تأليف
الوصف
بالرغم من الحضور الذي خلدته المرأة العربية والمسلمة في مختلف المجالات، وقيامها بأدوار سياسية واقتصادية وشرعية وتعليمية وطبية وإسهامها الكبير في إغناء الحركة العلمية والفكرية والأدبية والدور الذي قامت به في بناء صرح النهضة العلمية وفي إقامة أسس الحضارة الإسلامية، إلا أنه من خلال اطلاعنا على كتب التراجم نجد أن حضورها فيها قليل إذ أصبح تتناقص بشكل ملحوظ، يرجع ذلك إلى التقاليد التي كانت تسود المجتمع الإسلامي آنذاك فتم حجب الدور الفعال التي لعبته النساء في مختلف مجالات العلوم. فقد نبغ في مختلف مراحل التاريخ الإسلامي الآلاف من العالمات المبرّزات والمتفوقات في أنواع العلوم وفروع المعرفة وحقول الثقافة العربية الإسلامية.
مقالة
بالرغم من الحضور الذي خلدته المرأة العربية والمسلمة في مختلف المجالات، وقيامها بأدوار سياسية واقتصادية وشرعية وتعليمية وطبية وإسهامها الكبير في إغناء الحركة العلمية والفكرية والأدبية والدور الذي قامت به في بناء صرح النهضة العلمية وفي إقامة أسس الحضارة الإسلامية، إلا أنه من خلال اطلاعنا على كتب التراجم نجد أن حضورها فيها قليل إذ أصبح تتناقص بشكل ملحوظ، يرجع ذلك إلى التقاليد التي كانت تسود المجتمع الإسلامي آنذاك فتم حجب الدور الفعال التي لعبته النساء في مختلف مجالات العلوم. فقد نبغ في مختلف مراحل التاريخ الإسلامي الآلاف من العالمات المبرّزات والمتفوقات في أنواع العلوم وفروع المعرفة وحقول الثقافة العربية الإسلامية.
المحور الأول: المرأة في الحضارات القديمة وبعد ظهور الإسلام
1- مكانة المرأة في الحضارات القديمة
لم تكن للمرأة قيمة في الحضارات الأولى جميعا فقد كانت المرأة تعتبر كأداة للتسلية فقط ووسيلة لسد الرغبات والشهوات وعليها أن تظل صامتة ولا تعبر عن رأيها. فقط عليها أن تطيع أوامر الرجل وإلا فقد تتلقى أقسى العقوبات الممكنة.
*الهند
ففي شريعة مانو في الهند على سبيل المثال لم تكن تعرف للمرأة حقا مستقلا عن حق أبيها أو زوجها أو ولدها في حالة وفاة الأب و الزوج، فإذا انقطع هؤلاء جميعا وجب أن تنتمي إلى رجل من أقارب زوجها في النسب ولم تستقل بأمر نفسها في حالة من الأحوال.
*اليونان
وكانت المرأة عند اليونان الأقدمين مسلوبة الحرية والمكانة في كل ما يرجع إلى الحقوق الشرعية، وكانت تحل في المنازل الكبيرة محلا منفصلا عن الطريق قليل النوافذ محروس الأبواب، كما خلت مجالس الفلسفة من جنس المرأة.
*الرومان
أما عند الرومان الأقدمين فهم مثل مذهب الهنود في الحكم على المرأة بالقصور حيث كانت لها علاقة بالآباء أو الأزواج أو الأبناء، وشعارهم الذي تداولوه إبان حضارتهم أن قيد المرأة لا ينزع، ولم تتحرر المرأة الرومانية من هذه القيود إلا يوم أن تحرر منها الأرقاء، على إثر التمرد ثورة بعد ثورة وعصيان بعد عصيان، فتعذر استرقاق المرأة كما تعذر استرقاق الجارية والغلام[1]، ونفس الأمر في الصين حيث لخص كونفوشيوس وضعها في مقولته “إن الرجل رئيس فعليه أن يأمر، والمرأة تابعة فعليها أن تطيع”.[2]
* العرب في الجاهلية
كما قد كانت بعض القبائل العربية في الجاهلية تئد البنت حية خشية العار وهذا قد تغير مع ظهور الإسلام ونزول الوحي على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الذي أعطى للمرأة مكانتها داخل المجتمع وساوى بينها وبين الرجل في عدة أمور.
2-مكانة المرأة في الحضارة الإسلامية
لقد كرم الإسلام المرأة وأعطاها مرتبة عالية من الكرامة الإنسانية حيث ساوى بينها وبين الرجل في التكليف بالعقائد والشرائع وفي الجزاء والثواب، وبالرغم من أن لها بعض الخصوصيات التي تختلف بها عن الرجل حيث أن الغاية منه هذا الاختلاف هو إقامة الحياة. يقول عز وجل في كتابه:” وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ “.
إن الله تبارك وتعالى قد ساوى في الأحكام الشرعية بين الرجل والمرأة، إلا ما جاءت به النصوص تخصها به من أحكام دون الرجل وهو قليل، لأن مناط التكليف للإنسان هو العقل والبلوغ، وليس الذكورة والأنوثة، والشريعة جاءت عامة للناس كلهم ذكورا وإناثا، حيث جاء الخطاب فيه شاملا للذكور والإناث في أغلبه، وجاء تارة خاصا بالمرأة وتارة خاصا بالرجل وتارة يجمع بينهما، يقول اللع تعالى في كتابه:“إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا “
فقد فتح الإسلام أمام المرأة كل ساحات الخير، والإسهام النافع في بناء المجتمع ورفعة الحياة الفاضلة، وقد فتح لها الأبواب عالية في إطار الأخلاق الصالحة.
حيث قد شهد التاريخ الإسلامي تولي المرأة للعديد من المناصب المهمة والتي تعتبر قيادية بحد ذاتها في المجتمع الإسلامي. إذ تولت مناصب في القضاء والحسبة كما قد ساهمت المرأة المسلمة مساهمة كبيرة وفعالة في الحركة العلمية، إذ برزت العديد من النساء العالمات والفقيهات والمحدثات والمفتيات والأديبات والشاعرات. وكذلك في مجالات الطب والعمل الخيري والكتابة والدعوة والتعليم، وبناء الدارس ودور العلم ووقف الكتب والمصاحف وغيرها بالإضافة إلى ذلك فقد شاركت المرأة في الحروب وميادين أخرى. وهذا إن دل على شيء فهو يدل على جدارة المرأة وكفاءتها في قيادة العديد من الأمور سواء كانت في ميادين علمية أو سياسية أو اقتصادية أو غيرها. فكما أخرجت هذه الأمة رجالا لا يعرف لهم مثيل في العالم فقد أخرجت كذلك نساء فضليات يعتبرن قدوة يحتذى بهن، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “نعم إنما النساء شقائق الرجال”، ومعنى الشقائق هنا أي نظائرهم وأمثالهم في الخلق والطباع.
المحور الثاني: المرأة والعلم
1-هل كان للمرأة اهتمام بالعلوم والفنون
إن الإسلام لم يفرق بين الرجل والمرأة في التعليم إذ أن طلب العلم فريضة على كل مسلم. إذ اهتم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بتعليم نسائه وخصص لهن وقتا خاصا، حيث كان النساء يحرصن على حضور مجالس الرسول صلى الله عليه وسلم ويصلين في المساجد وكانت الكثير منهن يعرفن القراءة والكتابة وكانت أول امرأة عرفت الكتابة في عصر الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هي الشفاء بنت عبد الله القرشية.
فالمرأة هي التي تربي وتعلم وتلقن المبادئ واللمسات الأولى لشخصية الطفل الذي يتطور ويكبر وبالتالي يصبح عالما ومبدعا ويساهم في بناء الحضارة وتطور المجتمع وخدمة الإنسانية.
2-المرأة وطلب العلم
تجسد تعلم المرأة ابتداءا من الجيل الأول للنساء القدوة المؤمنات الصالحات العالمات والمعلمات زوجات النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وغيرهم من كان لهن دور كبير في إرساء تعاليم الحضارة العربية الإسلامية، إلى العصور الزاهية للعطاء العلمي النسائي والحضور الاجتماعي الإيجابي وكذا المساهمة في بناء الحضارة الذي قد شهد له الكثير من داخل الحضارة وخارجها، تقول المستشرقة الألمانية زيغريد هونكة: “ظلت المرأة في الإسلام تحتل مكانة أعلى وأرفع مما احتلته في الجاهلية وسار الركب وشاهد الناس سيدات يدرسن القانون والشرع ويلقن المحاضرات في المساجد، ويفسرن أحكام الدين، فكانت السيدة تنهي دراستها على يد كبار العلماء، ثم تنال منهم منهم تصريحا لتدرس هي بنفسها ما تعلمته فتصبح أستاذة وعالمة، كما لمعت من بينهن أديبات وشاعرات والناس لا تبدي في ذلك عضاضة أو خروجا عن التقاليد.
كما أنه لابد من الإشارة كذلك إلى أن نساء الأندلس، وفي محاولة منهن للبحث والتحصيل، كن يسافرن من مدينة إلى أخرى طلبا للعلم، وخير مثال على ذلك نجده مع ابنة فائز القرطبي المجهولة الاسم والتي رحلت إلى غرناطة للتتلمذ على يد المقرئ أبي عمر الداني. وحين علمت بمرضه استفسرت عن من يشابهه في العلم للأخذ عنه ما تيسر من العلم، أما أم الحسن بنت اللواء، فكانت لصيقة بالباقي بن مخلد مثلها في ذلك مثل التلامذة الرجال.
3-المرأة والكتابة والتخصصات العلمية
لقد ثبت على أن المرأة تعلمت الكتابة قبل الجاهلية، وليس في الإسلام فقط الذي ركز على ذلك كثيراً، ومن النساء اللواتي اشتهرن بحسن الخط وجودته وليس الكتابة فقط، عائشة بنت أحمد القرطبية التي قال عنها المؤرخون: ” إنه لم يكن في زمانها من حرائر الأندلس من يعادلها علما، وفهما وأدبا وعزا، كانت تمدح ملوك الأندلس، حسنة الخط، تكتب المصاحف والدفاتر، وتجمع الكتب وتعني بالعلم ولها خزانة علم كبيرة توفيت عام 400هـ”.
ومن الأسماء اللامعة أيضا نذكر فاطمة بنت زكرياء بن عبد الله الكاتب سنة 1036 – 427هـ، والتي تلقت العلم عن أبيها الذي كان كاتباً في بلاط الحكم الثاني، ولا حاجة لنا هنا للتأكيد بأن النساء اللائي وردت سيرهن في كتب التراجم كن متميزات عن باقي السيدات لانشغالهن بالمجال العلمي بامتياز.
ومن اللواتي ذكرهن لنا التاريخ بالتمجيد “صفية بنت عبدالله” الكاتبة التي تفرغت لنقل المخطوطات، واشتهرت ببراعتها في جودة الخط وجماله، وفي الإنشاء.
فهذا عبد الواحد المراكشي يخبرنا نقلا عن ابن أبي الفياض أن ربض قرطبة الشرقي كان يحوي ما يناهز مائة وسبعين امرأة كانت تكتب القرآن الكريم بخط كوفي رفيع. وكثيرة هي الأنباء التي تؤكد لنا أن إتقان المرأة الأندلسية للخط العربي العتيق أهلها لنيل رتبة كاتبة وولوج عالم المراسلات الرسمية داخل القصر.
وتجمع كتب التراجم والطبقات على أن المرأة المسلمة، تعلمت علوما شتى، وأتقنت بعضها، وتخصصت في بعضها وأكثر العلوم التي كانت محل اهتمام المرأة عبر العصور التاريخية مشرقا ومغربا: العلوم الشرعية، القرآن الكريم، الحديث النبوي، الفقه، والتفسير، القراءات، العقيدة، التصوف، العلوم اللغوية من نحو وصرف وبلاغة والتاريخ بالإضافة إلى الطب والفلك والرياضيات والتمريض والحساب وغيرها.
4- المرأة المسلمة وأماكن التعلم
لقد كان المكان الأول الذي اتخذته المرأة المسلمة وجهة للتعلم هو المسجد وذلك منذ عصر النبوة، كما كانت حجرات أمهات المؤمنين منارات للإشعاع العلمي والثقافي، إن كن يستقبلن النساء اللواتي يسألن عن أمور دينهن، وقد أخذ العلم عن عائشة رضي الله عنها لوحدها حوالي 299 من الصحابة والتابعين، منهم 67 إمرأة كلهن يقصدن بيتها الذي كان بمثابة مدرسة وجامعة لمختلف العلوم، وهناك أم سلمة التي اشتهرت بالعلم وخاصة في مجال الفقه، فقد روي عنها كثير من الصحابة والتابعين بلغوا حوالي101، منهم 23 إمرأة.
ولقد تطورت أماكن التعلم مع تطور وازدهار الحضارة العربية الإسلامية حيث نشأت المدارس وتخصصت كل مؤسسة في مجال محدد، كانت هناك مدارس خاصة بالنساء وخاصة في المدن الكبرى كبغداد والشام ومصر والأندلس والمغرب.
المحور الثالث: إسهام المرأة في تاريخ العلوم الدقيقة وعلوم الحديث وعلوم أخرى
بالرغم من الحضور الذي خلدته المرأة العربية والمسلمة في مختلف المجالات، وقيامها بأدوار سياسية واقتصادية وشرعية وتعليمية وطبية وإسهامها الكبير في إغناء الحركة العلمية والفكرية والأدبية والدور الذي قامت به في بناء صرح النهضة العلمية وفي إقامة أسس الحضارة الإسلامية، إلا من خلال اطلاعنا على كتب التراجم نجد أن حضورهن فيها قليلا إذ أصبحت أعدادهن تتناقص بشكل ملحوظ، يرجع ذلك إلى التقاليد التي كانت تسود المجتمع الإسلامي آنذاك فتم حجب الدور الفعال التي لعبته النساء في مختلف مجالات العلوم. فقد نبغ في مختلف مراحل التاريخ الإسلامي الآلاف من العالمات المبرّزات والمتفوقات في أنواع العلوم وفروع المعرفة وحقول الثقافة العربية الإسلامية.
1- في العلوم الدقيقة
*في ميدان الطب:
ففي صدر الإسلام ساهمت المرأة بخبرتها في الطب وكذا الصيدلة في الغزوات والحروب التي خاضها المسلمون مع النبي صلى الله عليه وسلم و كذلك بعد وفاته، وكان العرب يطلقون اسم الآسيات والأواسي على النساء العربيات اللائى يعملن في تضميد الجراح وجبر العظـام، وخير مثال على ذلك:
*رفيدة الأسلمية وهي من جيل الصحابيات وهي أولُ ممرضةٍ في الإسلام؛ كانت تقوم بمداواةِ مُصابي المسلمين وجرحاهم في غزوات الرسول – صلَّى الله عليه وسلم – التي خاضها لنشر الإسلام، كما كانت لها خيمة إسعافية تستقبل فيها الجرحى والمصابين؛ لتقوم بإسعافهم بمساعدة بعض الصحابيات الجليلات، فتسعفهم وتداويهم بمعرفتها الطبية، وخبرتها العلاجية المعروفة في ذلك الوقت.
*وأم الحسن بنت القاضي الطنجالي فوالدها هو أحمد بن عبد الله بن عبد المنعم الهاشمي الطنجالي، الذي جاء الأندلس قادما إليها من المغرب، وقد كان ملما بصناعة الطب معتنيا بها، وقد أسهم والدها هذا بحظ وافر في تكوينها العلمي، إذ تشير كتب التراجم إلى أنها أخذت عنه صناعة الطب. ولم تكن ملمة بأصول صناعة الطب فحسب، وإنما كانت تدرسه لطلابها إيمانا واقتناعا منها بأن العلم لا يؤخذ من بطون الكتب ولكنه يؤخذ من حلقات الدرس والعلم.
لم تذكر كتب التراجم معلومات دقيقة عن تاريخ ولادتها أو وفاتها، ولا نعرف سوى أنها عاشت في خلال القرن الثامن الهجري، أي أنها ولدت وعاشت قبيل سنة 750هـ وهي سنة وفاة والدها
* عائشة بنت محمد الجيار إبنة محتسب سبتة ترعرعت في سبتة على مبادئ العلوم الدينية واللغوية حتى نجبت فيها فاشرأب طموحها للنهل من علوم الطب مستفيدة من معارف صهرها الطبيب الماهر محمد الشريشي، الذي علمها علم الطب وأسرار الأدوية والعقاقير والمياه وعلاماتها، وبسبب علمها الكبير وسمو أخلاقها ائتمنها سلاطين بني مرين على صحة حريمهم، لقد كانت الطبيبة الخاصة لنساء السلطان، نبغت في الصناعة الطبية وكانت لها معرفة بالأدوية والعقاقير فداع صيتها في باقي ربوع المغرب والأندلس، حتى أن أمراء بني مرين كانوا يكرمونها بالهدايا والتحف لأجل ما عرف عنها من نبوغ ودراية في الطب والصيدلة.
* أمية بنت قيس الغفارية وهي زعيمة الطبيبات ولم تبلغ سن السابعة عشر من عمرها بعد. (ليس لها ترجمات كثيرة في كتب التراجم).
*وزينب طبيبة بني أود التي كانت خبيرة بالعلاج ومداواة آلام العين والجراحات، مشهورة بين العرب بذلك.
*أم عمر بنت أبي مروان بن زهر، والتي كانت طبيبة نساء وإماء الموحدين. فقد كانت تستدعى ساعة الولادة لتفتي في الحالات المستعصية، كما كانت تستشار ويؤخذ بنصيحتها إذا ما سئلت عن أمراض الرجال.
وتطلعنا كتب التراجم بمعلومات شيقة وطريفة عن النساء العاملات في الإسلام وخاصة في الأندلس، كأن تشير إلى انصبابهن التام على الدراسة وانشغالهن الكلي بمجال العلم وبالتالي عزوفهن عن الزواج. وكثيرة هي الأسماء الواردة في هذا الصدد، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر اسم عائشة بنت محمد بن محمد بن القاضم/ وولادة بنت المستكفي،وحفصة بنت الحاج الركونية وغيرهن من الأسماء اللامعة في هذا المضمار.
* في الفلك والرياضيات
استهوى العربُ علمَ الفلكِ لأسبابٍ عديدةٍ، بعضها عملي، كتحديد اتجاه القبلة عند أداء الصلاة، أو لحساب الوقت والتاريخ والمواسم، بعضها إلهام ديني، هناك الكثير من آيات القرآن الكريم والأحاديث تشجع على كسب العلم وتأمُّل الغاز الكون دليل على ذلك ورود مفردة “القمر” في القرآن سبعاً وعشرين مرة. بعض الآيات تستفيض في الحديث عن النجوم وأفلاك السماء. إحداها تشير إلى دوران كل من الشمس والقمر والأرض في مدارات محددة: “وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ” “يس” أو تتحدث عن قوانين تعاقب الليل والنهار: “لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ۚ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ“، كما قد سجل التاريخ بعض الأسماء للنساء العالمات في ميدان العلوم الطبيعية وخاصة الفلك نذكر منهن:
*مريم العجلية الحلبية تعتبر سيرتها استثنائية، فهي لم تنهج نمط حياة معظم نساء عصرها في القرن العاشر بل امتهنت حرفة برعت فيها، إذ اشتهرت بمهارتها في صنع الأدوات والأجهزة الفلكية، عملت مريم العجلية التي كانت تعرف باسم الاسطرلابية في صنع الاسطرلاب في حلب في شمال سوريا، وقد عملت لدى سيف الدولة الذي حكم حلب في هذه الفترة وتعتبر مريم حالة موثقة نادرة لامرأة عملت في الحقل العلمي في مطلع العهد الإسلامي.
*فاطمة المجريطية التي عاشت في القرن العاشر والحادي عشر وهي ابنة عالم الفلك الأندلسي العظيم مسلمة المجريطي، وبدأت رحلتها العلمية عندما وجد أبوها ذكاءها واهتمامها بالعلوم الفلكية واهتمامها بالرياضيات، فدربها وعلمها، حتى وجد أنها تصلح لتكون شريكة في البحث العلمي، عملت مع والدها على التحقيقات الفلكية والرياضية وقاما معاً بتحرير وتصحيح “الجداول الفلكية للخوارزمي” والتي ما تزال موجودة إلى اليوم في مدريد وقاما بمشروع مشترك آخر وهو كتاب يدرس عمل الأسطرلابات.
*لبنى القرطبية عالمة رياضيات ومدونة الخليفة، توفيت في عام 984م، كان المدونون في ذاك الوقت عملهم الرئيسي تدوين الكتب وترجمتها، ولكن لبنى كانت من العلماء الذين لم يكتفوا بالتدوين، بل كانوا يضيفون أفكارهم وحلولهم للمعادلات الرياضية ويعدلون الأخطاء الذي يجدونها في الكتب، وكانت لبنى تجد حلولاً لأصعب العمليات الرياضية. وقد اشتهرت أيضاً بخطها الجميل وتمكنها من الخط العربي.
2- في الفقه والحديث
لقد ساهمت المرأة المسلمة بدور كبير في تعلم العلم الشرعي وكذا تبليغه عبر العصور، بدءا مع أمهات المؤمنين، وتلتهن أجيال كثيرة من النساء عبر الأزمنة في التحمل والتبليغ وقد روين الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم سماعا حيث كانت روايتهن للأحاديث عامة ولم تقتصر فقط على الأحاديث المتعلقة بقضايا المرأة أو الموضحة لأحكام مهمة بالنساء فقط، حيث رويت كذلك أخبار السيرة النبوية والمعجزات و غير ذلك من المواضيع، حيث لقد اكتشفت دراسات معاصرة للعصور الأولى للوحي إسهامات ثمانية آلاف امرأة في كل العلوم الإسلامية كالحديث والتفسير والفقه ولقد لمعت العديد من النساء في هذا المجال نذكر منهن:
*أسماء بنت أسد بن الفرات القيراوانية، ابنة عالم إفريقية وقاضيها المشهور وصاحب الإمامين أبي يوسف يعقوب ومالك بن أنس. نشأت أسماء بين يدي أبيها وحيدة فلم يكن له سواها، فأحسن تهذيبها وتأديبها، فكان يعلمها القرآن والحديث والفقه، فكانت بذلك من النساء الرائدات في زمانها في الفقه والحديث والحكمة، كانت السيدة أسماء تحضر باستمرار في مجالس والدها العلمية في داره وتشارك في السؤال والمناظرة، حتى اشتهرت بالفضيلة ورواية الحديث والفقه.
*خناثة بنت بكار الفقيهة، العالمة، الأديبة، بنت الشيخ بكار بن علي بن عبد الله المغافري الشنقيطي، زوج السلطان المولى إسماعيل مؤسس الدولة العلوية ومستشارته، وأم السلطان المولى عبد الله، وجدة السلطان العالم سيدي محمد بن عبد الله العلوي وأستاذته، والمشرفة على تكوينه وتربيته. عالمة وفقيهة وأديبة مغربية، أحسنت القراءات السبع، شهد لها بالعلم الغزير بالحديث، و التصوف، وقد استطاعت خناثة أن تتميز وسط البلاط العلوي بحظوتها العلمية والفقهية وبنسبها المغافري، فتشربت تربية القصر، وفيه تعلمت وتثقفت و يذكر القادري في كتابه نشر المثاني، أن الشيخ أبي عبد الله محمد المكي الدكالي هو الذي كان يصحح لها اللوح الذي تكتبه بيدها لحفظ القرآن. قال أبو عبد الله أكنسوس: “وخناثة هذه، هي أم السلاطين أعزهم الله. وكانت صالحة، عابدة، عالمة، حصلت العلوم في كفالة والدها الشيخ بكار”ـ وقال: ” رأيت خطها على هامش نسخة من “الإصابة” لابن حجر، وعرف به بعضهم فقال: هذا خط السيدة خناثى، أم السلاطين المولى عبد الله بلا شك”. (الاستقصا ج6 ص 164). كانت قارئة تحسن القراءات السبع، وعالمة بالحديث، لها تعليقات على كتاب الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني، وهي محفوظة في الخزانة الملكية بالرباط، كما عرف عنها غيرتها على العلماء، توفيت رحمة الله عليها في جمادى الأولى عام 1159هـ ودفنت بروضة الأشراف من المدينة البيضاء بفاس الجديد.
*كريمة المروزية: لقد عرف القرن الرابع للهجرة عددا كبيرا من النساء اللواتي يدرسن العلوم الإسلامية، وكان لهن طلبة لرجال من العلماء المميزين، وتعتبر كريمة المروزية إحداهن، فقد كانت خبيرة في صحيح البخاري وكان يحضر مجلسها العلمي بالمسجد الحرام بمكة عدد كبير من الرجال أمثال المؤرخ الخطيب البغدادي، وكانت تدعى “أم الكرام: نجيبة النجباء” في علمها بصحيح البخاري.
*نفيسة بنت الحسن المولودة بمكة سنة 145هـ، من أمها زينب بنت الحسن. نشأت بالمدينة حيث درست بها في شبابها في كبريات حلقات العلماء في عصرها، وفي حضن المسجد النبوي[13]، ودرست الحديث النبوي والفقه حتى لقبت “نفيسة العلم”.
3- في الميدان الاقتصادي
إن المرأة المسلمة حاضرة في الميدان الإقتصادي، حيث إنها تعمل مع زوجها أو تكد وحدها لتعيل أسرتها، وتقضي حاجاتها كما أنها كانت تتصدق وتفعل الخير من جهدها.
وبمسيرة الحياة تتعدد أوجه العمل والنشاط الإتصادي، وكما كان للمرأة في العهد الأول، فيحق لها اليوم أن تكون لها مشاركاتها وحضورها ونفعها وإفادتها في هذا الميدان، كما أن لها الحق في التمتع بحقوقها المالية كاملة فلها أن تكسب المال بالطرق المشروعة لها كما لها الحق في أن تبيع وتشتري وتوكل من ينوب عنها، أو تعمل مشروعا لكسب المال أو أن تكون عاملة في الإدارة أو المؤسسة في إطار أخلاقها ووقارها.
ومن اللافت للنظر أن بعض النساء من الصحابيات قد استُعْمِلْنَ في وظيفة الحسبة منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ذكر ابن عبد البر أن سمراء بنت نهيك الأسدية رضي الله عنها: “أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعُمِّرَتْ، وكانت تمرُّ في الأسواق، وتأمرُ بالمعروف، وتنهى عن المنكر و هناك مثال آخر على عمل المرأة في هذا الميدان وخاصة في ميدان الحسبة وهي:
الشفاء بنت عبد الله القرشية كانت من النساء القلائل اللواتي عرفن الكتابة والقراءة في الجاهلية وقد أوتيت عقلا راجحا وعلما نافعا، اشتهرت برقيتها للمسلمين المرضى ولم تكتف بهذا بل عزمت على تعليم النساء القراءة والكتابة فحق لها أن تكون أول معلمة في الإسلام. وقد ولاها عمر بن الخطاب من أمر السوق شيئا. كانت مهمتها أيضاً الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما يخص النساء، ومراقبة تعليم الصبيان على اعتبار أن تلك المهام من أعمال المحتسب في الإسلام.
في ميدان التصنيف
لقد اتخذت الكثير من النساء نسخ الكتب كحرفة لهن ولقد اختص بها عالمات جليلات، بل منهن من قد أشاد بهن علماء الأمة، على سبيل المثال شهادة ابن حبان القرطبي لعائشة بنت أحمد القرطبية التي قال عنها: “إنه لم يكن في زمانها من حرائر الأندلس من يعادلها علما وفهما وأدبا وعزا كانت تمدح الملوك حسنة الخط تكتب المصاحف والدفاتر وتجمع الكتب، وتعني بالعلم، ولها خزامة علم كبيرة”. توفيت سنة 400هـ.
كما أنهن قد اشتغلن بالتصنيف من أجل الحفظ أو التعلم ويوجد الكثير من النساء اللواتي عملن على كتابة الشعر أو في علوم الشريعة لكن مع الأسف فالمصادر قليلة جدا ومجحفة في حقهن، ومن المصنفات التي صرحت بهن المصادر أنهن صنفن كتبا هي عائشة بنت يوسف بن أحمد الباعونية.
المحور الرابع: النساء والوقف
1- وقف المال في بناء المساجد ودور العلم
تكمن أهمية الوقف السنوي في عدة جوانب منها أوامر القرآن والسنة التي لا تفرق بين النساء والرجال في البدل والعطاء والصدقات وكذا المشاركة في الحضارة، فللمرأة دور فعال جدا في بعض المجالات التي كالقضايا الأسرية ورعاية اليتامى والنساء الأرامل وقد جسد هذا الدور الفعال نساء السلف الصالح اللواتي تسابقن من أجل فعل الخيرات وتعمير الأرض بحيث أن المرأة ليست نصف المجتمع بل هي المجتمع كله، فإذا صلحت وعملت في تطوير حضارة شعبها فسيصلح سائر المجتمع.
وهناك الكثير من الإنجازات التي تحسب لها في مجال الوقف العلمي ويعتبر أقدم وقف نسائي في الغرب الإسلامي هو جامع القرويين في فاس الذي أصبح فيما بعد جامعا وجامعة وحيث تأكد المصادر التاريخية أن منشأة هذا الجامع هي فاطمة الفهرية بنت محمد عبد الله الفهري الذي توفي وترك لابنيته مريم وفاطمة ثروة هائلة أنفقتاها في وجوه الخير والبر والإحسان، حيث قدمتا من القيروان واستقرتا بفاس فنسب القرويين لفاطمة ونسب جامع الأندلس لمريم وقد شرع في بنائه سنة 245هـ.
وهناك وقف آخر لمريم بنت محمد الفهري التي أنشأت جامع الأندلس بفاس، وقد كان له دور تاريخي كبير في نشر الدين والعلم والحفاظ على الهوية الإسلامية وتقدم النهضة.
ووقف مسجد القرافة أحد المنشئات التي أسستها السيدة تغريد زوجة الخليفة المعز وأم العزيز بالله بني عام (366هـ – 976م) فهو يعد ثاني جامع أقامه الفاطميون في مصر بعد الجامع الأزهر.
كانت هذه بعض الأمثلة عن دور النساء وإسهامهن في مجال الوقف العلمي وأبرز إنجازاتهن هي المدارس بمختلف تخصصاتها ومستوياتها ودور العلم وملحقاتها كدور الطلبة، ومن بين هذه المدارس:
المدرسة الخاتونية البرانية بدمشق التي بنتها زمرد خاتون صفوة الملوك بنت الأمير جاولي الدمشقي روت الحديث وقامت بنسخ الكتب وحافظة لكتاب الله توفيت سنة (557هـ – 1162م)، كما بنت المسجد الكبير بصنعا.
ووقف المدرسة البشيرية والمدرسة المعتصمية في بغداد بنتهما زوجة الخليفة العباسي المستعصم.
فقد كان لهذه المدارس دورا كبيرا في الحفاظ على العلم ومواصلة النهضة، وتكمن مكانتها العلمية ودورها العظيم في أن كبار العلماء من مفسرين ومحدثين وفقهاء ومؤرخين جلسوا إلى التدريس بها.
2- وقف الكتب
وبالموازاة مع وقف المساجد والمدارس يأتي الحديث عن وقف المكتبات، وازدهرت المكتبات الخاصة والعامة منذ العصور الإسلامية الأولى كما أنها أسهمت في حركة النهضة ونشر العلم فقد كانت المرأة المسلمة سباقة إلى وقف المصاحف والكتب النفيسة والنافعة على طلاب العلم، ولقد لقي المصحف الشريف عناية كبيرة في أوقاف المسلمين من طرف الحكام والرعية عبر القرون وهناك مثال رائع على جارية قيراوانية فضل مولاة أبي أيوب التي خطت المصحف بجامع القيروان براعة باهرة وكتبته سنة 295هـ – 907م وكانت نمذجا رائعا لفعل الخير ونشر العلم عن طريق وقف الكتب.
كانت هذه بعض الأمثلة لنماذج مشرقة ومشرفة للنساء الخالدات وإسهامهن في بناء الحضارة عبر الوقف الذي كان عبارة عن كتب رمز النهضة العلمية والتقدم.
3- وقف المال على العلم
فقد وقفت النساء المحسنات الغنيات من أموالهن التي كانت متنوعة إما نقدا أو أغلال الزراعة ومنتوج الأرض من كل نوع والحوانيت والمزارع والبيوت.
المحور الخامس: الحق القانوني للمرأة
1- حقوق مدنية
إن حقوق المرأة المسلمة المدنية تفوق حقوق كل امرأة في مختلف القوانين والحضارات القديمة والمحدثة.
والمراد بالحقوق المدنية ما يشمل حق التملك والتدبر والتصرف وتكوين العلاقات في المسائل العامة وما إلى ذلك كله.
وقد تطور حال المرأة في التاريخ بالنسبة لهذه الناحية تطورا عديدا كان آخر أمره أن ظفرت المرأة بقسط من المساواة مع الرجل في كثير من جوانب الحياة.
2- كمال أهلية المرأة
فالمرأة في الإسلام مخاطبة مثلها مثل الرجل، حيث إنها قادرة على أن ترتفع لأعلى درجات السمو الروحي والقرب من الله، كما أنها قادرة أن تلعب أدوارا كبيرة في الحياة العامة مثلما يلعبها أخوها، فلقد حاول الإسلام أن يوزع المسؤولية بين الرجل والمرأة، ويخصص لكل واحد منهما ناحية من نواحي العمل الجدير به، إذ أنه لم يمنع المرأة من أي عمل تختاره لنفسها.
كما قد احتفظ الإسلام للمرأة قبل كل شيء بشخصيتها، فجعل اسمها بعد الزواج لا يتغير باسم زوجها، ولم يجعل الزواج علاقة بقضية التركات المالية أو غيرها مما تنبني عليه القوانين الوضعية حيث أعطاها حق التصرف فيما ملكته أو تملكه.