تواصل معنا

قصور العلم التجريبي 5 : العلم التجريبي قائم على ما لا يمكن تجربته أو رصده !! (مقالة)

الوصف

وعلى الرغم من أهمية كل نقطة من النقاط التي ذكرناها في الـ 4 لقاءات السابقة – إلا أن نقطة اليوم تعد ضربة في الصميم لكل مغرور بالعلم التجريبي ويريد أن يمثل للناس أنه السبيل (الوحيد) للمعرفة وأنه لا يؤمن إلا بكل ما يتم تجربته ورصده والتأكد منه تماما !!

مقالة


وعلى الرغم من أهمية كل نقطة من النقاط التي ذكرناها في الـ 4 لقاءات السابقة – إلا أن نقطة اليوم تعد ضربة في الصميم لكل مغرور بالعلم التجريبي ويريد أن يمثل للناس أنه السبيل (الوحيد) للمعرفة وأنه لا يؤمن إلا بكل ما يتم تجربته ورصده والتأكد منه تماما !!
إذ : لن نتحدث عن عشرات الأشياء (المفترضة) في العلم والتي لم يجربها أو يرصدها أحد وإنما (استدل) عليها العلماء بآثارها مثل جسيمات القوى الأربعة (القوية والضعيفة والكهرومغناطيسية والجاذبية) أو ما يستجد منها – ولا المادة السوداء ولا الطاقة المظلمة (سواء صحت أم لا) ولا الأوتار الفائقة ولا التناظر ولا الأكوان المتعددة إلخ – لا
بل سنقلب الطاولة على المغترين بالعلم التجريبي ومنهجه :
من داخل العلم التجريبي نفسه !!

وتعالوا نرى معا كيف يعتمد هذا العلم والمنهج على ما لا يمكن رصده ولا تجربته : قبل أن ينصبه الملاحدة والماديون حكما على كل شيء في الوجود ليرفضوا به غيبيات الدين !!

1-إعمال العقل

كلنا يعلم أن العلم والمنهج التجريبي له شقان – شق عملي (يستخدم الحواس) يتمثل في الرصد والمراقبة والتجريب – وشق عقلي (يستخدم مهارات العقل غير القابلة للقياس والتجريب) يتمثل في الاستدلال ووضع الفرضيات والاستنباط ثم التنبؤ والتعميم !!
فمثلا ….
هناك ظاهرة طبيعية ما : يعكف العالم على دراستها – فيقوم باستخدام حواسه أولا لرصدها – ثم عمل تجربة لها ومراقبتها لتسجيل البيانات – ثم يأتي جزء عقلي من وضع الفرضيات الممكنة لتفسير الظاهرة – والاستدلال – ثم اختبار الفرضيات المطروحة – ثم التنبء بالتفسير الذي اختاره ليرى هل سيقع في كل مرة أم لا (لأنه لو وقع كل مرة يعني صحته إلى الآن على الأقل كتفسير) – ثم بعد انتهاء كل ما سبق واجتيازه :يفترض تعميم النتيجة على كل مرة ستقع فيها هذه الظاهرة – وسنشير لذلك بتفصيل أكثر بعد قليل

2-البدهيات العقلية

الغريب هنا : أن كل حسابات العلماء واستبطاتهم قائمة على البدهيات العقلية التي أشرنا إليها من قبل كثيرا (وهي الأشياء المعلومة لكل إنسان عاقل بلا تلقين ولا تعليم وإنما بالفطرة ولا تحتاج إلى إثبات) فمثلا : معرفة أن 1+1=2 / معرفة أن 9 أكبر من 5 .. وهكذا .. فهذه البدهيات هي صحيحة في ذاتها ولا تحتاج إلى برهان بل : يستخدمها العلماء في معادلاتهم وقوانينهم وحساباتهم بدون الحاجة إلى برهنتها رياضيا !!

3- افتراض أن الكون موضوعي !!

وهو افتراض أساسي لدى كل عالم أو باحث يستخدم العلم أو المنهج التجريبي قبل أن يدخل معمله أن الكون موضوعي Objective !! أي : قابل للدراسة أصلا وقابل للفهم في الأساس !! وهذا افتراض عقلي سابق على أي تجربة : رغم أنه غير مدعوم بالحواس الخمس !! فالإنسان العاقل لن يعكف على كومة خردوات يرميها طفل بعشوائية لدراستها واستخراج نظام يحكمها !! لكنه يستخرج الأنظمة والقوانين من الأشياء المنظمة – وهذا ما يفترضه في الكون قبل دراسته لاستخراج عشرات القوانين منه !! فما الذي أكد له ذلك (تجريبيا) ؟؟ لا شيء

4- الافتراض الاستقرائي والتعميم

وهي النقطة التي قلنا من لحظات أننا سنتوسع فيها – وهي بعد انتهاء التجربة والخروج بالنتائج : فنجد أن العلماء والباحثين يفترضون أن هذه النتائج تصلح للتطبيق على كل الحالات المشابهة في الماضي والحاضر والمستقبل !! يفترضون انتظام سلوك الأشياء باطراد Consistency !! ويفترضون ثبات القوانين Persistency – ويفترضون فعالية العلاقات الرياضية Efficacy دوما للتعبير عن الحقائق والاستقراءات بالشكل الذي يتم فيه تعميم النتائج الواحدة علىى كل الحالات في نفس السياق رغم أنه لا يوجد بشر واحد يزعم أنه تمكن أو سيتمكن من (تجربة) هذه النتائج و (اختبارها) على كل الحالات في الوجود أو العالم أو الكون !!
الجميل هنا أن ذلك التعميم هو فطري ليس في الإنسان فقط : بل في الحيوان أيضا – فكل من الإنسان والحيوان إذا وقع في أذى في طريقه مرة واحدة : فإنه يتجنبه في كل مرة يرى نفس السياق فيها بعد ذلك : رغم أنه لم يجربه بنفسه بعد !!

5- عجز دائم من داخل النظام !!

إن الكلام عن دراسة نظام ما من خارجه : يختلف تماما عندما تتحدث عن دراسة نظام ما من داخله (أي وأنت نفسك جزء فيه) !! إذ مهما ستجتهد وتحقق من نجاحات : إلا أنه ستبقى الرؤيا الكاملة (ناقصة) دوما طالما كنت أنت جزء من النظام !! وهذا شيء أساسي في فلسفة العلم – لكن الملاحدة والماديون لا يحبون ذكره ولا حتى الاقتراب منه – وإنما يستمتعون بخيالاتهم المريضة التي يصورونها لعامة الناس والبسطاء للأسف والتي تصورهم في صورة الذين سيصلون إلى (الحقيقة المطلقة) يوما ما عن الوجود والكون !! وأن الإنسان سيصير (إله نفسه) والعياذ بالله من الخذلان !!
(
أنسنة الإله وتأليه الإنسان) !!
وعلى رأس أولئك كل من يتمتم بنظرية (كل شيء) – وعلى رأس هؤلاء كل من اشتهر إعلاميا وهو في الحقيقة يدس سموم الإلحاد في رؤوس متابعيه والمخدوعين فيه بمثل هذا الكلام المعسول مثل نيل ديغراس تايسون وميتشيو كاكو وغيرهم
وها هو عالم الفيزياء الألماني الشهير ماكس بلانك Max Planck أحد الفائزين بجائزة نوبل في الفيزياء 1918م ومن مؤسسي نظرية الكم يقول في كتابه (إلى أين يذهب العلم :
العِلم الطبيعي لا يستطيع حل اللغز المُطلق للطبيعة – وذلك لأنه في التحليل الأخير نكون نحن أنفسنا جزء مِن الطبيعة – وبالتالي جزء من اللغز الذي نحاول حله
المصدر :
Max Planck. (1932). Where is Science Going? New York, NY: W. W. Norton & Company, Inc
النص بالإنجليزية :
Science cannot solve the ultimate mystery of nature. And that is because, in the last analysis, we ourselves are part of nature and therefore part of the mystery that we are trying to solve.

ولعل بعض المطلعين على غرائب عالم الكم (دراسة العالم على مستوى الجسيمات المكونة للذرة والأصغر من الذرة) يعرف مدى الأعاجيب التي تواجهنا (كراصد) في هذا العالم – أو بما يمكن تسميته : تغير النتيجة حسب الرصد !!
فمثلا في تجربة الشق المزدوج الشهيرة : تتصرف أصغر مكونات المادة كجسيم إذا تم النظر إليها ورصدها – وعندما لا يتم النظر إليها تحديدا تتصرف كموجات !!
وهذه معضلة كبيرة
فهناك حدود لقدراتنا الرصدية : وربما بعدها يكون لأجسامنا وفوتونات الضوء المنبعثة منا أو من أجهزتنا تأثير على جسيمات المادة التي نريد دراستها نفسها (مثال مبدأ عدم اليقين لهايزنبرج في استحالة قياس قيمتين للجسيمات بدقة مطلقة معا) والسؤال :
كيف يتوقع أحد الوصول إلى (الحقيقة الكاملة) والحالة هكذا ؟!
إذن : للعلم التجريبي حدود
بل : وهو نفسه قائم على أشياء لا يمكن تجربتها ولا رصدها
فليعرف الملاحدة والماديون قدرهم
ولنتابع نحن كشف حقيقة الإلحاد
فتابعونا

 

المرفقات

التصنيفات العلمية

الأوسمة

أضف تعليقا