تأليف
الوصف
في منتصف القرن العشرين أطبقت على انجلترا شهرة عالم الفلك والفيزياء الانجليزي "جيمس جينز" (ت 1946م)، وقد تنقّل جينز في حياته الأكاديمية بين جامعة كامبردج وجامعة برنستون، وكان بروفيسور (الرياضيات التطبيقية) في جامعة برنستون.
مقالة
الحمد لله وبعد،،
في منتصف القرن العشرين أطبقت على انجلترا شهرة عالم الفلك والفيزياء الانجليزي "جيمس جينز" (ت 1946م)، وقد تنقّل جينز في حياته الأكاديمية بين جامعة كامبردج وجامعة برنستون، وكان بروفيسور (الرياضيات التطبيقية) في جامعة برنستون.
وكان له إسهامات رئيسية في حقلي الفيزياء والفلك، وخصوصاً في تطوير بعض المسائل في مجال الأشعة (radiation)، وتخلّق وتطور النجوم (stellar evolution)، وانتقد نظرية لابلاس في تكون النظام الشمسي واقترح فرضية بديلة، ونحو ذلك.
وسميت باسم جينز عدد من المكتشفات العلمية، منها قانون فيزيائي يسمى (قانون رايلي-جينز) (Rayleigh–Jeans law) حيث ساهم جينز في تطويره وهو قانون يصف الإشعاعات الطيفية في الموجات الكهرومغناطييسية.
واختصارًا للمقال ننقل لكم هذه القصة المشوقة التي ختم بها ..
(وسوف أختم هذا الباب بواقعة رواها العالم الهندي المغفور له الدكتور عناية الله المشرقي وهو يقول:
كان ذلك يوم أحدٍ، من أيام سنة1909م، وكانت السماء تمطر بغزارة، وخرجت من بيتي لقضاء حاجة ما، فإذا بي أري الفلكي المشهور السير جيمس جينز-الأستاذ بجامعة كمبردج-ذاهباً إلي الكنيسة، والإنجيل والشمسية تحت إبطه، فدنوتُ منه، وسلمت عليه، فلم يرد علي، فسلمت عليه مرة أخرى، فسألني: ماذا تريد مني؟
فقلت له: أمرين، يا سيدي! الأول هو: أن شمسيتك تحت إبطك رغم شدة المطر!.
فابتسم السير جيمس وفتح شمسيته على الفور.
فقلت له: وأما الأمر الآخر فهو: ما الذي يدفع رجلا ذائع الصيت في العالم مثلك؛ أن يتوجه إلي الكنيسة؟
وأمام هذا السؤال توقف السير جيمس لحظةً، ثم قال: عليك اليوم أن تأخذ شاي المساء عندي.
وعندما وصلت إلي داره في المساء؛ خرجت ليدي جيمس، في تمام الساعة الرابعة بالضبط، وأخبرتني أن السير جيمس ينتظرني، وعندما دخلت عليه في غرفته، وجدت أمامه منضدة صغيرة موضوعة عليها أدوات الشاي، وكان البروفيسور منهمكاً في أفكاره، وعندما شعر بوجودي سألني: ماذا كان سؤالك؟.
ودون أن ينتظر ردّي بدأ يلقي محاضرة عن تكوين الأجرام السماوية، ونظامها المدهش، وأبعادها وفواصلها اللامتناهية، وطرقها، ومداراتها، وجاذبيتها، وطوفان أنوارها المذهلة، حتي إنني شعرت بقلبي يهتز بهيبة الله وجلاله.
وأما السير جيمس فوجدت شعر رأسه قائماً، والدموع تنهمر من عينيه، ويداه ترتعدان من خشية الله، وتوقف فجأة ثم بدأ يقول: يا عناية الله! عندما ألقي نظرة علي روائع خلق الله، يبدأ وجودي يرتعش من الجلال الإلهي، وعندما أركع أمام الله وأقول له: "إنك لعظيم!" أجد أن كل جزء من كياني يؤيدني في هذا الدعاء، وأشعر بسكون وسعادة عظيمين، وأحس بسعادة تفوق سعادة الآخرين ألف مرة، أفهمت يا عناية الله خان ، لماذا أذهب إلي الكنيسة؟
ويضيف العلامة عناية الله قائلاً: لقد أحدثت هذه المحاضرة طوفاناً في عقلي، وقلت له: يا سيدي لقد تأثرت جداً بالتفاصيل العلمية التي رويتموها لي، وتذكرت بهذه المناسبة آية من آي كتابي المقدس، فلو سمحتم لي لقرأتها عليكم.
فهز رأسه قائلاً: بكل سرور.
فقرأت عليه الآية التالية: (وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ).
فصرخ السير جيمس قائلا: ماذا قلت؟ "إنما يخشى الله من عباده العلماء" ؟ مدهش! وغريب وعجيب جداً!!، إن الأمر الذي كشفتُ عنه بعد دراسة ومشاهدة استمرت خمسين سنة، من أنبأ محمداً به؟ هل هذه الآية موجودة في القرآن حقيقة؟ لو كان الأمر كذلك؛ فاكتب شهادة مني أن القرآن كتاب موحى من عند الله.
ويستطرد السير جيمس جينز قائلاً: لقد كان محمد أمياً، ولا يمكنه أن يكشف عن هذا السر بنفسه، ولكن "الله" هو الذي أخبره بهذا السر.. مدهش..! وغريب وعجيب جداً)
[وحيد الدين خان، الإسلام يتحدى، ترجمة ظفر الإسلام خان، ص203].
هذا الحوار المثير الذي وقع بين الفيزيائي/الفلكي جيمس جينز، وعالم الرياضيات الهندي عناية الله المشرقي، له دلالات وفيه مواضع لا ينقضي منها العجب.
فهذا الانفعال العميق الذي وقع من "جينز" وهو يتعمق في دراسة المعلومات الفلكية ويستعرضها إلى درجة الارتجاف وانهمار الدموع مشهدٌ يثير كوامن الإيمان في النفوس البشرية.
وبسبب أن عناية الله كان صغير السن حين التقى بجينز، وانبهر بإيمانه بالله، فقد كان لذلك أثر عجيب في تعميق اليقين بالله في نفس هذا الفتى، حتى اعتُبِر جينز ملهماً له.
وهذا الكون العجيب بمجراته ونجومه وكواكبه وأقماره ومداراته ونظامه دفع البروفيسور جينز إلى البحث عن أقرب دين يعرفه فتمسك النصرانية، فكيف لو تعرف على كتاب الله المحفوظ ورأى ما فيه من عجائب الإعجاز العلمي، والإعجاز التشريعي، والإعجاز البلاغي، والإعجاز الروحي.
ثم انظر مع كل هذا الانبهار بعجائب الكون ونظامه، ازداد جينز دهشة حين سمع قول الله (إنما يخشى الله من عباده العلماء)، وشهد أن القرآن حق! فما أعجب ما يصنعه القرآن في النفوس البشرية!
ومن العجائب في هذا الحوار أن تنظر كيف يجد البروفيسور "جينز" في فطرته البشرية ما يؤيده وهو يناجي الله بالتعظيم ويقول لله "إنك لعظيم"! فكيف لو عرف هدي رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في مناجاة الله بأشرف الأذكار والمقامات وقد تفطرت قدماه صلى الله عليه وسلم؟!
ثم انظر كيف يحكي البروفيسور "جينز" عن السعادة والسكينة التي تغمر نفسه حين يناجي الله بالتعظيم، فكيف لو ذاق سكينة القرآن وسعادة التهجد ولذة الخشوع والانطراح بين يدي الله؟!
كل هذه المعاني في تعظيم الله تكشفت للبروفيسور "جينز" وهو يتأمل فقط ملكوت السموات والأرض، حتى بلغ أن شهد للقرآن أنه حق، وأن نبوة محمد –صلى الله عليه وسلم- حق، ألا صدق الله سبحانه إذ قال (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)[فصلت:53].