمش: يرون البعث بعيدًا؛ لأنهم لا يؤمنون به كأنهم يستبعدونه على جهة الاستحالة، كما تقول لمن تناظره هذا بعيد، أي: لا يكون {وَنَرَاهُ قَرِيبًا} أي: نعلمه كائنًا قريبًا؛ لأن ما هو آت قريب. وقيل المعنى: ونراه هينًا في قدرتنا غير متعسر ولا متعذر.”[٢]
٢- قرب باعتبار مرور الزمان:
نفهم قرب الساعة باعتبار عمر الدنيا فما بقي من زمان الدنيا أقل مما مضى منه ولذلك هي قريبة ولو وقعت بعد آلاف سنين من نزول القرآن.
وهذا ما ذكره الألوسي في تفسير قول الله تعالى:
{أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ ۚ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا ۖ قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ۚ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ ۖ قُلْ عَسَىٰ أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا}[ الإسراء: ٥١] فقال: “وقيل: قربه لأن ما بقي من زمان الدنيا أقل مما مضى منه.”[٣]
والذي يدل على أن ما بقي من عمر الدنيا إلا قليل، قول رسول اللهﷺ: ((إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس...)) الحديث رواه البخاري.
٣- مقدار الزمن موقوف بعلم الله
فالأمر عند الله قريب كما قال تعالى: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا*وَنَرَاهُ قرِيبًا} [المعارج: ٦ – ٧]
وقال سبحانه: {اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ ۗ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} [الشورى: ١٧]
فوقتها غير معلوم وهو أمر قد يفاجئ الجميع وقد يقع في أي لحظة كما قال السعدي في تفسير هذه الآية: ” أي: ليس بمعلوم بعدها، ولا متى تقوم، فهي في كل وقت متوقع وقوعها، مخوف وجبتها.”
٤- ساعة الانسان موته، فمن مات فقد قامت قيامته:
كما روي عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: كان رجال من الأعراب جفاة يأتون النبي –صلى الله عليه وسلم– فيسألونه متى الساعة؟ فكان ينظر إلى أصغرهم فيقول إن يعِش هذا لا يدركه الهرم حتى تقوم عليكم ساعتكم. صحيح البخاري.
ومثله ما روي عن أنس رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ –ﷺ– مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ وَعِنْدَهُ غُلاَمٌ مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ مُحَمَّدٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ –ﷺ– « إِنْ يَعِشْ هَذَا الْغُلاَمُ فَعَسَى أَنْ لاَ يُدْرِكَهُ الْهَرَمُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ». صحيح المسلم
فساعة الإنسان بمعنى: موتُه قريبٌ منه وبعده ينتهي أمره في الدنيا وما بقي إلا أن يواجه نتائج أعماله، لذلك يجب على الإنسان أن يستعد لآخرته ولا يهرب من الحق لأنه لو وقعت ساعتُه وهو بعيد عن الحق لم ينفعه شيء.
نسأل الله أن يهدينا أجمعين.