تواصل معنا

مغالطة تجسيد المجرّدات (مقالة)

الوصف

تجسيد المجرّدات (Reification) هو أن تنسب صفة واقعية لشيء مجرّد، ولعل القارئ قد سمع المقولة القديمة، "ليس من اللائق أن تخدع أمّنا الطبيعة". هذا مثال عن تجسيد المجرّدات، لأن "الطبيعة" مفهوم مجرّد؛ فهي ببساطة الاسم الذي نطلقه على سلسلة الأحداث في الكون، الطبيعة ليست شخصًا، ولا يمكن أن تخدع بالمعنى الحرفي للكلمة؛ فالطبيعة ليس لها عقل، ولذلك فهذا التعبير ليس له معنى إن أخذناه حرفيًا.

مقالة

تجسيد المجرّدات (Reification) هو أن تنسب صفة واقعية لشيء مجرّد، ولعل القارئ قد سمع المقولة القديمة، "ليس من اللائق أن تخدع أمّنا الطبيعة".

هذا مثال عن تجسيد المجرّدات، لأن "الطبيعة" مفهوم مجرّد؛ فهي ببساطة الاسم الذي نطلقه على سلسلة الأحداث في الكون، الطبيعة ليست شخصًا، ولا يمكن أن تخدع

بالمعنى الحرفي للكلمة؛ فالطبيعة ليس لها عقل، ولذلك فهذا التعبير ليس له معنى إن أخذناه حرفيًا.

لا يجدر بنا بالتأكيد أن نأخذ كل ما في اللغة حرفيًا، فليس من الخطأ أبدًا استعمال التجسيد في المجاز اللغوي، فهذا مقبول تمامًا في الشعر ...

ولكن استعمال تجسيد المجرّدات كجزء من حجة منطقية يعدّ مغالطة، وسبب اعتباره مغالطة هو أن استعمال مثل هذا التعبير البلاغي غالبًا ما يؤدي إلى التباس المعنى، وقد

يخفي نقاطًا مهمة في مناظرة ما. فمن الشائع جدًا لمناصري مذهب التطوّر أن يرتكبوا هذه المغالطة. ولننظر في بعض الأمثلة عن مغالطة تجسيد المجرّدات كما هو شائع

الاستعمال في الحوارات الخاصة بنظرية التطوّر.

قد يذكر مناصر نظرية التطوّر في حواره شيئًا يشبه عبارة: "لقد صمّمت الطبيعة بعض المخلوقات المذهلة". وهذه الجملة ترتكب مغالطة تجسيد المجرّدات، لأن الطبيعة

ليس لها عقل ولا يمكنها تصميم أي شيء بالمعنى الحرفي للكلمة، وباستخدام مغالطة تجسيد المجرّدات، يحجب مناصر نظرية التطوّر حقيقة أن رؤية العالم في نظرية

التطوّر تعجز عن تفسير وجود التصميم في الكائنات الحية. (ضع في ذهنك أنه قد يقوم بذلك عن غير قصد)، ويقدر الله أن يصمّم الكائنات لأنه ذات متصفة بالعلم، وأما

الطبيعة فهي مفهوم مجرّد ولا يمكنها تصميم أي شيء.

"يقول الخلقيون أن العالم خُلق بشكل خارق للطبيعة، لكن العلم يقول غير ذلك". لقد نسب الشخص الذي كتب هذه الجملة أوصافًا شخصية واقعية لمفهوم مجرّد، وهو العلم.

وقد تجاهل بذلك الحقيقة الهامة؛ أن العلماء يأخذون الاستنتاجات من الدليل ويصفون هذه الاستنتاجات لغويًا – وليس "العلم" من يقوم بهذا. العلم أداة معرفية يمكن استعمالها

بطريقة صحيحة أو خاطئة، فهو لا يقول شيئًا، ولا يتخذ موقفًا في القضايا المطروحة. وهكذا نجد أن هذا المثال الشائع من تجسيد المجرّدات هو مغالطة منطقية.

"الدليل يحدّث عن نفسه". هذا التعبير كثير الانتشار، ولكن عند استعماله كجزء من حجة حوارية، فإنه سيصبح مغالطة تجسيد. الدليل لا يحدّث عن شيء؛ فالدليل مفهوم: أي

هو الاسم الذي نطلقه على مجموعة من الوقائع التي نعتقد أنها يتسق مع وجهة نظر معيّنة. يضع الناس استنتاجات حول الدليل ويصيغون أفكارهم لغويًا، لكن الدليل نفسه

ليس له أفكار كي يصاغ لغويًا.

"ابتكر التطوّر سبيلًا لتجنّب هذه المشاكل". لقد سمعتُ عددًا من أنصار نظرية التطوّر يقولون عبارات مشابهة لهذه الجملة في محاولة لتفسير وجود بعض النظم البيولوجية

فائقة التصميم. لكن من المؤكد أن التطوّر مفهوم، ليس له عقل، ولا يمكنه أن يحلّ أي مشكلة. وهذا المثال أيضًا يخفي صعوبة تفسير وجود التصميم في الكون دون اعتماد

العقل وسيلة. فهذا استعمال مغالطة التجسيد لمفهوم مجرد.

بل عبارة الاصطفاء الطبيعي نموذج عن تجسيد المجرّدات، ويمكن اعتباره مغالطة إن استعملت في حوار، إذ ليس بمقدور الطبيعة أن تصطفي بالمعنى الحرفي.

وينتشر استعمال هذا التعبير لدرجة أن لا نسمّيها مغالطة بشرط أن يفهم المعنى من قبل الجميع، نؤمن بأن مفهوم اسمه "الاصطفاء الطبيعي" صحيح، فالكائنات جيّدة التلاؤم

مع بيئة ما لها احتمال أكبر للبقاء من تلك غير المتلائمة جيّدًا. (هذا صحيح تمامًا، وهو ما يعتقده كل من أنصار التطوّر وأنصار الخلق).

لكن، لنفترض أننا طرحنا سؤالًا: "لماذا تتلاءم الحيوانات تمامًا مع بيئتها؟". فإن أجاب أحد أنصار التطور بقوله: "الانتقاء الطبيعي"، فهذه مغالطة تجسيد المجرّدات.

فإنه بطريقة شعرية يحجب السبب الحقيقي لكون الحيوانات مصممة للبقاء – وهو الله.

إن تأمّل المرء مليًا في هذا الأمر، سيجد أن الاصطفاء الطبيعي لا يفسّر حقيقة سبب وجود كائنات متلائمة مع بيئتها.

فهو يفسّر فقط: لماذا لا نجد كائنات غير متلائمة مع بيئتها (السبب أنها ستموت). فالله – وليست "الطبيعة" – هو الذي أعطى الكائنات الحية القدرات التي تحتاجها للبقاء.

المرفقات

أضف تعليقا