تأليف
الوصف
فكر التمرکز حول الأنثي ينتمي إلى نمط أساسي في الفكر المادي أشرنا إليه من قبل الانتقال من التمركز حول الذات الإنسانية إلى التمركز حول الطبيعة/ المادة ، ومن عالم يحوی مرکزه داخله إلى عالم بلا مرکز) . ولذا نجد أن تفكيك مقولة المرأة (الإنسان الإنسان) يأخذ شكلين متناقضين ، أولهما هو الذي تناولناه في الجزء السابق من هذه الدراسة ، أي تحول المرأة إلى كائن متمرکز حول ذاته يشير إلى ذاته مما أدى إلى ظهور التمرکز المتطرف حول الذات الأنثوية والعداء الشرس للذكور والصراع الدارويني المستمر بينهما (واحدية إمبريالية وثنائية وواحدية صلبة) . أما الشكل الثاني فهو ما سميته «الواحدية السائلة». والواحدية السائلة كامنة في الواحدية الصلبة ، فبعد أن تتحول المرأة من إنسان إنسان إلى كائن طبیعی/ مادی يرد إلى عناصر مادية ويفسر في إطارها ، بحيث لا تشير المرأة إلى ذاتها وإنما إلى الطبيعة / المادة ، يتم تسويتها بالرجل أو الإنسان الطبيعي في جميع الوجوه بحيث لا تختلف عنه في أي شيء، دورها لا يختلف عن دوره ، فكلاهما إنسان طبیعی/ مادی ، وما يجمعهما ليس إنسانيتهما المشتركة وإنما ماديتهما المشتركة ، فيتم اختزالهما إلى مستوی طبیعی/ مادی عام واحد لا يكترث بذکورة الذكر أو أنوثة الأنثى أو يسوي بينهما، فالقانون الطبيعي/ المادي العام لا يكترث بالخصوصية أو الثنائية
مقالة
فكر التمرکز حول الأنثي ينتمي إلى نمط أساسي في الفكر المادي أشرنا إليه من قبل الانتقال من التمركز حول الذات الإنسانية إلى التمركز حول الطبيعة/ المادة ، ومن عالم يحوی مرکزه داخله إلى عالم بلا مرکز) . ولذا نجد أن تفكيك مقولة المرأة (الإنسان الإنسان) يأخذ شكلين متناقضين ، أولهما هو الذي تناولناه في الجزء السابق من هذه الدراسة ، أي تحول المرأة إلى كائن متمرکز حول ذاته يشير إلى ذاته مما أدى إلى ظهور التمرکز المتطرف حول الذات الأنثوية والعداء الشرس للذكور والصراع الدارويني المستمر بينهما (واحدية إمبريالية وثنائية وواحدية صلبة) . أما الشكل الثاني فهو ما سميته «الواحدية السائلة». والواحدية السائلة كامنة في الواحدية الصلبة ، فبعد أن تتحول المرأة من إنسان إنسان إلى كائن طبیعی/ مادی يرد إلى عناصر مادية ويفسر في إطارها ، بحيث لا تشير المرأة إلى ذاتها وإنما إلى الطبيعة / المادة ، يتم تسويتها بالرجل أو الإنسان الطبيعي في جميع الوجوه بحيث لا تختلف عنه في أي شيء، دورها لا يختلف عن دوره ، فكلاهما إنسان طبیعی/ مادی ، وما يجمعهما ليس إنسانيتهما المشتركة وإنما ماديتهما المشتركة ، فيتم اختزالهما إلى مستوی طبیعی/ مادی عام واحد لا يكترث بذکورة الذكر أو أنوثة الأنثى أو يسوي بينهما، فالقانون الطبيعي/ المادي العام لا يكترث بالخصوصية أو الثنائية . كما أن العالم متعدد المراكز لا يكترث بأية فروق ظاهرة أو باطنة ، فهو عالم سائل لا مركز له ، لا يمكن إصدار أحكام على أي شيء. "
كل هذا يؤدي إلى ظهور الجنس الواحد أو الجنس الوسط بين الجنسين (بالإنجليزية : يونی سکس unisex) ، أي أنه تم رد الواقع إلى عنصر واحد أو مبدأ واحد ينكر أي شكل من أشكال عدم التجانس أو أي تنوع ، بل وينكر وجود ثنائية ذكر أنثى ، فالذكر مثل الأنثى والأنثى مثل الذكر وكلاهما مجرد إنسان طبیعی/ مادی . وهكذا تتحول السوبرومان superwoman ، عدوة الرجل ، إلى سبومان subwoman ، ليس لها هوية أنثوية مستقلة ، فهي أقل من امرأة ، امرأة ناقصة ، تبذل قصارى جهدها أن تكون «كاملة» ، أي متطابقة تماما مع الرجل .
ولكن في كلتا الحالتين سواء كانت سوبرومان أم سبومان ، ليست المرأة هي الأم - الزوجة - الأخت - الحبيبة التي نعرفها والتي لها دور مستقل داخل إطار الجماعة الإنسانية الشاملة التي تضم الذكور والإناث والصغار والكبار وإنما هي شيء جديد تماما ، ومع هذا يطلق عليه اصطلاح «امرأة» .
وبسقوط الأم الزوجة والمرأة ، تسقط الأسرة ويتراجع الجوهر الإنساني المشترك ويصبح كل البشر أفراد طبيعيين لكل مصلحته الخاصة وقصته الصغرى الخاصة ؛ كل إنسان مثل الذرة التي تصطدم بالذرات الأخرى وتتصارع معها ، والجميع يجابهون الدولة وقطاع اللذة والإعلانات بمفردهم ، ويسقطون في قبضة الصيرورة ، ويتم تسوية الجميع بالحيوانات والأشياء ، وتسود الواحدية السائلة التي لا تعرف الفرق بين الرجل والمرأة أو بين الإنسان والأشياء .
ويتم الإشارة إلى الإله في مرحلة الواحدية السائلة هذه لا باعتباره هو أو هي ، إذ يصل الحياد قمنه والسيولة منتهاها ، فيشار إليه ، كما ورد في إحدى ترجمات الإنجيل الأخيرة ، باعتباره ذکرا وأنثى وشيئا . فالإله هو
he/ she it . ومن الصعب على المرء أن يقرر ما إذا كانت هذه هي نهاية السيولة ، أم أن هناك المزيد؟ فالتجريب المنفتح في اللغة والتاريخ والعلاقات بين البشر مسألة لا سقف ولا حدود ولا نهاية لها.
حركة التمركز حول الأنثى والنظام العالمي الجديد
إن دعاة حركة تحرير المرأة يدركون تماما الحقيقة البديهية الإنسانية البسيطة وهي أن ثمة اختلافات (بيولوجية ونفسية واجتماعية) بين الرجل والمرأة ، وهي اختلافات تتفاوت - من منظور سلوك كل منهما - في درجات العمق والسطحية . وتعبر عن نفسها في اختلاف في توزيع الأدوار بينهما وفي تقسيم العمل ، ولكن بدلا من أن يحاول دعاة حركة تحرير المرأة محو هذه الاختلافات والقضاء عليها قضاء مبرمة فإنهم يبذلون قصارى جهدهم للحيلولة دون تحولها إلى ظلم وتفاوت اجتماعي أو إنساني يؤدي إلى توسيع الهوة بين الذكور والإناث.
أما دعاة حركة التمركز حول الأنثى فيتأرجحون وبعنف بين رؤية مواطن الاختلاف بين الرجل والمرأة باعتبارها هوة سحيقة لا يمكن عبورها من جهة ، وبين إنكار وجود أي اختلاف من جهة أخرى .
ولذا فهم يرفضون فكرة توزيع الأدوار وتقسيم العمل ويؤكدون استحالة اللقاء بين الرجل والمرأة ، ولا يكترثون بفكرة العدل ويحاولون إما توسيع الهوة بين الرجال والإناث أو تسويتهم بعضهم بالبعض ، فيطالبون بأن يصبح الذكور آباء وأمهات في الوقت نفسه ، وأن تصبح الإناث بدورهن أمهات وآباء .
ولعل الهندسة الوراثية ستحل كثيرة من هذه المشاكل» وستفتح باب التجريب اللامتناهي على مصراعيه بحيث يصبح بإمكان الرجل أن «يحمل» طفة (وليس مجرد بطن بلاستيك) ، ويمكن تجاوز مشقات الحمل نفسها من خلال عمليات الاستنساخ المريحة .
كما أن تعديل القوانين في الغرب سيتكفل بكل ما قد يتبقى من مشاكل» شكلية قد تضع حدودة على عملية التجريب ، إذ بإمكان الأنثى أن تتزوج من أنثى أو من رجل حسب ما يسمونه «التفضيل الجنسي sexual preference » . بل إن الأمر يمتد ليشمل الأحاسيس الجوانية ذاتها ، فالمرأة الحقيقية يجب ألا تختلف مشاعرها عن مشاعر الرجل ، والرجل الحقيقي يجب ألا تختلف مشاعره عن مشاعر الأنثى .
وتقوم هوليود (أكبر آلية عرفها الجنس البشري لنشر الأفكار وإشاعة الرؤی) بدور نشط في هذا المضمار ، إذ بدأت تظهر أفلام فيها إناث يغوين الرجال ، ورجال تحمر وجوههن من النساء (ولا مانع من استخدام نون النسوة هنا ، حتى نحطم حدود اللغة تماما) ، وليس الهدف من كل هذا هو توسيع آفاقنا وتحطيم القوالب الذهنية الجامدة التي يتعامل كل جنس مع الآخر من خلالها وسجنه فيها ، وإنما هو ضرب فكرة المعيارية والإنسانية المشتركة في الصميم حتى يتم تسوية الجميع . ولعل العلم الحديث ، بما حقق من تقدم» مذهل ، قد يساعد في هذا المضمار بحيث يمكن للرجل أن يتناول كبسولة متمركزة حول الأنثى فيشعر بشعور الإناث ويتم تسويته تماما من الداخل ، وتتناول المرأة هي الأخرى كبسولة متمركزة حول الذكر فتشعر بشعوره ويتم تسويتها من الداخل .
إن حركة تحرير المرأة ، في نهاية الأمر وفي التحليل الأخير ، تری أن ثمة إنسانية مشتركة بين كل البشر ، رجالا ونساء ، وأن هذه الرقعة الواسعة المشتركة بيننا هي الأساس الذي نتحاور على أساسه والإطار الذي نبحث داخله عن تحقيق المساواة . ولذا يمكن للرجل أن ينضم إلى حركة تحرير المرأة ، ويمكنه أن يدخل في حوار بشأن ما يطرح من مطالب لضمان تحقيق العدالة للمرأة . ويمكن للمجتمع الإنساني، بذکوره وإناثه، أن يتبنى برنامجا ً للإصلاح في هذا الاتجاه ، ويمكن لكل من الرجال والنساء تأييده والوقوف وراءه .
أما حركة التمركز حول الأنثى فهي تنكر الإنسانية المشتركة ولذا لا يمكن أن ينضم لها الرجال ، فالرجل ، باعتباره رجلا ، لا يمكنه أن يشعر بمشاعر المرأة ، كما أنه مذنب يحمل وزر التاريخ الذكوري الأبوي ، رغم أنه ليس من صنعه . كما تنكر حركة التمركز حول الأنثى الاختلاف ، ومن ثم لا مجال للتنوع ولا مجال لوجود الإنسانية كما نعرفها .
لكل هذا لا يوجد برنامج للإصلاح في حركة التمركز حول الأنثى ولا توجد محاولة جادة لتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة أو إلى تغيير القوانين أو السياق الاجتماعى للحفاظ على إنسانية المرأة باعتبارها أما وزوجة وابنة وعضوا في الأسرة أو المجتمع . وإن كان ثمة برنامجا للإصلاح فسنجد أنه يصدر عن إطار تفكيكي بهدف إما إلى زيادة كفاءة المرأة في عملية الصراع مع الرجل أو إلى تسويتها معه ، أي أنه في جميع الحالات ثمة إنكارا للإنسانية المشتركة. ولذا فالبرنامج الإصلاحي هو برنامج يهدف إلى تغيير الطبيعة البشرية ومسار التاريخ والرموز واللغات .