تواصل معنا

قصور العلم التجريبي : مشكلة الوعي الصعبة (مقالة)

الوصف

لا زلنا نستعرض معا عددا من أوجه القصور في العلم التجريبي أو المنهج التجريبي الذي يزعم الملحدون أنه هو (السبيل الوحيد) لإدراك ومعرفة كل شيء في الوجود والكون – وهذه المرة وكما وعدنا بالأمس : معنا واحدة من أكبر المعضلات أمام العلم التجريبي وهي ما يسمى بـ (مشكلة الوعي الصعبة) the hard problem of consciousness

مقالة

 

لا زلنا نستعرض معا عددا من أوجه القصور في العلم التجريبي أو المنهج التجريبي الذي يزعم الملحدون أنه هو (السبيل الوحيد) لإدراك ومعرفة كل شيء في الوجود والكون – وهذه المرة وكما وعدنا بالأمس : معنا واحدة من أكبر المعضلات أمام العلم التجريبي وهي ما يسمى بـ (مشكلة الوعي الصعبة) the hard problem of consciousness – فرغم ما يحاول الملاحدة وأصحاب المنهج المادي تقديمه لتفسير الكثير من الأشياء التي لا تخضع لأدوات العلم التجريبي (مثل محاولتهم تفسير الأحلام والرؤى التي تتحقق بسذاجة القول أنها نتاج ما يشغل حياة الإنسان في يومه أو أنها صدفة من بين صدف كثيرة – وسوف نخصص لها منشورا – ومثل محاولة تفسير التفكير بأنه عمليات كيميائية وفيزيائية وكهربية في المخ فقط) : إلا أنه يظل كلامهم في وادي وما يعرفه أصغر طفل من ضد ذلك في وادي آخر !! وهو ما ينتج لنا حالة جديدة من الشذوذ الفكري الإلحادي والمادي تكشف مدى دوغمائيتهم وعنادهم لمجرد العناد لا للعلم الذي يدعونه !!

مثال ….

ولعلنا هنا نحفز التفكير بمثال بسيط مفهوم من حياتنا الواقعية لتعلموا مدى الخلط الذي يفتعله الملاحدة والماديون للأسف للتمويه على الناس والبسطاء والعامة وغير المختصين – كلنا يعلم المراحل التي تتم بها أي عملية برمجة أو أوامر على الكمبيوتر أو الهاتف المحمول – حيث هناك (وعي وتفكير) من المصمم أو المستخدم لعمل أهداف معينة : ثم هناك (عمليات كهربية وفيزيائية وكيميائية) تجري تبعا لذلك في أسلاك الكمبيوتر أو الهاتف المحمول – فمثلا – نريد من الكمبيوتر إجراء رسمة معينة بأحد برامج الرسم – وبالفعل يصمم المصمم هذا البرنامج – ثم يبدع هو أو غيره من المستخدمين فيه ليخرج لنا بلوحة خلابة ومعبرة – والسؤال :

هل هناك أي عاقل يقول أن الذي أبدع اللوحة هو (التفاعلات) الكهربية والكيميائية والفيزيائية التي جرت داخل الكمبيوتر أو الهاتف المحمول ؟

بالطبع هذا لن يوصف بالعقل أبدا !!

بل سيضحك الناس عليه كما قلنا – بل أصغر طفل سيعرف بفطرته وبداهته خطأ ذلك وتدليسه !!

والآن :

الملاحدة وأصحاب المنهج المادي أو الفلسفة المادية : يزعمون مثل هذا التدليس بالضبط !! يزعمون أن عمليات التفكير ما هي إلا الإشارات التي تقع في المخ أو الدماغ : ولا يوجد ملكة اسمها (عقل) ولا يوجد شيء اسمه (نفس) ولا يوجد شيء اسمه (وعي ذاتي) !!

ورغم أن هذا الكلام لا يستحق حتى مجرد التعليق من الإنسان العادي (الذي يجب أن يثق في حدسه في مثل هذه المواضيع ولا يغتر بمصطلحاتهم وحشوهم لخداعه) : إلا أننا نحب هنا نقل اعترافين مهمين حول (مشكلة الوعي الصعبة) …

حيث تعجز أدولت العلم المادي (الذي لا يعترف إلا بالمادة فقط) على تفسير هذه الحالة الواعية داخل كل إنسان والتي تستمر معه طيلة حياته وفي كل موقف وفي كل لحظة لتشعره بـ (الأنا) الواعية والمتذوقة والمستشعرة لكل ما تلتقطه حواسه المادية فتعطي لها انطباعات معنوية من جمال وحب وكراهية أو تقزز – وكذلك هذه (الأنا) الواعية التي يلمس بها كل إنسان حدود الخيال والتفكير فيما يتخطى حدود المادة وواقعه المحسوس (إذ كيف لذرات المادة في المخ أو الدماغ أن تفكر في أشياء هي خارج منظومة المادة والمحسوس مثل المستقبل ومثل الجنة أو النار أو المواقف التخيلية التي لم تقع) وهكذا ….

1- الباحث دانيال بور Daniel Bor

يقول واصفا مدى معضلة هذه النتيجة على العلم التجريبي والمنهج المادي :

” هناك الكثير من المشاكل الصعبة في العالم، ولكن هناك مشكلة واحدة فقط تستحق أن تسمي نفسها بـ “المشكلة الصعبة”. تلك المشكلة هي مشكلة الوعي الصعبة: كيف لـ 1300 جراما من الخلايا العصبية أن يستحضر ذلك الخليط من الأحاسيس والأفكار والذكريات والمشاعر التي تشغلنا في كل لحظة من لحظات يقظتنا… المشكلة الصعبة لا تزال بدون حل ”

المصدر :

New Scientist: The Collection. The Big Questions. Vol I, Issue I, p. 51.

النص بالإنجليزية :

There are a lot of hard problems in the world, but only one gets to call itself ‘the hard problem’. That is the problem of consciousness—how 1300 grams or so of nerve cells conjures up the seamless kaleidoscope of sensations, thoughts, memories and emotions that occupy every waking moment… The hard problem remains unresolved

وأما النقل الآخر – فهو اعتراف من أحد المؤمنين بالمنهج المادي الإلحادي نفسه !!

2- البروفيسور كريستوف كوتش Christof Koch

حيث يقول :

” كيف يحوِّل الدماغ النشاط الكهروبيولوجي إلى حالات ذاتية، كيف تتحول الفوتونات المنعكسة من الماء بشكل سحري إلى بحيرة جبلية محسوسة طيفية اللون، فهذا لغز. طبيعة العلاقة بين النظام العصبي والوعي تبقى محيّرة وموضوع مناظرات ساخنة لا تنتهي… تفسير كيف يمكن لجزء من المادة المنظَّمة بشكلٍ عالٍ أن يحتوي على منظور داخلي قد حطَّم المنهج العلمي، والذي قد أثبت في مناطق أخرى كثيرة أنه مثمر جداً ”

المصدر :

Koch, C. (2012) Consciousness: Confessions of a Romantic Reductionist. Cambridge, Massachusetts: MIT Press, pp. 23-24.

النص بالإنجليزية :

How the brain converts bioelectrical activity into subjective states, how photons reflected off water are magically transformed into the percept of an iridescent aquamarine mountain tarn is a puzzle. The nature of the relationship between the nervous system and consciousness remains elusive and the subject of heated and interminable debates… Explaining how a highly organized piece of matter can possess an interior perspective has daunted the scientific method, which in so many other areas has proved immensely fruitful

وبالطبع هناك العديد من المحاولات التي يسعى المتصدرون للعلم التجريبي لإفرازها للعالم على أنها (قد حلت) هذه المشكلة – لكن على التحقيق نجد أنها كلها (ألاعيب) و (التفافات) على المشكلة نفسها لا أكثر ولا أقل – بل أكثرها يرتكب مغالطات منطقية صريحة مثل مغالطة (رجل القش) أي : أنه لا يستطيع الرد على سؤال أو مشكلة معينة : فيرد على سؤال آخر أو مشكلة أخرى ليست هي محل الخلاف أصلا !!

وذلك مثل الذين حاولوا تفسير الوعي كما رأينا منذ قليل بالتفاعلات الكيميائية والكهربية والفيزيائية داخل الدماغ

لن نطيل عليكم ونكتفي بهذا القدر – وموعدنا غدا مع مشكلة جديدة تبرز قصور العلم التجريبي ألا وهي : مشكلة الأحلام أو الرؤى التي تتحقق …

فتابعونا ….

ملحوظة :

تمت الاستفادة في هذه المادة من النسخة الإنجليزية والمترجمة من كتاب الداعية المسلم حمزة تزورتزس : الحقيقة الإلهية – الله – الإسلام – وسراب الإلحاد The Divine Reality – God, Islam & The Mirage of Atheism ترجمة مركز دلائل 1438هـ/2017م

 

المرفقات

التصنيفات العلمية

الأوسمة

أضف تعليقا